الجزيرة:
2025-12-02@22:50:15 GMT

صحيفة الثورة السورية.. رهان على الورق في زمن الرقمنة

تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT

صحيفة الثورة السورية.. رهان على الورق في زمن الرقمنة

يستعيد المتصفح لجريدة "الثورة السورية" في عهدها الجديد روحية الصحافة الورقية التي ظل نجمها ساطعا حتى مطلع الألفية الثانية، ثم ما لبثت تواجه تحديات وجودية متصاعدة أمام التطورات المتواصلة في الإعلام الرقمي.

لماذا العودة إلى الورق؟

لكن الإعلام الرقمي الذي يواصل ازدهاره ترك في الوقت ذاته جملة من الآثار السلبية على جوهر الصحافة ووعي الجمهور، وهو المعنى الذي أشار إليه وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى في شرح مبررات انطلاق الصحفية في افتتاحية عددها الأول.

وقال المصطفى "تحوّلت الصورة مع صعود اقتصاد المنصات الرقمية إلى سلعة، وصار التفاعل والمشاهدة وحدات قياس لموقع الشخص في فضاء اجتماعي افتراضي، فانتزعت الخوارزميات و(السكرول) منا خيار الانتقاء".

وأضاف "هكذا يخبو النص، صاحب الكلمة والشأن، والبداية لكل ما سبق، وتُوأد المعرفة المتأنية ويفنى الاختيار، فلطالما كان النص جذر المعرفة، وأس الحضارة والعلوم".

شاهد اللقطات الختامية لحفل انطلاقة صحيفة الثورة السورية بحلتها الجديدة#صحيفة_الثورة_السورية #فاصلة_جديدة pic.twitter.com/UTSgc8X5yT

— صحيفة الثورة السورية (@althawra_sy) December 1, 2025

وفي عددها الثاني الصادر اليوم الثلاثاء، واصلت الصحيفة الرسمية الأولى بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تعريف قرائها على ملامح المولود الجديد، مؤكدة سعيها إلى تحقيق التكامل بين الورق والتكنولوجيا، حيث ستقوم على 3 منصات، تتضمن عددا مطبوعا، وموقعا إلكترونيا، ومنصات إعلام رقمي تراعي تطلعات الجيل الجديد.

وبحسب المدير العام للصحيفة -التي جاءت في 24 صفحة- خالد الخلف، فإن المجتمع السوري لا  يزال ينظر إلى الصحيفة الورقية كجزء من الذاكرة الثقافية، خاصة لدى الفئات الأكبر سنا التي ترى فيها طقسا يوميا، مشيرا إلى أن الارتباط بالصحافة الورقية يتجاوز حدود المحلية، إذ لا تزال الصحف الورقية تُطبع في دول كأميركا وبريطانيا ودول أوروبا رغم التحولات الرقمية الواسعة.

إعلان

وتتطلع الصحيفة التي حملت شعار "فاصلة الحق.. رافعة العمران" في إشارة إلى ضبط إيقاع النص وعمران النفس والقيم، إلى أن تشكل فضاء للنقاش العام، ومنبرا للسوريين، وأن تُصاغ من خلالها ملامح سـوريا الجديـدة.

وكتبت الصحيفة "لا تُقاس هذه الخطـوة بصدورها اليـوم فحسب، بل بمـا تعد به مـن حضور مسـتقبلي يعيد للإعلام دوره الطبيعي في بناء العمران الإنسـاني والفكري، وفتح الطريق أمام وعي أعمق ونقاش أوسع ودولة أكثر قربا من مواطنيها".

"تحمل أصواتهم إلى المسؤول"
بعد عقد من القيود الأمنية صحيفة الثورة السورية تستعيد جوهر رسالتها… شاهد التفاصيل#صحيفة_الثورة_السورية pic.twitter.com/LmJqOKpyBg

— صحيفة الثورة السورية (@althawra_sy) December 2, 2025

لماذا الاسم؟

مع وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، كرّس نظامه هيمنته الكاملة على الإعلام، واقتصرت الصحافة الرسمية على 3 صحف رئيسية: "الثورة" التي تعتبر لسان الحكومة، و"البعث" التي تعد لسان حزب البعث، وجريدة "تشرين" لسان الدولة.

ويشدد وزير الإعلام على أن تسمية صحيفة "الثورة السورية" ليسـت امتدادا لصحيفة "الثورة" في عهدي الأسد الأب والابن، إنما جرى اختياره تخليدا للحدث الأكبر في تاريخ سـوريا وإجلالا لمئات آلاف الشهداء على مدى 14 عاما، مؤكدا أن "الثورة السورية كانت فاصلة بين الحق والباطل".

وكتب الصحفي السوري أحمد دعدوش عبر حسابه على فيسبوك "صحيفة الثورة كانت من أبواق النظام البعثي الطائفي، واسمها مشتق مما سمي بثورة 8 آذار وهو انقلاب البعث في 1963. اليوم صدر العدد الأول من الصحيفة بعدما اكتسبت اسمها الحقيقي".

إصدار الطبعة الأولى لصحيفة الثورة السورية بحلتها الجديدة#صحيفة_الثورة_السورية pic.twitter.com/4avu8VFxhu

— صحيفة الثورة السورية (@althawra_sy) December 1, 2025

جولة سريعة في أول عددين

وركزت الصحيفة -التي يبلغ ثمنها 3 آلاف ليرة سورية (قرابة ربع دولار)- في أول عددين على تغطية الذكرى الأولى لمعركة "ردع العدوان" التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد بعد نحو نصف قرن من الحكم، حيث كشفت في تقارير موسعة تفاصيل المعركة في مختلف مراحلها بالإضافة إلى تفاصيل عن التخطيط والإعداد الهندسي والاستخباري للمعركة.

وتناولت الصحيفة عددا من الموضوعات المحلية المرتبطة بهموم السوريين اليومية في قطاعي الصحة والتعليم، بالإضافة إلى مشكلات البنية التحتية وتأخر الإعمار، كما واكبت نشاطات الحكومة وإنجازاتها على مختلف الصعد.

سنصنع التغيير..
صحيفة الثورة السورية تشرق من جديد لتكون جسراً بين الشعب وصنّاع القرار..#صحيفة_الثورة_السورية#فاصلة_جديدة pic.twitter.com/3OhtO0tnHY

— صحيفة الثورة السورية (@althawra_sy) December 1, 2025

أبرز الكتّاب

وكتب في صفحة آراء رئيس تحرير الصحيفة نور الدين الإسماعيل مقالا بعنوان "السلطة الرابعة ومحاولات إعادة الثقة"، كما تضمنت الصفحة مقالا لمؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، حمل عنوان "ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا"، كما كتب المستشار الاقتصادي في وزارة الاقتصاد والصناعة، أسامة قاضي مقالا عنونه بـ"الرؤية التنموية الاقتصادية السورية.. التاءات الثلاث: تعليم، تصنيع، تكنولوجيا".

"نطمح أن نصل إلى الجميع"
رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية #نور_الدين_الإسماعيل خلال حفل إطلاق هويتها الجديدة@eastwind15 #صحيفة_الثورة_السورية#فاصلة_جديدة pic.twitter.com/TBi8xR1bet

— صحيفة الثورة السورية (@althawra_sy) December 1, 2025

وفي العدد الثاني، كتب رئيس اتحاد الكتاب السوريين، أحمد جاسم الحسين، عن "تعدد السرديات في المشهد السوري"، وعنون الباحث والمستشار السياسي باسل الحاج جاسم مقاله بـ"دمشق الجديدة.. توازن لا اصطفاف"، ومن خلال مقاله "يد نتنياهو الطويلة"، تناول الكاتب عبد الرحمن الحاج الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية في سوريا وإستراتيجية الرئيس السوري أحمد الشرع في التعامل معها.

إعلان

وتحت عنوان "دعونا ننسَ أخطاء الماضي ونبدأ بارتكاب أخطاء جديدة!" أُدرجت مقالة للناشط السياسي بسام القوتلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات pic twitter com

إقرأ أيضاً:

الثورة السورية الكبرى 1925.. جهاد بالسيف بعد أن سكت القلم

الثورة السورية الكبرى من أكبر الانتفاضات المسلحة ضد الاستعمار في العالم العربي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، واستمرت بين عامي 1925 و1927. ورغم انطلاقها من جبل العرب في الجنوب السوري، فإنها سرعان ما اتسعت في سوريا كلها، بقيادة نخبة من الشخصيات الوطنية، كان من أبرزهم: سلطان الأطرش وعبد الرحمن الشهبندر وإبراهيم هنانو وفوزي القاوقجي.

هدفت الثورة إلى مقاومة الانتداب الفرنسي، وتحقيق وحدة سوريا واستقلالها التام، وقد خاض الثوار في سبيل ذلك معارك كبرى، كانت في مقدمتها معركتا الكفر والمزرعة.

فتيل الثورة السورية الكبرى

اندلعت الثورة السورية الكبرى نتيجة تراكمات خلفتها سياسات الانتداب الفرنسي المجحفة بحق السوريين، والتي تضمنت إهانات علنية طالت النخب الوطنية، واعتقالات دون محاكمة، إضافة إلى استغلال موارد سوريا الطبيعية والاقتصادية لخدمة المصالح الفرنسية بعيدا عن أي تنمية محلية، فضلا عن محاربة الثقافة العربية وروادها.

وبدأت معاناة السوريين مع الانتداب منذ دخول قواته بقيادة الجنرال غورو سوريا عام 1920 استنادا إلى قرار عصبة الأمم ومخرجات مؤتمر سان ريمو.

عمد الانتداب الفرنسي بعد سيطرته على الأراضي السورية إلى تقسيمها إلى دويلات إثنية وإقليمية تمثلت بدمشق وحلب ومنطقة دير الزور، إضافة إلى جبل الدروز وجبال العلويين ولبنان الكبير، وهي المنطقة التي استثناها الفرنسيون من حدود دولتهم الاتحادية لتسهيل السيطرة على سوريا. أما الأقاليم الشمالية فسيطرت عليها تركيا بموجب معاهدة أنقرة.

في عام 1921 أبرم الكولونيل الفرنسي كاترو معاهدة مع العشائر الدرزية في جبل العرب، تقضي بتأليف وحدة إدارية مستقلة عن دمشق يرأسها حاكم درزي، مقابل اعتراف العشائر بالانتداب الفرنسي على سوريا، وعين بموجبها سليم الأطرش حاكما للجبل.

إلا أن الفرنسيين نقضوا المعاهدة بعد وفاة الأطرش عام 1924، إذ عينوا الكابتن كاربييه حاكما للجبل، ومارس سياسات قمعية تجاه أبناء الجنوب السوري، مما دفعهم إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية ضده، وإرسال وفد إلى الحاكم العسكري الفرنسي للمطالبة بعزله وإعادة الحكم لأبناء المنطقة.

رفض الحاكم استقبال الوفد، وهدد أفراده بالنفي إن لم يتراجعوا، الأمر الذي فاقم غضب السكان، وأسهم في إشعال شرارة الثورة السورية.

تمثال سلطان باشا الأطرش في الجولان  (الجزيرة)

وتزامن ما سبق مع تمرد القائد الدرزي سلطان الأطرش على الفرنسيين إثر اعتقالهم أحد أبرز مقاومي الجنوب اللبناني، وهو أدهم الخنجر عام 1922، وكان ذلك أثناء توجهه إلى منزل سلطان حاملا رسالة له، فكان اعتقال الضيف من أمام بيت مضيفه انتهاكا صارخا لعادات أهل الجبل، التي تضمن حماية الضيف وصون أمنه.

إعلان

أثار الاعتقال غضب سلطان، فسارع رفقة أنصاره إلى قطع الطريق على القافلة الفرنسية التي كانت تنقل الخنجر، غير أن الفرنسيين تمكنوا من الفرار به إلى بيروت، ثم إعدامه عام 1923.

تصاعدت التوترات مع سلطات الانتداب على خلفية هذه الحادثة، إذ قصفت طائراته عام 1922 قرية القريا، مسقط رأس سلطان، فدمرت منزله وأسقطت عددا من الضحايا السوريين، مما دفع سلطان إلى التصعيد وقيادة حرب ضد القوات الفرنسية استمرت 9 أشهر.

حكم الفرنسيون على سلطان بالإعدام، إلا أنه لجأ إلى الأردن قبل أن يصدر الانتداب عفوا عنه، فعاد على إثر ذلك إلى موطنه السويداء جنوب سوريا في ربيع 1923.

اتحد سلطان الأطرش قائد ثوار جبل العرب في الجنوب السوري، مع زعماء سوريا في الشمال والوسط، وعلى رأسهم رئيس حزب الشعب عبد الرحمن الشهبندر، الذي عمل على توسيع رقعة الكفاح المسلح في مختلف أقاليم سوريا، والزعيم إبراهيم هنانو، الذي قاوم الفرنسيين في الشمال السوري منذ عام 1920.

قاد سلطان الأطرش قوات الثورة السورية الكبرى، بينما كلف الشهبندر بالعمل ناطقا رسميا لها ومسؤولا عن شؤونها السياسية والدبلوماسية.

وفي 21 يوليو/تموز 1925 أعلن الأطرش في بيان أصدره انطلاق الثورة السورية الكبرى، والتي استمرت حتى ربيع عام 1927 حين قمعت الحملات الفرنسية العسكرية آخر معارك الثوار في مناطق الغوطة والجنوب السوري.

تبنت الثورة الجهاد المسلح وسيلة للمقاومة، إذ دعا الأطرش السوريين إلى حمل السلاح، وقال في بيانه "هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم… فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم"، فباشر الثوار على إثر ذلك بتوزيع منشورات متوجة بعنوان "الدين لله والوطن للجميع" في أنحاء سوريا كلها، تحفيزا لهمم المواطنين من أجل المشاركة في الثورة.

وضمت الثورة قادة المدن والأرياف السورية وفلاحيها، إلى جانب مقاتلين من أصول غير سورية، مثل التونسيين والمغاربة وغيرهم.

مقاتلون من الدروز شاركوا في الثورة السورية الكبرى (الصحافة السورية)مطالب الثورة

عانى السوريون طويلا من الانتداب الفرنسي، وعبر سلطان الأطرش عن معاناتهم في بيانه الذي قال فيه "أيها العرب السوريون، لقد نهب المستعمرون أموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا… وقسّمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية السفر حتى في بلادنا وأقاليمنا".

وجاءت الثورة استجابة لتلك المعاناة، سعيا لتحقيق مجموعة من المطالب من أبرزها:

توحيد سوريا كلها بما في ذلك ساحلها. الاعتراف بالدولة السورية العربية. إقامة حكومة شعبية تعمل وفق دستور يقوم على سيادة الأمة الذاتية المطلقة. سحب قوات الانتداب الفرنسي من سوريا. تشكيل جيش وطني. تبني مبادئ الحرية والمساواة والإخاء والثورة على المحتل. جبهات الثورة

شاركت في الثورة السورية الكبرى عدد من الجبهات، كان من أبرزها:

الجبهة الجنوبية الشرقية (جبل العرب)

انطلقت الثورة من جبل العرب، حيث مدينة السويداء والمناطق المحيطة بها، واستمرت المعارك في هذه الجبهة حتى نهاية الثورة بقيادة سلطان الأطرش، وكان من أبرز نقاط الاشتباك:

إعلان معركة الكفر

خاض سلطان الأطرش رفقة الثوار في يوليو/تموز 1925 معركة ضد حملة عسكرية فرنسية متوجهة من مدينة السويداء -التي كانت مركز قيادة العمليات العسكرية الفرنسية في المنطقة- نحو قرية الكفر جنوب شرق المدينة، بقيادة الكابتن الفرنسي نورمان.

وجاءت هذه المعركة بعد تحذير الثوار للفرنسيين من الاستمرار في حملاتهم العسكرية في الجنوب السوري، إلا أن الفرنسيين رفضوا التراجع، مما دفع الثوار إلى مهاجمة مبنى حكومة الانتداب الفرنسي في صلخد، ثم مواجهة قواته المتحركة نحو قرية الكفر في أول مواجهة مسلحة واسعة بين الطرفين.

انتهت المعركة بانتصار كبير للثوار، إذ قتلوا قائد الحملة الفرنسية ومعظم ضباطه، وفر الباقون إلى معسكراتهم في السويداء.

معركة المزرعة

في بداية أغسطس/آب 1925 حقق الثوار -الذين لم يتجاوز عددهم 500 مقاتل- انتصارا على حملة فرنسية متجهة نحو قرية المزرعة غربي السويداء، ضمت أكثر من 3 آلاف جندي بقيادة الجنرال ميشو، إلى جانب الطائرات والمدافع والعربات المصفحة.

وتمكن الثوار على إثرها من الاستيلاء على العتاد الفرنسي بعد فرار الجيش وضباطه، مما عزز من قوتهم المعنوية والعسكرية لاستكمال عملياتهم الثورية.

الجبهة الشمالية

رغم اندلاع الثورة ضد الانتداب الفرنسي في الشمال السوري منذ عام 1920 بقيادة إبراهيم هنانو، إلا أنها تفاعلت مع الثورة السورية الكبرى بعد اشتعالها عام 1925، واستمرت حتى ربيع 1926، إذ امتدت إلى مناطق إدلب وجبل الزاوية وأنطاكية وجسر الشغور.

برزت معركة تل عمار في ريف إدلب عام 1925 بكونها آخر معارك الثوار في الشمال السوري، وأسهمت بشكل كبير في استنزاف القوات الفرنسية.

عبد الرحمن الشهبندر نسق مع وجهاء المناطق السورية لنقل شرارة الثورة إلى الشرق والشمال (التاريخ السوري) الجبهة الجنوبية الغربية (درعا وحوران واللجاة)

مثلت هذه الجبهة موقعا إستراتيجيا للقوات الفرنسية، نظرا لربطها سوريا بفلسطين والأردن، مما جعل السيطرة عليه ذات أولوية قصوى.

قاد الثورة فيها عدد من القوى الوطنية المحلية بمساندة سلطان الأطرش، واستفاد الثوار من تضاريس المنطقة في عملياتهم، إذ أسهمت سهول حوران والمرتفعات البركانية بمنطقة اللجاة في إعداد الكمائن للعدو.

ومن أبرز معارك هذه الجبهة، معركة المسيفرة في سبتمبر/أيلول 1925، حين باغت الثوار ليلا معسكر الفرنسيين في بلدة المسيفرة الواقعة في ريف درعا الشرقي جنوبي سوريا.

ورغم تمكنهم من اختراق صفوف الجيش الفرنسي الذي قاده الكابتن أندريا، أجبرهم القصف الجوي الفرنسي على الانسحاب.

جبهة الوسط السوري

اتسعت الثورة السورية من جبل العرب نحو الوسط السوري في مناطق عدة، أبرزها:

جلهة غوطة دمشق

قاد المجاهد حسن الخراط ثورة الغوطة التي تمثل الأرياف المحيطة بدمشق، بدعم من قوات سلطان الأطرش، إلى جانب عدد من المقاتلين المحليين.

خصّ الثوار الريف الدمشقي بسبب قربه من العاصمة دمشق -حيث تتركز السيطرة الفرنسية بقواتها ومراكزها الإدارية والعسكرية- بهدف الضغط على الانتداب ومنعه من التوسع في محيط العاصمة.

شهدت الغوطة اشتباكات كثيرة في قرى مثل المليحة وجرمانا وجسرين وكفربطنا وجوبر وبرزة. وكانت من أبرز الوقائع معركتا الزور الأولى والثانية في المليحة والقاسمية، اللتان استهدف الثوار فيهما نقاط الحراسة الفرنسية على الطرق الحيوية المؤدية إلى دمشق، مستغلين التضاريس الزراعية الكثيفة لإقامة الكمائن والاشتباك بالنيران.

جبهة دمشق

بعد اتساع نفوذ الثوار في الغوطة تمكنوا في أكتوبر/تشرين الأول 1925 من دخول دمشق والسيطرة على عدد من أحيائها الداخلية، بدعم من كتائب المجاهد حسن الخراط، لا سيما الأحياء الجنوبية القديمة مثل الميدان والشاغور وباب سريجة.

ردا على ذلك قصفت القوات الفرنسية أحياء العاصمة بمدافعها، متخذة من قلعة دمشق موقعا إستراتيجيا لإطلاق القذائف، مما خلف آلاف الشهداء والجرحى السوريين، إلى جانب تدمير مئات المنازل والمنشآت.

إعلان

اضطر الثوار على إثر ذلك إلى الانسحاب من دمشق لاستكمال ثورتهم في باقي أنحاء سوريا، بينما عزل الانتداب مفوضه السامي ماكسيم سراييل وعين هنري دو جوفنيل مكانه نهاية العام ذاته، في محاولة لتهدئة الأوضاع في العاصمة.

جبهة حماة

أعلن فوزي القاوقجي الثورة في حماة، وخففت انتصاراته فيها من ضغط الحملات العسكرية الفرنسية على الجنوب السوري، مما قاد إلى منحه صلاحيات ثورية أكبر في الوسط السوري، مكنته من تنظيم عمليات في مناطق الغوطة أيضا.

جبهة حمص

شكلت جبهة حمص نقطة محورية لربط الثورة في الجنوب السوري بالوسط، مما هدد خطوط الإمداد الفرنسية، وشتت قوات الانتداب بين عدة محاور.

شاركت في ثورة هذه المنطقة قوات من جبل العرب بقيادة سلطان الأطرش إلى جانب مقاتلين محليين.

جبهة الحدود السورية-اللبنانية الجنوبية

امتد النشاط الثوري السوري إلى الحدود الجنوبية الغربية بين سوريا ولبنان، حيث دارت معارك في مدينتي حاصبيا وراشيا، إلى جانب وادي التيم موطن الطائفة الدرزية في جنوب لبنان.

وتشير الروايات الشعبية إلى أن الثوار حاصروا قلعة راشيا القائمة على سفوح جبل الشيخ، والتي كانت تمثل رمزا للسيطرة الفرنسية في لبنان على الحدود القريبة من تجمعات الثوار في سوريا. إذ تمكنوا من اقتحامها جزئيا قبل أن يحول نقص السلاح والمؤن دون استكمال تحريرها.

فوزي القاوقجي (وسط) أحد قادة الثورة السورية الكبرى (أرشيف الثورة الفلسطينية) جبهة الشرق السوري

شكل ثوار الشرق السوري جبهة مساندة للثوار المنتشرين في أنحاء سوريا، إذ تركزوا بشكل رئيس في مدينة دير الزور، إلى جانب الرقة والبادية السورية.

قاد المجاهد العياش بك الثورة في دير الزور، واستهدف معسكرات الفرنسيين وقطع طرقهم. ومن أبرز إنجازات ثوار الشرق السوري قتلهم عددا من الضباط الفرنسيين في منطقة عين البو جمعة، مما أدى إلى قصف طائرات الانتداب قرى السوريين، مخلفة خسائر بشرية ومادية جسيمة.

تمكن الفرنسيون لاحقا من القبض على العياش بك وإعدامه في سبتمبر/أيلول 1925، كما اغتالوا عميد عائلته واعتقلوا آخرين ممن شاركوه الثورة.

مخرجات الثورة

رغم الإنجازات غير المسبوقة للثورة السورية الكبرى حتى ربيع عام 1927، أدى التفوق العسكري للانتداب الفرنسي مقابل شح سلاح الثوار إلى تراجعهم، خاصة مع حيازة فرنسا الدعم الدولي.

ومع تكثيف الاحتلال حملاته بحق الثوار، اضطر كثير منهم للنزوح إلى الأردن وشبه الجزيرة العربية، وكان من بينهم القائد سلطان باشا، الذي أبقته عقوبة الإعدام في المنفى حتى عام 1937، حين عاد إلى سوريا مع رفاقه إثر عفو فرنسي شمله.

ولّدت الثورة بعد انتهائها نتائج أثرت على مصير الدولة لاحقا، إذ أعاد الانتداب توحيد سوريا رغم محاولاته السابقة تقسيمها إلى دويلات، إلى جانب مخرجات أخرى كان من أبرزها:

وضع الدستور السوري

بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى، أسست نخبة من السوريين -من بينهم إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي- تنظيم الكتلة الوطنية، الذي هدف إلى المطالبة باستقلال سوريا وإنهاء الاحتلال الفرنسي.

وبعد مناورات سياسية طويلة، أجريت انتخابات نيابية في ربيع 1928 فاز فيها الوطنيون السوريون لتمثيل المجالس النيابية المحلية، ووضعوا على إثرها دستورا نص على اعتماد نظام الحكم الجمهوري في الأراضي السورية، التي أقرت حدودها اتفاقية "سايكس بيكو".

حاولت فرنسا إجراء تعديلات على الدستور وتعليق العمل به بسبب تركيزه على سيادة السوريين واستقلالهم ورفضهم الاعتراف بسلطة الانتداب، إلا أن الحراك السوري السياسي المستمر مكن من إجراء انتخابات نيابية ورئاسية عام 1936، ومهد الطريق نحو الحصول على الاستقلال التام عام 1946.

تشكيل العلم السوري

تضمنت مسودة الدستور السوري الأولى عام 1928 فكرة اعتماد علم يمثل الاستقلال السوري، وهو يتكون من 3 ألوان: الأخضر في الأعلى والأبيض في الوسط والأسود في الأسفل، مع 3 نجوم حمراء تعلو اللون الأبيض.

رفع العلم رسميا رمزا للجمهورية السورية عام 1946 عقب استقلالها عن الانتداب الفرنسي وظل حتى عام 1958، ثم عاد مجددا إلى الواجهة رمزا للثورة السورية التي انطلقت عام 2011 وانتهت عام 2024 بعد خلع بشار الأسد من الحكم.

مقالات مشابهة

  • صحيفة الثورة الاربعاء 13 جمادى الاخرة 1447 – 3 ديسمبر 2025
  • صحيفة الثورة الأربعاء 13 جمادى الآخرة 1447 – الموافق 3 ديسمبر 2025
  • الثورة السورية .. دمشق تطلق أول جريدة ورقية منذ سقوط النظام
  • الثورة السورية الكبرى 1925.. جهاد بالسيف بعد أن سكت القلم
  • "الثورة السورية".. صدور أول صحيفة ورقية في سوريا منذ الإطاحة بالأسد
  • صحيفة الثورة الثلاثاء 12 جمادى الاخرة 1447 – 2 ديسمبر 2025
  • عودة الإعلام الورقي إلى سوريا.. دمشق تطلق أول صحيفة بعد الإطاحة بالأسد
  • سوريا .. طباعة العدد الأول من صحيفة الثورة السورية
  • صحيفة الثورة الإثنين 11 جمادى الآخرة 1447 – الموافق 1 ديسمبر 2025