هل أبدت المملكة العربية السعودية للتو استعداداً جديداً لفصل الهند وباكستان عن سياستها في جنوب آسيا؟ أو بشكل آخر هل قررت الرياض التعامل مع نيودلهي وإسلام أباد كل على حدة وتغير موقفها الحالي القائم على العدالة في الحفاظ على علاقات مستقلة مع كلا البلدين؟

السؤال تطرحه الأكاديمية والكاتبة الهندية المتخصصة في القضايا السياسة والأمنية بجنوب آسيا سودها راماشاندران عبر مقال نشرته مجلة "ذا ديبلومات"، مدللة بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للهند والتي تضمنت حضوره قمة العشرين وتوقيعه على مذكرة تفاهم لـ"الممر الاقتصادي" الدولي الذي يبدأ من الهند ويمر بالإمارات والسعودية ثم الأردن وفلسطين المحتلة وصولا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

وتقول الكاتبة إنه - وعلى عكس زياراته السابقة إلى الهند، عندما كان يتوجه إلى باكستان للإشارة إلى عدالة المملكة في التعامل مع البلدين الواقعين في جنوب آسيا - كانت زيارة ولي العهد السعودي إلى نيودلهي هذه المرة قائمة بذاتها، وهو ما قد يعطي مؤشرا لمسألة الفصل، بحسب مراقبين.

لكن الكاتبة تعتبر أن ما حدث خلال الزيارة الأخيرة لابن سلمان ليس بالضرورة دالا على ذلك، فقبل أربعة أشهر، عندما استضافت الهند اجتماع مجموعة العمل السياحية لمجموعة العشرين في سريناجار في جامو وكشمير، كانت السعودية من بين الدول التي لم تشارك في الاجتماع، مما يدل على استمرار حرصها على عدم إغضاب باكستان، كحليف سياسي وأمني للمملكة بالدرجة الأولى.

اقرأ أيضاً

زيارة ولي العهد السعودي إلى الهند.. ماذا تعني؟

دفعة كبيرة للعلاقات السعودية الهندية

وتستعرض الكاتبة التقدم الأخير في العلاقات بين الرياض ونيودلهي، حيث كانت السعودية والهند عقدتا اجتماعهما الأول لمجلس الشراكة الاستراتيجية الهندية السعودية (SPC)، الذي شكلته خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وكانت شبكات الألياف الضوئية، والتجارة المحلية والعملات، وتسريع المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ومجلس التعاون الخليجي من بين القضايا التي تمت مناقشتها في اجتماع المجلس الأعلى للسياسات في نيودلهي.

ووقع الجانبان ثماني اتفاقيات ثنائية في مجالات الطاقة وتحلية المياه والرقمنة ومكافحة الفساد وتعزيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

كما اتخذ البلدان خطوة إلى الأمام في تنفيذ مشروع مصفاة الساحل الغربي للبترول.

تم الكشف عن المشروع الضخم لأول مرة في عام 2015 - من بين الاستثمار الذي وعد به السعوديون بقيمة 100 مليار دولار، وتم بالفعل تخصيص 50 مليار دولار للمشروع – حيث وقعت "أرامكو" السعودية و"أدنوك" الإماراتية وشركات النفط في القطاع العام الهندية بتوقيع صفقة أولية في عام 2018.

وفي نيودلهي، اتفقت الهند والسعودية على تشكيل فريق عمل مشترك لتسريع المشروع، كما رقوا علاقتهم في مجال الطاقة إلى "شراكة طاقة شاملة".

وتعتبر الزيارة الرسمية التي قام بها ولي العهد السعودي مهمة لأنها جاءت بعد ستة أشهر من إنهاء السعودية عداءها مع إيران من خلال صفقة توسطت فيها الصين.

بالإضافة إلى ذلك، فقد حدث ذلك بعد أسابيع من انضمام الرياض إلى مجموعة "بريكس" في قمة جوهانسبرج الأخيرة.

اقرأ أيضاً

التقى رئيستها.. بن سلمان يبدأ زيارة رسمية إلى الهند

علاقات معقدة سابقة

وعلى الرغم من أن العلاقات الهندية السعودية تعود إلى آلاف السنين، إلا أن العلاقات كانت معقدة، خاصة في عقود الحرب الباردة، حيث كان البلدان على طرفي نقيض في العديد من الصراعات العالمية، كما حدث في أفغانستان خلال الغزو السوفييتي ونظام طالبان الأول، على سبيل المثال.

والأهم من ذلك، أن السعودية كانت داعمًا قويًا لباكستان، خاصة فيما يتعلق بنزاع كشمير، مما أدى إلى توتر العلاقات بين نيودلهي والرياض.

ومع ذلك، تحسنت العلاقات منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع تنشيط التجارة - وأبرزها مشتريات الهند من النفط الخام - للعلاقات.

وتعد السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند، وبينما تنمو التجارة – حيث بلغت قيمتها 52.75 مليار دولار خلال الفترة 2022-2023 – فإن العجز التجاري المتزايد يثير قلق نيودلهي.

وبالفعل فإن العجز الذي بلغ 31.3 مليار دولار عام 2023، هو الأعلى على الإطلاق بين البلدين.

اقرأ أيضاً

السعودية والهند تبحثان تدشين جسر للطاقة والغذاء والتعامل بالعملات المحلية

مكافحة الإرهاب

وخلال زيارة مودي إلى الرياض في عام 2016، اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي الأمن السيبراني، بما في ذلك منع استخدام الفضاء السيبراني للإرهاب، والتطرف، والإخلال بالوئام الاجتماعي.

ودعا البيان المشترك، آنذاك، "جميع الدول إلى رفض استخدام الإرهاب ضد الدول الأخرى؛ تفكيك البنى التحتية للإرهاب حيثما وجدت، وقطع أي نوع من الدعم والتمويل عن الإرهابيين الذين يعملون ويرتكبون الإرهاب من أراضيهم ضد دول أخرى؛ وتقديم مرتكبي الأعمال الإرهابية إلى العدالة".

وعلى الرغم من عدم ذكر أي دولة في هذا الصدد، إلا أن المسؤولين الهنود زعموا أن هذه إشارة غير مباشرة إلى باكستان، على الرغم من أنها قد تشير أيضًا إلى إيران.

وخلال زيارته الأخيرة إلى  الهند، دعا بيان مشترك جديد جميع الدول إلى "رفض استخدام الإرهاب ضد الدول الأخرى، وتفكيك البنية التحتية للإرهاب حيثما وجدت، وتقديم مرتكبي الإرهاب إلى العدالة بسرعة".

ومرة أخرى، لم يتم تسمية أي دولة.

المصدر | سودها راماشاندران / ذا ديبلومات - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العلاقات السعودية الهندية الممر الاقتصادي محمد بن سلمان ولی العهد السعودی ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

طالبان تبحث عن موطئ قدم بين حسابات الصين وباكستان المعقدة

في تطور دبلوماسي لافت يعكس تصاعد الاهتمام الإقليمي بالملف الأفغاني، احتضنت العاصمة الصينية بكين اجتماعًا ثلاثيا جمع وزراء خارجية كل من أفغانستان أمير خان متقي، والصين وانغ يي، وباكستان محمد إسحاق دار.

ناقش اللقاء جملة من القضايا ذات البعد الأمني والاقتصادي، وسط أجواء إقليمية مشحونة بالتوتر، لا سيما في ظل التصعيد الأخير بين الهند وباكستان.

ويؤكد الاجتماع سعي بكين للعب دور محوري في إعادة ضبط التوازنات في جوارها المضطرب، وفتح قنوات تنسيق جديدة بين كابل وإسلام آباد تحت رعاية صينية.

اللقاء الثلاثي ناقش جملة من القضايا ذات البعد الأمني والاقتصادي (وزارة الخارجية الصينية) سياق الاجتماع وتوقيته السياسي

جاء الاجتماع الثلاثي في بكين في توقيت سياسي بالغ الحساسية، إذ سبقته تطورات لافتة في المشهد الإقليمي تشير إلى تحولات في مواقف بعض القوى الإقليمية تجاه حكومة طالبان.

وكانت هيئة الإذاعة البريطانية كشفت عن زيارة سرية قام بها إبراهيم صدر، نائب وزير الداخلية في حكومة طالبان والمقرّب من زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده، إلى الهند، مما أثار تساؤلات عن أبعاد هذا التحرك ورسائله السياسية.

ولم يمض وقت طويل حتى أجرى وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار اتصالا هاتفيا نادرا بنظيره في حكومة طالبان، أمير خان متقي، في خطوة مفاجئة تعكس تغيرا في سياسة نيودلهي تجاه كابل، رغم عدم اعترافها الرسمي بالحكومة القائمة هناك.

إعلان

وخلال الاتصال، عبّر جايشانكار عن تقدير بلاده لإدانة طالبان الهجوم الذي وقع في منطقة باهالغام، وتم التطرق إلى إمكانية توسيع مجالات التعاون الثنائي، وهو ما اعتُبر محاولة هندية لإعادة التموضع في الساحة الأفغانية بعد فترة من العزوف الحذر.

هذا الانفتاح الهندي أثار قلق كل من بكين وإسلام آباد، اللتين سارعتا -حسب مراقبين- إلى التحرك المشترك عبر عقد هذا الاجتماع الثلاثي، في محاولة لاحتواء المسار الهندي ومنع توسعه على حساب مصالحهما.

ويرى الكاتب الباكستاني نصرت جاويد أن كلا من الصين والهند تحاولان تعميق تواصلهما مع طالبان، لكن من منطلقات مختلفة، فبينما تسعى بكين إلى دمج كابل في رؤيتها الاقتصادية والأمنية عبر مبادرة "الحزام والطريق"، تتجه نيودلهي إلى استثمار علاقتها بطالبان بهدف خلق أدوات ضغط جديدة على باكستان، وربما توظيف ما يسمّيها ـ"تجربة المجاهدين" لتنفيذ أنشطة مزعزعة داخل الأراضي الباكستانية، على حد قوله.

وانطلاقا من هذا التقدير، يمكن قراءة الاجتماع الثلاثي ليس فقط بوصفه منصة حوار حول الأمن الإقليمي، بل بوصفه جزءا من صراع خفي على النفوذ في أفغانستان، تحاول فيه الصين وباكستان تثبيت أقدامهما ومنع خصومهما من ملء الفراغ الجيوسياسي الذي خلّفه انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها.

اتصال جايشانكار بأمير خان متقي يعد خطوة مفاجئة تعكس تغيرا في سياسة نيودلهي تجاه كابل (الفرنسية) الصين.. طموح اقتصادي بثقل سياسي

رغم أن الصين لم تمنح بعد اعترافا رسميا لحكومة طالبان، فإنها تتعامل مع الواقع الجديد في كابل بمنهج براغماتي يجمع بين هواجس الأمن القومي ومصالحها الاقتصادية الإستراتيجية.

فمنذ سيطرة الحركة على الحكم في أغسطس/آب 2021، حرصت بكين على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، ووصل الأمر إلى حد قبول سفير لحكومة تصريف الأعمال الأفغانية في بكين، وهي في ذلك مدفوعة بقلق متزايد من احتمال تحوّل الأراضي الأفغانية إلى ملاذ لجماعات انفصالية يمكن أن تؤثر على استقرار إقليم شينجيانغ الصيني ذي الأغلبية المسلمة المتاخمة لأفغانستان.

إعلان

لكن الهاجس الأمني ليس المحرك الوحيد لبكين، فالموارد المعدنية الغنية في أفغانستان، خصوصا الليثيوم والنحاس والذهب، تمثل عامل جذب هائلا للاستثمارات الصينية، في وقت تتجه فيه الدولة الآسيوية العملاقة إلى تأمين إمداداتها من المواد الخام لدعم صناعاتها المتقدمة.

وتنظر الصين أيضًا إلى أفغانستان بوصفها حلقة وصل جغرافية مهمّة ضمن مشروع "الحزام والطريق"، إذ يمكن إدماجها في منظومة الربط البري بين الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) ودول آسيا الوسطى.

وفي هذا السياق، تشجع بكين دعم مشاريع البنية التحتية وتعزيز شبكات النقل والطاقة الإقليمية التي تمر عبر الأراضي الأفغانية.

وكما أشار الكاتب الباكستاني نصرت جاويد، فإن الصين "ترغب في ربط أفغانستان بدول آسيا الوسطى عبر ميناء غوادر، بما يجعل هذا الميناء نقطة النهاية لممر تجاري واسع يمتد من تركمانستان إلى أوزبكستان وطاجيكستان".

باكستان.. شريك يواجه تحديات في علاقة معقدة

تُعد باكستان طرفا رئيسيا في المعادلة الأفغانية، لكن علاقتها مع حكومة طالبان تمرّ بمنعطفات متوترة في الآونة الأخيرة.

فعلى الرغم من الروابط القديمة التي جمعت الطرفين، برزت خلافات أمنية متزايدة، لا سيما بسبب تصاعد هجمات حركة "طالبان باكستان" على القوات الباكستانية.

ودفع هذا التوتر إسلام آباد إلى اتخاذ مواقف أكثر صراحة تجاه حكومة طالبان، بما في ذلك توجيه اتهامات علنية بالتقصير في التعاون الأمني. وفي هذا الإطار، جاء الاجتماع الثلاثي كمحاولة لإعادة ضبط العلاقات وتعزيز التنسيق الأمني.

ومن جهته، يرى الخبير السياسي والاقتصادي الأفغاني مزمل شينواري أن الاجتماع كان يحمل أبعادا سياسية وأمنية مزدوجة لكل من باكستان والصين؛ إذ سعت إسلام آباد إلى استعادة بعض من نفوذها التقليدي على طالبان بعد التراجع الحاصل، بينما كانت بكين معنية بالحصول على تطمينات واضحة من الحركة بشأن عدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل جماعات انفصالية معادية لمصالحها.

وبناء على هذه الأهداف -وفق مصادر باكستانية- شدد الوفد الباكستاني خلال المباحثات على ضرورة تفعيل آلية ثلاثية لمراقبة الحدود وتحجيم نشاط الجماعات المسلحة العابرة لها، إلى جانب الدفع باتجاه إدماج أفغانستان في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني كوسيلة لضمان أمن باكستان ولإعادة استقرار المنطقة.

إعلان أفغانستان.. بحث عن اعتراف ومصالح

بالنسبة إلى حكومة حركة طالبان، فإن حضور الاجتماع الثلاثي في بكين لا يقتصر على مجرد تنسيق دبلوماسي، بل يُعد جزءا من إستراتيجية أشمل تهدف إلى كسر العزلة الدولية والبحث عن اعتراف إقليمي يمنحها غطاء سياسيا واقتصاديا.

ففي ظل استمرار العقوبات الغربية وتجميد الأصول المالية، تسعى طالبان إلى مد جسور الثقة مع الدول المحورية في محيطها، وعلى رأسها الصين وباكستان.

وحسب التصريحات المعلنة، سعى أمير خان متقي خلال الاجتماع إلى طمأنة الجانبين الصيني والباكستاني بشأن التزامات كابل الأمنية، مؤكدا استعداد حكومته للانخراط في المشاريع الإقليمية الكبرى، لا سيما تلك المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستان.

احتواء التوتر وكبح التقارب مع الهند

وفي ظل التصعيد المتواصل بين كابل وإسلام آباد، وما يصاحبه من تبادل الاتهامات بشأن دعم جماعات مسلحة تنشط على طرفي الحدود، برزت الصين كوسيط حذر يحاول منع انزلاق العلاقة بين الطرفين نحو مواجهة مفتوحة، قد تُهدد استقرار محيطها الإقليمي.

ومن خلال استضافتها هذا الاجتماع، بعثت بكين برسالة مفادها أنها ليست مجرد داعم اقتصادي لأفغانستان، بل إنها طرف معني بإعادة ضبط الإيقاع السياسي بين الجارتين، وهو ما ينسجم مع رؤيتها لدور أكثر فاعلية في هندسة التوازنات الإقليمية.

كذلك يرى أحد الكتّاب الباكستانيين المقربين من دوائر صنع القرار في إسلام آباد، في حديثة للجزيرة نت، أن "الصين -بوصفها جارا مباشرا لكل من باكستان وأفغانستان- تنظر بقلق متزايد إلى حالة انعدام الثقة بين البلدين، وتسعى لتقريب المسافات بينهما بما يرسخ الاستقرار الإقليمي الضروري لمصالحها الإستراتيجية".

وفي هذا السياق، يُنظر إلى الاجتماع الثلاثي على أنه بداية لمرحلة جديدة من الانفتاح بين كابل وإسلام آباد، قد تُمهد لتفعيل آليات أمنية مشتركة ومشاريع اقتصادية، تصب في مصلحة الأطراف الثلاثة.

(الجزيرة) بين بكين ونيودلهي.. حسابات الصين المعقدة

ورغم أن الصين تتفهم حاجة حكومة طالبان لتوسيع علاقاتها الدولية، فإن تقاربا محتملًا بين كابل ونيودلهي يثير قلقها، خاصة بعد تطور العلاقات بين الهند وأفغانستان التي توجت بالاتصال الهاتفي الأخير بين وزيري الخارجية في البلدين، الذي فُسر على أنه مؤشر على رغبة هندية في إعادة التموضع داخل الملف الأفغاني.

إعلان

وترى بكين في هذا الانفتاح خطرا على توازنات التحالفات الإقليمية، لا سيما أنه قد يفتح الباب أمام نفوذ هندي أوسع في الساحة الأفغانية، ويربك الحسابات الجيوسياسية ويهدد مشروع "الحزام والطريق"، خاصة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يمر عبر مناطق في الجزء الباكستاني لمنطقة كشمير المتنازع عليها ومناطق غير مستقرة أمنيًا على الحدود مع أفغانستان.

لذلك، تتحرك الصين بدقة، ساعية إلى إدماج طالبان ضمن معادلة نفوذ محسوبة لا تخرج عن حدود الاصطفاف مع بكين وإسلام آباد. فبالنسبة لها -وفق مراقبين- فإن الانفتاح على كابل لا يعني منحها تفويضا مطلقا، بل تطويع هذا الانفتاح في إطار منظومة تضمن الأمن والتنمية، دون المساس بتوازنات التحالف الإستراتيجي القائم مع باكستان.

الأمن الإقليمي والتحديات المشتركة

يفهم من التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الدول الثلاث أن المحور الأمني كان على جدول أعمال الاجتماع الثلاثي، ففي ظل تنامي المخاوف من تحوّل أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات المسلحة العابرة للحدود، وعلى رأسها "داعش- خراسان" و"تحريك طالبان باكستان".

وتنظر الصين، التي تخشى من تداعيات هذه الجماعات على أمن إقليم شينجيانغ، إلى الاستقرار في أفغانستان على أنه جزء من أمنها القومي الداخلي. أما باكستان، فترى في تصاعد الهجمات المنطلقة من الأراضي الأفغانية تهديدا مباشرا لأمنها واستقرارها الداخلي.

وقد حرص أمير خان متقي وزير خارجية حكومة طالبان على تهدئة مخاوف الجانبين، مؤكدًا أن "الأراضي الأفغانية لن تُستخدم ضد جيرانها"، في محاولة لإثبات جدية التزام حركته بسياسة عدم التدخل.

في هذا السياق، لا يستبعد المراقبون أن يكون المجتمعون قد ناقشوا سبل تعزيز التنسيق الأمني عبر تبادل المعلومات وتفعيل قنوات اتصال دائمة بين بكين وكابل وإسلام آباد، وهو ما عكسته نبرة البيان الختامي الحذرة.

إعلان الاقتصاد.. أفغانستان على حافة الحزام والطريق

كشف الشق الاقتصادي من المحادثات عن تطلع بكين وإسلام آباد إلى دمج أفغانستان تدريجيا في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أحد أبرز مشروعات مبادرة الحزام والطريق.

هذا الطموح يفتح أمام كابل آفاقًا واعدة للانخراط في شبكات الطرق والطاقة الإقليمية، وتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل شح الموارد والاستثمارات الغربية.

ووصف متقي الصين بأنها "أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لأفغانستان"، مما يعكس رغبة حكومته في تقوية العلاقات مع بكين.

كما أفاد نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية ضياء أحمد تكل بأن وزير الخارجية الصيني السابق وانغ يي تعهد بتسهيل واردات المنتجات الأفغانية، وبتقديم دعم اقتصادي وسياسي مستمر.

من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة التجارة الأفغاني السابق مزمل شينواري أن لدى الصين حاليًا مشروعين كبيرين في أفغانستان: استخراج النفط في الشمال، ومشروع النحاس في منطقة عينك، إضافة إلى اهتمام متزايد بالحصول على امتياز استخراج الليثيوم، أحد المعادن الإستراتيجية في المستقبل.

وتطمح بكين، من خلال إدماج كابل في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، إلى توجيه جزء كبير من تجارة أفغانستان السنوية، المقدرة بـ8 إلى 10 مليارات دولار، إلى ميناء غوادر الخاضع لسيطرتها في إقليم بلوشستان الباكستاني.

وأكد الجانب الصيني من جديد، عبر تصريحات نائب المتحدث باسم طالبان، أن بكين "لن تتردد في تقديم أي دعم مطلوب للتنمية الاقتصادية في أفغانستان"، في حال توفرت البيئة السياسية والأمنية الملائمة.

ويتضح من ذلك أن بكين لا تسعى فقط إلى شراكة اقتصادية مع كابل، بل إلى تطويع هذه الشراكة ضمن معادلة شاملة تدمج الأمن والسياسة والمصالح الإستراتيجية، دون التفريط بتوازناتها الحساسة مع إسلام آباد.

مكاسب محتملة وتعقيدات مستمرة

يبدو أن اجتماع بكين الثلاثي وضع حجر الأساس لتحول إقليمي جديد يدمج بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية.

ففي الجانب الأمني، أظهر اللقاء مؤشرات إيجابية لتحسين التنسيق بين الدول الثلاث، خصوصًا في ضبط الحدود ومكافحة الجماعات المسلحة، مما قد يحد من انتشار الفوضى ويمنح أفغانستان فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها.

إعلان

ويُعتبر إدماج طالبان في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني نجاحا سياسيا لباكستان، حسب ما ذكر نصير أحمد أنديشه، السفير والممثل الدائم لأفغانستان لدى الأمم المتحدة في جنيف، مشيرا إلى دور الصين بوصفها وسيطا فاعلا للضغط على طالبان من أجل التعاون في مواجهة حركة طالبان باكستان المسلحة.

واقتصاديا، يُنتظر أن يسهم التعاون الصيني الباكستاني مع كابل في تخفيف الضغوط التي تعاني منها أفغانستان، عبر دعم البنية التحتية وتسهيلات استثمارية وتجارية. وتعكس هذه التحركات رغبة الصين في ترسيخ دورها لاعبا رئيسيا وضامنا للاستقرار في المنطقة.

في خلفية المشهد الإقليمي، تبرز خشية من أن يؤدي هذا التحالف إلى تصعيد التنافس بين بكين ونيودلهي، إذ تتابع الهند بحذر أي تقارب بين الصين وطالبان قد يقلل من نفوذها في آسيا الوسطى وجنوب آسيا.

وفي هذا السياق، حذر زعيم الحزب الإسلامي ورئيس الوزراء الأفغاني الأسبق قلب الدين حكمتيار، عبر تغريدة على منصة إكس، من أن انضمام طالبان إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني قد يثير رد فعل مضادا من الولايات المتحدة والهند وإيران، مؤكدا أن هذا التطور يتناقض مع توقعات واشنطن التي كانت تعتقد أن طالبان سترفض التعاون مع منافسيها.

ختامًا، تبقى نتائج اجتماع بكين مرهونة بقدرة الأطراف على ترجمة الاتفاقات إلى خطوات تنفيذية، وباستعداد كابل وإسلام آباد على تجاوز الخلافات السابقة، في ظل وساطة صينية براغماتية تحفل بحسابات النفوذ والمصالح.

مقالات مشابهة

  • سباق تسلح جديد بين الهند وباكستان: الطائرات المُسيّرة تدخل ساحة الصراع
  • تفجير حافلة مدرسية يعمق الأزمة بين الهند وباكستان
  • الهلال والاتحاد والأهلي يمثلون السعودية في دوري أبطال آسيا للنخبة 2025-2026
  • طالبان تبحث عن موطئ قدم بين حسابات الصين وباكستان المعقدة
  • نزاع الكونغو يتطلب نموذج سلام جديد
  • أردوغان وشهباز شريف يبحثان تعزيز التعاون بين تركيا وباكستان
  • غروندبرغ يختتم زيارته إلى الرياض ويؤكد أن الاستقرار الاقتصادي يُعد أساساً ضرورياً لأي تقدم سياسي مستدام
  • بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع مذكرتي تفاهم مع بنك الدولة المتحد للصناعة والتصدير في طاجيكستان والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي
  • الهند والصين وباكستان والتنافس الشرس لكسب ود طالبان
  • أكد أهمية التضافر لمواجهتها.. النائب العام: جرائم الإرهاب تهديد مباشر للأمن المجتمعي والاقتصادي عربياً