المسجد الأزرق تحفة العمارة الإسلامية في أفغانستان
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
معلَم ديني وتاريخي يقع في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان، ويطلق عليه أيضا ضريح الإمام علي بن أبي طالب. يُعدّ من أجمل وأشهر المساجد في البلاد، ويتميّز بزخارفه الخزفية الزرقاء وقبابه الفيروزية التي تُجسّد جمال العمارة الإسلامية في آسيا الوسطى.
يقع المسجد في قلب مدينة مزار شريف، على بعد نحو 320 كيلومترا من العاصمة كابل، وعلى ارتفاع يقارب 380 مترا فوق سطح البحر.
يروى عن سبب بناء المسجد حسب الموروثات المحلية، أن أحد علماء ولاية بلخ في القرن الـ12 الميلادي رأى في منامه موضعا يخفي رفات الإمام علي بن أبي طالب، فأخبر السلطان السلجوقي سنجر بن ملك شاه، الذي أمر ببناء ضريح فوق المكان المزعوم.
ومنذ ذلك الحين عُرف الموقع باسم "المزار الشريف"، أي الضريح المقدّس، ومنه اكتسبت المدينة اسمها الحالي.
لم يدم البناء الأول طويلا، إذ دمّره المغول في اجتياحهم أفغانستان بقيادة جنكيز خان سنة 1220م، فخبا ذكر المزار قرونا، قبل أن يُعاد اكتشافه في عهد الدولة التيمورية.
وفي القرن الـ15 الميلادي أمر السلطان حسين ميرزا بايقرا -أحد أبرز حكام التيموريين في هرات– بإعادة تشييده من جديد على طراز معماري مهيب يجسد ازدهار الفن الإسلامي في أفغانستان وآسيا الوسطى.
وأشرف على أعمال البناء نخبة من البنّائين والخزّافين الذين استقدمهم السلطان من هرات وسمرقند وبخارى، فصمموا مسجدا متناسق الأبعاد تزينه قباب فيروزية ومآذن شامخة، وكسوا جدرانه بقطع من البلاط المزجج بالأزرق اللازوردي والنقوش الهندسية الدقيقة، التي أصبحت لاحقا السمة البصرية الأشهر للمسجد.
ومع مرور الزمن، اتسع نطاق المجمّع ليضم ساحات وحدائق ومرافقَ إضافية تستقبل الزائرين، حتى صار مركزا دينيا بارزا وموئلا للعلماء والمتصوفة والطلاب.
وفي القرون التالية، خضع المسجد لأعمال ترميم وتطوير متكررة على يد سلاطين ومحسنين محليين، مع الحفاظ الدائم على هويته الزخرفية الأصلية.
وفي الحقبة الحديثة، أولت الحكومات المتعاقبة المسجد عناية خاصة لكونه رمزا وطنيا ومعلما تراثيا يجسد روح الاستمرارية الثقافية في أفغانستان.
إعلانوقد شهد في منتصف القرن الـ20 عملية ترميم واسعة أعادت إليه ألقه، ثم أُدرج في مطلع الألفية الثالثة ضمن قائمة المواقع التاريخية التي تُشرف عليها وزارة الثقافة والتنمية الحضرية الأفغانية.
العمارة والزخرفة الفنيةيُعدّ المسجد الأزرق في مزار شريف من أبهى النماذج الباقية لفن العمارة الإسلامية في آسيا الوسطى، ومن أبرز ما أنتجته المدرسة التيمورية التي بلغت ذروتها في هرات وسمرقند في القرنين الـ15 والـ16.
فهو ليس مجرد مبنى ديني، بل تحفة معمارية تتجلّى فيها الروح الصوفية والفكر الجمالي الإسلامي في أسمى صورهما، إذ تتكامل الهندسة الدقيقة مع الرموز الروحية واللون الذي صار هوية مميزة للمكان.
يتكوّن المسجد من قاعة صلاة رئيسية مستطيلة الشكل تتقدّمها بوابات ضخمة تُفضي إلى باحة داخلية تحيط بها أروقة مسقوفة، وتتوزع حول القاعة 4 مآذن شاهقة ترتفع في زوايا البناء، وتُتوّج بعدة قباب فيروزية مختلفة الأحجام، تتوسطها القبة الكبرى التي تهيمن على أفق المدينة.
صُمِّم الهيكل المعماري على نظام هندسي متناظر يُعبّر عن انسجام العالم الروحي مع النظام الكوني، وهو مبدأ يبرز في معظم العمارة الإسلامية الكلاسيكية. أما الجدران والسقوف الداخلية، فمزخرفة بزخارف هندسية ونباتية معقدة تُعبّر عن "التكرار الإلهي للخلق"، وهو معنى رمزي شائع في عمارة المساجد الكبرى.
خط كوفيتغطي واجهات المسجد آلاف القطع من البلاط المزجّج بألوان الأزرق الفاتح والفيروزي واللازوردي، تتخللها آيات قرآنية مكتوبة بخط كوفي وثُلُثي متقن.
ويُعتقد أن الحرفيين الذين نفّذوا الزخارف استُقدموا من مدينتي هرات وبخارى، فجمعوا بين دقة الصناعة الخراسانية ورهافة الحسّ التيموري.
وتنقسم الزخارف إلى وحدات هندسية متكررة تبرز في شكل نجوم سداسية وثُمانية ونقوش نباتية دقيقة تُجسّد جمال التناظر والاتساق، في حين تتدرج الألوان من الأزرق السماوي إلى النيلي الغامق، في لوحة تفيض بالسكينة والسموّ.
ويُلاحظ في بعض الأقسام استخدام الخط العربي عنصرا زخرفيا، إذ تمتزج الحروف بالزخارف لتكوّن إيقاعا بصريا يوحي بالحركة، فيغدو النص القرآني نفسه جزءا من البنية الجمالية للمكان.
تتألف القباب من طابقين: قبة داخلية إنشائية وأخرى خارجية للزينة، ويُغطَّى السطح الخارجي ببلاط أزرق لامع يعكس ضوء الشمس في ساعات النهار، في حين يضفي عليه القمر ليلا وهجا فضيا ناعما يجعل المسجد يبدو مثل كتلة من الضوء.
أما المآذن الأربع، فهي رفيعة سامقة، وتُعدّ من أرقى نماذج العمارة الرأسية في الفن التيموري.
في الداخل، تتوزع الأعمدة الرخامية الداعمة للسقف على نمط متناظر، وتُزيّن العقود بأشرطة زخرفية دقيقة. أما المحراب، فيحيط به إطار من الخزف الملوّن محفور عليه بخط نسخي آيات من سورة النور، في حين يُبرز المنبر الخشبي المصنوع يدويا براعة الحرفيين المحليين في النقش والزخرفة.
يُنظر إلى المسجد الأزرق اليوم بوصفه أيقونة للعمارة الإسلامية في أفغانستان، ومثالا على التزاوج بين التقنيات المحلية والتأثيرات المعمارية الوافدة من إيران وسمرقند وبلاد ما وراء النهر.
إعلانكما يُعتبر من أهم المواقع التراثية في أفغانستان، إذ يجمع بين الأصالة التاريخية والدلالة الرمزية والفرادة الجمالية، ويُعدّ شاهدا على أن العمارة الإسلامية لم تكن مجرد بناء للعبادة، بل أيضا فنّا ناطقا بالعقيدة والجمال.
يحظى المسجد الأزرق في مزار شريف بمكانة استثنائية في الوجدان الأفغاني، إذ يتجاوز كونه مجرد معلم ديني إلى رمز وطني وثقافي جامع يُجسّد وحدة الهوية الإسلامية في بلد تنوّعت أعراقه ومذاهبه وتاريخه الطويل من التحولات السياسية.
يرتبط المسجد في الوعي الشعبي برواية محلية تقول إن الإمام عليا بن أبي طالب دُفن في هذا الموضع، وإن جسده نُقل سرّا من الكوفة إلى بلخ في القرن الأول الهجري حفاظا عليه من الاضطرابات السياسية.
وعلى الرغم من أن معظم المصادر الإسلامية التاريخية تُجمع على أن ضريح الإمام علي في مدينة النجف بالعراق، فإن الاعتقاد المحلي بوجود قبره في مزار شريف منح المسجد قداسة خاصة جعلته مقصدا للزيارة والتبرك.
وظل المسجد عبر العصور ملتقى للعلماء والمتصوفة، ومركزا لإحياء المناسبات الدينية الكبرى، وفي مقدمتها احتفالات عيد النوروز، التي تُقام كل عام في باحاته الواسعة شمالي أفغانستان.
الدور الثقافييُعد المسجد الأزرق أيضا مركزا للتعليم الديني، إذ تُقام فيه حلقات لتحفيظ القرآن الكريم ودروس في الفقه والحديث واللغة العربية، إلى جانب أنشطة ثقافية تُعزّز الصلة بالتراث الإسلامي. وقد شكّل عبر تاريخه ملتقى للعلماء والطلاب والرحالة من مناطق شتى، حتى وُصف بأنه "جامعة خراسان الروحية".
وفي العقود الأخيرة، أصبح المسجد محطة مفضّلة لعلماء الآثار والمهندسين المعماريين والباحثين في الفن الإسلامي، لما يحتويه من عناصر زخرفية فريدة تجمع بين التأثير التيموري والذوق المحلي الأفغاني.
ورغم الاضطرابات التي شهدتها البلاد، حافظ المسجد على دوره بوصفه فضاء آمنا للعبادة والتلاقي، وظل بمنأى عن معظم مظاهر الصراع السياسي. كما أصبح رمزا للحفاظ على الهوية الثقافية في مواجهة التحديات الحديثة التي تهدد التراث العمراني في البلاد.
في العقود الأخيرة، أدرجت الحكومة الأفغانية المسجد الأزرق ضمن قائمة التراث الوطني، كما شاركت منظمات دولية، منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في دعم مشروعات لترميمه وصيانة بلاطه المزخرف بعد الأضرار التي لحقت به بسبب الزلازل والعوامل المناخية.
وقد أسهمت هذه الجهود في الحفاظ على أصالة تصميمه وزخارفه الفريدة، مما جعل المسجد واحدا من أبرز المعالم التراثية في آسيا الوسطى، ومقصدا سياحيا وروحيا لآلاف الزوار سنويا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات العمارة الإسلامیة فی فی آسیا الوسطى المسجد الأزرق فی أفغانستان فی القرن التی ت
إقرأ أيضاً:
لا شهادة صحية ولا نظافة.. ضبط 3.6 طن أغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا
نفذت مديرية الصحة حملة رقابية موسعة بمركز ومدينة بني مزار، للتأكد من سلامة المعروض من المواد الغذائية ومدى التزام المنشآت بالاشتراطات والمعايير الصحية، في إطار جهود الدولة لضمان سلامة الغذاء ومكافحة الفساد في الأسواق، وتنفيذًا لتوجيهات اللواء عماد كدواني محافظ المنيا.
وأوضح الدكتور محمود عمر عبد الوهاب، وكيل وزارة الصحة بالمنيا، أن الحملة ضمت إدارة مراقبة الأغذية بمديرية الصحة، وبمشاركة جهاز حماية المستهلك، ومكتب مراقبة الأغذية بالإدارة الصحية ببني مزار، والإدارة البيطرية، والوحدة المحلية لمركز ومدينة بني مزار.
وأسفرت جهود الحملة عن ضبط 3.6 طن من الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، من بينها 3.4 طن من الألبان الفاسدة، بالإضافة إلى كميات من الدواجن المتبلة الملوثة، فضلًا عن لحوم تم ذبحها وتجهيزها خارج المجازر المعتمدة، بما يمثل تهديدًا على صحة المواطنين.
كما تم تحرير 24 محضرًا للمخالفات المتعلقة بالنظافة العامة، واشتراطات تداول الأغذية، وعدم حمل العاملين للشهادات الصحية اللازمة.