مصر بعد ثورة 30 يونيو.. قرارات سيادية أنهت الجماعة وأعادت الهيبة للدولة
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد موجة غضب عابرة أو حراكًا احتجاجيًا محدودًا، بل لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث، حين قرر الشعب أن يستعيد دولته من قبضة جماعة حاولت اختطافها.
خرج الملايين في مشهد غير مسبوق، رفضًا لحكم جماعة الإخوان، التي أثبتت خلال عام واحد فقط فشلها في إدارة الدولة، وسعيها المحموم لأخونة مؤسساتها، وضرب مقومات التعددية، وفرض واقع لا يعبر عن المصريين.
ومع انحياز الجيش بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإرادة الجماهير، بدأت مرحلة جديدة، انطلقت خلالها قرارات حاسمة أعادت للدولة هيبتها، ومهدت الطريق لبناء جمهورية جديدة وكانت اهم القرارت كالآتي:
عزل مرسي
في الثالث من يوليو 2013، أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة وقتها، عزل محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بتولي إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية.
جاء القرار بعد مهلة 48 ساعة منحتها المؤسسة العسكرية لإيجاد مخرج سياسي يرضي الجماهير، دون استجابة حقيقية من الرئاسة، ما دفع القوات المسلحة لإعلان خارطة طريق.
دستور جديد وانتخابات رئاسية
في إطار استعادة مؤسسات الدولة، أطلقت القيادة المصرية خارطة طريق شملت تعديل دستور 2012 الذي صيغ في عهد الإخوان، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.
وبالفعل، تم تكليف المستشار عدلي منصور بتولي رئاسة الجمهورية مؤقتًا، بينما شكلت لجنة الخمسين لإعداد دستور جديد يعبر عن تطلعات الدولة المدنية الحديثة. وفي عام 2014، أقر الدستور الجديد بأغلبية ساحقة، ليشكل أول خطوة في بناء دولة ما بعد الجماعة.
تفويض شعبي لمكافحة الإرهاب
في 26 يوليو 2013، وجه السيسي نداء إلى الشعب المصري طالبًا منحه تفويضًا شعبيًا لمواجهة الإرهاب المحتمل والعنف المسلح.
استجاب الملايين لهذا النداء واحتشدوا في الميادين،
مثّل هذا التفويض غطاءً سياسيًا وأمنيًا لبدء المواجهة الشاملة مع الجماعة الإرهابية خاصة في سيناء، وتفكيك شبكات التمويل والتحريض التي خرجت للعلن عقب سقوط حكم الجماعة.
تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي
في ديسمبر 2013، أعلنت الحكومة المصرية رسميًا جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، القرار لم يكن رمزيًا، بل تضمن تبعات قانونية شملت تجميد أموال الجماعة، وملاحقة أعضائها، واعتبار أي دعم مباشر أو غير مباشر لها جريمة يعاقب عليها.
كان هذا التصنيف بداية مواجهة قانونية مع التنظيم، وقطعًا واضحًا لأي إمكانية للعودة إلى المجال السياسي تحت عباءة الجماعة.
تعديل الدستور.
أبرز التحولات السياسية بعد الثورة تمثلت في تعديل الدستور عامي 2014 و2019، حيث حذفت المواد التي كانت تمنح غطاءً شرعيًا لخطاب الجماعة داخل مؤسسات الدولة.
تم تثبيت مدنية الدولة كمبدأ دستوري، وتحصين دور الجيش في حماية الشرعية الدستورية، وضمان استقلال القضاء.
كما أضيفت مواد تعزز دور المرأة والشباب، وتمنع تسلل أي تيار ديني إلى السلطة.
حل الجمعيات المرتبطة بالإخوان
في ضوء تصنيف الجماعة تنظيمًا إرهابيًا، بدأت الدولة حملة لحل الجمعيات الأهلية التي ثبت ارتباطها بالتنظيم.
شملت الحملة أكثر من 1000 جمعية ومؤسسة، جرى التحفظ على أموالها ومقراتها، وإحالة إدارتها إلى جهات حكومية مختصة.
وكان الهدف منها قطع التمويل المحلي والدولي الذي كانت تتلقاه الجماعة.
تطهير مؤسسات الدولة
بدأت الدولة المصرية بعد الثورة خطوات إدارية وأمنية تهدف إلى تطهير مؤسسات الدولة من عناصر الجماعة ، خاصة في الوزارات والمحليات وقطاع التعليم.
جاءت تلك الإجراءات بعد تقارير رقابية وأمنية أثبتت وجود شبكات تنظيمية داخل مفاصل الدولة، كانت تمكن الجماعة من فرض أجنداتها حتى بعد سقوطها من الحكم.
قانون الكيانات الإرهابية.
في عام 2015، أقر البرلمان قانون الكيانات الإرهابية، الذي منح الدولة أداة قانونية صارمة لمواجهة الإرهاب والتنظيمات غير الشرعية.
عرف القانون الكيان الإرهابي بشكل دقيق، وسمح بإدراج الأفراد والكيانات على قوائم الإرهاب، مع ما يترتب على ذلك من تجميد الأموال والمنع من السفر وتوقيع العقوبات.
إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب
لم تكتف الدولة بالمواجهة الأمنية، بل أطلقت استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف، شملت:
• إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
• تطوير الخطاب الديني بالتعاون مع الأزهر والأوقاف.
• دعم التعليم والإعلام لمواجهة الفكر المتشدد.
كما نجحت القوات المسلحة في تطهير مناطق واسعة من شمال سيناء، وتدمير بنية التنظيمات الإرهابية التي استخدمت الفراغ الأمني ما بعد 2011.
إغلاق المنابر الإعلامية للتنظيم
اتخذت الدولة أيضًا قرارات لإغلاق القنوات والمواقع التابعة للجماعة، التي كانت تبث خطابًا تحريضيًا.
شملت الإجراءات مراقبة التمويل الخارجي، وضبط ترددات البث، ومخاطبة المنصات الدولية لمنع بث قنوات التحريض من الخارج.
دولة استعادت هيبتها
بفضل مجموعة من القرارات السيادية المدروسة، استطاعت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو أن تنهي تمدد جماعة الإخوان، وتعيد بناء المؤسسات على أسس وطنية.
وقرر الشعب ان لا يسمح باختطاف الوطن، وأعادت مصر تعريف نفسها كدولة ذات سيادة وهيبة.
قال كمال ريان، المتخصص في الشؤون البرلمانية والرئاسية، لـ صدى البلد إن جماعة الإخوان ارتكبت خطايا جسيمة في حق الشعب المصري، وليست مجرد أخطاء عابرة، وهو ما عجل بسقوطهم السريع وفضح مخططاتهم مبكرًا أمام الناس.
وأكد ريان أن الشعب كشف خداع الجماعة منذ اللحظة الأولى، قبل حتى أن يرفعوا شعار “مشاركة لا مغالبة” الذي استخدموه لخداع القوى السياسية، لكنهم لم يلتزموا به على الإطلاق، وسرعان ما سعوا للسيطرة الكاملة على المشهد السياسي.
وأضاف أن الخدعة الكبرى الثانية كانت حين أعلنوا أنهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة، ثم فوجئ الجميع بأنهم دفعوا بمرشح رئاسي، رغم وعودهم العلنية بعدم الترشح، وعندما تم رفضه دفعوا بمرشح احتياطي، في إصرار غريب على خرق كل الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم أمام الشعب.
وشدد ريان على أن هذه الخيانات المتكررة والوعود المهدرة أدت إلى تراكم الغضب الشعبي، خاصة بعد أن سعى الإخوان بشكل محموم إلى “أخونة الدولة”، واستبدال الكفاءات في مؤسسات الدولة بكوادر منتمية للتنظيم، وهو ما وصفه بـ”الأمر المفجع”.
وتابع كمال مع كل هذه التصرفات، بدأ الغضب الشعبي يتصاعد، خاصة بعد الإعلان الدستوري الذي رفضه المصريون بالكامل وخرجوا ضده في مظاهرات حاشدة، ثم جاءت مواجهات الاتحادية لتزيد الوضع سوءًا وتكشف الوجه الحقيقي للجماعة.
وأشار ريان إلى أن تلك الأحداث المتلاحقة دفعت شرائح واسعة من الشعب المصري، والتي كانت مخدوعة في الجماعة، إلى التراجع عن دعمها بل ومعارضتها بقوة، ومع تتابع الأخطاء اتسعت رقعة الرفض الشعبي.
وقال كان من بين الوعود الفارغة التي أطلقوها، وعدهم بحل الأزمات الكبرى خلال مائة يوم فقط من تولي الرئاسة، وهو كلام لا يصدقه عقل ويعكس قدرًا كبيرًا من السذاجة وقلة الدراية بحقيقة الأوضاع في البلاد.
ولفت كمال ريان إلى أن من بين أخطر ما ارتكبته الجماعة كان استعداء مختلف فئات الشعب، بدءًا من القضاء والشرطة، مرورًا بالمثقفين والفنانين، وصولًا إلى محاولاتهم تمرير قوانين تعزز سلطتهم وتستبعد الجميع.
وختم كمال ريان تصريحاته قائلاً لقد كان سقوط الجماعة نتيجة حتمية لسلوكهم المعادي للدولة والمجتمع، فهم لم يحترموا التعددية، ولم يدركوا طبيعة الشعب المصري الذي سرعان ما لفظهم بعد أن كشف زيف شعاراتهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو التاريخ المصري الحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي القوات المسلحة جماعة الإخوان المسلمين مؤسسات الدولة جماعة الإخوان الشعب المصری ثورة 30 یونیو
إقرأ أيضاً:
روايات متضاربة حول تأسيس الإخوان المسلمين في الجزائر.. ما القصة؟
أثارت ادعائات الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم جبهة العدالة والتنمية، جدلا واسعا وردود فعل كثيرة، بعد أن اعتبر نفسه المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، رغم ما هو معروف من أن الراحل محفوظ نحناح كان صاحب السبق في التيار.
وفي حديثه على بودكاست أحد القنوات، أكد جاب الله أنه المؤسس الحقيقي لتيار الإخوان المسلمين في البلاد مشيرا بأن التأسيس كان كفكرة لا كتنظيم.
ونفى الشيخ أن يكون هناك أي تنظيم طلابي لجماعة الإخوان داخل الجامعات قبل عام 1985 غير جماعته التي عُرفت في وقتها بـ"جماعة جاب الله"، دون أن يرتبط تنظيميا بمصر أو بالتنظيم العالمي.
ولفت إلى أنه تبنى فكر الإخوان المسلمين بعد أن اطلع على مؤلفات منظريه، مؤكداً أنه لم يصرح يوماً بأنه ممثل لجماعة الإخوان، بل إنه صاحب المبادرة في إدخال الفكرة للجزائر في إطار عمل جماعي بدأه عام 1974.
ورغم إقرار الشيخ بتصدر دعاة بارزين مثل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني، إلا أنه أكد أنهم كانوا يتحركون كأفراد، فيما كانت الساحة الطلابية خالية من أي تنظيم لهم قبل منتصف الثمانينيات.
ولفت جاب الله إلى أن تسميات مثل جماعة الشرق أو جماعة الجزأرة لم تصدر من أصحابها، بل أطلقها الشيخ محفوظ نحناح لوصف جماعته وجماعة مالك بن نبي.
واتهم جاب الله؛ نحناح بإشاعة خبر انشقاقه عن الإخوان أثناء سجنه سنة 1985 على خلفية أحداث الصومعة، لجذب أنصاره, مضيفا أن نحناح تغيب واكتفى برسالة قلل فيها من شأن الحاضرين واعتبر نفسه الممثل الأوحد للإسلاميين في الجزائر, يأتي ذلك خلال اجتماع موسم الحج سنة 1987 تحت إشراف المرشد العام حامد أبو النصر.
وبالتوازي, استفزت تصريحات جاب الله أنصار نحناح، مؤكدين أنه المؤسس الفعلي لجماعة الإخوان في الجزائر، وبلغ الجدل ذروته على منصات التواصل.
وبدوره كتب أبو جرة سلطاني خليفة نحناح في تدوينة، إن السجن طال نحناح قبل جاب الله، فالأول اعتقل عام 1976، بينما سجن جاب الله سنة 1982 بعد أحداث الجامعة المركزية.
وروى سلطاني لقاءاته بهما، قائلا، إن لكل منهما أولويات مختلفة, فجاب الله ركز على طرد الشيوعية من الجامعة، ونحناح سعى لبناء قاعدة صلبة للدعوة.
وأضاف أن الرجلين تقاسما النشاط الدعوي جغرافيا دون اتفاق مسبق، لكن الخلاف التنظيمي كان واضحا فجماعة جاب الله اعتمدت عالمية الفكرة وإقليمية التنظيم بغير غطاء ولا تزكية، بينما تبنى نحناح شمولية الفكرة والتنظيم بتزكية عالمية منذ 1974، قبل أن يقطع السجن هذا الامتداد.
ومع تبادل الأدوار بين السجن والحرية بين الرجلين، اكتسح تنظيم نحناح الساحة منتصف الثمانينيات، وبدأت بعدها محاولات التنسيق بين التيارات الثلاثة الإقليميين والعالميين والجزأرة.
ومن جانبه، أدلى عز الدين جرافة، أحد قدامى القادة الإسلاميين، شهادة تفصيلية نافيا فيها دقة القول بأن جاب الله أسس “جماعة الإخوان المسلمين” في الجزائر، مميزاً بين “الفكر والثقافة” من جهة، و”التنظيم” من جهة أخرى.
وأكد جرافة أن جماعة الشرق استلهمت من فكر حسن البنا وسيد قطب وغيرهما، لكنها لم ترتبط تنظيمياً بالإخوان أو بالتنظيم العالمي، ولم تتلق منهم أوامر أو تعليمات.
وعلى صعيد متصل، وافق محمد صالحي النائب الإسلامي السابق ما صرّح به الشيخ عبد الله جاب الله، مؤكدا أن ما ذكره صحيح، سواء قيل في وقته أو غير وقته, وأوضح صالحي أن تنظيم جماعة الشرق في نهاية السبعينيات كان يعتمد المنهاج الإخواني المصري والسوري بنسبة مئة بالمئة في الثقافة التنظيمية، ونحو ثمانين بالمئة في الثقافة الفكرية.