السودان: الحرب والنزوح يجبران طبيبة مختبر للتحول إلى «بائعة كيك»
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
يحاول بعض النازحين القادمين من الخرطوم للولايات، مقابلة الضائقة الاقتصادية الناجمة عن الحرب بطرق أبواب (البزنس) بعد توقف مصادر دخلهم منذ أبريل الماضي.
التغيير:عبد الله برير
مع اقتراب الحرب من إكامل شهرها الخامس لم يتسلم غالبية الموظفين رواتبهم والتي كانت لا تكفي مسبقًا لمجابهة الاحتياجات اليومية.
وفقد معظم صغار وكبار التجار محالهم التجارية التي تعرضت للنهب والتخريب ونزحوا لعدة ولايات أبرزها الجزيرة.
وفكر النازحون في إيجاد مصادر دخل تسد رمقهم وتساهم مع الأسر التي تستضيفهم أو تمثل دفعه لهم في دور الإيواء.
وطرق بعض الفارين من الحرب أنواعًا مختلفة من الأعمال أبرزها نقل مطاعمهم للمدن غير المتأثرة بالحرب أي أنهم واصلوا نفس البزنس الذين كانوا يمارسونه سابقا.
وتعددت أنواع الأعمال التجارية للنازحين والنازحات لتشمل صناعة الصابون التقليدية وصناعة الشعيرية وبيع الآيس كريم وغيرها.
وفيما يختص بالعنصر النسائي فقد اقبلت السيدات على دخول ورش تصميم الثياب وصناعة الحلويات والمواد التجميلية والتسويق الالكتروني. وانتشرت في مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي بفيسبوك الخاصة بمدينة واد مدني اعلانات لكورسات وورش تدريبية بأسعار مناسبة تشجيعًا للنازحين والنازحات على اكتساب مهارات تعينهم في بعض الحرف.
وما زاد حماس المتقدمين للكورسات والورش هو وجود بعض الدورات التدريبية اون لاين مما يوفر الوقت والجهد والمال المهدر في التنقل.
وتمتلئ دفاتر مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما فيسبوك بقصص العديد من النازحين والنازحات الذين نقلوا البزنس الى ود مدني او انشئوا اعمالا جديدة من العدم باقل التكاليف وبأقل رأس مال.
ومضى هؤلاء في سرد قصصهم تشجيعا لزملائهم القادمين من الحرب وبثًا للطاقة الايجابية وعدم الاستسلام للظروف المعيشية القاسية.
من الطب إلى المطبخ
والتقت (التغيير) بالنازحة نور العين التي قدمت من الخرطوم لعاصمة الجزيرة ودمدني. وكشفت نور عن انها كانت تعمل كطبيبة مختبر قبل الحرب وبعد نزوحها الى ود مدني عملت في صناعة الكيك.
وقالت نور: بدأت بمشروع صغير لصناعة الكيك وكنت أقوم بتوزيعه على بائعات الشاي. واضافت بعد ذلك تحولت الى عمل سندوتشات (اقاشي) فراخ ولحم واعكف حاليا على مشروع لسلطة الفواكه، انصح الجميع بان يبداوا مشروعهما الخاص ولو بالبسيط.
ومضت نور العين في سرد قصتها: كان معي مبلغ بسيط من المال اتيت به من الخرطوم وبعد اقتراب نفاد مدخراتي فكرت فورا في اقامة مشروع.
وتابعت: النقلة من عملي كاختصاصية مختبرات طبية الى بائعه كيك كانت قفزه هائلة في حياتي.
واستدركت بالقول: لكن احساس عدم العمل والبطالة اسوأ شعور على الإطلاق لا سيما وأنني اعتدت على العمل كما انني لا احب ان احتاج الى اي شخص.
ونبهت نور إلى انها فكرت في العديد من المشاريع في البدايه ولكن رأس المال لم يكن يناسب إلا الأعمال البسيطة. وختمت بالقول: العائد من بيع الكيك والاقاشي معقول ومناسب (وبمشي الحال) وانصح به المبتدئين.
طبيبة مختبر تتحول لى بائعة كيك
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
السرديات المضللة في حرب السودان
السرديات المضللة في حرب السودان
فيصل محمد صالح
ليستْ هناك سردية واحدة لأسباب وبدايات ومجريات حرب السودان، ليس فقط لاختلاف التفسيرات، ولكن للاختلاف حول الوقائع نفسها، بدايةً من قصة بداية الحرب حتى الآن. هذه السرديات تتعامل بانتقائية شديدة مع الأحداث والوقائع، تأخذ ما تريده وتركز عليه وتتجاهل بقية المعطيات، وترفض ربط الأحداث ببعضها البعض، كما أنها تتعامل بتبسيط مخل… «إما أن تأخذ بضاعتنا كما هي، أو أنك عدونا».
سردية بداية الحرب تتعرض كل يوم لامتحان قاسٍ، عبر الفيديوهات التي تحمل إشارات وأقوالاً مباشرةً وعبر الأسرار التي تتكشف كل يوم عمن خطط لهذه الحرب وأعد لها من قبل شهوراً طويلة. هناك ثروة من التسجيلات واللقاءات والتصريحات وبعضها بها اعتراف صحيح بالمسؤولية عن الحرب، إلا أنه ومن باب الأمانة، ليس ثمة طرف من هذه الأطراف كان يظن أن الحرب ستطول أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهذه جريمة أخرى. وكثير من التصريحات الحالية لقيادات عسكرية نظامية وأخرى ميليشياوية توضح أن «الدعم السريع» عدو ثانٍ، لكن عدوهم الأكبر هو كل من انتمى لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ودونك الحديث الأخير لقائد «كتائب الحركة الإسلامية» المصباح أبو زيد.
الحشد السياسي للحرب كان في قمته، لكن الاستعداد العسكري ثبت أنه كان في أدنى مستوياته، بدليل نتائج الحرب في أول أسابيع. خلال أيام انزوت كتائب الجيش في ثكناتها، المهندسين ووادي سيدنا في أم درمان، سلاح الإشارة ومعسكر حطاب في بحري، والمدرعات وجزء من القيادة في الخرطوم. وما فعلت كتائب الجيش ذلك عن جبن ولا عن استسلام، لكنها كانت بلا تسليح ولا إعداد كافٍ وبلا حتى مجموعات مشاة قتالية كافية.
في الوقت نفسه ثبت أن «الدعم السريع» استعدت للحرب وأعدت قواتها وخططها، تدفعها قبل كل ذلك الطموحات السياسية لقائدها، وكان منطقه البسيط يقول إن معارفه الفطرية من دون تعليم نظامي أو تأهيل عسكري قادته ليكون الرجل الثاني في الدولة، فما الذي يمنع أن يكون الرجل الأول…؟
انظر، من ناحية أخرى، إلى حوادث مهاجمة مدينة بورتسودان بمسيّرات «قوات الدعم السريع»، وما يمثله من تصعيد خطير للحرب ونقلها لمرحلة ثانية. المؤكد أن هذه المسيّرات استهدفت مواقع عسكرية في اليومين الأوائل، لكنها عادت بعد ذلك لتهاجم مواقع للخدمات، مثل خزانات النفط وميناءي بورتسودان وعثمان دقنة وأحد أكبر فنادق المدينة. هذا الهجوم يستحق الإدانة لأن فيه مخالفات واضحة للقانون الدولي الإنساني ولكل المواثيق وتقاليد الحروب في العصر الحديث، ونتائجه المباشرة ستتسبب في زيادة معاناة المواطنين المدنيين ومضاعفة المخاطر التي يتعرضون لها.
هل يجب أن يكون المبدأ أن استهداف المواقع والمنشآت المدنية مدان ومرفوض، وهو من جرائم الحرب، أينما كانت هذه المنشآت وأياً من كان يستهدفها، أم أن الأمر يمكن أن يخضع للانتقائية…؟
الحقيقة أننا شاهدنا الانتقائية وعدم الموضوعية من على منصات ومواقع وصفحات أفراد كثيرين. فقد سبق للطيران الحربي الحكومي أن هاجم منشآت مدنية وأسواقاً ممتلئة بالمدنيين وراح ضحية ذلك المئات بينهم نساء وأطفال. وكان من المقزز أن تقرأ للبعض وهو يصفق ويهلل ويسمي سلاح الطيران بـ«صانع الكباب» في الإشارة لجثث الضحايا المتراكمة فوق بعضها البعض. وكانت الكتابات التي تشجع وتدعو لتدمير المنشآت المدنية والبنيات الأساسية من جسور ومنشآت اقتصادية كبرى، مثل مصفاة البترول تتوالى كل يوم. بل إن أحد أهم أبطال السوشيال ميديا المؤيدة للحرب دعا في تسجيل شائع وموجود قيادة الجيش لمهاجمة أماكن اعتقال أسرى الجيش وقصفها وتصفيتهم «حتى لا يصبحوا ورقة ضغط في يد (الدعم السريع)».
من المؤكد أن سردية «قوات الدعم السريع» بأنها جاءت لمحاربة فلول النظام السابق ونصرة الديمقراطية وعودة الحكم المدني أضعف بكثير من أن يتعامل معها المرء بجدية ليعمل على تفنيدها، فقد ذاق المواطنون المدنيون ثمار ديمقراطيتهم هذه في الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق أخرى كثيرة، قتلاً ونهباً واغتصاباً. الحقيقة أنها ظلت طوال هذه الفترة عبارة عن بندقية تبحث عن قتيل، لا يسندها منطق ولا رؤية سياسية أو وطنية عامة. ولعل هذا ما دفع قيادة «الدعم السريع» للتحالف مع كيانات وأحزاب وحركات مسلحة لديها مشاريع سياسية، لعل وعسى. لكن ستظل الصور الدموية في ود النورة والتكينة والهلالية وقرى البطانة في الذاكرة دائماً، حتى يوم قريب يأخذ فيه كل مجرم ومنتهك، أياً كان موقعه أو منصبه، نصيبه من العقاب.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط المسيرات المصباح أبوزيد بورتسودان فيصل محمد صالح