الثورة نت:
2025-11-14@21:24:00 GMT

السعودية تلعب بالنار

تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT

 

 

تبدو الساحة اليوم أمام مفترق طرق جديد بين خيارين متناقضين: السلام الذي تدعو إليه صنعاء بإصرار، والمغامرة التي تمضي فيها الرياض على نحوٍ يخرق “اتفاق خفض التصعيد” ويعيد خلط الأوراق لخدمة واشنطن وتل أبيب في توقيتٍ بالغ الحساسية، إقليميًا ودوليًا.
فبعد كشف الأجهزة الأمنية اليمنية عن شبكة تجسس واسعة مرتبطة بغرفة عمليات مشتركة سعودية–أميركية–إسرائيلية في العاصمة السعودية الرياض، فإن أسئلة كثيرة وكبيرة تطرح نفسها من جديد: هل انتقلت السعودية إلى مرحلة جديدة من الحروب بأدوات مختلفة؟ وما مصير مرحلة “خفض التصعيد” بين صنعاء والرياض؟ وهل من مصلحة السعودية تفجير التهدئة مع اقتراب استحقاقات خطة 2030 م التي تتطلب بيئة ومحيطاً آمنين ومستقرين؟
الملف الذي كشفته وزارة الداخلية في صنعاء لم يكن مجرد قضية أمنية، بل كان مؤشراً على طبيعة العدوان الجديد الذي تديره الدول المعادية والمعتدية على اليمن وسيادته وفي مقدمتها السعودية.

فبعد عقدٍ من المواجهات العسكرية، يبدو أن النظام السعودي، وفق ما كشفت التحقيقات، تحول إلى إدارة حرب “ناعمة” قوامها الحرب الاستخبارية والحصار الاقتصادي، وهي أدوات لا تقل خطورة عن المدافع والطائرات.
وتشير اعترافات عناصر الشبكة إلى أن الجانب السعودي لعب دور “ضابط الارتباط” بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، متولّياً التمويل والتجنيد وتوفير الغطاء اللوجستي والتواصل واستضافة الغرفة المشتركة، فيما تولّى ضباط أميركيون وصهاينة مهمة التوجيه والتدريب. ومع أن هذا الدور يبرَّر في الرياض بأنه جزء من “التعاون الأمني”، إلا أنه يعد خرقاً خطيراً لاتفاق خفض التصعيد مع صنعاء، كما أن توقيته في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة واليمن جعله رهانًا محفوفًا بالمخاطر والسقوط الأخلاقي، ولن تسلم السعودية من نيرانه المرتدة على أمنها واقتصادها.
من العدوان العسكري إلى الحرب الاقتصادية والإنسانية
منذ إعلان التهدئة في العام 2022 م ودخول مرحلة خفض التصعيد حيز التنفيذ بتوقف العمليات العسكرية المباشرة، اتجه النظام السعودي إلى أشكال متعددة من الحروب أبرزها الحرب الاقتصادية باعتبارها ورقة ضغط من وجهة نظره، فيما عُرف إعلاميًا بـ”حرب البنوك”. إلا أن التحذير الصارم الذي أطلقه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في غمرة طوفان الأقصى آنذاك، دفع الأمور نحو تهدئة مؤقتة أسفرت عن اتفاق أممي حول الترتيبات الإنسانية والاقتصادية، شمل تعدد وجهات الرحلات وتكثيفها من وإلى مطار صنعاء وتحديداً إلى الأردن ومصر والهند، وبدلاً من ترجمة ذلك عملياً جرى قصف المطار وتعطيله نهائياً في عدوان إسرائيلي بشراكة سعودية كما كشفت خلية الجواسيس.
وانسحب الأمر على الموانئ حيث كانت الخلايا المشتركة ترصد والعدو الإسرائيلي يقصف بما يظهر أن “الحرب الاقتصادية” أصبحت أداة استراتيجية مشتركة أميركية سعودية إسرائيلية في معادلة الضغط على صنعاء.
وفي خطوة مستغربة، أبدت السعودية مؤخراً دعمها المالي لتحالف بحري غربي بقيادة بريطانيا بحجة “حماية الملاحة في البحر الأحمر” ، وهو تحالف في الحقيقة لحماية السفن الإسرائيلية، ما أثار موجة استنكار واسعة في اليمن وربما الإقليم، وعدّته صنعاء انحيازًا صريحًا لمعسكر العدو الإسرائيلي في لحظةٍ تشهد فيها غزة أبشع صور جرائم الإبادة الجماعية قبيل اتفاق وقف إطلاق النار الهش.
التحالفات تتهاوى
الوقائع الميدانية خلال السنوات الماضية أثبتت أن التحالفات العسكرية الغربية والعربية فشلت في تركيع اليمن وتحقيق أهدافها فيه، سواء عبر القصف الجوي أو الحصار البحري. واليوم، ومع فشل عمليات التحالف الأميركي البريطاني _ تحت مسمى “تحالف الازدهار” وما تلاه من جولات عدوانية أميركية وإسرائيلية تخللها قرابة 3 آلاف غارة وقصف بحري على اليمن_ فشلت في حماية الملاحة الإسرائيلية. بعد ذلك الفشل تبدو صنعاء اليوم أكثر قوة وقدرة على قلب الموازين على أكثر من صعيد براً وبحراً، بعد أن تراجعت هيبة حاملات الطائرات الأميركية وتحولت من “رمز للقوة” إلى “عبء استراتيجي” وفق ما جاء في أحد خطابات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الأخيرة.
هذا التحول، الذي ترافق مع النجاحات العسكرية اليمنية في البحر وعمق كيان العدو الإسرائيلي، غيّر قواعد اللعبة وأثبت أن اليمن ليس “هامشًا جغرافيًا” أو “حديقة خلفية” لأحد، بل هو رقم صعب في معادلة الأمن الإقليمي.
رسائل صنعاء إلى الرياض: فرصة السلام لا تزال قائمة
ورغم التصعيد الاستخباري والاقتصادي، ما تزال صنعاء–بحسب خطابات قيادتها– متمسكة بخيار السلام المشرف، داعيةً الرياض إلى استكمال خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية من دون مماطلة.
في خطابه لمناسبة ثورة 14 أكتوبر، دعا الرئيس مهدي المشاط السعودية إلى “الانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى مرحلة إنهاء العدوان والحصار”، مؤكداً أن السلام الحقيقي هو السبيل الوحيد لحماية المنطقة من الانزلاق في حروب تخدم أجندات إسرائيلية وأميركية، لا مصالح العرب.
وفي السياق ذاته، شدد القائم بأعمال رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح على أن معادلة الردع الاقتصادي لا تزال قائمة: “المطار بالمطار، والميناء بالميناء، والبنك بالبنك”، في إشارة واضحة إلى أن صنعاء لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي محاولات لخنقها اقتصادياً ومعيشياً وإنسانياً.
زيارة ابن سلمان لواشنطن: هل تنعش خيارات الحرب أم تدعم فرص السلام؟
تزامن التحرك الأممي الأخير الذي نفذه المبعوث هانس غروندبرغ إلى مسقط للقاء الوفد الوطني برئاسة محمد عبد السلام، مع أنباء عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن في الثامن عشر من الشهر الجاري، وهي زيارة يُنظر إليها بارتياب شديد ويبدو أنها غير منفصلة عن ملفات اليمن وغزة ولبنان والعراق وإيران والتحالفات.
ويرى مراقبون أن مستقبل الهدوء يتوقف على موقف وسلوك الرياض، وما ستسفر عنه زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، فإن عادت الرياض إلى طاولة السلام بجدية من دون مراوغة ومماطلة، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تسوية عادلة وشاملة تحفظ مصالح الجميع. أما إذا اختارت الرهان على المحاور الأميركية والإسرائيلية، فإن اليمن جاهز لأي خيارات تقتضيها المرحلة.
المشهد الحالي يوحي بمرحلة جديدة من إعادة تموضع استراتيجية، فصنعاء اليوم ليست صنعاء 2015، والسعودية ليست في موقع يسمح لها بخوض مغامرات مفتوحة تعرّض مصالحها للخطر وهي على أعتاب استحقاقات “رؤية 2030” التي تتطلب بيئة إقليمية مستقرة.
الرهان على الحروب الاستخبارية والاقتصادية رهان خاسر أمام واقع جديد تتغير فيه موازين القوة، ويتحول فيه اليمن من “ساحة صراع” إلى فاعل مؤثر في معادلات الأمن والطاقة والملاحة. إن الرسالة الأوضح التي تبعث بها صنعاء اليوم هي أن السلام ممكن، لكن ليس من موقع الضعف، وأن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا عبر العدالة والسيادة والتوازن في المصالح، لا عبر غرف العمليات المشتركة ولا التحالفات المريبة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يترقب القمة السعودية الأمريكية.. هل تنضم الرياض لاتفاقات أبراهام؟

تترقب الأوساط السياسية والإقليمية باهتمام بالغ القمة المرتقبة في واشنطن بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط مؤشرات على أنها قد تشهد صفقة استراتيجية كبرى من شأنها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتحديد مستقبل العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل.

ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية أن الأوساط السياسية والأمنية داخل الاحتلال الإسرائيلي تتابع التحضيرات الجارية في واشنطن للقمة المرتقبة، مشيرة إلى أن هذا اللقاء يُنظر إليه في إسرائيل على أنه محطة حاسمة قد تحدد مستقبل المشهد السياسي في الشرق الأوسط وموقع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المرحلة المقبلة.

وأكدت الصحيفة أن الصفقة الكبرى التي تبنى في العاصمة الأمريكية تتضمن ملفات حساسة تتعلق بمصالح استراتيجية لكل من الرياض وواشنطن، إذ تسعى السعودية – بحسب مصادر إسرائيلية تحدثت لـ"معاريف" – إلى شراء مفاعلات نووية وطائرات F-35 وF-15EX متطورة، إلى جانب أنظمة دفاع وهجوم صاروخي متقدمة، في صفقة توصف بأنها قد تُنعش الاقتصاد الأمريكي وتُعيد رسم ميزان القوى في المنطقة.


وأشارت "معاريف" إلى أن المداولات في واشنطن لا تقتصر على الجانب العسكري والاقتصادي، بل تمتد إلى إعادة هيكلة الإقليم بعد حرب غزة، حيث تسعى الإدارة الأمريكية لإقناع السعودية بلعب دور قيادي في إعادة إعمار القطاع وإدارة الشؤون المدنية فيه بعد وقف إطلاق النار، في ظل ما تعتبره واشنطن "فرصة" لتوسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل المملكة ودولًا أخرى من بينها سوريا.

وأضافت الصحيفة أن نتنياهو يترقب نتائج القمة بحذر، خاصة في ظل أزمات الائتلاف الداخلي حول قانون التجنيد ومواعيد الانتخابات، إلى جانب تصاعد التحركات العسكرية في غزة والشمال، وترى المؤسسة السياسية الإسرائيلية أن أي انفتاح سعودي نحو التطبيع أو تحمل أدوار إقليمية جديدة سيُحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة ويؤثر بشكل مباشر على الحسابات السياسية داخل إسرائيل.

وفي سياق متصل، تناولت الصحيفة تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، حيث أكد في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست أن بلاده لا تزال تسعى إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، لكنها تشترط انسحاب تل أبيب إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

وأضاف الشرع أن سوريا أجرت بالفعل مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي وتم التوصل إلى تفاهمات أولية، إلا أن "التمسك بالسيادة السورية الكاملة" يبقى شرطا أساسيًا لأي اتفاق مستقبلي.

وأشارت معاريف إلى أن هذه التطورات، من القمة السعودية الأمريكية إلى تصريحات الرئيس السوري، تعكس حالة إعادة رسم شاملة لموازين القوى في المنطقة، وسط مراقبة إسرائيلية دقيقة لما قد يحمله الثلاثاء الكبير من انعطافة تاريخية في مسار العلاقات الإقليمية والدولية.

مقالات مشابهة

  • الوزير الشرجبي: التهديد الأعظم الذي يواجه اليمن هو التأثير المباشر والمدمر للمناخ على احتياطياتنا المتناقصة من المياه
  • أسعار صرف الدولار والريال السعودي في اليمن
  • مستشار سابق للأمم المتحدة: مصر تلعب دورا رياديا في استقرار وتنمية إفريقيا
  • دول عربية بينها اليمن ضمن أسوأ البلدان في العالم التي تواجه المجاعة
  • نتنياهو يترقب القمة السعودية الأمريكية.. هل تنضم الرياض لاتفاقات أبراهام؟
  • في قلب الرياض… المبعوث الأممي يكشف مصير السلام في اليمن
  • بوليتيكو: وثائق تكشف عن العقبات التي تواجه أمريكا لتحقيق خطة ترامب بغزة
  • الاتحاد الأوروبي: تحقيق السلام في اليمن مرهون بحل سياسي تفاوضي
  • الحوثيون يختارون السلاح بدل الطعام.. التصعيد ضد السعودية في مواجهة أزمة الجوع