التدين والثورة والخروج من التاريخ!
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
أتهيب وأنا أكتب هذه السطور.. ففى حضرة «مصر الأخرى» مهابة، تشعرك بها كتابات المفكر نبيل عبدالفتاح. هذا التعبير هو صاحبه، ولأنه ينشغل بما لا ينشغل به الآخرون، من دراسة «التدين والثورة الرقمية وجدل الفعلى والرقمى فى تشكيل الحالة الدينية» _ وبالمناسبة هذا عنوان أحدث كتبه–إلى تذكيرنا بمقامات الكبار.. الذين هم أولياء الله الصالحين حقا.
فى كتابه الأخير -الذى سأروى قصة صدوره لاحقًا–«التدين والثورة الرقمية،جدل الفعلى والرقمى فى تشكيل الحالة الدينية» فإن نبيل عبدالفتاح يكتب إهداء غريبا يشبه الاعتراف يذكرنى بكلمات د. وهبة: «إلى زمنى الضائع بلا «نوستالجيا» ولا أسف ولا أسى، وإلى عالم ما بعد الإنسان وتطوراته المذهلة، والأمل فى حياة كونية عادلة ومتوازنة، وإلى أجيال الحياة فى عالم الروبوتات، تذكرونا.. حاولنا مع غيرنا أن ندفع مصر وعالمنا العربى نحو التقدم، لكن وأسفاه! خارج التاريخ! إهداء مُبْكٍ ودامع لمن يقرؤه، لكنه شديد وقوى وجريء من كاتبه.
في الاحتفال بمئوية ميلاده ذكرنا الكاتب الكبير عبدالله السناوى بما قاله الأستاذ هيكل عن مصر فى مسألة الخروج من التاريخ.. يقول الأستاذ: اول ما يتوجب علينا أن نعرف الحقيقة ونواجه تحدياتها ونجد حلولا لأزمات الوجودية التى تعترضنا «مصر لم تعد كما عرفتها، ملامحها تغيرت. «التجريف الذى حصل فى مصر والقحط الذى نال من الأفكار والبشر والطموحات أوصلنا بعد سنين طويلة من النهضة واليقظة لسؤال الوجود نكون أو لا نكون. يقول السناوى فى مقال له إن سؤال الأستاذ لم يجد إجابة وانكفأ المثقفون بعد الدور الكبير الذى لعبوه فى التمهيد لـ (٣٠)يونيو بأثر الخيارات التى اتبعت، وعلى قناة سى بى سى تصاعد منسوب قلق الأستاذ، فكان أن سمعنا منه نفس تحذير مراد وهبة عن الخروج من التاريخ.
من مراد وهبة وصولا إلى نبيل عبدالفتاح، فإنه صاغها كالقذيفة: نحن واأسفاه خارج التاريخ.
فى سلسلة بدأها منذ عامين تقريبا، عندما لمح نبيل عبدالفتاح العجب العجاب فى مجتمعنا، راح يذكرنا بمصر البازغة الضوء المشرقة التاريخ والحضارة.. مصر الأدب والفن والموسيقى والغناء والعلوم.. مصر طه حسين وسيد درويش ومشرفة والأخوين وانلي والتابعى وفؤاد مرسى.. إلى آخر الراحلين العظماء. يفسر حديثه عن مصر الأخرى وتحيته لهؤلاء بأنهم « لم يطلبوا شيئا من أحد وظلوا بعيدين عن صخب السلطة وعملائها ومضوا كل فيما يعمل مستقلا، معسورين ومرضى ولم يستكينوا وظلوا رمزا على بلاد لم تهتم بهم هم، وهذا هو الرمز والرسالة».. يتبع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود الشربيني مصر الأخرى من التاریخ
إقرأ أيضاً:
التطرف ليس فى التدين فقط
حددت وزارة الأوقاف خطبة اليوم الجمعة بعنوان «التطرف ليس فى التدين فقط». وقالت الوزارة إن التوعية بخطورة التعصب بجميع أشكاله لاسيما التعصب الرياضى ضرورة، وأشارت إلى أن التطرف ظاهرة ليست مرتبطة بالدين وحده بل هى سلوك إنسانى قد يظهر فى أى مجال يمارس فيه الإنسان انتماءه أو قناعته والتطرف فى جوهره ليس فكرة دينية بقدر ما هو نفسية وفكرية سواء كان دينيا أو رياضيا أو ثقافيا.
أَوَّلًا: نَهْى الإِسْلَامِ عَنِ التَّطَرُّفِ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ.
لقد نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التطرف والتشددِ والغلوِّ بجميع صور التشدد والتطرف والغلو، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». (البخارى ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: » معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ فى الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ صلى الله عليه وسلم: «لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ «يعنى: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ. أ».
والتطرُّفُ والتعصُّبُ ليسا مقصورين على أبوابِ العبادةِ والتديُّنِ فقط، بل قد يكونُا فى العاداتِ والأعرافِ والفكرِ والرِّياضةِ والإعلامِ، وكلُّها صُوَرٌ لميلِ الإنسانِ عنِ الحقِّ والوَسَطِ الذى شرعَهُ اللهُ تعالى لعبادِهِ.
فمَن تعصَّبَ لرأيِهِ ورفضَ الحوارَ، فقد تطرَّفَ فى الفكرِ. ومَن جعلَ هواهُ قاضيًا فى كلِّ نزاعٍ فقد تطرَّفَ فى السلوكِ. ومَن تحزَّبَ لقبيلتِهِ أو لجهتِهِ وتعالَى على الناسِ فقد تطرَّفَ فى النَّسَبِ والانتماءِ. ومَن عادَى الناسَ لخلافِ رأىٍ أو لونٍ أو موقفٍ فقد تطرَّفَ فى الإنسانيّةِ نفسِها.
لذلك نهانا الإسلامُ عنِ التطرُّفِ والتعصُّبِ بكلِّ صُوَرِهِما وأشكالِهِما وألوانِهِما، وحثَّنا على الوسطيةِ والاعتدالِ، لأنَّ الدِّينَ الإسلامىّ دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ، كما أنَّ هذهِ الأمَّةَ المحمدىّةَ أمَّةُ الوسطيةِ والاعتدالِ، قالَ تعالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: 143.
إنَّ من يتأمَّلْ الواقعَ يُدرِكْ أنَّ أنماطَ التطرّفِ تتشابهْ فى جذورِها، مهما اختلفَتْ مظاهرُها، فالتعصّبُ لفريقٍ رياضي قد يحمِلُ السماتِ نفسَها التى يظهرُ بها التشنّجُ لمذهبٍ أو حزبٍ أو رأىٍ أو جماعةٍ، وما ذاكَ إلَّا لأنَّ المشكلةَ ليستْ فى الميادينِ ذاتِها، بل فى الذهنيّةِ المتشدّدةِ التى تُحوِّلُ الاختلافَ إلى تهديدٍ، والرأىّ المخالفَ إلى خصمٍ يجبُ إسقاطُهُ.
والتعصّبُ الرياضىُّ – وإنْ شِئْتَ فقلْ: (التعصّبُ الكروىُّ) – من الظواهرِ الاجتماعيةِ المنتشرةِ على الساحةِ، فهذا يتعصّبُ لفريقٍ، وذاكَ يتعصّبُ لفريقٍ آخرَ، ناهيكَ عمَّا تحملُهُ هذه العصبيةُ من عداواتٍ وأحقادٍ وبغضاءَ وصراعٍ وشقاقٍ. لذلك نهى الشارعُ الحكيمُ عن العصبيةِ بكلِّ صورِها وأشكالِها.