ما مدى صحة فرضية إشعال الإسلاميين الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
كثر الحديث عن دور الإسلامين في إشعال الحرب الدائرة منذ 15 أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تقرير: التغيير
لا يخف على المتابعين والمواطنين حالة التوتر والتحشيد العسكري بين الطرفين ولكن الاتهامات التي طالت الإسلامين بإشعال فتيل الحرب جاءت وفق العديد من الشواهد التي وصفها البعض بأنها مجرد اتهامات ولا تمت للحقيقة بصلة وأن الحرب كانت واقعة في كافة الأحوال بعد محاصرة قوات الدعم السريع لمطار مروى العسكري.
من هذه الشواهد تداول مقطع صوتي قبيل الحرب بأيام بصوت القيادي الإسلامي الحاج آدم يوسف يحذر من وجود جهات مخطط للحرب، وفي يوم 6 أبريل أي قبل الحرب بـ9 أيام تداول ناشطون مقاطع فيديو لكتيبة البراء بن مالك تعلن الاستنفار.
تاريخ كتيبة البراء بن مالك
كتيبة البراء بن مالك (المصباح ابوزيد) اكدت في الفيسبوك أن عدد قواتها وصل حاليا (21 الف) خلال بداية الحرب لذلك قرروا تغيير الاسم إلى (لواء البراء بن مالك) مما أثار موجة من الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة لدى الجيل الجديد من الشباب.
يعود تاريخ تكوين الكتيبة بشكلها الحالي للعام 2013 وكانت تتبع للدفاع الشعبي (المحلول الآن) وقامت على أنقاض كتائب الإسلامين التي حاربت سابقا في جنوب السودان مع الجيش السوداني قبل الانفصال. أغلب منتسبي الكتيبة حاليا موظفين إسلاميين يعملون في قطاعات الدولة (شركات البترول والبنوك من أطباء ومهندسين وصيارفة وبعضهم من هيئة عمليات جهاز الامن). معظم هؤلا نالوا قسطاً من التدريب العسكري في الدفاع الشعبي في اواخر عهد نظام الحركة الإسلامية (الكيزان). واختفت الكتيبة بعد سقوط البشير بثورة ديسمبر 2018 واكتفت بالعمل الاجتماعي.
عاودت الكتيبة الظهور خلال الفترة الانتقالية لكن قادة النظام الإسلامي أو ما يعرف (بالصقور ) لم يكونوا متحمسين للمشاركة في مظاهرات الزحف الأخضر التي كانت مدعومة من الإسلاميين ولكن المواجهات مع الثوار دفعت المتشددين من الإسلاميين للظهور لجهة انهم يفضلون العنف وحدثت مواجهات مع الثوار والأجهزة النظامية.
الظهور الرسمي
وشرع أفراد كتيبة البراء في تكوين مجموعات مسلحة بتسليح خفيف بحجة الدفاع عن رصفائهم في مواكب ومظاهرات وإفطاراتهم الجماعية.
عقب انقلاب البرهان في (25) أكتوبر من العام 2021 ، أعلنت الكتيبة عن نفسها فعليا ودشنت موقعها على (الفيسبوك وتويتر) وبدأت صفحاتهم في بث أشواق العودة للسلطة فأعادوا تقسيم العضوية لي ثلاثة قطاعات في ولاية الخرطوم (بحري وامدرمان والخرطوم) وأيضا كانت هنالك الكتيبة الاستراتيجية وهذه كانت تضم موظفين وفنيين حيث بدأت عملها ابان فترات العصيان المدني وكانت مهمتها تغطية اي عجز أو نقص في الخدمة المدنية.
تهديد
بعدها تواصل نشاط كتيبة البراء وظهر أول نشاط علني بصورة كثيفة إبان توجه البرهان نحو التطبيع مع إسرائيل.
واتهم أنصار كتيبة البراء بن مالك بعمل استقبال (الناجي مصطفى) أحد أكبر الإسلاميين الرافضين للتطبيع حيث سجلوا فيديوا وهم ملثمين يحملون السلاح ولافتة تحمل أسم الكتيبة وهددوا دعاة التطبيع .
اكبر نشاط علني للكتيبة كان في رمضان (قبل الحرب بأيام) حيث قاموا بتأمين كل إفطارات الإسلاميين التي تم الاعلان عنها بما فيها إفطار كوبر الذي حمل اسم المخلوع البشير (انتشرت صورهم ويحملون السيخ والملتوف) واشتبكوا مع الثوار.
أوامر بالتسليح
ونظمت كتيبة البراء بن مالك بتاريخ (9) رمضان إفطاراً جماعياً تحدث فيه رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول بولاية الخرطوم (انس عمر) وطالبهم بالاستعداد.
بمجرد اندلاع الحرب في (15) أبريل صدرت الأوامر علنية في مواقع التواصل الاجتماعي لأفراد الكتيبة بالتسليح وفعلا استلموا السلاح ونشروا صورهم حدث قبل أشهر من إعلان قائد الجيش الأستنفار العام.
أمير الكتيبة كتب على صفحته بالفيسبوك بعد اعتقال أنس عمر من قبل الدعم السريع قائلا: (نحن فعلا من اسقط حمدوك ومن نسف الاطاري ونفتخر بذلك).
فرضية إشعال الحرب
الأكاديمي طارق نورى قال في حديثه (للتغيير) أن فرضية إشعال الإسلاميين للحرب واردة بنسبة كبيرة لرغبتهم المعلنة في وأد الاتفاق الإطاري وللعودة للسلطة على ظهر الجيش.
ولكن الواقع يقول إن فرص حكم الإسلاميين للسودان في المستقبل تبدو ضعيفة ليس لأنهم متهمين بأنهم اشعلوا شرارة الحرب في السودان ولكن لاعتبارات أخرى أبرزها أن المجتمع الدولي والإقليمي بات على قناعة بضرورة فرض واقع مختلف في السودان بفرض حالة من الأمن الاستقرار وان الجماعات الإسلامية تعتبر أكبر مهدد للاستقرار. كما أن نسبة كبيرة من المواطنين وقوى الثورة ترفض عودتهم مرة أخرى للسلطة.
مأزق
يقول نورى الجيش يبدو إنه وجد نفسه في مأزق الحرب بسبب الإسلاميين فهناك تسربيات تفيد بأن المجموعة التي هاجمت معسكر الدعم السريع جنوب المدنية الرياضية تتبع للإسلاميين وحتي إذا كانت هذه الجزئية غير صحيحة فإن الواقع الحالي يؤكد عدم رغبة الإسلاميين في الوصول للسلام ورفضهم مفاوضات جدة وإصرارهم على استمرار الحرب والحسم العسكري وهي المجموعة التي تصنف شعبيا بالبلابسة (بل بس) هؤلاء ينشرون الإشاعات منذ بدء الحرب بقرب حسم المعركة التي ستدخل شهرها السابع.
مشاركة الإسلاميين في الحرب بكثافة يؤكد جاهزيتهم لها هؤلاء لديهم تجربة كبيرة في الحرب ويستخدمون أداة الحرب في السياسة للوصول لأهدافهم.
مخاوف
ويشير نورى إلى أن رفض الإسلاميين لوقف الحرب عبر التفاوض يعود لخوفهم من عودة قوى الثورة مره أخرى للمشهد السياسي في وقت يعولون فيه على إقصائها وتجريمها بإلصاق تهمة أنها الجناح السياسي للدعم السريع وانها هي من زينت له الحرب حتى يلفظها الشعب السوداني و الارتضاء بالحكم العسكري لحين قيام الأنتخابات.
مفاجأة
وفجر مصدر محسوب علي الإسلاميين في حديثة (للتغيير) مفاجأة مشيرا إلى أن كتيبة البراء بن مالك تعتبر جزءا من هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات وليس تنظيم إسلامي شعبي فقط.
وأكد أن الهيئة تم إرجاعها من جديد وأصبحت بالتالي جهة نظامية ولذلك تعتبر مشاركتهم في الحرب الحالية أمر طبيعي، لافتا إلى أن قائد الكتيبة وبعض افرادها يحملون رتباً عسكرية كضابط في جهاز المخابرات.
استنكار
واستغرب المصدر من استنكار ومشاركة الإسلاميين في الحرب ضد الدعم السريع قائلا : الأخير استجلب مرتزقة من تشاد والنيجر وليبيا ومالي والكميرون بل استجلبوا فنيين (مدفعجية) من دولة جنوب السودان.
وأضاف الأدهى والأمر في هذه الحرب أن بعض الإسلاميين غطوا دقونهم (بالكدمول) ولبسوا لباس القبلية وخلعواء رداء الحركة الإسلامية ويقاتلون مع الدعم السريع لماذا لايتحدث الناس عنهم؟.
وأضاف: الحرب ميزت الصفوف ولكن ما لا أفهمه هو حالة العداء للجيش بحجة انه يضم كيزان هذا أمر غير منطقي وحجة واهيه لرافضي الحرب مجموعة لا للحرب التي هي في الواقع تدعم المتمردين.
وقال إن الاتهامات للإسلامين بإشعال الحرب جاءت من قوى الحرية والتغيير الداعم الأول للتمرد ولكنها تخجل من ذلك وتنكر صلتها بالتمرد لأنها تعلم انه انتماء غير مشرف لجهة ان الدعم السريع انتهك عروض السودانين قتلا ونهبا واغتصبا وشرد المواطنين من بيوتهم.
بينما الإسلاميين اعلنوا بشكل واضح وصريح دعمهم الجيش في الحرب المصيرية والوجودية التي يخوضونها من اجل السودان وليس السلطة. الإسلاميين موقفهم واضح ولكن الآخرين يعلمون أن الإثم (ما حاك في النفس وكرهت ان يطلع عليه الغير).
الوسومالجيش السوداني الحركة الإسلامية السودانية السودان قوات الدعم السريع كتيبة البراء بن مالكالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني الحركة الإسلامية السودانية السودان قوات الدعم السريع كتيبة البراء بن مالك الإسلامیین فی الدعم السریع الحرب فی فی الحرب
إقرأ أيضاً:
معركة ما بعد الحرب.. التعافي النفسي والاجتماعي في جنوب لبنان
جنوب لبنان- لم تكن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منزل افتكار عطية مجرد صاروخ أُطلق من طائرة حربية إسرائيلية، بل كانت لحظة بددت سكون صباح بلدة كفر حمام في جنوب لبنان، واقتحمت وجدانها بلا استئذان، واستقرت في أعماقها حتى اليوم.
تروي افتكار للجزيرة نت تفاصيل تلك اللحظة "كان الوقت يقترب من العاشرة صباحا، كنا داخل المنزل، أنا وأمي وأختي، حين باغتنا صوت الانفجار، لم ندرِ ما الذي جرى، أُصبنا جميعا، ومنذ تلك اللحظة تغيّر كل شيء، لم تعد الحياة تُقاس بالأيام بل بما قبل الغارة وما بعدها".
منذ ذلك اليوم، لم تعد افتكار ترى العالم كما كانت، تسلل الخوف إلى يومياتها، وصارت الأصوات العابرة كطرقات الباب أو صوت سيارة كفيلة بإعادتها إلى تلك اللحظة، وكأن الزمن توقف هناك. وبصوت يتهدج تضيف "إذا سمعتُ أي صوت، أرتعب، أخاف وأشعر أن الغارة بدأت من جديد".
لم تكن تلك الغارة أول صفعة من هذه الحرب في حياة افتكار، فقبل نحو 20 يوما من بدء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان فقدت والدها، أما شقيقها فقد استُشهد قبل 36 عاما، جراح تتوارثها الذاكرة وأخرى تنزف كل يوم. وتقول بأسى "ما زلت متأثرة، الجراح لا تزال مفتوحة ولا شيء جميلا في هذه الحياة".
رغم كل شيء، اختارت افتكار العودة إلى منزلها المتضرر لترميمه حجرا فوق آخر، مثل كثيرين من أبناء الجنوب الذين يرممون بيوتهم لعلهم يرممون شيئا من أرواحهم، لكنها تدرك جيدا أن إصلاح الجدران أسهل بكثير من استعادة الطمأنينة.
وتهمس بكلمات أثقلها التعب "ننام ونصحو على خوف، هذه ليست لحظة عابرة بل معاناة يومية"، وهي تعاني من أكثر من إصابات جسدية، فالغارة خلفت فيها ما تصفه بـ"الكسور الداخلية" التي تنخر حياتها اليومية، وتشير إلى أن القلق يرافقها في كل لحظة حتى تلك التي يُفترض أن تكون آمنة، وأن النوم أصبح ترفا بعيد المنال.
إعلانوتشرح بصوت خافت "أشعر أنني لست بخير، أبكي كثيرا، أتشتت من دون سبب، أنسى ما كنت أريد فعله أو قوله حتى صوتي تغير، ونظرتي للحياة تغيرت". وتلقت زيارات دعم نفسي، لكنها ترى أنها لم تكن كافية، "ربما أحتاج إلى وقت طويل أو إلى معجزة، كي أستعيد شيئا من نفسي".
ورغم كل هذه الخسارات، ما زال في قلبها حيز صغير للأمل، وتقول "أتمنى من الله أن يخفف عنا، وأن يأتي جيل لا يرى ما رأيناه نحن من ألم ورعب وبشاعة لحظات لا توصف"، وتتقاطع مشاعرها بين الامتنان والخذلان، وتضيف "الحمد لله أننا خرجنا من البيت أحياء، لم تُقطع أيدينا ولا أرجلنا، وهذه نعمة".
ثم تسكت لحظة، قبل أن تتابع "لكن الحياة فقدت طعمها، ماذا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك؟ من الصعب على الإنسان أن يعبّر عن ألمه، الأمر بالغ الصعوبة".
لم يكن نبيل عيسى (45 عاما) يتوقع أن يغادر منزله في بلدة عيترون الجنوبية من دون وداع، لا لذكرياته ولا لجدران بيته، لكنه اضطر إلى الرحيل على عجل بعدما غطى الدخان سماء البلدة، وتحول بيته إلى كومة من الركام.
رغم أن جسده لم يصب ولم يفقد أحدا من أفراد أسرته المباشرة، إلا أن شيئا عميقا تحطم في داخله، ويقول للجزيرة نت "أشعر وكأن سمعي لم يعد كما كان، ليس في أذني خلل بل في رأسي، أسمع الناس وكأنهم بعيدون وكأن بيني وبينهم مسافة لا تُقاس".
ثم يضيف بصوت متهدج "بات الهدوء يرعبني أكثر من الضجيج وعندما تختفي الأصوات ينتابني شعور بأن الصمت ليس إلا مقدمة لصاروخ قادم".
منذ توقف القصف تغيّر نبيل، صار قليل الكلام، كثير الشرود. زوجته وأطفاله لاحظوا ذلك، لكنه يتجنب الحديث عن مشاعره، ويقول "لم أعد أثق بالكلام، الحرب علمتنا أن نكتم، أن نحمل أوجاعنا بصمت، لأن لا أحد يفهم حجم هذا الألم".
صار القلق رفيق يومياته، لا يغيب عن باله، ولا يترك له لحظة سكينة، ويؤكد "لم أعد أحتمل الأخبار، كل شيء فيها يعيدني إلى تلك الأيام: الأصوات، والتحليلات، والصور، أشعر أنني ما زلت عالقا هناك، لا أستطيع الخروج".
قبل شهر فقط، عاد نبيل إلى عيترون ليتفقد أرضه، وقف أمام أنقاض بيته وراح يتأمل بقاياه بصمت، ويقول "حاولت أن أشعر بشيء، حزن، غضب، حتى حنين، لكني شعرت فقط بالفراغ، كأن قلبي تُرك تحت الركام".
وفي نهاية الحديث، تنزلق الكلمات من فمه كأنها تخرج من جرح "لا أريد شيئا كبيرا، فقط أن أنام ليلة واحدة من دون أن أرى بيتنا يُقصف، أو أن أركض حافيا في الشارع وأنا أبحث عن أطفالي". يصمت لبرهة، ثم يختم "كنا نظن أن الحرب تنتهي حين تتوقف الصواريخ لكننا كنا مخطئين، هناك حرب أخرى تبدأ بعد الهدنة".
وتؤكد رئيسة جمعية "هَنا للتنمية" في لبنان نوال محمود، للجزيرة نت، على أهمية تقديم الدعم النفسي للعائلات النازحة من الجنوب اللبناني خصوصا للأطفال الذين يعانون من آثار الصدمة.
وتوضح أن الجمعية نفذت عدة أنشطة ضمن برنامج الدعم النفسي والاجتماعي، استهدفت الأطفال والأسر لمساعدتهم على تجاوز الصدمات النفسية والتكيف مع الظروف الصعبة الناتجة عن النزوح.
ولاحظت الجمعية -وفقا لها- التأثيرات السلبية العميقة للأزمات النفسية كالهلع وفقدان الأحبة على حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية، والتي تجلّت في مظاهر مثل العزلة الاجتماعية، وصعوبات في التواصل، إلى جانب مشاكل صحية كاضطرابات النوم، ومشاكل في الهضم، وضيق في التنفس.
إعلان
وساهمت أنشطة الدعم النفسي -حسب محمود- في تعزيز الصحة النفسية لدى النازحين والمجتمع المضيف، كما ساعدت على تقوية العلاقات الاجتماعية، وأصبح بعض المستفيدين من هذه البرامج قادة ومتطوعين في الجمعية، يقدّمون بدورهم الدعم للآخرين، بعد أن اكتسبوا القدرة على مواجهة التحديات.
وترى أن هذه البرامج يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من خطط التعافي والتنمية، إذ إن الأزمات التي يواجهها السكان، ولا سيما الأطفال وذوو الإعاقة، تترك آثارا نفسية عميقة يجب أخذها بعين الاعتبار عند وضع السياسات والخطط المستقبلية.
وتؤكد الناشطة نوال محمود أن أنشطة وبرامج الدعم النفسي تلعب دورا حيويا في تعزيز قدرة الأفراد على التكيف مع التحديات وتحقيق الإنجازات.