النظم لا تستورد:
من العجب أن اختيار الحاكم لم نعرفه تراثيا من الديمقراطية الغربية أو من فلسفاتها، بل الديمقراطية لم تك عند أرسطو وأفلاطون مفضلة وفي أثينا محددة مغلفة، لكننا عرفناها بوثيقة تعادل دستورا سُميت وثيقة المدينة، وعرفناها باختيار الحاكم بأساليب متعددة، حتى الطفل يسأل مما يعني أن الآليات مفتوحة، وعرفناها عندما يقاطع أعرابي أمير المؤمنين ويقول لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، وعرفناها عندما يقول أمير المؤمنين "والله إني لأجهلكم" و"أخطأ عمر وأصابت امرأة"، وعرفنا معنى أن يكون المرء ولي الناس في أمورهم عندما يكنس أمير المؤمنين علي بيت المال.
هذا حكم الشعب بان يختار حاكمه ويحاسبه ويقيله إن فشل، أمين حريص كذلك هي صفة كل من في الحكم، لكن هذا الحكم يحتاج رسوخا، وأكثر من غريزة التدين ليستمر، يحتاج زمن الطابعات والإنترنت والتواصل الاجتماعي، وإلى محاضرات والسعي لإيجاد النموذج الذي يبنى بشكل صحيح، وليس بتصور الناس نسخة واحدة أو رأي واحد أو ملابس واحدة، بل السعي لأن لا يكون هنالك أي أذى أو خدش للأهلية. الإنسان حر بمعنى أنه ليس عبدا لغير الله، لكن هنالك مجتمع يتوجب حمايته، من هنا كانت وستكون القوانين التي يتفق عليها الشعب لحمايته، فإن تحمل فكرا مخالفا فلا يعني أن تسفّه أفكار الناس، أو أن تحتقر أي إنسان كرمه الله، فتلك إهانة للبشرية. الكل يتوحد للعمل والإنجاز، والأفكار يتبناها الأشخاص ومنظمات حزبية أو مجتمع مدني تشجع منها ما تعمل لصالح المجتمع وتوقف منها ما يضر المجتمع باقتراع المجتمع.
تأثير المظهر:
المجتمع في الغرب وبمعاييره بُني عبر مئات السنين في رحلة ولدت مع ما سمي بعصر النهضة وانطلاق الفنون والصناعات، إلى أن تكاتفت القوانين وبُنيت المنظمات، فالنظام الرأسمالي نظام قاس لا أخلاقي لكنه يراعي بيئته من أجل الاستقرار والهدوء، فلا مدنية في اضطرابات، والديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان وحتى حقوق الحيوان وحماية الطفل والمرأة والعنف الأسري، هي كلها آليات وقوانين تحافظ على بيئة راس المال، أما استيراد الديمقراطية بلا تراثها فهي ليست تجربة ديمقراطية، لأن التجربة وسيلة العلم في قياس والحكم على صحة ودقة وتحسين ما يطرح. فالديمقراطية في أمريكا تجربة، والديمقراطية في بريطانيا نظرية ثابتة، والديمقراطية في أوروبا ما زالت تتطور، أما الديمقراطية في الشرق كله فهي وإعطاء الاستبداد والظلم شرعية وتغليفه بأعراف سمجة، فالقوانين عشوائية لم تُبن على حقائق ومعطيات علمية، وتكون سلاحا بيد الحاكم والظالم وليس لتعطي حقوقا مغبونة، فهي شكلا وليست فعلا، نعم الناس بإمكانهم هجاء بوتين لكن بوتين بإمكانه سجن أي شخص بلا تردد وبالقانون.
المشكلة في الشخصية:
الشخصية هي البنية العقلية وما تؤمن به وكيف تفكر، والنفسية هي المشاعر ومدى سلطة الغريزة على القرار وعمق الإيمان بالقيم وتجذرها في العقلية ينعكس على إدارة الغرائز، فعندما تحكم الغرائز سلوك الإنسان حتى لو كانت معرفته الدينية عالية فإنها توصله إلى الإسلام مثلا وليس الإيمان، ويملك بيده القانون فلا يبقى من يحاسبه إلا الله. لكن في الدنيا القانون يردع عندما تسول الغرائز للنفوس فتسول لذاتها الخطأ ثم الجريمة ثم الطغيان والفساد.
وتأتي الفتاوى التي تركن إليها النفوس في العفو لتبرر، فإن هؤلاء القوم مثل غيرهم من الفاسدين عندما يسيطرون ويتمكنون من السلطة والقانون، بل هنالك من يعلم أن مصيره بالغ السوء فيصل مرحلة إبليس عندما تحول شيطانا، وبعضهم لا يعرف مما يزعم إلا ظنا فتقاذفه الغرائز ليكون مجرما صريح الإجرام. وهذه أمور ليست خافية في علم الاجتماع، ولكن وصفنا لها حلها من العموم إلى الخصوص؛ في عصرنا الحالي يصبح بناء النظم أكثر إلحاحا ولا نستورد ديمقراطية جاهزة، بل نستلهم تراثنا لنبني آليات تحاسب الغرائز قبل الطغيان.. الشعب يقترع، يحاسب، يقيل، والقانون سلاح للحق لا للظلم، هكذا نرسخ الحرية دون عبودية، والوحدة دون إقصاء، لمجتمع يزدهر بالإنجاز لا بالفساد.
الازدواج
لقد صدرت الديمقراطية مع الفساد في بيئتنا، ولم تك مخالفة النظم المرورية إلا عن جهل، ولم تك السرقة والاختلاس إلا عار تتناقله الأجيال، لكن أتى أناس تحللوا من قيود قوانين تردعهم فانطلقوا في عبث فيمرضون ثم يتركون المرض حيث كان، ليتوجوه بفساد بات للأسف مقبولا ومتعارفا عليه، ولم يعد الفاسد خجِلا، ولم يعد الناس يأنفون أن يأخذوا من مال كانوا يسمونه حراما، أو أن هنالك شيئا يهم أكثر من المزايدات وكلام بلا آليات، ولم يعد مهمّا ما يعد النائب فهو يدرك كما الناس يدركون أن لا تحقيق للوعود ولا الادعاءات وأنه لن يفيد إلا نفسه وربما حتى يتخلى عمن أوصله ليكون دونكيشوت جديد.
ليس من ثقافتنا أن يرشح الإنسان نفسه لتصدر عمل بل يرشحه آخرون، فهذا كان يعتبر "عيبا" عرفا. الغرب عندما يرشح شخصا فهنالك حزب يتبنى برنامجه ويرشحه لتنفيذ الوعود التي ينتخب من أجلها وليس من أجله، أما عندنا فلا رؤية لحزب ولا برنامج لأشخاص، لذا ترى أن القناعة وصلت إلى أن تعرض الصور فارغة بلا أي شيء، في نقلة صريحة أن لا وعود مكتوبة ولا شيء سيتغير.
كيف يتغير الناس بهذه الصيغة وتذهب قواعد مدنية باتت من التقاليد، هذا لأنهم لا يحملون فكرا حقا وأبدلوا القراءة بالاكتفاء بفساد الجهل، وتمكن الجهلاء والمغامرون وأصبح العظماء غرباء بين أهلهم، وتبقى مطاولة الناس بالتزامهم قدر عيشهم، وفي الصحراء قد يصبح ماء صبار البرميل بروعة الينبوع الأزرق (Blue Spring) في نيوزيلندا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الديمقراطية الفساد جهل الانسان فساد ديمقراطية جهل مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدیمقراطیة فی
إقرأ أيضاً: