الخليج الجديد:
2025-05-09@03:40:34 GMT

أولوية «احتواء الصين»... بين النوايا والوقائع

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

أولوية «احتواء الصين»... بين النوايا والوقائع

أولوية «احتواء الصين»... بين النوايا والوقائع

بينما تتّجه الأنظار نحو الشرق الأوكرانيّ، تتمدّد الصين غرباً نحو الشرق الأوسط.

من الأجدى بالنسبة إلى واشنطن تعديل سياساتها، وأن تأخذ في الحسبان الفرص الضعيفة جداً لنجاح أوكرانيا في اختراق الخطوط الدفاعية الروسية المحصّنة.

تحوُّل حرب أوكرانيا لحرب استنزاف مكلفة وممتدّة جدّد الشكوك بأوساط معتبَرة من النخب حول وجاهة سياسة بايدن حيالها، ودرجة اتّساقها مع أولوية احتواء الصين.

قد تؤدّي حرب أوكرانيا المديدة ومفاعيلها غير المنتظرة، لتورّط واستنزاف أميركي أكبر للقدرات والموارد، بدل تعبئتها وتركيزها في خضمّ المجابهة المركزية الصعبة مع الصين.

واشنطن لا تمتلك ترف المضيّ في صراع مديد في أوكرانيا على حساب معركة آتية مع الصين بالعقد الحالي. ما يحتم تصحيح الوجهة والاحتفاظ بموارد وقدرات ضرورية لهزيمة أيّ هجوم صينيّ.

* * *

لم تَعُد أولوية «احتواء الصين» والتصدّي لصعودها على المستوى الدولي في الأجندة الإستراتيجية للولايات المتحدة محطّ نقاش بين نخبها السياسية الرئيسية منذ مدة طويلة.

هذا النقاش بات متمحوراً حول مدى خضوع سياسات الإدارات المتعاقبة للأولوية المذكورة، أو حتى مدى انسجامها معها. أُخذ على إدارة دونالد ترامب، مثلاً، نتيجةً لتعاملها العدوانيّ والمتغطرس مع نظرائها الغربيين، إضعافها للتحالف العابر للأطلسي الذي لا بدّ منه لترجمة مثل هذه الأولويّة على أرض الواقع.

وعدّ البعض، وهم من أنصار إدارة جو بايدن، أن بين أبرز إنجازاتها، على خلفية الحرب في أوكرانيا أساساً، نجاحها في إحياء «حلف الناتو»، ما سيعزّز الموقع الدوليّ لواشنطن، ويمكّنها من خوض المواجهة مع بكين جنباً إلى جنبِ أبرز «الديموقراطيات المزدهرة».

غير أنّ التطوّرات الدولية في الآونة الأخيرة، وفي مقدّمتها تحوُّل النزاع في أوكرانيا إلى حرب استنزاف مكلفة وممتدّة إلى أجل غير منظور، جدّدت الشكوك في أوساط معتبَرة من هذه النخب حول وجاهة سياسة فريق بايدن حيالها، ودرجة اتّساقها مع أولوية احتواء الصين.

فبينما تتّجه الأنظار نحو الشرق الأوكرانيّ، حيث تحتدم المعارك في سياق هجوم مضادّ تشنّه قوات نظام كييف منذ الربيع الماضي، ولم يحقّق أهدافه الموعودة، تتمدّد الصين غرباً نحو الشرق الأوسط.

مراجعة التطوّرات في الأشهر الماضية، من زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى السعودية، ومشاركته في قِمم ثلاث، مروراً برعاية بكين الاتفاق الإيرانيّ - السعوديّ، وصولاً إلى زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى العاصمة الصينية، وتوقيع البلدَين اتفاقية شراكة إستراتيجية، تؤكد جميعها حقيقة توسُّع نفوذ الصين وتأثيرها في هذه المنطقة.

وتشكّل هذه التطوّرات هاجساً لروبرت كابلان، أحد الخبراء الإستراتيجيين الأميركيين البارزين، إلى حدّ إطلاق البعض عليه تسمية «ماكيندر القرن 21»، الذي يرى، في كتابه الأخير «نول الزمن: الإمبراطورية والفوضى من المتوسط إلى الصين»، أنها مؤشرات إلى اتّجاه تاريخيّ معاكس لذلك الذي ساد منذ أواسط القرن 17:

«ربّما تكون الإمبراطوريات قد ماتت، لكن العقلية الإمبراطورية ما زالت حيّة، كما يُظهر مثال الصين في الشرق الأوسط. شركة الهند الشرقية البريطانية هي التي دشّنت في الماضي، مع بدايات العصور الحديثة، التقدّم من أوروبا عبر الشرق الأوسط نحو الصين، لكنّنا نشهد اليوم تقدّماً صينيّاً في الاتّجاه المعاكس غرباً، ولنفس الدوافع التجارية والإستراتيجية».

أصحاب المنظور التاريخيّ يدركون الأبعاد العميقة والتاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة للتحدّي الصيني بالنسبة إلى الهيمنة الغربية بمجملها، ويدعون إلى تعبئة الموارد والطاقات للتركيز على التصدّي له بشكل شبه حصريّ.

أحد هؤلاء، ألريدج كولبي، مساعد وزير الدفاع الأميركي في عهد ترامب بين عامَي 2017 و2018، ومؤسّس «مبادرة ماراتون» الهادفة إلى تشجيع المستوى السياسيّ في الولايات المتحدة على الإعداد لمرحلة استعار المنافسة الإستراتيجية بين القوى العظمى، أكد، في مقال له في مجلّة «تايم» بعنوان «كيف نستطيع مساعدة أوكرانيا مع إعطاء أولوية مركزية لآسيا»، أن على واشنطن الاستدارة مجدّداً وبسرعة نحو غرب المحيط الهادئ للتهيؤ لاحتمال متزايد لنزاع مع الصين.

وللتذكير، فإن لكولبي كتاب مهمّ صدر في عام 2021، بعنوان «إستراتيجية الإنكار: الدفاع الأميركي في عصر صراع القوى العظمى»، يتمحور حول السبل «الأنجع والأكثر هجومية» لاحتواء تعاظم نفوذ بكين.

وبالعودة إلى مقال «تايم»، يعتقد الخبير الأميركي أنّ واشنطن لا تمتلك ترف المضيّ في التورّط في صراع مديد في أوكرانيا على حساب ما يظنّه معركة آتية مع بكين في العقد الحالي. هو يحضّ على «تصحيح الوجهة والاحتفاظ بالموارد والقدرات الضرورية لهزيمة أيّ هجوم صينيّ ضدّ خط الجزر الأول.

يتضمّن ذلك أسلحة هجومية، مثل: هايمرس وأتاكمس والمسيّرات التكتيكية، والمنظومات الدفاعية، مثل: باتريوت وهاربونز وستينغر وجافلين التي يحتاجها المدافعون التايوانيون والأميركيون لصدّ القوات الغازية.

يتضمّن ذلك أيضاً وسائل أخرى غير السلاح، كالمال والرأسمال السياسي والمصادر الاستخبارية والقاعدة الصناعية العسكرية». وعلى الأوروبيين، وفقاً لكولبي، تحمُّل القدر الأكبر من عبء مساندة أوكرانيا، مع تقديم الولايات المتحدة منح أسلحة وتجهيزات لن تحتاجها في حربها المحتملة في المحيط الهادئ كالمدافع والمدرعات والأسلحة الخفيفة وأجيال سابقة من المقاتلات، إضافة إلى المساعدات الاستخبارية.

بكلام آخر، وبمعزل عن حرص كولبي عن عدم الظهور بمظهر مَن يدعو إلى التخلّي عن الحلفاء الأوكرانيين، فإن جوهر ما يقوله هو أن المواجهة المصيرية بالنسبة إلى مستقبل بلاده، ليست في أوكرانيا.

أما دانييل ديفيز، الكولونيل السابق في الجيش الأميركيّ، والباحث الرئيس في «مركز الأولويات الدفاعية»، فقد أوضح، في مقال نشر على موقع مجلّة «نيوزويك» بعنوان «حان الوقت لقول الحقيقة حول الحرب في أوكرانيا وتصحيح المسار»، أنه «من الأجدى بالنسبة إلى واشنطن تعديل سياساتها، وأن تأخذ في الحسبان الفرص الضعيفة جداً لنجاح أوكرانيا في اختراق الخطوط الدفاعية الروسية المحصّنة.

لقد أنفق الأميركيّون ما يوازي 113 مليار دولار على هذه الحرب وجهّزوا أوكرانيا بكمّ مهول من الأسلحة الحديثة والذخائر، وقاموا بتدريب أعداد ضخمة من الجنود والضباط، وأمّنوا الدعم الاستخباري. وبعد حوالى سنة من الإعداد، بالكاد أثّر ذلك في خطوط الدفاع الروسية». ينصح دافيس، في خاتمة مقاله، بالبحث عن طرق ديبلوماسية وسياسية لوقف الحرب.

يخشى أنصار هذه الآراء من أن تؤدّي الحرب المديدة في أوكرانيا ومفاعيلها، بخاصّة تلك غير المنتظرة، إلى تورّط أميركي أكبر، واستنزاف أكبر للقدرات والموارد، بما في ذلك الموارد الذهنية، بدلاً من تعبئتها وتركيزها في خضمّ المجابهة المركزية وبالغة الصعوبة والشاملة مع الصين.

صحيح أن مجمل السياسات التي اعتمدتها إدارة بايدن في السنوات الماضية، من إقامة الأحلاف في منطقة آسيا - المحيط الهادئ إلى إعادة التوطين لمصانع أشباه المواصلات في أميركا، مروراً بمجمل حركتها السياسية والديبلوماسية في الشرق الأوسط، كدفعها المحموم من أجل تطبيع سعوديّ إسرائيليّ، كانت جميعها محكومة أساساً بأولوية احتواء دور الصين الصاعد.

لكنّ البعض في واشنطن مقتنع بأن ما أُنجز إلى الآن في هذا المضمار غير كافٍ، وبأن المطلوب هو التفرّغ تماماً لهذه المهمّة الشاقة وغير مضمونة النتائج.

*د. وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصين أميركا احتواء الصين تايوان حرب أوكرانيا حرب استنزاف احتواء الصین الشرق الأوسط بالنسبة إلى فی أوکرانیا نحو الشرق مع الصین

إقرأ أيضاً:

ميرتس يؤكد من بولندا: أمن الحدود أولوية ونتعهد بالتشدد في ملف الهجرة غير النظامية

تعهد المستشار الألماني الجديد بمكافحة الهجرة غير النظامية، في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه يوم الثلاثاء. اعلان

زار المستشار الألماني فريدريش ميرتس العاصمة البولندية وارسو حيث عقد مباحثات مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، تناولت التحديات الدولية الراهنة، إلى جانب قضايا الدفاع والأمن، والعلاقات الثنائية بين البلدين.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقب الاجتماع المغلق بين الزعيمين، شدد ميرتس على ضرورة تعزيز أمن الحدود الأوروبية، متعهدًا باتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة الهجرة غير النظامية.

كما أعلن عن انضمام الحكومة الألمانية الجديدة إلى مبادرة أوروبية تهدف إلى تشديد سياسات الهجرة. وقال ميرتس: "هناك مبادرة تقودها عدة دول أوروبية، هي الدنمارك وهولندا وإيطاليا، وقد التحقت بها دول أخرى لتشديد سياسات اللجوء والهجرة في أوروبا".

وأضاف: "حكومتي، الحكومة الفيدرالية الجديدة، ستنضم إلى هذه المبادرة، وسنعمل معًا من أجل التوصل إلى قرار مشترك. نحن ندرك أننا نعيش في عالم لا يمكننا فيه إيجاد حلول إلا في إطار جماعي، وهذا هو أيضًا هدف الحكومة الفيدرالية الجديدة".

Relatedألمانيا: ميرتس يخسر الجولة الأولى.. لا أغلبية تسمح له بالوصول إلى منصب المستشارأكبر ثلاثة أحزاب في ألمانيا توقع على اتفاقية تشكيل ائتلاف حكومي فريدريش ميرز يؤدي اليمين الدستورية مستشارا لألمانيا بعد تصويت مثير للجدل في البرلمان

وفي إطار السياسات الوطنية، كشف ميرتس عن خطط حكومته لتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود من خلال نشر مزيد من عناصر الشرطة، بهدف ضبط الهجرة غير النظامية واتخاذ إجراءات لإعادة بعض طالبي اللجوء.

من جهته، دعا رئيس الوزراء البولندي ألمانيا إلى رفع مستوى إنفاقها الدفاعي، معتبرًا أن ذلك من شأنه أن يعزز أمن القارة الأوروبية.

وتابع توسك: "ليس من السهل، بالنظر إلى التاريخ، أن أقول علنًا كرئيس وزراء بولندي إنني أتطلع بشدة إلى أن تتجه ألمانيا نحو تعزيز قدراتها العسكرية بوتيرة أسرع".

وأضاف: "أن نرى ألمانيا مسلّحة لا يحظى بشعبية في بولندا، لكننا لحسن الحظ أمام واقع مختلف اليوم، واقع توجد فيه ألمانيا أخرى، وبولندا أخرى، وتهديدات أخرى أيضا".

المصادر الإضافية • AP

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • الحاج توفيق: تمكين الشباب أولوية وطنية ترجمة للتوجيهات الملكية
  • ميرتس يؤكد من بولندا: أمن الحدود أولوية ونتعهد بالتشدد في ملف الهجرة غير النظامية
  • محافظ جنوب سيناء يتابع جهود احتواء أزمة التلوث في أبورديس
  • شي جين بينغ بموسكو للتباحث حول أوكرانيا والعلاقات مع واشنطن
  • وزيرة البيئة: دمج التخطيط المناخي في السياسات التنموية أولوية لمصر
  • الحوثيون: الرد على إسرائيل مستمر ودعم غزة أولوية لا تقبل المساومة
  • التوتر مع واشنطن.. هل خسر نتنياهو ورقة الدعم الأميركي ضد إيران؟
  • هل تنجح طهران في احتواء التوتر الباكستاني الهندي؟
  • الرئيس السيسي يؤكد على ضرورة زيادة الاحتياطي الأجنبي وخفض الدين العام والخارجي
  • الصين تعتمد الدبلوماسية الصامتة لتهدئة التوتر التجاري مع واشنطن ..تفاصيل