صحيفة الاتحاد:
2025-12-05@17:55:37 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: موت النقد الأدبي

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

في عام 1996 أطلقت في تونس مقولة (موت النقد الأدبي)، وهي حالة تشبه مقولة التدمير الخلاق (Creative Destruction) عند الاقتصاديين حين يرون ضرورة التخلص من أي منشأة تعطلت قدراتها الإنتاجية، ما يستوجب التخلص منها والشروع بمشروع يعد بنتائج أكثر نفعية، وهذا أمر لن يكون سهلاً في مجال المفاهيم المعرفية لأن المفاهيم تتجذر في الأذهان وتتشابك مع النسيج الذهني، ولن يتسنى الخلاص منها إلا بحيل مجازية تتعامل مع الذهنيات وتطمح لاستئصال أثر مفهوم ما بإحلال غيره محله، ولهذا تعمدت ارتكاب جنايتي العلمية الخاصة بإطلاق شعار قد يبدو ظاهرياً أنه عدواني وإقصائي، لكنه في حقيقته هو محاولة لممارسة نوع من التدمير الخلاق بإحلال مفهوم يعد بفتح منهجي يعطي غير ما هو من معطيات النقد الأدبي.


وجاء هذا الشعور عندي نتيجةً لحالة ثقافية وربما نفسية من القلق المعرفي، تجلى ذلك ابتداءً من عام 1987، حيث إني فيما قبل ذلك العام أجهدت نفسي في بحوث الجماليات الشعرية مع كتابي (الخطيئة والتكفير)، وما تعاقب من كتب تتصل بالنظرية النقدية الألسنية بتفرعاتها البنيوية والتشريحية والسيميولوجية، وفجأةً جاءتني دعوة يبدو أنها فجرت الحالة القلقة عندي من الإغراق في الجماليات الشعرية، وكانت الدعوة من اتحاد الأدباء العرب، وخصصوا موقعها في أبوظبي، والبحث المطلوب كان عن الشعر الحداثي في الخليج، وهنا وقعت في حيرة مع نفسي وقد شارفت أقصى حدود التوتر المنهجي من الخوض في جماليات الشعر، وكنت أشعر بما يشبه الانسداد المعرفي مع المنهجية النقدية بصيغتها المستقرة في النقد الأدبي، وكنت أعاني من تساؤلات عن نجاعة النقد الأدبي في كشف غير الجمالي في النقد، وكأن أدوات النقد الأدبي قد استنفدت طاقتها في قتل الجمالي لدرجات الوقوع في التكرار، وكأن النصوص أصبحت تتشابه بسبب أن النظر إليها استقر وتيبس على ما هو جمالي، بينما النصوص تحفل بمضمرات لا حيلة لأدوات النقد الأدبي القارة على كشفها أو الحفر عنها، وقد فكرت أن أعتذر عن تلك الندوة، لولا أني كنت أعرف سلفاً أن عذري لن يكون مقبولاً من منظمي المؤتمر العلمي في أبوظبي، وهنا اتجهت لإعمال حيلةٍ علمية تسمح لي بالبحث دون الغرق فيما تشبعت منه، وكتبت بحثاً بعنوان (نماذج للمرأة في الشعر المعاصر) واخترت له ثلاثة نصوص لشاعر كلاسيكي معاصر ولشاعر رومانسي ولشاعر حداثي، ورحت أستخرج صورة المرأة في هذه النصوص المتفاوتة تنوعاً وذهنيةً، أي أني دخلت في نظرية (النسق المضمر) قبل أن تتشكل عندي وفق هذا المصطلح ووفق ذلك التخصيص. ولا شك أن البحث نفسه وفي مراحل إعداده قد فتح أمامي أبواب النسقية الثقافية بأخطر صيغها متمثلاً بمقام المرأة في الثقافة، ومن ثم في حضورها في نصوص الشعر.
والشعر ديوان العرب، بمعنى سجلهم المعنوي والقيمي وفيه كنوزهم المعنوية والقيمية، وفيه تتشكل الذهنيات عبر التوارث الممتد على قرونٍ وقرون لدرجة أن يتشابه نزار قباني مع عمر بن أبي ربيعة نسقياً، رغم فروقات الزمن وفروقات الوعي، فما الذي يجعل صورةَ المرأة عند نزار لا تختلف عن صورتها عند ابن ربيعة.
وهل هذا تقليد شعري كتقاليد الوقوف على الطلل الذي نجده عند امرئ القيس ونجده عند الشريف الرضي ونجده عند أحمد شوقي بوصفه تقليداً عابراً للأزمنة، وسنقول هنا إنه تقليد شعري دأب عليه الشعراء في مبارزة تنافسية ليقيس المتأخر منهم مهاراته على مهارات سالفه حسب نظرية هارولد بلوم (لوحة التلقي) التي يرسم فيها خطى الشاعر في تصديه لمنافسة سابقه النموذجي، وهذا وجه من وجوه القراءة حسب معطيات النقد الأدبي، أم نقول إن هناك نسقاً ثقافياً مخبوءاً في اللاوعي الثقافي، أي أن الثقافة نفسها هي المؤلفة الكامنة خلف المؤلف الواعي، وهذا ما سميته بعد ذلك بـ (المؤلف المزدوج)، أي أن في كل نص ٍمؤلفين اثنين هما المؤلف الواقعي الذي نرى اسمه على جبهة النص، وكذلك المؤلف المضمر الذي هو الثقافة نفسها، ومن ثم نكون أمام نسقين، أحدهما ظاهرٌ وهو النص الذي نستهلكه بالقراءة الواعية، ونسقٌ مضمر لا نراه ولكنه يتسلل إلى ضمائرنا ويشكل ذهنيتنا وذوقنا، ويشكل ما هو أخطر من ذلك وهو عقليتنا.
وتتوج ذلك بصدور كتابي «النقد الثقافي» (2000)، وهو قراءة في الإنساف الثقافية العربية، ومنه عبرت خط النار الأمامي وفتحت مضماري المنهجي الخاص بما توالى من كتب تعتمد المنهجية نفسها في سبر الأنساق المضمرة. وبذا أنجزت مغامرتي في التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي عبر مجازية (التدمير الخلاق).

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: خطاب تويتر (X) د. عبدالله الغذامي يكتب: النسق بين الشعرنة والعقلنة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

بوتين: أوكرانيا دفعت نفسها إلى مأزق بقرارها الحرب

صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن السلطات الأوكرانية، باتخاذها قرار استمرار النزاع، دفعت نفسها عمليا إلى مأزق.

بوتين: إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو مفتاح الحل لمشكلة غزة بوتين: لا أقدم أبدًا تقييمات للقادة الآخرين

وأوضح بوتين في مقابلة مع قناة "إنديا توداي" الهندية أن "أوكرانيا اتخذت قرار الحرب... الآن عملياتها العسكرية دفعتهم عمليا إلى مأزق".

وحول طبيعة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي أنها ليست بداية حرب، بل "محاولة لإنهائها".

كما حمل الرئيس الروسي الدول الغربية مسؤولية إشعال النزاع، قائلا: "(العملية العسكرية الخاصة) هي محاولة لإنهاء الحرب التي أشعلها الغرب باستخدام القوميين الأوكرانيين".

وبشأن أهداف روسيا، أكد الرئيس أن القضية "لا تتعلق بالانتصار، بل بحماية مصالحنا وحماية الناس". وأضاف: "الأمر هو أن روسيا تنوي حماية مصالحها، وحماية شعبها الذي يعيش هناك، وقيمها التقليدية، واللغة الروسية، وما إلى ذلك". وأكد بوتين أن "روسيا دائما تحمي مصالحها وشعبها".

مقالات مشابهة

  • انطلاق فعاليات قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن
  • كيت وينسلت تخوض تجربة الإخراج بفيلم “وداعًا يونيو” بالتعاون مع ابنها جو أندرس
  • مني عبد الغني: حلا شيحة شخصية مريحة للقلب ومصدقة نفسها في كل حاجة بتعملها
  • د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!
  • بوتين: أوكرانيا دفعت نفسها إلى مأزق بقرارها الحرب
  • جامعة مركز تطلق المنتدى الحديثي في مهرجانها الأدبي بحضور كبار العلماء
  • د.حماد عبدالله يكتب: " تحــدث " كـــى أراك
  • «آل مكتوم إرثٌ تاريخي ورياضي» إصدار يوثّق المسيرة الرياضية لأسرة آل مكتوم
  • صادرات غرفة صناعة عمّان ترتفع 16% خلال 11 شهراً
  • د.حماد عبدالله يكتب: " ينقصنا إدارة المواهب " !!