الحرب ليست «حتمية لا فكاك منها»
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
الواقع أن الاستثمار في قوة الردع العسكرية الأمريكية يلاقي ترحيبا من قِـبَـل بلدان عديدة راغبة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين لكنها لا تريد الخضوع لهيمنتها. وإذا حافظت الولايات المتحدة على تحالفاتها وتجنبت شيطنة الآخرين واللجوء إلى قياسات تاريخية مضللة، فسوف تصبح «المنافسة التعاونية» هدفا مستداما.
تُـعَـد منافسة القوى الكبرى الدائرة بين الولايات المتحدة والصين الـسِـمة المميزة للقسم الأول من هذا القرن، ولكن لا يتفق كثيرون حول الكيفية التي ينبغي لنا أن نصف بها هذه المنافسة.
يراها بعض المراقبين «منافسة دائمة»، أشبه بتلك التي كانت بين ألمانيا وبريطانيا قبل الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن الماضي. ويخشى آخرون أن تكون أمريكا والصين أقرب إلى إسبرطة (القوة المهيمنة) وأثينا (القوة الصاعدة) في القرن الخامس قبل الميلاد: «مصيرهما الحرب». المشكلة بطبيعة الحال هي أن الاعتقاد بحتمية الصراع من الممكن أن يتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها بذاتها.
الواقع أن مصطلح «المنافسة الدائمة» في حد ذاته مضلل. ما علينا إلا أن نتأمل في كل المراحل التي مرت بها العلاقة الصينية الأمريكية منذ وصل الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة في عام 1949. في خمسينيات القرن العشرين كان الجنود الأمريكيون والصينيون يقتلون بعضهم بعضا على شبه الجزيرة الكورية. وفي السبعينيات، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين، تعاون البلدان بشكل وثيق لموازنة ثِـقَـل الاتحاد السوفييتي. وفي التسعينيات، تزايدت المشاركة الاقتصادية، ودعمت الولايات المتحدة التحاق الصين بعضوية منظمة التجارة العالمية. ولم ندخل المرحلة الحالية من المنافسة بين القوى الكبرى إلا في عام 2016، حيث وَصَف أحد المسؤولين الأمريكيين الصين بأنها «تهديد متسارع الوتيرة» ــ بمعنى أنها «الدولة الوحيدة التي قد تشكل تحديا جهازيا» لأمريكا «اقتصاديا، وتكنولوجيا، وسياسيا، وعسكريا». ولكن حتى لو كانت المنافسة الدائمة لا تعني ضمنا الصراع العنيف، فماذا عن «الحرب الباردة»؟ إذا كان هذا المصطلح يشير إلى منافسة محتدمة مطولة، فإننا بهذا نخوض حربا باردة بالفعل؟ ولكن إذا كان الأمر مجرد قياس تاريخي، فإن المقارنة تصبح في غير محلها، وتهدد بتضليلنا بشأن التحديات الحقيقية التي تواجهها الولايات المتحدة من جانب الصين.
كانت الاتكالية المتبادلة العالمية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عالية المستوى على الصعيد العسكري، لكنها على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي كانت غائبة تماما تقريبا. اليوم، تختلف العلاقات الصينية الأمريكية في كل هذه الأبعاد.
بادئ ذي بدء، لا تستطيع أمريكا فصل تجارتها واستثماراتها بشكل كامل عن الصين دون أن تُـلـحِـق بذاتها والاقتصاد العالمي أضرارا جسيمة. علاوة على ذلك، لا يهدد انتشار الإيديولوجية الشيوعية الولايات المتحدة وحلفاءها، بل يأتي التهديد من نظام الاتكالية المتبادلة على المستويين الاقتصادي والسياسي والذي يتلاعب به الجانبان على نحو روتيني.
الحق أن الانفصال الجزئي أو «إزالة المخاطر» في ما يتصل بالقضايا الأمنية أمر ضروري، لكن الانفصال الاقتصادي الكامل سيكون باهظ التكلفة، ولن يحذو حذو الولايات المتحدة إلا قِـلة من حلفائها. ذلك أن مجموعة متزايدة من البلدان تعتبر الصين وليس الولايات المتحدة، شريكها التجاري الرئيسي. ثم هناك الجوانب البيئية للاتكالية المتبادلة، والتي تجعل الانفصال مستحيلا. فلا قِـبَـل لأي دولة بالتصدي وحدها لتحدي تغير المناخ، أو التهديد الذي تفرضه الجوائح الـمَـرَضية، أو غير ذلك من المشكلات العابرة للحدود الوطنية. فنحن، في السراء والضراء، عالقون في «منافسة تعاونية» مع الصين، وفي احتياج إلى استراتيجية قادرة على تحقيق أهداف متناقضة.
لا شك أن الوضع لا يشبه على الإطلاق محاولات الاحتواء أثناء الحرب الباردة. إن تلبية تحدي الصين يتطلب اتباع نهج يستفيد من التحالفات والنظام القائم على القواعد الذي أنشأته الولايات المتحدة. ويُـعَـد حلفاء مثل اليابان، وشركاء مثل الهند، أصولا تفتقر إليها الصين. فرغم أن مركز الـثِـقِـل الاقتصادي العالمي تحول من أوروبا إلى آسيا على مدار القرن الماضي، فإن الهند، وهي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالَـم، تُـعَـد واحدة من أقدم منافسي الصين.
الواقع أن العبارات المبتذلة حول «الجنوب العالمي» أو التضامن بين أعضاء مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) مضللة إلى حد بعيد، لأنها تتجاهل الخصومات الداخلية ضمن هذه الفئات. علاوة على ذلك، سوف تظل ثروات الحلفاء الديمقراطيين الغربيين مجتمعة متفوقة على ثروة الصين (بالإضافة إلى روسيا) لعقود طويلة في قرننا هذا.
لكي تحرز الاستراتيجية الأمريكية النجاح في التعامل مع الصين فلابد وأن تحدد أهدافا واقعية. إذا كانت الولايات المتحدة تُـعَــرِّف النجاح الاستراتيجي على أنه النجاح في تحويل الصين إلى ديمقراطية غربية، فمن المرجح أن تفشل. ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني يخشى التحرير على طريقة الغرب، والصين أكبر من أن يتسنى غزوها أو تغييرها جوهريا بأساليب قسرية. وتنطبق هذه الحقيقة على الجانبين: فالولايات المتحدة لديها مشاكل داخلية، لكن من المؤكد أن هذه المشاكل لا تدين بأي شيء لجاذبية الشيوعية الصينية. في هذا الجانب المهم، لا تشكل الصين ولا الولايات المتحدة تهديدا لوجود الأخرى ــ ما لم تتورط في حرب كبرى.
لا يتمثل أفضل تشبيه تاريخي هنا في أوروبا ما بعد 1945 أثناء الحرب الباردة بل أوروبا ما قبل الحرب العالمية الأولى في عام 1914. لقد رحب قادة أوروبا بما تصوروا أنه سيكون صراعا قصير الأمد في البلقان، لكنهم حصلوا بدلا من ذلك على سنوات الحرب العالمية الأولى الأربع الرهيبة.
الآن، يتنبأ بعض المراقبين بأن تنزلق الولايات المتحدة والصين إلى حرب مماثلة حول تايوان. عندما التقى نيكسون وماو تسي تونج في عام 1972، لم يتمكنا من الاتفاق على هذه القضية، لكنهما ابتكرا صيغة تقريبية لإدارتها والتي دامت نصف قرن من الزمن: لا استقلال لتايوان بحكم القانون، ولا استخدام للقوة ضد الجزيرة من جانب الصين. ويتطلب الحفاظ على الوضع الراهن ردع بكين وفي الوقت ذاته تجنب أي استفزاز قد يتمثل في دعم استقلال تايوان بشكل قانوني. الحرب مجازفة، لكنها ليست مجازفة حتمية. ينبغي للولايات المتحدة أن تتوقع صراعات اقتصادية منخفضة الحدة مع الصين، لكن هدفها الاستراتيجي يجب أن يكون تجنب التصعيد ــ وهو ما أطلق عليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مؤخرا وصف «التعايش السلمي». هذا يعني استخدام الردع لتجنب اندلاع حرب ساخنة، والتعاون كلما أمكن، والاستفادة من القوة الأمريكية الصارمة والناعمة لاجتذاب الحلفاء، وحشد الأصول المحلية اللازمة للمنافسة بنجاح. يجب أن يكون الهدف تشكيل سلوك الصين الخارجي من خلال تعزيز تحالفات أمريكا ومؤسساتها الدولية. على سبيل المثال، يتمثل المفتاح إلى تعزيز المصالح الأمريكية في بحر الصين الجنوبي في اليابان، الحليفة الوثيقة التي تستضيف قوات أمريكية. ولكن لأن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى تعزيز مزاياها الاقتصادية والتكنولوجية، فمن الحكمة أن تتبنى سياسة تجارية آسيوية أكثر نشاطا، وأن تقدم المساعدة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تتودد إليها الصين. تشير استطلاعات الرأي العالمية إلى أن الولايات المتحدة قادرة، إذا حافظت على انفتاحها الداخلي وقيمها الديمقراطية، على اكتساب قدر أعظم كثيرا من القوة الناعمة مقارنة بالصين.
الواقع أن الاستثمار في قوة الردع العسكرية الأمريكية يلاقي ترحيبا من قِـبَـل بلدان عديدة راغبة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين لكنها لا تريد الخضوع لهيمنتها. وإذا حافظت الولايات المتحدة على تحالفاتها وتجنبت شيطنة الآخرين واللجوء إلى قياسات تاريخية مضللة، فسوف تصبح «المنافسة التعاونية» هدفا مستداما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الواقع أن مع الصین فی عام
إقرأ أيضاً:
تحذير دولي من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في غزة.. وتل أبيب تؤكد: الجثة الرابعة التي سلمتها حماس ليست لمختطف إسرائيلي
حذرت منظمة “هانديكاب إنترناشونال” من خطر بالغ تشكله الذخائر غير المنفجرة في قطاع غزة، لا سيما مع عودة النازحين إلى منازلهم في القطاع المدمر جراء الحرب الأخيرة. وأكدت المنظمة أن هذه الذخائر تشكل تهديدًا كبيرًا على سلامة المدنيين.
وقالت آن-كلير يعيش، مديرة المنظمة في الأراضي الفلسطينية، في بيان لها، إن هناك حاجة ماسة للسماح بإدخال المعدات اللازمة لعمليات إزالة الألغام وتأمين المناطق السكنية. وأضافت أن التقديرات تشير إلى سقوط نحو 70 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب، مما يجعل المخاطر هائلة.
وأوضحت يعيش أن الوضع الإنساني والأمني في القطاع شديد التعقيد، بسبب ارتفاع مستويات الدمار وطبقات الأنقاض التي تعيق عمل فرق إزالة الألغام، لا سيما في بيئة حضرية مكتظة ومحدودة المساحة.
وأكدت أن المنظمة تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى المناطق المتضررة، محذرة من أن أي تأخير في السماح بدخول فرق إزالة الألغام والمعدات اللازمة قد يعرض حياة المدنيين للخطر، خاصة مع عودة مئات الآلاف إلى منازلهم في غزة.
تل أبيب توضح بشأن الجثة الرابعة التي سلمتها حماس: ليست لمختطف إسرائيلي
أفاد مصدر أمني إسرائيلي بأن الجثة الرابعة التي سلّمتها حركة “حماس” في إطار اتفاق إعادة رفات الرهائن لا تعود لمختطف إسرائيلي، بل لفلسطيني من قطاع غزة.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن المصدر أن التحقيقات الأولية أكدت أن هذه الجثة ليست لشخص مختطف إسرائيلي، ما يعني أن عدد رفات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس لا يزال 21 رهينة.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد تعرفت رسميًا على هويات ثلاث جثث سُلمت سابقًا، تعود لكل من أورييل باروخ، إيتان ليفي، والعريف تامير نمرودي. وأوضح “مقر عائلات المخطوفين” أن تامير نمرودي تم اختطافه حيًا من قاعدته العسكرية لكنه قُتل لاحقًا بنيران الجيش الإسرائيلي أثناء الأسر.
يأتي هذا في سياق استمرار التوتر بين الجانبين، وسط جهود لتسليم المزيد من الرفات والتوصل إلى تفاهمات حول الأسرى والمعتقلين.
وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير يشدد لهجته ضد “حماس” ويدعو إلى محوها عن وجه الأرض
هاجم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، حركة “حماس” بشدة، متهمًا إياها بالعودة إلى أساليب الكذب والخداع وانتهاك حرمة العائلات والأموات، ودعا إلى ضرورة محو الحركة “عن وجه الأرض”. جاء ذلك خلال إفادة صحفية عقب إعلان اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، بعد حرب دامت عامين.
وقال بن غفير: “كفى إذلالًا، بعد لحظة من فتح البوابات لمئات الشاحنات، عادت حماس سريعا إلى أساليبها المعروفة — الكذب والخداع وانتهاك حرمة العائلات والأموات، الإرهاب النازي لا يفهم إلا القوة، والطريقة الوحيدة لحل المشاكل معه هي محوه عن وجه الأرض”.
ويأتي هذا التصريح في ظل الاتفاق الذي نصّ على التزام “حماس” بالإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها، سواء كانوا أحياء أو موتى، خلال 72 ساعة من بدء الهدنة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
إلا أن الأيام الأخيرة شهدت توترًا متزايدًا بعد أن أعادت “حماس” عددا محدودا من جثامين الأسرى الإسرائيليين، مشيرة إلى صعوبات في تحديد أماكن باقي الجثامين داخل القطاع. ووفقًا لمصادر إسرائيلية، فإن الحكومة تعتبر أي تأخير في تنفيذ بنود الاتفاق إخلالًا بالتفاهمات، وقد بدأت بمناقشة خيارات الرد الممكنة في حال عدم استكمال إعادة جميع الجثامين خلال المهلة المحددة.