قال الشيخ حسين كفازوفيتش رئيس العلماء والمفتي العام في البوسنة والهرسك: إن هَذَا اللقَاءَ وَأَمْثَالَهُ، التي يُنَظمُها إِخْوَانُنَا في العالمِ الإسلامي، مُسْتَوْحَاةٌ مِنْ التحَولَاتِ الحضَارِيةِ والثقَافِيةِ الكبيرةِ التي نَشْهَدُهَا. وَتَتَوَجهُ هذهِ التحَولَاتُ في المَقَامِ الأَولِ نَحوَ التقَدمِ التكنُولُوجِي، والتغَيراتِ في البُنْيَةِ الاجتماعيةِ للأُمَمِ على الصعِيدَيْنِ المَحَلي والعَالمي.

جاء ذلك خلال كلمته بمؤتمر الإفتاء، مضيفًا أن التغَيراتِ في مَجَالِ التطَورِ التكنُولُوجِي تَتَحَركُ بِشَكلٍ أساسي في اتجَاهَينِ، أَحَدُهُمَا البَحْثُ عنْ مَصَادِرِ الطاقَةِ المُتَجَددَةِ، المَعْرُوفَةِ بِالطاقَةِ الخَضْرَاءِ، والآخَرُ تَطْوِيرُ تِكنُولُوجِيَا المَعْلُومَاتِ.

وَسَوفَ تَتَجَلى لَنَا في المُستَقبَلِ العَوَاقِبُ التي سَيُخَلفُهَا هذانِ الاتجَاهَانِ في الْمُجْتَمَعَاتِ والأمَمِ النامِيَةِ. أما على المستوى الثقافي، فإن ما يُفْهَمُ عَلى أنهُ نِتَاجُ الروحِ الإنسانيةِ، سَوَاءً كَانَ قِيَمًا مَاديَةً أو رُوحِيةً، يَتَغَيرُ أيضًا، وَتَتَوَلدُ هُناكَ اتجَاهَاتٌ مُختلفةٌ.

وأوضح أن لِلدينِ في حَيَاةِ الناسِ أَهَميَةً خَاصةً مِنْ أجْلِ بَقَائِهِمْ، فَهُوَ الحَامِلُ لِلقِيَمِ الروحِيةِ التي يَعْتَمِدُ عَلَيهَا الإنسانُ دَائِمًا. وَهْوَ مُرْتَبِطٌ بالإيمانِ، والعَمَلِ، والأخلاقِ.

وأشار إلى أن الفَتوَى، بِوَصْفِهَا مُؤَسسَةً خَاصةً في الفِكرِ الإسلامي، تَنْبُعُ منَ الشريعةِ ذَاتِهَا، منَ العَقِيدَةِ التي تَشْمَلُ كُل الأعْمَالِ البَشَرِيةِ. لِذَلِك لا يُمْكِنُ النظَرُ إلَيها حَصْرًا مِنْ وُجْهَةِ النظَرِ القَانُونِيةِ (الفقهيةِ). فالشريعةُ شَامِلَةٌ، تَنْظُرُ لِلإنسانِ بِكُليتِهِ، لأن الإيمانَ والعملَ والسلُوكَ الأخلَاقِي السوِي تندرج تَحْتَهَا. وَلَيْسَ مِنَ الضرُورِي أن تكون المَطَالِبُ القانونيةُ (الفقهيةُ) والأخلاقيةُ مُتَطَابِقَةً دَائِمًا، وَلَكِنها مِنَ الناحِيَةِ الفِقْهِيةِ يَجِبُ أنْ تَكُونَ مُتَرَابِطَةً فِيمَا بَينَها، فإِنْ لَمْ يَتَحَققْ هَذا الترَابُطُ فَسَيَحْدُثُ ارْتِبَاكٌ وَفَوْضَى في اعْتِقَادِنَا وَعَمَلِنَا وَمَوْقِفِنَا الأخلاقي.

وشدد على أن مَسْألَةَ مُؤَسسَةِ الفَتوَى مُركبَةٌ، وَيَنْبُع هذا منَ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيةِ المُرَكبَةِ الناتِجَةِ عنْ تَأثِيرِ الظرُوفِ المُخْتَلِفَةِ التي يُوْجَدُ فيها المسلمونَ، والبِيئَاتِ التي يَعِيشُونَ فيها، والتأثِيراتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والقانونيةِ المختلفةِ والقِيَمِ الفِكْرِيةِ التي يَتَعَرضُونَ لَهَا، مشيرًا إلى أن الفَتوى، بِوَصْفِهَا مُؤَسسَةً شَرعيةً، يَجِبُ أنْ تَسْتَنِدَ إلى حَقَائِقَ وَمَعَارِفَ أكِيدةٍ وَثَابِتَةٍ حتى أقْصَى حَد مُمْكِنٍ.

وأكد أن الحديثَ عن الفَتْوَى في الأَلْفِيةِ المِيلَادِيةِ الثالِثَةِ يَعنِي أنْ نَكُونَ مَسْؤُولِينَ بِشَكلٍ خَاص عن المَكَانِ والزمَان اللذَينِ نَعِيشُ فِيهِمَا. إن عَصْرَنَا يَتَميَزُ بِصِرَاعِ المَصَالِحِ العالَمِيةِ والجُزْئِيةِ، والكِبَار والأَقْوِيَاءِ، والدوَلِ والْمُجْتَمَعَاتِ والشعوبِ الصغِيرَةِ والضعِيفَةِ.

وعن أهمية الإيمان بالله قال فضيلته: وَمَهْمَا بَلَغَتْ سُرعَةُ التغْيِيرِ في العالَمِ، فَسَيَبْقَى الإيمانُ باللهِ هوَ الرفِيقَ والأَمَلَ والسنَدَ الأَكْثَر وَفَاءً لِلإنسانِ. وَيَنْبَغِي أنْ يَنْصَب اهتِمَامُنَا على احْتِيَاجَاتِ الناس، الروحيةِ، والاقتصاديةِ، والاجتماعيةِ، والتعليميةِ، والصحِيةِ، والثقافيةِ، وَغَيْرِها.

واختتم فضيلته كلمته قائلًا: إن لِقَاءَاتِنَا هذهِ فُرْصَةٌ جَيدَةٌ لِتَبَادُلِ الآرَاءِ حَولَ مَا يَشْغلُنَا وَيُهِمنَا. وَإننِي أَتَقَدمُ بالشكْرِ إلى فَضِيلَةِ مُفتي جمهوريةِ مصرَ العربيةِ والإِخْوَةِ العَامِلِينَ مَعَهُ، على كَرَمِ الضيَافَةِ والاهْتِمَامِ بَأحْوَالِ المسلمينَ وَكَيْفِيةِ مُسَاعَدَتِهِم. وباسمِ مُسلِمِي البوسنةِ والهرسكِ، أَتَقَدمُ بالشكْرِ الجَزِيلِ لِشَعْبِ مِصْرَ، والأزهرِ الشريفِ، والمُفْتِينَ في هذا البَلَدِ، على دَعْمِهِم مُسلِمِي البوسنةِ والهرسكِ طِوَالَ قَرْنٍ منَ الزمَنْ.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: دار الإفتاء المصرية العالم الإسلامي الفتوى مؤتمر الإفتاء ی البوسنة التی ی

إقرأ أيضاً:

الفرق بين الإيمان والإسلام ودقة استعمال كل منهما في القرآن والسنة

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن من مظاهر إعجاز اللغة العربية في القرآن الكريم والسنة النبوية استعمال الألفاظ في مواضعها الدقيقة، موضحًا أن من يراعي هذه الفروق اللفظية هو البليغ الذي يضع كل كلمة في موضعها الصحيح، وهو ما سماه الإمام الخطابي بـ"عمود البلاغة".

وأوضح رئيس الجامعة، في تصريح له، أن من الكلمات التي قد يظن الناس ترادفها، كلمتي الإسلام والإيمان، مشيرًا إلى أن بينهما فرقًا دقيقًا لا يدركه إلا المتأمل في النصوص الشرعية.

حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله.. عالم أزهريما حكم إخراج الزكاة في عمل تسقيف للبيوت؟.. الإفتاء تجيب

واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء على الميت: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان"، مبينًا أن استعمال لفظ "الإسلام" في حال الحياة يشير إلى معنى الاستسلام والانقياد لله مع وفرة النشاط والقوة، بينما ورد لفظ "الإيمان" في حال الوفاة لأنه تصديق قلبي يناسب من انتهى أجله واستعد للقاء الله.

وأكد الدكتور سلامة داود، أن هذا الترتيب الدقيق في الألفاظ يعكس عمق البيان النبوي وثراء اللغة العربية، وأنه لا يجوز استعمال كلمة مكان الأخرى إلا في الموضع الذي تقتضيه البلاغة والدقة في التعبير، كما أنه يبرز كمال اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ويؤكد ضرورة تدبر النصوص وفهم دلالاتها على ضوء لغة الوحي.

هل يوجد ترادف كلي في اللغة العربية؟

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن قضية الترادف في اللغة العربية من القضايا التي شغلت العلماء قديماً وحديثاً، موضحاً أن هناك ألفاظاً يظن البعض أنها مترادفة، بينما الحقيقة تختلف عند التدقيق اللغوي.

وأضاف رئيس جامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، أن العلماء في هذه المسألة على رأيين؛ الأول يرى أن الألفاظ المترادفة تشترك في معنى كلي واحد، ومن ثم فهي مترادفة من حيث المعنى العام، أما الفريق الثاني، وهم المدققون من علماء اللغة، فيرون أن كل لفظة تتميز بخصيصة ومعنى دقيق لا يوجد في أختها، ولذلك نفوا فكرة الترادف المطلق.

وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى أن اللغة العربية منزّهة عن العبث، لأنها الوعاء الذي نزل به كتاب الله تعالى، مستشهداً بقوله عز وجل: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً".

وبيّن الدكتور سلامة داود أن من القائلين بعدم وجود الترادف الكامل الإمام الخطابي في رسالته الشهيرة «بيان إعجاز القرآن الكريم»، حيث وقف عند ألفاظ قرآنية زعم بعضهم أن غيرها يؤدي معناها، مؤكداً أن لكل لفظ قرآني موقعه ودلالته التي لا يغني عنها غيره.

وأكد الدكتور سلامة داود في ختام حديثه أن اللغة العربية بحر واسع من المعاني الدقيقة والظلال المتنوعة، وأن إدراك الفروق بين الألفاظ من أهم مفاتيح فهم القرآن الكريم وبلاغته المعجزة.

طباعة شارك رئيس جامعة الأزهر الفرق بين الإيمان والإسلام الإيمان الإسلام النبي

مقالات مشابهة

  • أمين عام البحوث الإسلامية: الإيمان والعلم طريقان متكاملان
  • مفتي الجمهورية يعزي أمير دولة قطر في وفاة عدد من منتسبي الديوان الأميري
  • رئيس جامعة بنها ووكيل الأزهر الشريف يفتتحان ندوة الإيمان أولا
  • حكيمي يتحدث عن دور الإيمان في حياته: سر التوازن والنجاح
  • وكيل الأزهر يفتتح أسبوع الدعوة الإسلامية بجامعة بنها بندوة بعنوان: «لماذا الإيمان أولًا؟»
  • جامعة بنها تنظم ندوة «الإيمان أولاً» بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان
  • الفرق بين الإيمان والإسلام ودقة استعمال كل منهما في القرآن والسنة
  • مفتي الجمهورية: بناء الإنسان أساس بناء الأوطان
  • شوقي علام: «استفتِ قلبك» لا تعني أن يكون الإنسان مفتي نفسه