مات 5 من عائلته.. الجزيرة نت تروي مأساة طفل من ضحايا زلزال المغرب
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
أسني- على ربوة قريبة من مدخل قرية "تنصغارت" الجبلية قرب إمليل (منطقة سياحية معروفة) بمنطقة أسني في مراكش، يمدد الطفل حسين رجله المصابة إصابة خطيرة، ويتكئ على وسادة صغيرة تحت خيمة تقليدية، حيث يضع يدا وراء رأسه وأخرى على صدره.
حين يظهر أحدهم أمام خيمته، يحاول الاعتدال جاهدا لكن دون جدوى، وابتسامة مبهمة لا تفارق محياه، حيث لم يستوعب ما حدث رغم مرور أسبوع على الزلزال المدمر.
وما أن يبدأ حديثا وديا حتى يقطعه ويدخل في صمت طويل، علامة على ضرر نفسي لحق به جراء فقده لوالديه و3 من إخوته. يقول مترددا بكلام متقطع وهو شارد الذهن "أنا بخير، وأنتم؟".
تمر سيارة إسعاف وصفارتها تصم الآذان، تختفي ابتسامته، ويظهر الخوف على ملامحه، يمد يداه إلى رأسه كمن يريد أن يحتمي من شيء.
"جاء أبوه علي (45 سنة) إلى الدوار قبل 9 سنوات، يجر الخيبات وراءه، يبحث وهو على ظهر دابته عن مكان يأويه". كل ذلك يحكيه للجزيرة نت المواطن حسن أجداع الذي آواه بمنزله لوجه الله، معتبرا بقصة المهاجرين والأنصار.
وبعدما أخذ نفسا عميقا، وبدارجة تغلب عليها لكنة أمازيغية، يتذكر أجداع كيف التقاه في مسجد القرية بعد صلاة العشاء، ورق له قلبه وطلب منه أن يجلب كل أسرته ويتخذه صديقا منذ ذلك الحين.
ويقول أجداع "لك أن تتخيل وجود أسرة بينها أطفال تحت الأنقاض لمدة تفوق 10 ساعات، ثانية واحدة من الرعب قد تفقد المرء عقله".
ويضيف "سوي 30 منزلا بالأرض في الدوار ولم يعد لها أثر، ومات 9 أفراد، 5 منهم من عائلة حسين" وهو أمر جعل ما يجري حول الطفل الآن يصعب استيعابه".
قدم حسين إلى الدوار وعمره 4 سنوات، كان كتلة من النشاط والحيوية، متفوقا في دراسته، ويحلم أن يكون "ذا همة وشأن" والآن تحول حسين إلى كتلة صمت، كما يلاحظ الناشط إبراهيم أبو يحيى.
وفي المستشفى وسط قرية أسني الجبلية التي تبعد عدة كيلومترات، نصب خيام مستشفى ميداني، يقدم فيه الدعم النفسي لكل المتضررين من الزلزال.
ولكن حسين لا يريد الذهاب إلى أي مكان، فمجرد الحديث عن سفر يدخله في نوبة بكاء، كما يصف ذلك في حديث للجزيرة نت عمه لحسن أجارور الذي يبدو نفسه تائها مصدوما.
ويقضي حسين كل وقته في خيمته الصغيرة، ينتظر أن يكشف له معنى ما جرى، وحده عمه يتكفل به، وأخواه محمد 22 سنة وخالد 18 سنة يلازمانه، رغم أنهم لم يستطيعوا بعد الخروج من الصدمة.
وعن انطوائه، يقول الطبيب النفسي أحمد الكرعاني إن ما يعيشه المتضررون من الزلزال من صدمات، قد يكون نتيجة استقبالهم لمعلومات كبيرة ومخيفة في وقت وجيز، في ظروف اختلط فيها صوت الصراخ بدوي سقوط الجدران، إذ لا يستطع عقلهم استيعاب كل ذلك بطريقة طبيعية.
ويضيف الكرعاني للجزيرة نت "تزيد حدة الانطواء عند من فقدوا عزيزا لهم لا يمكن تعويضه" موصيا بالتعامل بحذر مع مثل هذه الحالات، والقيام بتمارين بسيطة وعلمية، تهدف إلى إرجاع المصدومين إلى الواقع، سواء بالتعداد التصاعدي (من 1 إلى 20) أو التناقصي (من 30 إلى 10) أو عد الأشياء المحيطة التي لها شكل أو لون معين.
أما عم حسين فهو حيران لا يدري هل يعتني بهذا الطفل الذي فقد شهية الأكل والحديث، أم يلتفت إلى ما بقي من أسرته في منطقة أخرى؟
من يرفع عينيه عاليا تبهره روعة منظر الجبال المجاورة، لكن آثار الدمار بادية على القرية، خيام هنا ومنكوبون هناك، ونساء يجهزن الطعام خارج خيمة ويقدمن الشاي لكل قادم وزائر.
وفي الطريق إلى منزل أسرة حسين الذي تحول إلى خراب، تجمع السكان حول المسجد، بينما يقوم إمامه بالمناداة عليهم فردا فردا لتلقي حقهم من المساعدات من أغطية وأفرشة ومؤن غذائية.
ووقوفهم في نظام وبانتظام، منظر لا تخطئه العين، بل تجد متضررا يتردد عن التقدم نحو المكلف بالتوزيع، ويقدم من له نفس اسمه.
ويقول إبراهيم أبو يحيى ناشط مدني للجزيرة نت "هنا الناس لبعضها، إيواء الزائرين وإطعام المحتاجين خلُق شائع بينهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
سعيد بنيس: المغرب الذي نعرفه انتهى... و"نيُوتمغربيت" تُنذر بتحولات سوسيولوجية عميقة
في مداخلة مثيرة للتفكير خلال ندوة علمية نظمتها الجمعية المغربية لعلم الاجتماع بكلية علوم التربية بالرباط، اليوم الأربعاء، تحت عنوان « أي دور لعلم الاجتماع في فهم وتفسير التحولات الاجتماعية؟ »، أطلق سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، سلسلة من الأفكار الجريئة التي حذرت من نهاية المغرب الذي نعرفه، لصالح مغرب جديد تشكله التكنولوجيا، والرقمنة، وتحولات المجتمع الافتراضي.
تحولات عميقة: من الواقع إلى الافتراضي
أكد بنيس أن المغرب يعيش تحولًا جذريًا يتمثل في الانتقال من « مجتمع التواصل الواقعي » إلى « مجتمع الاتصال الرقمي »، ومن « ثقافة الشفهي » إلى « ثقافة السمعي البصري »، حيث أصبح التعبير المجتمعي اليوم محكومًا بالوسائط الرقمية.
وأشار إلى أن المواطنة نفسها أخذت شكلاً جديدًا تحت مسمى « المواطنة الافتراضية »، مع بروز ما أسماه بـ »التنشئة الافتراضية داخل محاضن ديجيتالية »، بل وحتى داخل فضاء الذكاء الاصطناعي.
واستند بنيس إلى معطيات بحث ميداني وطني أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2018، ليدق ناقوس الخطر بشأن تأثير الرقمنة على الروابط المجتمعية. أبرز الأرقام تشير إلى أن 99% من المغاربة يستخدمون الإنترنت، و94.3% من المستخدمين فوق سن الخامسة يشاركون في المنصات الاجتماعية، مقابل وعي ضئيل بالمخاطر المرتبطة بها (21% فقط).
وطرح بنيس سلسلة من التساؤلات المحورية حول مدى صلاحية أدوات علم الاجتماع التقليدية لمواكبة التحولات المتسارعة في زمن الرقمنة، مقترحًا تطوير منهجيات جديدة تعتمد على « الميدياغرافيا » و »الأنثروبولوجيا الديجيتالية »، ومقاربة ثنائية تجمع بين الواقعي والافتراضي لفهم المجتمعات المعاصرة.
تحذير من الانحرافات الرقمية
وتوقف بنيس عند مخاطر المنصات الرقمية الكبرى (GAMA)، واستشهد بحالة منصة « تيك توك » في فرنسا، حيث شكلت أحد أسباب انتحار الشباب، والقيام بعمليات سادية على الجسد، واضطرابات الأكل.
ووصف هذا الانحراف الرقمي بأنه بات أحد تحديات السياسات العمومية، نظرًا لتزايد العنف، التنمر، الابتزاز، والكراهية، مضيفًا أن « الرابط الاجتماعي بات يمر عبر جسر افتراضي »، وهو ما يستدعي إعادة التفكير في مفاهيم التراحم وصلة الرحم في ظل هيمنة رموز مثل: « بلوك »، « لايك »، « سينيال »، و »ديبلوكي ».
من « تمغربيت » إلى « نيُوتمغربيت »
من بين المفاهيم اللافتة التي طرحها سعيد بنيس، تلك المتعلقة بظهور شكل جديد من الهوية سماه « نيُوتمغربيت »، تتأسس على التفاعلات الرقمية، وتتجلى في سلوكيات ومواقف تعيد تشكيل علاقة الفرد بذاته وبمحيطه.
واختتم بنيس مداخلته بالدعوة إلى إحداث مسارات علمية في السوسيولوجيا الرقمية داخل الجامعة المغربية، وإنشاء معهد وطني للعلوم الاجتماعية يكون همزة وصل بين البحث الأكاديمي وصناعة القرار.
كلمات دلالية العلوم الإجتماعية سعيد بنيس