يبدو أن كل العمليات الديموغرافية هي عمليات ميكانيكية إلا في استثناءات بسيطة، بمعنى أن لأفراد المجتمع دورا محوريا في تفعيل أنشطتها، سلبا أو إيجابا، قصدا أو دون قصد، وبالتالي ففي القصد تكمن خطورة كبيرة، وفي عدم القصد أيضا تكمن خطورة لا تقل عن سابقتها؛ لأنه إذا كان في المعرفة وبمقاصد سلبية مصيبة، فإن في الجهل مصيبة أكبر، والفرق بين الحالتين: أن في الحالة الأولى «المعرفة» قد تتدارك بعض الممارسات السلبية فتحد من نشاط العوامل السلبية، عبر برامج وخطط، وهذا الأمر ليس في يد الفرد العادي، وإنما في يد المؤسسة الرسمية، وأما في الحالة الثانية «الجهل» فإنه يصعب ذلك، لأن المسألة حينها تكون قائمة على القناعات، وعلى الرغبات، وليس على الحاجات فقط، ولذلك ينظر إلى الديموغرافيا على أنها واحدة من التموضعات التي من شأنها أن تربك البيئة الاجتماعية للأوطان، وقد تتأزم المسألة إلى خلق مشاكل؛ ومع مرور الأيام؛ يصعب حلها، إن لم تكن هناك قراءة واعية لمسارات سلوكيات أفراد المجتمع.
ونضرب بأمثلة من الواقع؛ فمثلا؛ الزواج من خارج البيئة الجغرافية، فهذا النوع من الزواج؛ عاجلا أو آجلا؛ سوف يربك المنظومة الاجتماعية في كثير من محطاتها سواء من جهة القيم، أو اللغة، أو التركيبة البنوية في الأشكال السلوكية الظاهرة للفرد، وفي تناقل الجينات، ويتوقع أن تظهر مثل هذه الإشكاليات في الجيل الأول والثاني من تسلسل الزيجات، صحيح أن في ظاهر هذا النوع من الزواج إيجاد خيارات متنوعة للمقبل على الزواج فيما يعرف بمصطلح «تحسين النسل» كما يحلو للبعض تسميته، وفيه تأثير للحد من ارتفاع المهور، وفيه حلول لفئات من أبناء المجتمع ممن يتعذر إلى حد ما وجود زوجات تقبل بأفراد من هذه الفئات لأسباب مختلفة، ولكن المحصلة النهائية هو وجود خلخلة في البنى الاجتماعية بصورة واضحة؛ وكما قلت؛ في الجيل الأول والثاني مباشرة، خاصة إذا تكاثر هذا النوع من الزيجات.
أما المثال الثاني: فهو تحديد النسل والذي غلف معنا هنا في السلطنة ببرنامج «المباعدة بين الولادة» الذي روج له كثيرا في تسعينيات القرن الماضي، فكانت نتائج هذا البرنامج بعد جيل تقريبا الجيل يقدر بـ (30) عاما أن تتزاحم برامج التنمية في مختلف المجالات مع تضاؤل/ قلة القوى العاملة الوطنية مما أدى إلى جلب القوى العاملة الوافدة من كل البقاع، حتى تقارب عدد القوى العاملة الوافدة مع عدد المواطنين؛ كما تظهر ذلك التقارير المتتالية عبر النشرات الإحصائية، وهذا الجانب يحمل مؤشرين مهمين في شأن القوى العاملة الوافدة أحدهما نوعي بما يحمله من قيم وثقافات تسقطها هذا القوى على البلد المضيف، كممارسات؛ تصبح في حكم العادة، حيث تتقبلها الثقافة المحلية على اعتبارها نوعا من التلاحم مع الآخر، وأنها لن تربك الثوابت المحلية، وهذا التقييم غير صحيح، وثانيهما كمي، وهو الزاحف بثقل الأعداد على الفرص التوظيفية المتاحة للطرفين الوافد والوطني، ولأن عدد الوافد أضعاف مضاعفة لعدد الوطني؛ وهو كله قوى عاملة، فطبيعيا أن يتفوق على الاستحواذ على الوظائف المتاحة بكل أنواعها، وتبايناتها، ولذلك تبقى الفرصة المتاحة أمام القوى العاملة الوطنية ضئيلة، فالغلبة دائما للكم.
وفي كلا الأمرين: النوعي والكمي تأثيرات غير منكورة على البنى المحلية التي تجسد الشخصية المحلية، وتربك حساباتها الاجتماعية؛ التقليدية والموروثة؛ ففي المحصلة تتشوه الصورة العامة، فيفقد المجتمع خصوصيته المحلية، والمناداة بالتنوع الثقافي كان يفترض عبر مسارات آمنة ومبرمجة ووفق رؤية واضحة هذا من جانبها التنظيمي أما أن تترك في حاضنة القناعات الفردية؛ أخذ بها أو لم يؤخذ، فطبيعي أن تكون النتائج مربكة، ومقلقة مع مرور الأيام، والمجتمعات عندما تفقد بوصلتها الطبيعية، يقينا؛ تصبح مشوهة، وليس من اليسير عندئذ عودة القواعد الحاكمة أو الضابطة لقواعد المجتمع التي يؤمن بأهميتها، وكما يقال حينها: «الطيور حلقت بأرزاقها».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القوى العاملة
إقرأ أيضاً:
ندوة بنزوى تناقش أهمية الفحص الطبي قبل الزواج
ناقشت ندوة صحية نظّمتها نظمت المديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة الداخلية ممثلةً في مركز فرق الصحي أهمية الفحص الطبي قبل الزواج للوقاية من أمراض الدم الوراثية حيث جاءت الندوة بعنوان "خلّي البداية صح" واستعرضت أهمية الفحص الطبي قبل الزواج.
هدفت الندوة إلى رفع مستوى الوعي بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج ودوره في الحد من انتشار الأمراض الوراثية والمعدية، وبناء أسر سليمة تسهم في تعزيز الصحة المجتمعية.
وقال الدكتور محمد بن حمد التوبي مدير دائرة مراقبة ومكافحة الأمراض: إن الفحص الطبي قبل الزواج يُعدّ من الإجراءات الوقائية المهمة التي تسهم في الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والمعدية، وتساعد في الحد من انتقالها بين الأزواج مؤكدًا أن وزارة الصحة تولي هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا ضمن برامجها الوقائية.
تضمنت الندوة عددًا من أوراق العمل، حيث قدّم البروفيسور سلام بن سالم الكندي، مدير المركز الوطني لأمراض الدم وزراعة النخاع، ورقة تناولت أمراض الدم الوراثية في سلطنة عُمان مشيرًا إلى انتشار فقر الدم المنجلي والثلاسيميا وأهمية الفحص المبكر للحد من الإصابات الجديدة.
كما قدّمت الدكتورة رابعة بنت علي النعمانية، تخصص الصحة الجنسية والإنجابية، عرضًا حول فحوصات الأمراض المعدية، تناولت فيه أنواعها وأهمية الكشف المبكر عنها والوقاية من انتقالها بين الأزواج مؤكدةً أن الهدف من الفحص هو الحماية الصحية وبناء أسرة سليمة.
واستعرض يوسف بن يعقوب العزري، مدير دائرة الكاتب بالعدل بنزوى، في ورقته الأطر التشريعية والتنظيمية للفحص الطبي قبل الزواج مؤكدًا أن القوانين العُمانية تكفل إجراء الفحص لضمان خلوّ المقبلين على الزواج من الأمراض الوراثية والمعدية وبما يعزز استقرار الأسرة وسلامة الأجيال.
أقيمت الندوة بقاعة جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى تحت رعاية سعادة الشيخ صالح بن ذياب الربيعي والي نزوى؛ وقد اشتمل البرنامج على فقرات مرئية وتجارب واقعية حول التعايش مع المرض ومناقشة آليات تطبيق الفحص الطبي وسبل نشر التوعية المجتمعية، واختتم بتكريم المشاركين والمساهمين في إنجاح الفعالية.