لجريدة عمان:
2025-05-20@22:54:44 GMT

يون فوسه...ما بين الجنة والنار

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

يون فوسه...ما بين الجنة والنار

لم يكن يون فوسه -الذي راكم الأوسمة والتشريفات والنجاحات لأكثر من عقدين من الزمن، (وآخرها جائزة نوبل للآداب، الأسبوع الماضي)- كاتبا مسرحيا فقط (سبب شهرته العالمية). فلو نظرنا إلى مساراته المتعددة، لوجدنا أنه، في وقت مبكر، كتب الأغاني، والشعر وكتب الأطفال، مثلما كان عازفا موسيقيا، قبل أن يتبنى حمل القلم نهائيا.

ثمة فسحة حقيقية للقصة والرواية في حياة فوسه، بدأت في فترة ثمانينيات القرن الماضي (نشر العديد منها)، قبل أن تجبره ظروف مادية (مثلما كرر مرارا في حواراته الصحفية) على التوجه إلى المسرح أكثر، في منتصف التسعينيات، (من دون أن ينسى الرواية)، ليكتب لغاية اليوم نحو أربعين مسرحية، لدرجة أنه يشكل مع العظيم ابسن، أكثر مسرحيين نرويجيين تقدم أعمالهما على خشبات العالم.

في أي حال، ليس فوسه غريبا عن المكتبة العربية، إذ تُرجمت له روايتان، وصدرتا عن «دار الكرمة» في القاهرة هما «صباح ومساء» (2018)، و«ثلاثية» (2023)، نقلتهما إلى العربية، من النرويجية، كل من شيرين عبدالوهاب وأمل رواش.

***

كانت «صباح ومساء» قد صدرت في النرويج عام 2000. هي رواية قصيرة (أو نوفيلا) تتألف من قسمين، وتروي نهارين أو «لحظتين» من حياة شخص يدعى يوهانس. في اللحظة الأولى، نشهد ولادة يوهانس (ابن عائلة من الصيادين)، كما رآها وخبرها، بل كما تخيلها أولاي، والده، الذي، بين ذهاب وعودة القابلة وصرخات زوجته مارتا التي تصل إليه، يتخيل ولادة ابنه. يخدم أسلوب فوسه، الذي يتميز بالتكرار، وعلامات الترقيم التي لا يمكن التنبؤ بها، والتناوب البارع للمنظورات السردية، يخدم بشكل ملحوظ، هذا التساؤل حول اللحظات الأساسية في الوجود. إذ يجمع الكاتب هاتين اللحظتين الأساسيتين في الوجود الإنساني بأكمله بينما يتجنب كل ما يمكن أن يشكل جسد هذا الوجود. هذه هي المفارقة الأولى في هذه الرواية، لذا نسأل أنفسنا لماذا اختار هذا الشكل بدلا من الشكل المسرحي. السؤال الآخر؟ يرسم الكاتب بدقة الخطوط العريضة للحياة التي تتلاشى. لذا هل هي حقًا رسم تخطيطي لحياة بأكملها بينما ليس لدينا هنا سوى آثار قليلة جدًا: بعض الذكريات الطفيفة، كما لو كانت حياة يوهانس، هي «الشخصية» الرئيسية، الفريدة من نوعها إذا جاز التعبير، تُختصر بالعمل، بينما التطور الأساسي في زمان ومكان آخرين؟

يبدأ الجزء الثاني من الرواية (اللحظة الثانية التي تأتي بعد ثمانين عاما)، بيوم عادي في حياة يوهانس الذي أصبح عجوزا. إنه يوم آخر، انشغل فيه يوهانس، بأشيائه اليومية التي اعتاد القيام بها بعد أن تقاعد عن العمل. كل شيء يبدو طبيعيا، ولكن بطريقة مختلفة. إذ يرى على الشاطئ صديقه بيتر الذي توفي قبل سنوات، ليركب معه القارب، وعندها يبدأ بإعادة النظر في نوع من التلخيص، لما كانت عليه حياته. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف حدث أن التقى بصديقه بيتر الذي مات منذ سنوات؟ هل «أن الضباب الذهبي هو الذي يغطي الأشياء»؟ هل يظهر له الموتى والأحياء في جولة لا نهائية مليئة باللفتات اليومية؟ الجواب الوحيد: لقد بدأت الرحلة النهائية، كان بيتر، في العمق، يستعد لترك هذا العالم. مشهد يذكرنا برواية الكاتب النيذرلاندي سيس نوتبوم، «القصة التالية»، وإن كانت تأتي بنغمة أخرى، وفي بيئة مغايرة، لكن «هذا السحر» في الروايتين هو نفسه. بيد أن المشاعر المتناقضة في رواية فوسه تنبثق بنوع من الامتلاء الصبور، والخضوع شبه الممتن والودي لنظام الأشياء، الذي يتدفق بنفس الإيقاع البطيء مثل إيقاع الكتابة، أو حركة البحر الرتيبة أو التكرار غير المفاجئ. إنه مسار حياة يوهانس. ويمكن أن نضيف إن جمال هذه القصة الكئيب يعود أيضًا إلى قدرتها الغريبة على خلق علاقة حميمة مع القارئ وجعل القراءة إطارًا لتجربة فريدة للآخر.

يمكن أن تبدو قصة يوهانس وكأنها «ممرات» وانتقالات في هذه الحياة؛ إذ إننا أمام نص عن اللحظات الرئيسية للولادة والموت. بالأحرى هي رواية عن هذه المنطقة الوسطى التي تبرز بين شواطئ الحياة وشواطئ الموت. كل شيء عبارة عن حركة سلسة بين الواقع والحلم، ذهابًا وإيابًا بين الأرض وأعالي البحار في قارب القدر.

يوهانس، مثل كل واحد منا في ساعة الحياة الأخيرة، لا ينتقل من الحياة إلى الموت. بينما لم يتغير شيء ولكن كل شيء يبدو مختلفًا، مع حركة جسد بطيئة شاذة شاعرية، فهي تعبر فقط الزمان والمكان والكائنات التي تمر أيضًا والتي قد مرت في حياته. إذا رست سفينة الصياد للحظة على الضفة الأخرى بصحبة صديقه بيتر، أثناء التجميع الأخير لسِلال السرطانات البحرية، فهذا ليس عبورا للنزول إلى الجحيم. بل للعودة إلى ضفاف حياته الأولى، إلى الأصل، إلى فجر الحياة، لكي يطمس صورة التمزق الذي يمكن أن يرمز إليه الموت.

***

في عبارة غنيّة بالتفاصيل تشبه خيطًا طويلًا هشًا ينكشف بدقة على الصفحة، وتنشر، عبر كلمات يومية، أفكارًا تتطور بطريقة بيضاوية لتشكل في النهاية تيارًا من الوعي غير قابل للكسر، يأخذنا نثر يون فوسه، الذي يتسم بالبساطة والأناقة المرحة، على طريق يصعب الانفصال عنه.

من خلال بضع كلمات، ينجح المؤلف في خلق جو ومناخ، وتصوير سياق وبيئة، ونقل أساسيات الحياة، في حين تسلط القصة الضوء على أهمية وجودنا الإنساني المتواضعة. هي قصة بسيطة، وبشدة، من حيث الجوهر، إلا أنها بين أصالة الأسلوب وقوة الكتابة المثيرة للذكريات، نجدها تُظهر إتقانًا كبيرًا للفن الكتابي.

***

قلت في بداية كلامي: إن علامات الترقيم، في نص فوسيه لا يمكن التنبؤ بها، كما أن هناك تناوبا بارعا للمنظورات السردية. فبدلا من النقاط (وخاصة علامات الاستفهام، التي يتجنبها بشكل خاص)، يقوم المؤلف بمضاعفة التكرارات، من دون التخلي عن الفواصل (حتى لو كانت نادرة). كتاباته، التي يقال: إنها قطعية، تعطي الحوارات طابعًا مألوفًا والكلمات اليومية طابع الغرابة. من هنا، لو جاز القول، إن غياب علامات الترقيم يؤدي إلى تعثر التصريفات والتنغيمات المتوقعة. بمعنى آخر، نحن نتعامل مع كتابة مفرغة من محتواها الإعلامي لدرجة أنها تصبح مجردة تقريبا، والتي بدلا من تحديد الشخصيات أو المعنى، تفتحها إلى أقصى الحدود، وتبقيها في حالة من الانفتاح أو الحد الأقصى من التوفر. لذا نحن أمام كتابة تعليقية، لكنها كتابة لا نهاية لها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

دراسة صادمة: مشروبات الطاقة قد ترتبط بمرض خبيث يهدد الحياة

صورة تعبيرية (مواقع)

في تحذير علمي يثير القلق، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة روتشستر الأمريكية عن علاقة محتملة بين الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة وخطر الإصابة بسرطان الدم (اللوكيميا)، أحد أخطر الأمراض التي تصيب الجهاز المناعي والجهاز الدموي.

الدراسة، التي أجريت على فئران معدلة وراثيًا، سلّطت الضوء على مادة التورين، وهي حمض أميني يُضاف بكثافة إلى معظم مشروبات الطاقة، وقد يلعب دورًا في تعزيز نمو الخلايا السرطانية داخل الجسم، حسب نتائج البحث.

اقرأ أيضاً نغزات الصدر ليست مجرد ألم عابر.. د. حسام موافي يحذر: قد تكشف أمراضًا قاتلة 19 مايو، 2025 هل يدمّر الماء جهازك الهضمي إذا شربته أثناء الأكل؟.. مختص يكشف الحقيقة 19 مايو، 2025

 

التورين.. العنصر المتهم:

رغم أن التورين يوجد طبيعيًا في اللحوم والأسماك والأنسجة البشرية، إلا أن استهلاكه بتركيزات مرتفعة – كما في مشروبات الطاقة – قد يخلق بيئة مثالية لنمو بعض أنواع الخلايا السرطانية، بحسب ما توصلت إليه الدراسة.

 

ماذا اكتشف العلماء؟:

حقن الباحثون فئرانًا بجين بشري مسؤول عن نقل التورين داخل الجسم (SLC6A6)، إلى جانب خلايا سرطان الدم البشرية.

لاحظوا أن خلايا نخاع العظم السليمة بدأت في إنتاج التورين بكميات كبيرة، والذي تم امتصاصه بسرعة بواسطة الخلايا السرطانية.

هذا الامتصاص عزّز من كفاءة عملية تحلل الجلوكوز (آلية حيوية تستخدمها الخلايا لاستخراج الطاقة)، مما ساعد الخلايا الخبيثة على النمو السريع والتكاثر.

 

ماذا يعني هذا لمستهلكي مشروبات الطاقة؟:

أشار فريق البحث إلى أن هذه النتائج تُثير علامات استفهام حول السلامة الصحية لاستهلاك مشروبات الطاقة بشكل مفرط، خصوصًا لدى الأشخاص المعرضين للإصابة بالأورام أو الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة.

كما حذروا من الاستخدام العشوائي للتورين كمكمل غذائي، والذي يُروج له أحيانًا على أنه يساعد في تقليل آثار العلاج الكيميائي، دون تأكيدات علمية كافية حول سلامته في مثل هذه الحالات.

 

ليست مجرد سكر وكافيين:

تُعدّ مشروبات الطاقة واحدة من أكثر المشروبات الصناعية استهلاكًا بين الشباب والمراهقين، لما تحتويه من مزيج قوي من الكافيين والسكر ومحفزات عصبية، وعلى رأسها التورين. لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على وجه مظلم لهذه المنتجات التي تبدو بريئة ظاهريًا، لكنها قد تخبّئ مخاطر كبيرة عند الاستخدام المفرط.

 

تنبيه عاجل:

"قد تكون مشروبات الطاقة أكثر من مجرد مشروب منعش... في بعض الحالات، قد تتحول إلى تهديد صامت لصحتك!"

فكر قبل أن تفتح العبوة التالية.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الحجر الأسود.. قطعة بيضاء من الجنة وتغير لونه لهذا السبب
  • الطيور المهاجرة في البحر الأحمر.. رحلة الحياة بين القارات| شاهد بالصور
  • سد ترجان.. شريان الحياة في شرق تركيا
  • المجازر والحصار وانعدام مقومات الحياة بقطاع غزة
  • نساء غزة.. أيقونات الصمود بين الأنقاض والنار
  • دراسة صادمة: مشروبات الطاقة قد ترتبط بمرض خبيث يهدد الحياة
  • عالم بالأزهر: أصحاب القلوب التقيّة أول من يدخلون الجنة
  • أوقاف أبوظبي تُطلق حملة «وقف الحياة»
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء