خلال عشر سنوات اتسمت آلية المساعدات الأممية بالاضطراب والفساد والتواطؤ

 

تقرير / إبراهيم الوادعي

مالم يكن متوقعاً أن تصبح المنظمة الدولية المعنية بتحقيق السلام في العالم جزءا من الحرب المتوقعة على اليمن، وباكراً بدأت الأمم المتحدة بمد أسنة الرماح للجولة المرتقبة بين اليمن والكيان الإسرائيلي على خلفية الإسناد اليمني لغزة، وقبل أن تبدأ جولة القتال فعلياً ساعد موظفوها في اغتيال قيادات سياسية وعسكرية يمنية، وبالأمس أوقفت منظمات أممية مساعدات إنسانية حيوية وكبيرة تمس حياة ملايين اليمنيين لخلق مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على القيادة اليمنية.

.

نداءات الأمم المتحدة بفصل وتحييد العمل الإنساني في غزة عن المسار السياسي والعسكري ، لا تلقى أذناً صاغية من المنظمة نفسها قبل الآخرين في اليمن ، وذلك انفصام في شخصية الأمم المتحدة يظهر للمرة الأولى بوضوح، أو ربما لم يتنبه العالم إليه خلال عشر سنوات من الأداء الأممي المضطرب وغير المفهوم أحيانا في ظل العدوان السعودي الأمريكي 2015م – 2025م.

أبقت الأمم المتحدة في تعاملها مع اليمن على الوضع تحت الحرب إذ ووفقاً للقانون الدولي، التهدئة المتفق عليها في ال02 من ابريل 2022م، لم تنه الحرب رسمياً وفقاً للأطراف ووفقاً لقواعد القانون الدولي، بل مضت الحرب بأشكال أخرى اقتصادية وسياسية مارستها الرياض ضد صنعاء، كما أن استمرار الحصار الذي يلقي بكاهله على 80% من السكان في المناطق المحررة تحت سيطرة حكومة صنعاء يبقي تداعيات العدوان الذي بدأ في ال27 من مارس قائماً، بل وأكبر من قبل.

الأسبوع الماضي أعلنت منظمات أممية الصحة العالمية واليونيسف للطفولة واليونبس وقف أكبر مشروع مساعدات أممية للقطاع الصحي في اليمن ، يتولى هذا المشروع بقيمة تصل ل150 مليون دولار، إمداد ثلثي القطاع الصحي في المناطق المحررة إمداد مستشفيات ومراكز ووحدات صحية باحتياجاتها من الوقود والأكسجين ورواتب عدد كبير من العاملين الصحييين ، والتغذية العلاجية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وسوء التغذية الحاد.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية التي تولت إبلاغ حكومة صنعاء بالأمر فإن الإيقاف سيقتصر فقط على المناطق الشمالية البالغ حصتها من المشروع 90 مليون دولار تقريبا ، وسيتم من خلاله وقف الوقود والأكسجين والتغذية العلاجية للأطفال عن نحو ألفي مركز ووحدة صحية ، و72 مستشفى دفعة واحدة وبشكل مفاجئ ، بالإضافة إلى وقف رواتب مقدمه لنحو 10 الاف عامل وقد تم إيقافها بالفعل بعد أن كان مقرراً صرفها الأسبوع قبل الماضي.

وقف الدعم الأممي المقدم لهذا العدد من المستشفيات والمراكز الصحية دفعة واحدة وبشكل مفاجئ يعد كارثة بالنسبة لأي طرف ، وهو ما تعمدته الأمم المتحدة لدواع سياسية ، إذاً قالت الصحة العالمية في مذكرتها أن الإيقاف يأتي على خلفية التطورات الأمنية.

التطورات الأمنية كذبة اخترعتها الأمم المتحدة لمحاولة إنقاذ جواسيس الموساد ممن تورطوا في اغتيال الحكومة في صنعاء، وتورط موظفون فيها بتهريب أجهزة استخبارية للتنصت خارج موافقة الأمم المتحدة أو معرفة سلطات صنعاء، قبل أن يجري كشفها في الحملات الأمنية الأخيرة، بعد أن ظهر أن منظمات أممية تحولت إلى وكر لعملاء الموساد .

ومع أن المفترض أن تذهب الأمم المتحدة إلى ملاقاة صنعاء في استعراض الأدلة الفنية، ناهيك عن اعترافات المقبوض عليهم بالتورط في عمليات تجسس وعمليات أمنية، وتطهير مكاتبها ومنظماتها ممن يسيئون إلى العمل الأممي والإنساني، ذهبت إلى التموضع في محور الحرب على صنعاء.

تمحور الأمم المتحدة إلى جانب « إسرائيل « في الجولة المقبلة من المواجهة ومنذ الآن مستغرب، فالأخيرة لاقت من الإهانات « الإسرائيلية « الكثير في غزة وقتل من موظفيها الكثيرين ، وضربت بكل مناشداتها ومطالبها هناك عرض الحائط ، ناهيك عن الإهانات التي وجهتها « إسرائيل « للأمم المتحدة هنا في اليمن.

ففي ديسمبر 2024 قصفت الطائرات الإسرائيلية مطار صنعاء لحظة تواجد ممثل للأمين العام للأمم المتحدة ووفد أممي كان يختتم زيارة معلنة لصنعاء وأبلغ التحالف بموعد مغادرته ، ما أدى إلى صابة طيار أممي واستشهاد عاملين بالمطار ، وجرى إخلاء المسؤول والوفد الأممي تحت القصف ، ووفقا لمسؤول محلي تأخر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في صالة تشريفات المطار وإلا لكان بين الضحايا، حيث استهدف القصف بشكل مباشر جوار الطائرة الأممية..

وللمفارقة، فالقرار الأممي بتوجيه ضربة للقطاع الصحي يأتي بالتزامن مع إعلان العدو الإسرائيلي أن الحرب مع اليمن لم تنته – تصريحات لنتنياهو ووزير حربه كاتس – عن جولة تصعيد يحضر لها العدو الإسرائيلي ضد اليمن على خلفية مساندته لغزة ، وهو الفعل المتسق مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي وتخلت عنه دول العالم خوفاً من أمريكا ولكون إسرائيل خارج إطار المحاسبة فعلياً..

وبهذا القرار تكون الأمم المتحدة قد مضت في ذات الخط الإسرائيلي المتبع في غزة، وهو المس بالناس لتحقيق أهداف سياسية أياً كانت اخراج العملاء المقبوض عليهم في اغتيال الحكومة أو إجبار صنعاء على تغيير موقفها السياسي.

الانخراط الأممي في الجهود الغربية لتغيير موقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة وإيقاف المساندة للشعب الفلسطيني ، ليست قريبة ، بل بدأت مع تأكد الغرب أن صنعاء لن تعدل في موقفها وتوقف عمليات قصف العدو الإسرائيلي وإسناد غزة ..

في ابريل 2025م أعلن برنامج الأغذية العالمي إيقاف دعمه لعلاج حالات سوء التغذية متوسط الحدة في مناطق شمال اليمن الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء تحت مبرر نقص التمويل ، وفي سبتمبر 2025م اعلن وقف جميع عمليات الحيوية شمال اليمن ،سبق ذلك في فبراير 2025م وقف مشروع المساعدة للقطاع الصحي في محافظة صعدة ، والآن جرى إيقافه في مناطق شمال اليمن بكلها

فمع بداية عمليات الإسناد اليمني أوقف برنامج الغذاء العالمي جلَّ عملياته والمساعدات الغذائية التي كان يقدمها في اليمن، وخلال العام الأخير من حرب غزة أوقف منظمات أممية المساعدات الغذائية والصحية المقدمة لمحافظة صعدة ، وهي خطوة لم تكن بريئة في بعدها السياسي أو على صعيد إثارة النعرات المناطقية في الداخل اليمني، وإلقاء اللوم على طرف سياسي بعينه مع قطع الغذاء والمساعدة عن ملايين من السكان ، يقبعون تحت حصار مستمر منذ 2015م ، وتعاظمت تأثيرات مع كل عام يمر ونفاد المدخرات.

التعاطي الأممي في اليمن على مدى عشر سنوات لم يكن نظيفاً أو مشرفاً أقله، تكفي الإشارة إلى أن الأمم المتحدة التي كانت ضامناً لحل مشكلة العملة بين صنعاء و» حكومة المرتزقة « تنصلت على الإيفاء بالتزاماتها، ما أدى إلى استيلاء المرتزقة على مليارات من الأموال جرى طبعها في بداية العدوان السعودي الأمريكي في روسيا، وفي 2016 م أخرج الأمين العام السابق كوفي أنان السعودية من قائمة قاتلي الأطفال ، رغم توثيق منظمات وتقارير أممية مقتل مئات الأطفال اليمنيين آنذاك بالغارات السعودية ، والقائمة تمتد إلى الأغذية والأدوية المنتهية ، والابتعاد عن الاحتياجات الماسة لبلد تحت الحصار ، واستنزاف أموال المساعدات بشكل مهول ، والفساد الذي اعتراى آلية العمل الإنساني في اليمن خلال 10 سنوات ..

الانخراط الأممي في الحرب إلى جانب « إسرائيل « لن يكون بعيداً عن الأنظار والرصد ، فالبلد الذي كان مغموراً بالأمس، حين شنت أغنى الدول في العالم مالاً وتكنولوجيا عدواناً عليه، أصبح محور اهتمام العالم وسقطات الأمم المتحدة ستكون تحت الضوء ومفضوحة ..

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الأمم المتحدة منظمات أممیة فی الیمن

إقرأ أيضاً:

لن يقاتل السودان وحده فسنة الله فى الناس التدافع؛ فحربه مقدسة وانتصاره حتمي

ما بعد الفاشر
الحرب فى السودان وبعد معركة الفاشر وتدخل حفتر وتشاد وكثافة اعداد المرتزقة والدعم الاماراتي والإسرائيلي غير المحدود ؛ اعاد تعريف الحرب بوصفها حرب اقليمية ونقلها إلى مربع جديد؛ فهي حرب اقليمية تفرض نفسها على أطراف اقليمية وازنة وتجبرها على التدخل لاعتبارات تخص أمنها القومي فى المقام الأول .

فمصر ستجد نفسها مضطرة للتدخل لحماية أمنها القومي؛ إذ يكفيها إسرائيل واحدة على حدودها الشرقية وليس إسرائيل ثانية فى خاصرتها الغربية؛ وكذلك ستدخل تركيا لحماية نفوذها فى ليبيا ومصالحها فى أفريقيا وبوابتها فى السودان ؛ وربما ينطبق الأمر على المملكة السعودية؛ وهو تحول فى المواقف تزداد مؤشراته كل يوم؛ فقد انتهي توصيف الحرب على أنها حرب جنرالين أو حرب الإسلاميين أو حتى انها حرب أهلية.

ما لم تتوقعه الإمارات هو فظاعة الجنجويد (نصلها المسموم)؛ والجرائم التى ارتكبوها فى الفاشر؛ وكذا ردة الفعل الدولية من قبل الراي العام العالمي على جرائم الجنجويد الوحشية؛ لتجد نفسها ولأول مرة فى (تاريخها القصير) ؛ (وجهلها المركب)؛ يتم النظر إليها كدولة منبوذة راعية للإرهاب وللجماعات المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

الإمارات حاولت عبر الرباعية توظيف معركة الفاشر لصالح مشروع هدنة يكرس لمسار التقسيم ويرسم حدود التقسيم على الأرض باعتبار موازين القوة ما بعد معركة الفاشر؛ ولكن رفض فكرة الهدنة من قبل الحكومة السودانية اطاح مؤقتا بمسار التقسيم ؛ ومع إعلان التعبئة والاستنفار وتوحد الشعب خلف القوات المسلحة فان ذلك حسم خيارات السودان؛ وانه سيخوض حرب بقائه المقدسة.

السودان سيجد نفسه صريحا إزاء إعلان تحالفاته المشرقية؛ وهي التي كان مترددا نحوها؛ وصريحا بركن الرباعية؛ فما الرباعية إلا الغطاء الدولي لمشروع تقسيم السودان برعاية أمريكية؛ تماما كما رعت نيفاشا من قبل.

على عرب دارفور الذين ناصروا التمرد الإسراع فى رفع ايديهم عنه؛ فهو مهلكة لهم؛ ولا شك؛ ثم انه لا مجال امام قيام دويلة لهم فى جنوب وشرق دارفور؛ باعتبار انحياز شمال ووسط وغرب دارفور للسودان الموحد؛ فهذه الحرب – وقد تكشفت ابعادها- ليست حربهم وليس لها علاقة ببرغاندا المركز والهامش؛ وعليهم إلا يكونوا أداة جاهلة قى يد الصهيونية العالمية لتقسيم بلادهم.

لن يقاتل السودان وحده فسنة الله فى الناس التدافع؛ فحربه مقدسة وانتصاره حتمي ووحدته واجبه ؛ والحق منتصر .. وعلى الباغي تدور الدوائر.

محمد مجذوب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تنتقد القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات لغزة وتدعو لرفعها
  • لن يقاتل السودان وحده فسنة الله فى الناس التدافع؛ فحربه مقدسة وانتصاره حتمي
  • الخارجية: تحقيق السلام يتطلب وقف الإجراءات العدائية وإنهاء التواجد الأجنبي في اليمن
  • قراءة إسرائيلية في تناقض مواقف ترامب ونتنياهو من مستقبل الحرب في غزة
  • «يونيسف»: أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد
  • الحكومة تدعو المبعوث الأممي للكف عن تجميل الوجه القبيح للحوثي
  • الخارجية ترحب بالمساعي الأخيرة للأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن
  • معهد أمريكي: المؤسسات الأممية تشرعن للحوثيين وتعزز قبضتهم على اليمن (ترجمة خاصة)
  • منظمات تحذر: مساعدات غزة لا تكفي والجوع يشتد مع اقتراب الشتاء