البشعة.. جمعة: لا أصل لها وتحمل مخاطر جسدية وأخلاقية وقانونية
تاريخ النشر: 5th, December 2025 GMT
خلال الأيام الماضية، أثار مقطع فيديو لفتاة تخضع لطقوس البشعة غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهرت الفتاة وهي تلعق البشعة ثلاث مرات، بعد اتهام زوجها لها بعدم كونها عذراء، وسط مخاوف وانتقادات واسعة لمخاطر هذه العادة وعدم توافقها مع الشرع والقانون.
في هذا السياق، قال الدكتور علي جمعة، إن ظاهرة البشعة ما زالت موجودة في بعض القبائل العربية في البادية والحضر، حيث تُستخدم كوسيلة للتحقق من صحة التهم الموجهة للأفراد، وتتمثل هذه العادة في أن يُعرض المتهم على شخص يُسمى المبشّع، الذي يقوم بتسخين قطعة حديد مستديرة حتى الاحمرار، ويطلب من المتهم لعقها.
وفي حال لم يُصَب المتهم بأذًى، يُعتبر بريئًا، أما إذا أصيب أو رفض، يُعتبر مُدانًا، وعلى الرغم من انتشار هذه العادة في بعض المناطق، فإنها تحمل مخاطر جسدية وأخلاقية وقانونية، وتطرح تساؤلات حول مدى توافقها مع الشريعة الإسلامية.
الحكم الشرعي للبشعة
أكد جمعة أن البشعة لا أصل لها في الشرع الإسلامي، فهي ممارسة مخالفة للأدلة الشرعية، ولا يجوز استخدامها لتحديد الحق أو البطلان.
وأوضح الدكتور جمعة أن المسلمين يجب أن يلتزموا بما جاء به النبي ﷺ في الحديث الشريف:«الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (رواه الدارقطني)
ويعني ذلك أن إثبات الحق يكون بالدليل، ونفي الادعاء بالقسم أو البراءة القانونية، وليس بأي وسيلة خارجية، مهما كانت التقاليد المحلية متجذرة.
مخالفة البشعة لعقائد الإيمان
إضافة إلى مخالفتها للشرع، تُنافي البشعة العقيدة الإسلامية فيما يتعلق بعلم الغيب، فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم:﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: 188]
وهذا يؤكد أن معرفة الغيب من اختصاص الله وحده، ولا يجوز للبشر ابتكار وسائل لمعرفة الحقائق بطرق غير شرعية.
البدائل الشرعية لإثبات الحق
تقدم الشريعة الإسلامية عدة وسائل شرعية لإثبات الحق ونفي الباطل:
البيّنة: تقديم الأدلة والقرائن على صحة الادعاء.
اليَمِين: اللجوء إلى القسم من قبل من ينكر التهمة.
التحكيم القانوني: احترام القوانين المدنية والجنائية في إثبات الحقوق.
وتؤكد دار الإفتاء أن هذه الطرق هي الأمانة والسبيل الصحيح للمطالبة بالحق والدفاع عن النفس، بعيدًا عن أي ممارسات بدائية تعرض المتهم للأذى.
البشعة عادة قديمة لكنها مخالفة للشرع والعقل والقانون. ويجب على المسلمين الالتزام بما جاء به النبي ﷺ من طرق شرعية لإثبات الحق ونفي الباطل، والابتعاد عن أي ممارسات تتعارض مع تعاليم الإسلام أو تعرض النفس والآخرين للأذى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البشعة جمعة علي جمعة الدكتور علي جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: العفاف بكل جوانبه مأمور به على لسان الأنبياء
قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن الأديان وخاصة الإسلام، دعت إلى العفاف، وهو أمرٌ يحدث اختلافًا بين المتدينين وغير المتدينين، ومن شدة الاتفاق عليه بين أهل الأديان لم يكن أبدًا عبر العصور، وحتى في عصرنا الحاضر، محلًّا للاجتهاد، بل كان محلًّا للاتفاق، سواء أقامه الشخص في نفسه أم لم يُقِمْه، فإن الجميع يعلمون أن العفاف، بكل جوانبه، مأمورٌ به على لسان الأنبياء.
غض البصر عن العورات والمحرمات
فترى القرآن قد أمر بغضِّ البصر عن العورات والمحرمات، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» (أورده الحاكم في المستدرك).
وقال بعض الظرفاء:
إلهي ليس للعشاقِ ذنبٌ ** لأنك أنت تبلو العاشقينَ
فتخلقُ كلَّ ذي وجهٍ جميلٍ ** به تُسبي قلوبَ الناظرينَ
وتأمرُنا بغضِّ الطرفِ عنهم ** كأنك ما خلقتَ لنا عيونًا
فكيف نَغُضُّ يا مولانا طرفًا ** إذا كان الجمالُ نراه دينًا
وقال آخر:
خلقتَ الجمالَ لنا فتنةً ** وقلتَ لنا: يا عبادِ اتقونِ
وأنت جميلٌ تحب الجمالَ ** فكيف عبادُك لا يعشقونَ
فردَّ عليهم الشيخ التقي الأمين السوداني فقال:
خلقتَ الجمالَ لنا نعمةً ** وقلتَ لنا يا عبادِ اتقونِ
وإنَّ الجمالَ تُقًى، والتُّقَى ** جمالٌ، ولكنْ لمن يفقهونَ
فذوقُ الجمالِ يُصَفِّي النفوسَ ** ويهبُ العيونَ سموَّ العيونِ
وإنَّ التُّقَى هاهنا في القلوبِ ** وما زال أهلُ التُّقَى يعشقونَ
ومن خامر الطهرُ أخلاقَهُ ** تأبَّى الصغارَ وعافَ المجونَ
وربي جميلٌ يحب الجمالَ ** جمالُ التُّقَى يا جميلَ العيونِ
واشار الى ان هذا الجدل يُظْهِر كثيرًا من النماذج المعرفية بين المتقين وغيرهم.
ووتابع: كما أمرَ بحفظ الفرج كما تقدَّم، ومن هنا جاء مفهومُ العورات التي أمر صلى الله عليه وسلم بسترها، كما جاء في حديث بَهْزِ بن حكيم قال: حدَّثني أبي عن جدي قال: قلتُ: يا رسول الله، عوراتُنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». قال: قلتُ: يا رسول الله، فإذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ». قلتُ: فإذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» (أورده النسائي في سننه الكبرى).