"جرامين يمن"... بارقة أمل لمكافحة الفقر
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
يمر اليمن بأسوأ أزمة اقتصادية وإنسانية بسبب الحرب الممتدة لأكثر من عقد من الزمن، دون وجود بصيص أمل للحوار بين سلطتي عدن وصنعاء لتحقيق السلام والاستقرار، فالبيانات تشير إلى تراجع النشاط الاقتصادي في جميع مجالاته الزراعية والصناعية والخدمية، وإلى تدهورٍ في قيمة العملة الوطنية، وإلى ارتفاعٍ قياسي في معدلات التضخم والبطالة والفقر، فقد قفز معدل الفقر من 47% عام 2014 إلى 80% عام 2024، وصاحب ذلك تزايد معدل البطالة بين الشباب إلى قرابة 60%.
وبذلك تكاد كل أسرة يمنية تكتوي بنار الحرب والصراع العبثي، كما أدت الحرب والحصار إلى توقف الصادرات الرئيسية لليمن من النفط والغاز، وانهيار الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي إلى قرابة الصفر، وإلغاء مشاريع التنمية الممولة من القروض والمساعدات الخارجية ومن الميزانية العامة للدولة.
إضافة إلى أن الحرب أصابت القطاع المصرفي في مقتل، فمعظم البنوك أخفقت في القيام بالوساطة المالية بين المدخرين والمستثمرين، وزاد الأمر سوءاً صدور قانون منع التعاملات الربوية، في مناطق سلطة صنعاء، والذي أدى إلى شلل النظام المصرفي، وتوقف أنشطة الإقراض للمشاريع التجارية والاستثمارية.
كما أدت الحرب إلى دمار وخراب في مشاريع البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرقات وجسور واتصالات وموانئ ومطارات، ومرافق التعليم والصحة والمؤسسات الأخرى.
ومن تداعيات الحرب انعدام فرص الاستثمار للقطاع الخاص، وإيجاد بيئة طاردة للمستثمر الوطني والأجنبي، وإغلاق الآلاف من المشاريع الاستثمارية، كما أضاعت فرص التشغيل للشباب، وتزايدت حدة البطالة، وتدهور مستوى معيشة العاملين في تلك المجالات.
من جانب آخر، فإن الحرب قادت إلى أزمة إنسانية طاولت معظم مناطق اليمن، وتجلت في قرابة أربعة ملايين نازح يعيشون أوضاعاً مأساوية وصعبة في مخيمات النازحين، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين في دول أخرى، وفي أكثر من 50% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفي تزايد رقعة سوء التغذية بين مئات الآلاف من الأطفال والأمهات، كما خلفت الحرب مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وللأسف دخلت الأزمة الإنسانية اليمنية في دائرة عدم الاهتمام لدى مجتمع المانحين، والذي أصيب بالإنهاك والضجر من دعم خطط الاستجابة الإنسانية السنوية لليمن، وخير دليل على ذلك حجم التعهدات المتواضعة لتمويل مشاريع الإغاثة الإنسانية لهذا العام.
التحديات الماثلة
يواجه الوضع الاقتصاد اليمني، في ظل الحرب، تحديات جمة من أهمها: تخلي سلطتي عدن وصنعاء عن تمويل المشاريع التنموية، وخاصة في المناطق الريفية، مما زاد من حدة الفقر والبطالة فيها، وتشتت الموارد العامة للدولة بين كيانات عديدة داخل الوطن الواحد، في عدن وصنعاء ومأرب والمخا وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرة، وعزوف المجتمع الدولي وعدم اهتمامه بتبعات الحرب ونتائجها، فطول مدة الصراع جعل الأزمة اليمنية تدخل في عالم النسيان لدى المجتمع الدولي عامة، ومجتمع المانحين خاصة، إضافة إلى عدم وجود إطار وطني ومنهجي للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، فكلتا الحكومتين في عدن وصنعاء تفتقران لبرنامج وطني شامل لإنعاش الاقتصاد ومكافحة البطالة والفقر في المناطق الحضرية والريفية.
السؤال هنا: ما العمل؟ لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يتطلب الأمر تعزيز الشراكة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتشجيع المبادرات الوطنية الهادفة إلى توفير فرص العمل، وتحسين مستوى الدخل والحد من البطالة والفقر، وخاصة في المناطق الريفية والنائية، ومن تلك المبادرات إنشاء مؤسسة جرامين يمن، وفقاً لمبادئ ومنهجية "جرامين بنك"، أو بنك الفقراء الذي أسسه البروفيسور محمد يونس في بنغلادش عام 1983، والذي أصبح مؤسسة مصرفية وتنموية عملاقة وعالمية، وله أكثر من 2500 فرع، وإجمالي الأصول تبلغ قرابة 2.5 مليار دولار، وساهم نجاح البنك في إنشاء مؤسسات مشابهة له في أكثر من 65 بلداً حول العالم، وبناء على هذا الإنجاز حصل البنك والبروفيسور محمد يونس على جائزة نوبل للسلام عام 2006.
منهجية عمل "جرامين يمن"
تقوم منهجية بنك الفقراء على تعريف الفقر بأنه ليس فقر الدخل، وإنما فقر القدرات، بمعنى أن مساعدة الأسر الفقيرة لا تقتصر على تقديم قروض نقدية لهم لتحسين مستوى دخلهم، بل تشمل تدخلات مهمة في مجال بناء قدراتهم التعليمية، وتحسين أوضاعهم الصحية، وتوفير المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى تزويدهم بخدمات الطاقة والكهرباء، وكل هذا بهدف إيجاد بيئة مستدامة لهم، تحفظ كرامتهم وإنسانياتهم.
كما أن البنك يستهدف الفقراء في المناطق الريفية والنائية، ويركز بشكل كبير على تقديم القروض للمرأة الريفية، باعتبارها أكثر انضباطاً في استخدام القروض، وأكثر حرصاً على تنفيذ المشاريع التنموية المدرة للدخل، وأكثر التزاماً في إدارة القروض لأهدافها المحددة.
ووفقاً لهذه المنهجية، أنشئت مؤسسة جرامين يمن في عام 2020، بهدف تقديم خدمات مالية وغير مالية لذوي الدخل المحدود لتنفيذ مشاريع مستدامة ومدرة للدخل، ولخلق فرص عمل جديدة، وللمساهمة في القضاء على البطالة والفقر، وتحسين المستوى المعيشي للفقراء، من خلال تقديم القروض الصغيرة بدون فوائد للأسر الفقيرة، ممثلة بالمرأة في عدد من مديريات الحديدة (الزهرة، القناوص، اللحية، الزيدية)، حيث قدمت القروض لأكثر من تسعة آلاف أسرة، وبلغ حجم الإنفاق حوالي ملياري ريال يمني.
ولم يقتصر عمل مؤسسة جرامين يمن على تقديم القروض، بل قامت بتنفيذ عدد من التدخلات والمشاريع الهادفة إلى بناء قدرات الأسر الفقيرة في مجالات التعليم، ومحو الأمية، وتحسين الوضع الصحي، وتوفير المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى توفير الطاقة الشمسية، وتنمية الثروة الحيوانية، وغيرها من المجالات، كما تقوم المؤسسة بعقد دورات تدريبية، وورش عمل لبناء قدرات الفئات المستهدفة، وتحسين أداء العمل المؤسسي، وتعزيز الشفافية والمساءلة فيها.
الحاجة لإطار قانوني لمؤسسة الفقراء
إن نجاح مؤسسة جرامين يمن واستمراريتها لتصبح بنك الفقراء في اليمن، يتطلب عنصرين مهمين: أولهما، رعاية الدولة هذا النوع من المبادرات، والحرص على دعمها، وضمان تعاون الجهات المختصة معها على المستوى المركزي والمحلي، والثاني، توفر قانون تشريعي خاص بمؤسسة جرامين يمن أو بنك الفقراء في اليمن، يحدد أهدافها ومهامها وآليات عملها، ويضمن استقلالها المالي والإداري، ويجعلها قادرة على ممارسة أعمالها، وفقاً لمبادئ الشفافية والمساءلة والمسؤولية.
وهنا يأتي دور الحكومة الإيجابي في ضرورة إقرار مشروع القانون الخاص ببنك الفقراء، حتى يتمكن من أداء وظائفه بصورة سليمة وقانونية، ويأتي هنا أيضاً الدور الإيجابي لمجلس النواب في مناقشة مشروع القانون والموافقة عليه، ورفعه إلى السلطة العليا لإقراره وإصداره في الجريدة الرسمية.
أنشئت مؤسسة جرامين يمن في عام 2020، بهدف تقديم خدمات مالية وغير مالية لذوي الدخل المحدود لتنفيذ مشاريع مستدامة ومدرة للدخل، ولخلق فرص عمل جديدة
ويمكن في هذا الجانب البناء على تجربة الحكومة ومجلس النواب في إقرار قانون الصندوق الاجتماعي للتنمية في عام 1996، ليكون مؤسسة مستقلة كأحد مكونات شبكة الأمان الاجتماعي، يتولى تنفيذ المشاريع التنموية في الحضر والريف، وقد حقق الصندوق نجاحات ملموسة بحكم استقلاليته المالية والإدارية، وأصبح قناة سليمة لجذب الموارد المالية من الجهات المانحة لتنفيذ المشاريع في قطاعات التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والزراعة والطرق الريفية وغيرها.
إن اعتماد وإصدار قانون "جرامين يمن" أو بنك الفقراء باليمن سيمكنه من توسيع نطاق عملياته ليس في منطقة تهامة، بل في المناطق الأكثر فقراً في عموم محافظات الجمهورية، كما سيساهم في تنويع محفظة المشاريع التنموية الممولة للأسر الفقيرة، إضافة إلى تمكين البنك من تأسيس شركات استثمارية مرتبطة بأنشطته المختلفة.
التطلع للمستقبل
إن الآمال معقودة على مؤسسة جرامين يمن، أو بنك الفقراء، أن تكون نموذج محاكاة متطور لتجربة "جرامين بنك"، والذي بدأ عام 1976 بمشروع محدود وتقديم تمويل بمبلغ 27 دولاراً لنحو 42 امرأة فقيرة في إحدى قرى بنغلادش، وخلال الخمسين سنة الماضية بلغ إجمالي القروض التي قدمها البنك قرابة 40 مليار دولار، استفاد منها أكثر من 10 ملايين شخص، 97% منهم من النساء.
إن نجاح "جرامين بنك" اعتمد على عدد من المبادئ والأسس المنظمة لطريقة عمل البنك، والآليات والوسائل لتعزيز العلاقة بين البنك والأسر الفقيرة، وبالتأكيد، فإن تلك المبادئ ستتبناها مؤسسة جرامين يمن أو بنك الفقراء في تنفيذ أنشطتها الإقراضية مع الأسر الضعيفة والفقيرة في المجتمع اليمني، ويمكن القول إن أداء المؤسسة خلال السنوات الخمس الماضية يمثل قصة نجاح في مجال تقديم التمويل الأصغر في المناطق المستهدفة في محافظة الحديدة، ويعود ذلك إلى توفر فريق عمل مهني من خبراء "جرامين بنك" في بنغلادش مع كوادر وطنية تعمل بوتيرة عالية لتطبيق فلسفة ومنهجية "جرامين بنك"، الهادفة إلى توفير الخدمات المالية الشاملة لتمكين الفقراء من تحقيق إمكاناتهم والخروج من دائرة الفقر المفرغة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: المشاریع التنمویة البطالة والفقر فی المناطق جرامین بنک عدن وصنعاء الفقراء فی الآلاف من إضافة إلى أکثر من
إقرأ أيضاً:
القاهرة يرفع أرباحه 46% نهاية سبتمبر 2025
كشفت نتائج أعمال بنك القاهرة عن تحقيق أداء إيجابي خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2025، محققًا نموًا فى صافى أرباحه بنسبة 46% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى.
وأوضحت النتائج أن الأرباح قبل الضرائب ارتفعت لبنك القاهرة بنهاية سبتمبر 2025، بنسبة 40% مدفوعة بتحسن نتائج أعمال البنك فى مختلف القطاعات ومن أبرزها التجزئة المصرفية، الخزانة، ائتمان الشركات، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وصافى أرباح بعد الضرائب بلغ 12.6 مليار جنيه مصرى، بزيادة 46% عن صافى الأرباح بنهاية سبتمبر 2024 التى بلغت 8.6 مليار جنيه مصرى.
وبينت ارتفاع صافى الدخل من العائد بنسبة 25% ليصل إلى 25.1 مليار جنيه مصرى. ونتج ذلك عن زيادة عوائد القروض والإيرادات المشابهة بنسبة 22%، وزيادة تكلفة الودائع والتكاليف المشابهة بنسبة 19%.
وارتفعت الأتعاب والعمولات بنسبة 9% لتصل إلى 4.6 مليار جنيه مصرى، مقارنة بـ 4.2 مليار جنيه مصرى بنهاية سبتمبر 2024.
الإيرادات التشغيلية كما ارتفعت الإيرادات التشغيلية إلى 30.6 مليار جنيه مقارنة بـ 25.1 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2024 بمعدل نمو 22%. وارتفعت المصروفات الإدارية بنهاية سبتمبر 2025 بقيمة 1.9 مليار جنيه مصرى بنسبة 24% مقارنة بنهاية سبتمبر 2024.
وأشارت النتائج إلى ارتفاع إجمالى الأصول بنسبة 11% ليصل إلى 535 مليار جنيه مصرى بنهاية سبتمبر 2025، مقارنة بـ483 مليار جنيه مصرى بنهاية ديسمبر 2024.
وسجلت إجمالى محفظة القروض 251 مليار جنيه مصرى بنمو 11% بنهاية سبتمبر 2025، وجاء النمو مدفوعًا بزيادة فى قروض الشركات والبنوك بمبلغ 13.1 مليار جنيه و10.8 مليار جنيه فى قروض الأفراد.
كما سجلت ودائع العملاء ارتفاعًا بقيمة 45 مليار جنيه مصرى لتصل إلى 397 مليار جنيه مصرى بنسبة زيادة 13% بنهاية سبتمبر 2025، مقارنة بـ352 مليار جنيه مصرى بنهاية ديسمبر 2024. استحوذت ودائع العملاء الأفراد على 58% من إجمالى الودائع، بينما استحوذت ودائع الشركات والمؤسسات على 42% من إجمالى الودائع فى نهاية سبتمبر 2025.
وبلغت القروض غير المنتظمة 4.7% من إجمالى محفظة القروض، كما بلغت نسبة تغطية مخاطر القروض غير المنتظمة 153%، حيث بلغ رصيد مخصصات خسائر القروض 18.1 مليار جنيه مصرى بنهاية سبتمبر 2025.
وبلغت نسبة الشريحة الأولى لرأس المال 15.90% من الأصول المرجحة بالمخاطر، كما بلغت نسبة معيار كفاية رأس المال 19.49% بنهاية سبتمبر 2025.