الحضور السامي لجلالة السلطان في "قمة المنامة" يُضفي زخمًا غير مسبوق
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
المنامة- (موفدة الرؤية) مدرين المكتومية
في خطوة تاريخية، يُشارك حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في أعمال الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدُول الخليج العربية، والمقرر عقدها في العاصمة البحرينية المنامة، وقد ذكر بيانٌ صادرٌ عن ديوان البلاط السُلطاني أنه: "تلبيةً للدعوة الكريمة الموجهة لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السلطان هيثم بن طارق المُعظم من أخيه حضرةِ صاحبِ الجلالةِ الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملكِ مملكة البحرين الشقيقة؛ سيقومُ جلالةُ السلطان المُعظم- حفظهُ اللهُ ورعاهُ- بزيارةٍ لمملكة البحرين للمُشاركة في الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدُول الخليج العربية المُقرر عقدُها في المنامة يوم الأربعاء الموافق 3/ 12/ 2025".
وأكد البيان أن المُشاركة السامية، تأتي حرصًا من لدن عاهل البلاد المُفدى- أبقاهُ اللهُ- على الالتقاء بإخوانه أصحاب الجلالةِ والسمو لتعزيز مسيرة المجلس والدفع بها نحو آفاق أكثر إشراقًا ونماءً وازدهارًا، وبحث الموضوعات التي تجسد العمل الخليجي وتُعزز مسيرته في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.
ووفق قراءة تحليلية لهذه المشاركة التاريخية للمقام السامي في أعمال القمة، فإنها تترجم مدى الحرص السامي من لدن جلالته على ترسيخ منظومة التعاون التي تأسست قبل 4 عقود ونيف، عندما اجتمع القادة المؤسسون في ذلك الحين، للاتفاق على تأسيس كيان إقليمي لتعزيز التعاون والشراكة والتكامل في جميع المجالات، وهو المجلس الذي بات يمثل رمانة ميزان الإقليم، في مواجهة التحديات التي تعصف به بين الحين والآخر. وقد شهدت مسيرة مجلس التعاون الخليجي ازدهارًا ورخاءً خلال العقود المنصرمة، وعكست الحرص الشديد من قادة دوله على تعزيز المواطنة الخليجية، وترسيخ قيم التآخي والتعاضد والوحدة والتكامل، وتلبية متطلبات المواطن الخليجي؛ الأمر الذي أسهم في بناء نموذج تنموي متطور يُنافس كبرى الدول المتقدمة في العالم.
وهذه المُشاركة الأولى لصاحب الجلالة في القمة الخليجية، تبرهن على التزام عُمان الراسخ تجاه الشأن الخليجي البيني، والحرص على مناقشة مختلف القضايا الإقليمية وغيرها من الملفات في إطار من المشاورات الأخوية الصادقة، التي تستهدف الصالح العام.
وتنعقد "قمة المنامة" في توقيت بالغ الحساسية، وتحديدًا في مرحلة "ما بعد حرب غزة"، والتطورات التي شهدها إقليمنا، وبصفة خاصة الاعتداءات الخارجية على دولة قطر الشقيقة؛ الأمر الذي هدَّد منظومة الأمن الخليجي، واستنفر القوى الإقليمية. كما تنعقد القمة وسط تطلعات بمزيد من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، واستكمال السوق الخليجية المشتركة، وغيرها من الملفات الاقتصادية والتنموية المُهمة.
عُمان والخليج
ولطالما حرصت سلطنة عُمان على تطوير أواصر العلاقات مع كل دول مجلس التعاون الخليجي، وتجلّى ذلك في الزيارات الرسمية المتبادلة على أعلى مستوى، وليس أدل على ذلك من الزيارات السامية الكريمة لجلالة السلطان المعظم- أيده الله- إلى العواصم الخليجية؛ إذ أولى جلالته حرصًا شديدًا على أن تكون أولى الزيارات الخارجية بعد تولي مقاليد الحكم في عام 2020، إلى دول الخليج، والبداية كانت من المملكة العربية السعودية، في زيارة حملت رسالة واضحة ومعبرة عن عمق العلاقة والروابط التي تجمع البلدين الشقيقين، وأهمية الشراكة الاستراتيجية بينهما؛ حيث شهدت الزيارة مباحثات موسعة بين جلالة السلطان المعظم وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظهما الله ورعاهما- تناولت تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والامني والعسكري، والعمل على فتح آفاق أرحب للعمل. وشهدت تلك الزيارة التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس تنسيق عُماني سعودي يعنى بدفع العلاقات الثنائية إلى مستويات أكثر تكامل.
وفي العلاقات مع دولة قطر، تفضل جلالة عاهل البلاد المُفدى- نصره الله- وزار دولة قطر الشقيقة والتقى بصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر؛ حيث عُقدت مباحثات ثنائية موسعة استعرضت العلاقات بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها في كافة المجالات، وشملت تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية. وقد عكست هذه المباحثات عمق العلاقات الثنائية، وتطابق مواقف البلدين بشأن القضايا الإقليمية والدولية لا سيما أهمية الحوار والدبلوماسية في معالجة كافة قضايا المنطقة.
وشملت الزيارات الخليجية لجلالة السلطان المعظم كذلك، مملكة البحرين، فكانت الزيارة الأولى لجلالته في 2022، وهدفت لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين؛ حيث جرى توقيع 6 اتفاقيات و18 مذكرة تفاهم في مجالات متعددة منها تأسيس الشركة البحرينية العُمانية للاستثمار القابضة. وبحث الجانبان مسيرة العمل الخليجي المشترك والجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لترسيخ التعاون والتكامل الخليجي المشترك، حيث أكدا- أعزهما الله- على ضرورة العمل على تماسك مجلس التعاون وتأكيد تضامن دوله وشعوبه لمواجهة كافة التحديات الحالية، ومواصلة الجهود لتحقيق تطلعات الدول الأعضاء وشعوبها نحو مزيد من التعاضد والتكامل والعمل المشترك لتحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية.
وفي أبريل 2024، زار جلالة السلطان دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، في خطوة استهدفت ترسيخ أواصر الأخوة وتوطيد الوشائج التاريخية الحميمة بين البلدين، وهي الزيارة التي عكست علاقات التعاون الزاهرة التي تجمع البلدين وشعبيهما الشقيقين. وتناول القائدان التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر حولها، وأكدا على تعزيز التنسيق في مواقفهما بما يخدم المصالح المشتركة ويقوي دعائم الاستقرار والأمن في المنطقة، علاوة على تأكيد مواقفهما الداعية للاستقرار والأمن والازدهار والنماء لجميع دول وشعوب المنطقة والعالم أجمع.
كما قام جلالة السلطان المعظم- أيده الله- بزيارة في 2024 إلى دولة الكويت الشقيقة، ما عكس متانة العلاقات العُمانية الكويتية التي تضرب بجذورها في التاريخ؛ سواء فيما يتعلق بالعلاقات التجارية البحرية التي جمعت بين تجار البلدين طوال القرون الماضية، أو العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية التي تشهد على مدى عقود تطورًا مستمرًا بفضل توجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين وحرصهما على تعزيزها في شتى المجالات.
أما فيما يتعلق بالملفات المُتوقع التباحث حولها خلال القمة، فإن ملف الأمن والاستقرار يبدو أنه يستحوذ على نصيب الأسد، في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة. وهنا نشير بوضوح إلى الدور الذي تؤديه منظومة الأمن الخليجي المشترك من كفاءة في التعامل مع التحديات، خاصة في ظل قوة درع الجزيرة التي تأسست عام 1982، في خطوة سعت- منذ ذلك التاريخ- إلى ترسيخ مفهوم الأمن الجماعي للدفاع عن دول المجلس واستقرارها والحفاظ عليها وعلى مكتسباتها. وشكَّلت القوة رمزًا للتعاون العسكري المشترك بين دول الخليج.
وأخيرًا.. يمثل الحضور السامي لجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- في القمة الخليجية السادسة والأربعين، منعطفًا تاريخيًا في مسيرة القمم الخليجية، بفضل ثقل الدور العُماني المشهود في جميع القضايا الإقليمية والدولية، علاوة على المكانة الشخصية لجلالة عاهل البلاد المُفدى- أيده الله- بين إخوانه من قادة دول المجلس؛ الأمر الذي يؤكد أن مخرجات القمة المرتقبة ستُفصح عن قرارات واعدة تخدم مسيرة العمل الخليجي المشترك.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"قمة المنامة".. فرصة لترسيخ التكامل وتجديد الثقة
عبدالنبي الشعلة **
بعد يومين، تستقبل البحرين أصحابَ الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي- حفظهم الله ورعاهم- ضيوفًا على صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين- حفظه الله ورعاه- للمشاركة في الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى. والبحرين، قيادةً وحكومةً وشعبًا، ترحّب بالضيوف الكرام وتتمنى لهم كل النجاح والتوفيق في أعمالهم.
وحين تفتح المنامة أبوابها لقادة دول الخليج، فإنها لا تستقبل وفودًا رسمية رفيعة المستوى فحسب؛ بل تحتضن آمال شعوب، وتطلعات أجيال، ورغبة صادقة في أن يكون هذا الكيان الخليجي أكثر قوة وتماسكًا في مواجهة عالم شديد الاضطراب وسريع التغير. فالقمة القادمة ليست مناسبة بروتوكولية على جدول السياسة؛ بل محطة تُختبر فيها إرادتنا الجماعية، ويُقاس فيها مدى تصميم دول المجلس على المضي نحو المستقبل بثقة وشجاعة.
لقد باتت الأزمات العالمية والأحداث الإقليمية تتقاطر على منطقتنا بلا انقطاع. تقلبات أسعار الطاقة، والاضطرابات في الأسواق المالية، وتغير خرائط النفوذ، والتوترات الأمنية… كلها تفرض نفسها دفعة واحدة، وكأن الزمن قرر أن يختبر صلابة الخليج وقدرته على الصمود أمام العواصف. وعلى الرغم من ذلك، فقد أثبتت دولنا مرارًا قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى الوقوف صفًا واحدًا حين تشتد الأزمات.
وتقف دول الخليج اليوم أمام فرص نوعية لإعادة رسم مستقبلها الاقتصادي والسياسي. فمشروعات التحول الوطني والتنويع الاقتصادي تنطلق بوتيرة غير مسبوقة، وقطاعات جديدة تتبلور في مجالات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والصناعة والسياحة. فيما يبحث القطاع الخاص عن فضاء خليجي أوسع يساعده على التوسع والابتكار، وتتابع الأسواق العالمية باهتمام دور الخليج في قيادة التحولات الكبرى في الطاقة والاستثمار والاقتصاد الرقمي.
وفي هذا السياق، يصبح لزامًا على القمة القادمة أن تلتفت بجدية إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الدول الأقل حظًا في المجموعة؛ فهذه الدول قدمت عبر عقود نموذجًا في الالتزام بوحدة الصف والمصلحة الخليجية المشتركة، إلّا أن التحديات المالية التي تواجهها اليوم تتطلب برامج دعم وإسناد سخية، راسخة، وبعيدة الأثر، تُعيد إليها القدرة الكاملة على المشاركة في مشاريع التطور والنمو التي تحتاجها المنطقة؛ إذ لا ينبغي- ولا يصب في مصلحة أحد- أن تتحول هذه الدول إلى حلقات ضعيفة في مسيرة التكامل.
إنَّ الاستثمار في استقرار هذه الدول وقوتها هو استثمار في أمن الخليج كله، كما فعل الاتحاد الأوروبي عندما دعم إسبانيا والبرتغال واليونان بسخاء عند انضمامهما، ثم كرر التجربة مع عدد من دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فقد أثبتت تلك التجارب أن التكامل الحقيقي لا يقوم إلا على مبدأ التوازن بين المركز والأطراف، وأن النهضة الشاملة لا تتحقق إلا حين ينهض الأقوى بالأضعف.
وهنا يبرز دور القمة في المنامة، من خلال الانتقال من مرحلة النوايا الطيبة إلى مرحلة القرارات الجريئة، وتحويل الآمال والطموحات إلى برامج عمل واضحة قابلة للتنفيذ والقياس. نحن بحاجة إلى منظومة اقتصادية خليجية أكثر ترابطًا، وإلى أمن مشترك أكثر صلابة، وإلى صوت إقليمي أكثر حضورًا وتأثيرًا في عالم لا يعترف إلا بالقوة الجماعية.
أما في الجانب الأمني، فقد أصبحت الحاجة إلى رؤية دفاعية مشتركة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالتحديات الأمنية الحديثة تتجاوز الحدود، وتفرض على دول المجلس تعزيز التعاون العسكري والأمني، وتطوير القدرات السيبرانية، وإنشاء منظومات إنذار مبكر، وتنسيقا أعمق في مجالات الاستخبارات والدفاع. إن حماية الخليج مسؤولية جماعية، وركن أساس من أركان المصير المشترك.
واستضافة البحرين لأعمال القمة، هو تأكيد لدورها في تعزيز أواصر التعاون الخليجي ودفع الحوار نحو حلول متوازنة. فقد أثبتت المنامة دائمًا أنها صوت الحكمة والاتزان، وأنها قادرة على صوغ مساحات مشتركة تلتقي عندها الرؤى وتتوحد عندها المواقف، بعيدًا عن كل ما يفرق الصف ويشتت الجهود.
ونحن على أعتاب القمة، تتجدد آمال شعوب الخليج في أن تكون هذه القمة قمة للفرص، وقمة لقرارات جريئة ترسخ الثقة وتدفع بمسيرة التعاون خطوات واسعة إلى الأمام. فدول الخليج تمتلك اليوم رصيدًا استثنائيًا من الموارد، ومشروعات كبرى، وقدرات مالية واستثمارية متنامية، وشعوبًا شابة تتمتع بالإبداع والطموح، وتطمح أن ترى غدًا أكثر إشراقًا وتقدمًا.
إنَّ المطلوب اليوم هو التمسك بروح المبادرة، والالتقاء عند نقاط القوة، وتعزيز التكامل في كل المجالات، حتى يصبح مجلس التعاون منصة حقيقية لصناعة المستقبل، لا مجرد إطار للتشاور وتبادل الآراء. فقمة المنامة ليست مجرد اجتماع؛ بل رسالة واضحة بأن الخليج، رغم كل التحديات، لا يزال موحدًا في رؤيته، ثابتًا في مواقفه، مؤمنًا بثوابته، ومُصمِّمًا على مواصلة دوره الفاعل في صياغة مستقبل المنطقة والعالم.
** كاتب بحريني
رابط مختصر