ظلّ المسجد، منذ فجر الإسلام، أيقونة للهوية الروحية والعمرانية في الحضارة الإسلامية. وفي جامع العرفان، نجد امتدادًا لهذه الروح عبر رؤية معمارية حديثة تستلهم التراث وتُجدد التعبير عنه. فقد جاء تصميم الجامع ليعيد تشكيل مفهوم "الليوان" بطريقة عصرية حديثة تساهم بصورة فاعلة في أداء دور هذا العنصر الجوهري في عمارة المساجد القديمة التي شيَّدت على مر العصور المختلفة؛ حيث يمنح الليوان بشكله الدائري الفريد المصلين شعورًا غامرًا بالسكينة والانفتاح في آنٍ واحد.

استُوحيت ملامح الجامع من مفردات العمارة العمانية والعربية والإسلامية على حد سواء، ولكن بلغة عصرية تنسجم مع تطور مدينة العرفان نفسها التي تشهد عددًا من التصاميم المعمارية الحديثة المميزة. فالمنارة التي يبلغ طولها ما يقارب ستين مترًا، ورغم انسيابها البصري، صُمّمت بمراعاة متقنة وبنمط معماري حديث يختزن معنى النداء ويجسّد بُعدًا بصريًا يُميّز الجامع على مستوى المدينة. ويمثّل التصميم الخارجي لجامع العرفان تحفةً عمرانيةً تُثري المشهد البصري لمدينة العرفان، المدينة التي شُيّدت لتكون واجهة حضارية حديثة لمحافظة مسقط. وقد جاء هذا الجامع ليُجسّد هذه الروح الطموحة، فكان معلمًا جديدًا يليق بمقام المدينة ومكانتها المستقبلية. فمنذ الوهلة الأولى، يأسر المارّين بتناسقه الأخّاذ بين المنارة الشاهقة ذات الخطوط العصرية البسيطة، وهيكل الجامع المحاط بزخارف إسلامية أُبدعت بعناية، تستلهم من الماضي وتنبض بنَفَس المستقبل، وتُبرز التفاصيل الخارجية الاتساق المرهف بين الصلابة المعمارية والهُوية الإسلامية، في مشهدٍ لا يخلو من الرمزية، هذا التوازن البصري والروحي يمنح الجامع حضوره الخاص، كرمزٍ يتوسط مدينة العرفان، ويُضفي عليها بعدًا إنسانيًا وثقافيًا. منبر للعلم والمعرفة لم يُصمم جامع العرفان ليكون مكانًا للعبادة فقط، بل فضاءً حيًّا للتفاعل الثقافي والاجتماعي. يضم الجامع مكتبةً عصريةً ستفتح قريبا. تستهدف المكتبة الباحثين والمشغوفين بالقراءة. ويكمل دور المكتبة في إثراء البعد الثقافي والاجتماعي وجود سبلة العرفان المخصصة لاستضافة الفعاليات الاجتماعية من لقاءات علمية معرفية ومناسبات مجتمعية، بالإضافة إلى قاعة العرفان متعددة الأغراض لعقد ورش العمل والمحاضرات، ما يجعله مركزًا نابضًا بالعلم والتربية والإرشاد. وتخطط إدارة الجامع، لإطلاق برامج أسبوعية وشهرية تشمل دروسًا معرفية، وحلقات الذكر وفعاليات موسمية ترتبط بالمناسبات الإسلامية والوطنية. جاء إنشاء الجامع لمواكبة التوسع العمراني في العرفان، بمبادرة من مجموعة من أبناء المجتمع؛ لتكون صدقة جارية، وتحقق وظيفة دينية وثقافية تغذي هذا التمدد الحضاري. ويضم الجامع مجموعة متكاملة من المرافق التي تجسّد شمولية رسالته ودوره الديني والمجتمعي؛ حيث يتسع المصلى الرئيسي لأكثر من 1500 مصلٍّ، إضافة إلى مصلى خاص بالنساء، ومغسلة لتجهيز الموتى وقاعة متعددة الأغراض لاستضافة الدورات والمحاضرات، ومركزًا للتعليم النسائي وتعزيز دور المرأة في الأنشطة الدينية والعلمية. تميز تصميم جامع العرفان بروح إبداعية عابرة للثقافات؛ فقد تم تكليف مكتب تصميم عالمي من البرتغال لتطوير الرؤية المعمارية، فاستوحى جماليات العمارة الإسلامية التقليدية بلغة معاصرة تعكس الروح العمانية، كما صُممت السجادة من قبل مصمم إيراني بألوان هادئة ونقوش مستوحاة من الزخارف العمانية، أما الثريا المركزية، فهي قطعة فنية من الكريستال من جمهورية التشيك تتكامل جماليا مع العناصر المعمارية والديكورية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

منارة جامع الشاذلي.. عودة شامخة إلى سماء المخا بعد انتهاء الترميم

مع انتهاء أعمال الترميم، عادت منارة جامع الشاذلي في مدينة المخا لتقف شامخة كما كانت عبر القرون الماضية، شاهدة على عظمة التاريخ اليمني وروحانيته، ومؤكدة أن المخا لم تكن يوماً مجرد مدينة ساحلية، بل منارة للعلم والتجارة والتاريخ والروحانية.

واستكملت الفرق الفنية والهندسية، بإشراف مكتب الأوقاف والإرشاد في المخا، أعمال ترميم منارة جامع الشاذلي التاريخي بمحافظة تعز، وذلك برعاية ودعم عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، الفريق أول ركن طارق صالح، في إطار مشروع يُعيد الألق لأحد أبرز المعالم الإسلامية في الساحل الغربي.

وقال مدير مكتب الأوقاف بالمخا، الشيخ شهاب هزاع، إن أعمال الترميم شملت إعادة تأهيل المنارة ومعالجة الأضرار التي لحقت بها جراء الحرب الحوثية وعوامل الزمن، مؤكداً أن المشروع يأتي ضمن جهود الحفاظ على الموروث الديني والمعماري للمدينة.

وأشار إلى أن رعاية الفريق طارق صالح للمشروع تعكس اهتمامه الكبير بصون المعالم الإسلامية والتاريخية، إلى جانب دعمه المتواصل لمشاريع التنمية والخدمات في مديريات الساحل الغربي، بما يعزز الهوية الثقافية والحضارية للمنطقة.

وأوضح هزاع أن عملية الترميم راعَت المعايير الفنية الدقيقة للحفاظ على الطابع المعماري الأصيل للمنارة، مع استخدام مواد تقليدية تتناسب مع خصوصية البناء التاريخي، وإعادة الزخارف والنقوش القديمة التي تعكس جمال العمارة الإسلامية في المخا.

وتعد منارة جامع الشاذلي من أبرز المعالم الدينية والتاريخية في المدينة، إذ ارتبطت باسم الإمام أبي الحسن الشاذلي، أحد أعلام التصوف الإسلامي في القرن السابع الهجري، وظلت لقرون رمزًا روحانيًا وحضاريًا يعبّر عن مكانة المخا كمركز للعلم والدعوة.

كما ارتبطت المنارة بتاريخ المدينة التجاري العريق، حين كانت المخا منذ القرن السادس عشر مرفأً عالميًا لتصدير البن اليمني، يستقبل التجار والرحالة من شتى أنحاء العالم، فيما شكّل جامع الشاذلي ومنارته علامة بارزة في هوية المدينة وروحها الدينية والمعمارية.

ويرى مختصون في الآثار أن هذا المشروع يتجاوز إنقاذ مبنى أثري من التصدع، ليجسد استعادة لذاكرة المخا التاريخية، ولروحها التي جمعت بين الإيمان والعلم والتجارة، مؤكدين أن إعادة تأهيل المنارة رسالة حضارية تعبّر عن إصرار أبناء المدينة على حماية تراثهم في وجه الحرب والتحديات.

وأكدت قيادة مكتب أوقاف محافظة تعز أن منارة جامع الشاذلي تستعيد اليوم مجدها بعد مراحل عصيبة، إذ تعرضت لأضرار جسيمة بفعل القذائف والعوامل المناخية، مشيرة إلى أن إعادة ترميمها تمّت وفق أعلى المعايير الفنية والهندسية لضمان استدامتها كرمز خالد للمدينة.

ويُنظر إلى إعادة افتتاح المنارة باعتبارها خطوة رائدة لتعزيز السياحة الدينية والتاريخية في مدينة المخا، وفتح آفاق جديدة أمام مشاريع مشابهة تهدف إلى صيانة المعالم الأثرية في تعز والساحل الغربي، لتبقى المنارة كما وصفها الأهالي: "منارة جامع الشاذلي.. أينما يممت وجهك في المخا تراها شامخة، تستقبلك كأنها تقول: أهلاً وسهلاً بك في مدينة الحضارة والتاريخ العريق."

مقالات مشابهة

  • "الجمعية العمانية للسيارات" تنظم فعالية "الموتور فست".. الأربعاء
  • تصميم "مذهل" بنكهة مغربية.. صور تكشف كرة أمم إفريقيا 2025
  • مبادرة “إبصار السعودية”: 30 ألف طالب وطالبة بالبحر الأحمر يستفيدون من الكشف البصري
  • الشرقية تطلق 3 أنماط معمارية إلزامية للمشاريع السكنية الجديدة
  • منهج عمراني متجدد.. مسجد السيدة عائشة بين التاريخ والنهضة المعمارية
  • رئيس وزراء توفالو يزور جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي
  • حديث عن السياسة الخارجية العمانية
  • منارة جامع الشاذلي.. عودة شامخة إلى سماء المخا بعد انتهاء الترميم
  • الذكاء الاصطناعي يسرّع تصميم أجسام مضادة لمواجهة فيروسات جديدة