مأساة العلم بين النظرية والتطبيق
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، ودلّ ذلك على أن من يخشاه حق خشيته هم العلماءُ العارفون به؛ لأنّه كلما كانت المعرفة بالله أكبر، كانت الخشية له أعظم وأكثر، عن ذلك قال الأمام سعيد بن جبير: الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عزّ وجلّ"، فالمعرفة اليقينية العالم تمنعه من أي فعل يغصب الله عزّ وجلّ ، ومن ثم فيجيب أن نعلم أن المأساة الكبرى التي نشهدها من مظاهر سلبية في مجتمعاتنا وتشمل انهيار خلقي واجتماعي وفساد قيمي وخلل في التوازن الاجتماعي وأزمة وعي ، تتجلى في مانشيتات الجرائد وأخبار الحوادث مخرجات للعلم الذي يقوم على التلقين والحفظ لا للفهم.
فحينما لا يوجد تكامل بين الجوانب النظرية والتطبيقية في التعليم الجامعي على سبيل المثال لا للحصر بجانب عدم استخدام الأساليب والاستراتيجيات التي وضعها المنظرون التربويون والتي يدرسها طلاب التربية كمنهج تكميلي لا يطبق على أرض الواقع، فيجب أن يكون هناك تعاون مستمر بين الجامعات وسوق العمل لضمان أن يكون الخريجون جاهزين لمستقبلهم المهني، وليس مجرد حاملي شهادة بل نتاج خبرة وعلم وممارسة حقيقية.
ولعل الفجوة الكبيرة بين النظرية والتطبيق ، أوجدت مخرجات علمية فاسدة ، فبعض الأطباء يكتبون رشته الموت بالبطيء لمرضاهم ، ويعمقون جراح الحالات برسائلهم النفسية الخاطئة لكونهم لايدركون بل يحفظون ، وبعض خريجي الحقوق ينحرفون عن القانون للإكساب والكسب الغير مشروع ، وبعض المدرسين جهلاء في تخصصاتهم ، فقد تجد مدرس لغة العربية مثالاً لا للحصر لا يجيد قراءة الادب او كتابة الشعرة او تذوق البلاغة و مدرس دين لا يجيد حفظ وتجويد القرآن ، او إعلامي بعيد كل البعد في عمله عن معايير النزاهة والمهنية الإعلامية ويروج للشائعات والأفكار السلبية دون وإدراك ، او تربوي عجز عن تربية أولاده تربية قويمة متزنة أو يساير الغير متعلمين في تصرفاتهم بل ما أن يجني ثمار علمه بتقويم وإصلاح مجتمعه وأسرته ، أو خريج أزهري لا يطبق احكام التشريعية في تصرفاته ويفعل ما يغضب الله ، ويأكل الحرام بالكذب او بالتضليل .
لا ألقى شبح الظلام السائد على هذا النماذج باعتبارها عنوان للمجتمع ولكنها جزء من المجتمع ونتائج خلل في المنظومة التعلمية والتربوية، والمسؤولية هنا مشتركة بين المؤسسات التعلمية والتربوية والمجتمع الصغير المتمثل في الأسرة.
وأخيراً، أترك وصفة متواضعة لكل المسؤولين عن التخطيط التربوي وإدارة المؤسسات التعليمة سواء كانت المدارس او الجامعات، وتشمل الآتي:
1- يجب إلزام المعلمون وأساتذة الجامعات بتطبيق استراتيجيات وطرق التدريس الحديثة في الحقل التربوي
2- تعزيز ثقافة الحوار الراقي بين الطالب والمعلم القائمة على العقل لا للنقل
3- الحفاظ على هيبة المعلم بكافة وتقديم معلمين جدد ذو شخصية قوية ومؤثرة
4- أثراء الحقل التربوي بثقافة تعزيز السلوك الإيجابي كأهم مخرجات العملية التعلمية
5- القياس والتقويم لابد أن يكونوا جزء من حقيبة المعلم في جميع المراحل
6- تعزيز ثقافة الإدراك العلمي والوعي النظيف للمعلم ونقل ذلك بالتبعية للطلاب
7- يجب عودة علم النفس كمادة أساسية للمراحل التعلمية وعلم نفس النمو وأخلاقيات المهنة كمادة تكميلية لجميع التخصصات في الجامعات
وللحديث بقية عن الحقل التربوي...
وللأفكار ثمرات مادام في العقل كلمات وفي القلب نبضات.. مادام في العمر لحظات
كاتب ومحاضر وباحث أكاديمي
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التعليم الجامعي
إقرأ أيضاً:
اغتيال الشبح.. عبد الله والمهمة السرّية التي مهّدت طريق الموساد إلى عماد مغنية
شرح المدير السابق لجهاز "الموساد" كيفية وصول إسرائيل إلى المعلومات التي سمحت بتتبع تحركات عماد مغنية، وصولًا إلى اغتياله في دمشق عام 2008.
يعرض المدير السابق لجهاز الموساد يوسي كوهين، في كتابه "سيف الحرية: إسرائيل والموساد والحرب السرية"، رواية مفصلة عن مرحلة اختراق "حزب الله" منذ أوائل التسعينات، مركّزًا على شخصية لبنانية يطلق عليها الاسم المستعار "عبد الله"، ويصفه بأنها من العناصر القديمة داخل الحزب، وقريبة من دوائره الداخلية وموضع ثقة لدى قياداته.
ويقدّم كوهين هذه القصة كمدخل إلى سرد أوسع حول كيفية وصول إسرائيل إلى المعلومات التي سمحت بتتبع تحركات عماد مغنية، القيادي العسكري البارز في "حزب الله"، وصولًا إلى اغتياله في دمشق عام 2008 في عملية يقول إنها صُممت داخل الموساد ونُفذت بالتعاون مع فرق أميركية.
"عبد الله".. الهدف الذي وضعه الموساد تحت المجهربحسب ما يورده كوهين، فإن عملية الاختراق بدأت عندما تمكن، في بدايات مسيرته المهنية، من إنشاء تواصل مع عبد الله، من دون أن يحدد طبيعة هذا التواصل أو ما إذا كان لقاءً مباشرًا أم عبر وسطاء. ويعرض كوهين هذه المرحلة كبداية لـ"بوابة ذهبية" تمكن من خلالها الموساد من الدخول إلى بنية الحزب الداخلية.
يشير كوهين إلى أن عبد الله كان يبحث في تلك الفترة عن فرصة اقتصادية خارج لبنان، وتحديدًا في أميركا اللاتينية، وهو ما شكّل مدخلًا لعملية التجنيد. ويذكر أن عملية بناء العلاقة قامت على غطاء رجل أعمال من أميركا اللاتينية يبحث عن استثمارات في الشرق الأوسط، من دون توضيح ما إذا كان كوهين نفسه مَن أدار هذا الغطاء أو أحد ضباط الجهاز.
وفقًا للرواية، تم تقديم عرض لعبد الله للعمل على "بحث" يتعلق بـ"حزب الله" مقابل أجر مالي. رفض عبد الله المهمة في البداية وقطع التواصل لفترة قصيرة، لكنه عاد لاحقًا ليعلن موافقته، وهو ما اعتبره كوهين نقطة تحول في قدرة الموساد على النفاذ إلى داخل التنظيم. ويذكر كوهين أن المعلومات التي قدمها لاحقًا كانت من أدق ما حصل عليه الجهاز من داخل "حزب الله".
أول مهمة لـ"عبدالله"كانت أول مهمة لعبد الله هي تحديد مصير الجنديين الإسرائيليين رحاميم الشيخ ويوسي فينك، اللذين أسرهُما "حزب الله" عام 1986. في تلك المرحلة، كان المستشار الأمني الألماني برِند شميتباور يتوسط بين إسرائيل و"حزب الله" لإتمام صفقة تبادل. ويقول كوهين إن عبد الله أكد أن الجنديين توفيا متأثرين بجراحهما، ما أدى إلى تغيير مسار المفاوضات وتقييم "سعر الصفقة".
متابعة تحركات مغنيةيشير كوهين إلى أن القيمة الأكبر لعبد الله ظهرت في السنوات التالية، عندما بدأ في تزويد الموساد بمعلومات دقيقة عن تحركات عماد مغنية. ويزعم أن عبد الله قدم خرائط يومية لمواقع وجوده، وأنماط تنقله بين لبنان وسوريا، ودوائر أمنه، والتفاصيل المتعلقة بالأشخاص المحيطين به. ويضيف أن مغنية كان مطلوبًا في عشرات الدول، وأن الولايات المتحدة وضعت مكافأة كبيرة لقاء أي معلومة تؤدي إلى القبض عليه.
"اغتيال دمشق 2008"يتجنب كوهين الخوض في تفاصيل عملية اغتيال مغنية في دمشق عام 2008، لكنه يقول إن العملية "صُممت داخل الموساد ونُفذت بواسطة فريق مشترك أميركي وإسرائيلي". ويأتي ذلك متقاطعًا مع ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت عام 2024 بشأن مسؤولية حكومته عن العملية.
حرب استخباراتية ممتدةيضع كوهين هذه القصة ضمن إطار أوسع لاستراتيجية موساد تهدف إلى اختراق "حزب الله" وإيران، عبر إدخال معدات وتقنيات مخترقة إلى بيئة الحزب منذ التسعينات، ولاحقًا داخل إيران. ويقول إن الجهاز أمضى عقودًا يعمل على تفكيك مراكز قوة "حزب الله" عبر شبكات بشرية وعمليات سيبرانية، معتبرًا أن هذا الاختراق ساهم في إحباط عمليات كان التنظيم يخطط لها وتأخير مواجهات أكبر. ويختتم بالقول إن "حزب الله" ما يزال "التحدي الأكبر على الحدود الشمالية لإسرائيل"، وإن المواجهة معه تشكل جزءًا أساسيًا من "الحرب الاستخباراتية المستمرة" مع إيران.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة