قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الأديان وخاصة الإسلام، دعت إلى العفاف، وهو أمرٌ يحدث اختلافًا بين المتدينين وغير المتدينين، ومن شدة الاتفاق عليه بين أهل الأديان لم يكن أبدًا عبر العصور، وحتى في عصرنا الحاضر، محلًّا للاجتهاد، بل كان محلًّا للاتفاق، سواء أقامه الشخص في نفسه أم لم يُقِمْه، فإن الجميع يعلمون أن العفاف، بكل جوانبه، مأمورٌ به على لسان الأنبياء.

فضل العفاف

وأوضح فضيلته أن القرآن قد أمر بغضِّ البصر عن العورات والمحرمات، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» (أورده الحاكم في المستدرك).

وقال بعض الظرفاء:
إلهي ليس للعشاقِ ذنبٌ   **   لأنك أنت تبلو العاشقينَ
فتخلقُ كلَّ ذي وجهٍ جميلٍ **   به تُسبي قلوبَ الناظرينَ
وتأمرُنا بغضِّ الطرفِ عنهم ** كأنك ما خلقتَ لنا عيونًا
فكيف نَغُضُّ يا مولانا طرفًا ** إذا كان الجمالُ نراه دينًا

وقال آخر:
خلقتَ الجمالَ لنا فتنةً ** وقلتَ لنا: يا عبادِ اتقونِ
وأنت جميلٌ تحب الجمالَ ** فكيف عبادُك لا يعشقونَ

فردَّ عليهم الشيخ التقي الأمين السوداني فقال:
خلقتَ الجمالَ لنا نعمةً ** وقلتَ لنا يا عبادِ اتقونِ
وإنَّ الجمالَ تُقًى، والتُّقَى ** جمالٌ، ولكنْ لمن يفقهونَ
فذوقُ الجمالِ يُصَفِّي النفوسَ **  ويهبُ العيونَ سموَّ العيونِ
وإنَّ التُّقَى هاهنا في القلوبِ  **  وما زال أهلُ التُّقَى يعشقونَ
ومن خامر الطهرُ أخلاقَهُ ** تأبَّى الصغارَ وعافَ المجونَ
وربي جميلٌ يحب الجمالَ ** جمالُ التُّقَى يا جميلَ العيونِ

وهذا الجدل يُظْهِر كثيرًا من النماذج المعرفية بين المتقين وغيرهم.

العفاف

وأضاف أنه أمرَ أيضًا بحفظ الفرج كما تقدَّم، ومن هنا جاء مفهومُ العورات التي أمر صلى الله عليه وسلم بسترها، كما جاء في حديث بَهْزِ بن حكيم قال: حدَّثني أبي عن جدي قال: قلتُ: يا رسول الله، عوراتُنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». قال: قلتُ: يا رسول الله، فإذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ». قلتُ: فإذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» (أورده النسائي في سننه الكبرى).

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: العفاف

إقرأ أيضاً:

مفهوم مبدأ التعايش في الإسلام وشموليته لجميع الناس

اقتضت المشيئة الإلهية أن يكون الإسلام خاتم رسالات الله عز وجل لأهل الأرض؛ ومن ثمَّ وجب أن تعُم هذه الرسالة الخاتمة كافَّة البشر، وبهذا الاعتبار أصبح الإسلام دينًا عالميًّا، وصار الناس جميعًا أمَّةً لدعوته، مُخاطبين بهديه وشريعته، وإلى هذا المعنى يشير البيانُ القرآنيُّ الحكيم في قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: 28].

مبدأ التعايش السلمي في الإسلام وشموليته لجميع الناس

ومما يدلُّ دلالةً قاطعةً على وجود مبدأ التعايش السلمي في الإسلام؛ أنه لم ينكر الأديان السماوية التي سبقته، بل أوجب على أتباعه الإيمان بجميع كتبهم ورسلهم، وعدم التفرقة بينهم؛ مصداقًا لقول الله عز وجل: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: 285]، كما أن تنوع الشرائع الدينية من مقتضى المشيئة الإلهيَّة التي لا تتبدل ولا تتحول؛ تصديقًا لقول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المائدة: 48]، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119].

كما إنَّ المقاصد العليا للإسلام التي تتمثل في عبادة الله عز وجل، وتزكية النفس، وعمارة الأرض، هي بمثابة الأساس الإيماني، لدعوة دائمة للتَّعايش السلمي مع غير المسلمين.

وفي هذا المعنى يقول العلامة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق في كتابه "النماذج الأربعة من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعايش مع الآخر" (ص: 6، ط. دار الفاروق): [إن الإسلام دعانا إلى التعايش السلمي مع الآخرين حتى يؤدي بدوره إلى تبادل المصالح والأفكار والمنافع وتقوية العلاقات مع الآخر، وقد كان الأمر على هذا منذ فجر الإسلام بين المسلمين وغيرهم؛ حيث جعل الإسلام علاقة المسلمين بغيرهم قائمة على أُسس إيمانية مبنية على قيمة السلام، وبعيدة عن صفة العنف والطغيان] اهـ.
وإذا نظرنا إلى مفهوم التعايش من منظور الإسلام فيما يتعلق باليهود والنصارى على وجه الخصوص، نجده ينطلق من قاعدة عقائدية وجذور إيمانية، كما نلاحظ أن الإسلام يولي عناية خاصة للتعايش مع اليهود والنصارى عن سائر البشر؛ لكونهم أهل إيمان بالله عز وجل، وعلى هذا الأساس فإنَّ الإسلام بمفهومه الحضاري يستوعب كلَّ إنسانٍ ليتعايش معه، وقد طبق الصحابة رضي الله عنهم ذلك في البلاد التي قَدِموا إليها، واستطاعوا غرس هذا المفهوم بوضوح.

التعايش في الإسلام

ولعل من أبرز صور البرِّ بأهل الكتاب ما أوجبه الله تعالى على المسلمين ورغَّبهم فيه؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وكذلك قوله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: 5]، فإن الأحكام الواردة في هاتين الآيتين الكريمتين، والتي تتعلق ببر أهل الكتاب، يظل العمل بمقتضاها ساريًا عبر العصور والأزمان؛ فمن المقرر أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".

 

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: العفاف بكل جوانبه مأمور به على لسان الأنبياء
  • الإسلام دين ودولة
  • علي جمعة: تهذيب النفس يبدأ من ظاهر السلوك حتى يرقّ القلب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (بعيداً عن الجِدال… السودان المسلم هو..)
  • علي جمعة: من الأسباب التي تقوي محبة الله عز وجل عند العبد التخلية والتحلية
  • مفهوم مبدأ التعايش في الإسلام وشموليته لجميع الناس
  • علي جمعة: المسلم رحيم بالكون كلِّه ويتعامل معه برِقَّةٍ ولِينٍ وانسجام
  • معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح
  • لماذا أمر الله المرأة بستر نفسها؟.. علي جمعة يصحح 3 اعتقادات مهلكة