جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-10@17:36:21 GMT

التعليم المدمج

تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT

التعليم المدمج

 

 

 

أمل بنت سيف الحميدية **

يُشير مصطلح التعليم المدمج إلى نمط تعلّم يجمع بين الحضور الوجاهي والتعلّم عبر التقنيات الرقمية، بحيث يستفيد الطالب من مُميزات التفاعل داخل الصف ومن مرونة التعلم عن بُعد في آنٍ معًا.

وقد برزت أهميته مع التحولات التي شهدتها الأنظمة التعليمية عالميًا إبّان الجائحة، ثم استقرّ كخيار إستراتيجي لتحسين جودة التعليم وتوسيع فرص الوصول وتقليص الفاقد التعليمي.

وتؤكد تقارير المنظمات الدولية أنّ الدمج المدروس للتقنية ينبغي أن يخدم أهداف التعليم الكبرى في الإنصاف والجودة والكفاءة، لا أن يكون غاية بحد ذاته وذلك بحسب دراسة صدرت عام 2021 عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تشكيل التعليم الرقمي وسياسات التحول في المدارس.

أما منظمة اليونسكو فقد أشارت في دراستها المعنونة "أطر وسياسات التعليم المدمج وبناء المنظومات" والتي نُشرت في عام 2021، إلى أن التعليم المدمج هو تصميم تعليمي يقوم على توزيع الخبرات بين أنشطة صفية مباشرة وأنشطة رقمية متزامنة أو غير متزامنة، مع إعادة هندسة المنهج وطرق التقويم بحيث تتكامل البيئتان دون تكرار أو فجوات. ومن مزاياه إتاحة التعلّم المتمركز حول الطالب، وتخصيص المسارات بحسب الاحتياجات، وتكثيف التغذية الراجعة، وتوفير بيانات دقيقة عن الأداء تساعد المعلّم على التدخل في الوقت المناسب. وتوضح أدلة اليونسكو وأطرها أن نجاح هذا النمط يتطلب بيئات تعلم مرنة، وسياسات للمحتوى المفتوح، وتخطيطًا للتطوير المهني للمعلمين وبناءً للقدرات المؤسسية. كما تقدم اليونسكو أطرًا عملية لتقييم جاهزية المؤسسات وتطوير منظومات للتعلّم المدمج، خصوصًا في التعليم العالي.

وفي السياق الدولي، يتضح أن أنظمة التعليم التي استثمرت في البنية الرقمية والتكوين المهني للمعلمين استطاعت تحويل الدروس المستفادة من الطوارئ إلى نماذج مستدامة. وإشارة إلى تقرير البنك الدولي "دروس التعلم عن بُعد ومبادئ لإعادة البناء" في 2022، فقد وثّق دروس التعلم عن بُعد خلال الجائحة وقدّم مبادئ لإعادة التخيّل نحو تعليم مدمج ذكي يوازن بين الوصول والجودة، بينما رصدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سياسات للتحول الرقمي في المدارس تركز على البنى التحتية والكفايات الرقمية والابتكار التربوي. يؤدي ذلك لمساعدة صانعي القرار إلى الانتقال من استجابة ظرفية إلى استراتيجيات بعيدة المدى.

وفي سلطنة عُمان، اتجهت وزارة التربية والتعليم إلى اعتماد التعليم المدمج في العام الدراسي 2020/2021، مع إطلاق منصات رقمية مساندة وربطها بالبوابة التعليمية وتهيئة المدارس وفق معايير السلامة الصحية، ثم مواصلة العمل بهذا النموذج بصورة مرنة بحسب المعطيات الوبائية. كما أعيد فتح المدارس مع تبنّي الدوام المدمج وتقنينه في بعض المراحل، وأُتِيح للصفوف الأولى نمط مدمج بينما عادت صفوف أخرى إلى التعلّم الحضوري الكامل، بما يعكس إدارة تدريجية للعودة. وإلى جانب ذلك، وفّرت الوزارة محتوى وتدريبًا للكوادر، بما في ذلك تفعيل الفصول الافتراضية وتوسيع استخدام أدوات إدارة التعلُّم.

وتتجلى فوائد التعليم المدمج لطلبة ومعلمي سلطنة عُمان في تحسين دافعية التعلّم عبر التخصيص وإتاحة التعلم الذاتي، وتوسيع الوصول للمتعلمين في المناطق البعيدة، وترشيد زمن الحصة الصفية لصالح أنشطة أعمق، وتكثيف التقييم التكويني المدعوم بالبيانات.

دوليًا، تُبرز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة اليونسكو أن توظيف التقنية في التعلم المدمج يمكن أن يرفع الفاعلية التعليمية عبر التكييف مع الفروق الفردية، ويدعم مهارات القرن الحادي والعشرين كالاستقلالية والتعاون الرقمي، شريطة وجود إطار سياسات يضمن الجودة والإنصاف. كما تقدّم تقارير البنك الدولي «مبادئ للغد» تستند إلى ما عمل وأثبت فعاليته، مثل المزج بين البث والإذاعة ومنصات التعلم والمواد المطبوعة لسد الفجوة الرقمية.

ومع ذلك، يواجه التعليم المدمج في سلطنة عُمان تحديات موضوعية؛ أبرزها تفاوت النفاذ إلى الإنترنت والأجهزة في بعض البيئات المنزلية، وعبء بناء محتوى رقمي تفاعلي متوافق مع المنهج، والحاجة إلى تدريب مستمر للمعلمين على التصميم التعليمي الرقمي وتنوع أساليب التقويم، إضافة إلى ضرورة مواءمة الجداول المدرسية واللوائح لتدعم المرونة دون الإخلال بالمعايير. وتبين تقارير دولية بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن معظم الإستراتيجيات الرقمية ركزت بدايةً على البنية والمهارات، بينما ما زالت قضايا الحوكمة والبيانات وأخلاقيات التقنية والتقييم الرقمي المتقدم بحاجة إلى تعميق. بالنسبة للسياق العُماني، وتشير تقارير الأداء الدولية مثل "بيرلز" إلى اعتماد نظم تناوب وحلول مدمجة خلال الجائحة في الصفوف العليا، ما يستدعي استمرار برامج التعافي ومعالجة الفاقد التعليمي عبر توظيف المزيج الأنسب من الأنشطة الصفية والرقمية.

وبناءً عليه، فإن التعليم المدمج لم يعد حلًا ظرفيًا؛ بل خيارًا استراتيجيًا لتجويد التعلّم وتوسيعه في سلطنة عُمان. توصي هذه المقالة بتثبيت إطار وطني للتعلّم المدمج يحدد النماذج التربوية وآليات الاعتماد والجودة؛ وتوسيع البنية التحتية الرقمية المدرسية والمنزلية مع برامج دعم للأسر؛ وتطوير محتوى رقمي تفاعلي مفتوح يراعي الخصوصية الثقافية واللغوية؛ وبناء مسارات تدريب مستدامة للمعلمين في التصميم التعليمي، والتقويم التكويني، واستخدام البيانات؛ وتعزيز شراكات مع الجامعات والقطاع الخاص لتطوير منصات آمنة قابلة للتوسّع؛ وأخيرًا، إجراء تقييمات دورية للأثر لضبط السياسات.

** باحثة تربوية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان من سان دييغو: الجامعات هي خط الدفاع الأول عن الحرية ومقاومة الاستبداد وتحذر من استهداف التعلم العالي

  

أكدت الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، على الدور الحيوي للجامعات في حماية الحرية وبناء المجتمعات المزدهرة، داعيةً الطلاب والأكاديميين حول العالم إلى الدفاع عن التعليم العالي كخط دفاع أول ضد الاستبداد والظلم.

جاء ذلك في كلمتها خلال مؤتمر المجلس الوطني لبرامج الشرف الجامعية (NCHC) 2025 في مدينة سان دييغو، الذي يُعقد بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيسه، وبحضور أكثر من 1500 أكاديمي وقيادي جامعي من مختلف أنحاء العالم.

وقالت كرمان في خطابها: "أنا جئت إليكم من الجنوب العالمي، من اليمن، حيث بدأت رحلتي كامرأة متعلمة وصحفية، قادت احتجاجات سلمية ضد النظام الاستبدادي بين 2006 و2011. ولولا شجاعة طلاب الجامعات لما استطعنا إسقاط الديكتاتورية".

وأضافت أن الجامعات لا تقتصر مهمتها على التعليم الأكاديمي، بل هي "مصانع للوعي والضمير، وبيوت للحريات، ومؤسسات تُخرج مواطنين قادرين على التفكير والنقد والمساءلة".

وحذرت كرمان من حملة عالمية ممنهجة تستهدف التعليم العالي، تشنها "الأنظمة الاستبدادية والمتطرفون والشركات الجشعة"، تهدف إلى تقييد الحريات الأكاديمية، ومراقبة البحوث، وتقييد النشاط الطلابي، وتشويه سمعة العلماء، مؤكدة أن هذه الهجمات تشكل "معركة وجودية بين المعرفة والجهل، والحرية والاستبداد".

وتطرقت الناشطة اليمنية إلى الأمثلة العملية لاستهداف الجامعات في مناطق النزاع، مشيرة إلى غزة والسودان وأوكرانيا واليمن، حيث تُدمّر المدارس والمكتبات ويُستهدف الطلاب والأساتذة، مؤكدة أن التعليم "هو خط الدفاع الأول عن الكرامة الإنسانية".

وجاءت كلمة كرمان لتسلط الضوء على أهمية استقلال الجامعات والحرية الأكاديمية، داعيةً قادة الجامعات وأعضاء هيئة التدريس إلى حماية مؤسساتهم من الضغوط السياسية والاقتصادية، وتشجيع الحوار والاختلاف، وعدم السماح بتحويل الجامعات إلى أدوات قمع أو دعاية.

ووجهت كرمان رسالة مباشرة إلى الطلاب المشاركين في برامج الشرف الجامعية، قائلة: "الشرف ليس لقبًا، بل مسؤولية؛ شجاعة في التساؤل، تواضع في التعلم، وقناعة في الفعل. قفوا في وجه الظلم والكراهية، ودافعوا عن حرياتكم وإنسانيتكم".

وختمت حديثها برسالة أمل وتحفيز: "كونوا الجيل الذي يقود العالم نحو مستقبل أفضل، حاسبوا الحكومات والشركات، احموا البيئة، ورفضوا الفساد. الحرية دائمًا مصير الشجعان".

وقد حظيت كلمة كرمان بإشادة واسعة من الأكاديميين المشاركين، نظرًا لجرأتها في الربط بين التعليم والحرية والمسؤولية الأخلاقية، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الجامعات حول العالم في زمن تصاعد الاستبداد والتطرف والتدخلات الاقتصادية.

 

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان من سان دييغو: الجامعات هي خط الدفاع الأول عن الحرية ومقاومة الاستبداد وتحذر من استهداف التعلم العالي
  • "الموارد البشرية" تحقق المركز الأول في مؤشر قياس التحول الرقمي خلال ملتقى الحكومة الرقمية 2025
  • ردود أفعال دولية واسعة على اعتماد وزارة التعليم العالي كـ"منظمة حكومية مبتكرة" من GInI
  • «تطوير التعليم بالوزراء» يُطلق مبادرة «شتاء رقمي» لتأهيل طلاب المدارس على مهارات المستقبل الرقمية
  • افتتاح "المكتبة الصغيرة" في جامعة صحار لتعزيز ثقافة القراءة بين الأطفال
  • هكذا يؤثر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث سلبا على جودة التعلم والمعرفة
  • في ختام أعماله.. ملتقى الحكومة الرقمية 2025 يؤكد ريادة المملكة في التحول الرقمي عالميًا
  • جوجل تكشف عن 9 تقنيات ذكاء اصطناعي تعيد رسم مستقبل التعليم الرقمي
  • استغراب يتساءل.. هل تقتل المدرسة الإبداع وتصنع نسخا متشابهة؟