قضية فلسطين.. التسوية غير المستحيلة
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
يوماً تلو الآخر تكتسب نظرية «الأصبع الواحد» أنصاراً متزايدين لدى فقه الطب البشري، المعني بتجويد أساليب تشخيص الأمراض.
الفكرة هنا ببساطة هو أن يطلب الطبيب المعالج من المريض الإشارة إلى موضع الألم الأساسي، بأقصى درجات التحديد ما أمكن وبأصبع واحد فقط، وذلك عوضاً عن الشكوى المطاطة الهيولية ذات الطابع العام، الأمر الذي يختصر الوقت والجهد في معرفة الداء ووصف الدواء.إذا حاولنا تطبيق هذه النظرية، مع شيء من التصرف، بحسب مقتضى الحال بالطبع، على قضية «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، أشار أصبعنا إلى ديمومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية القائم منذ عام 1967، وعدم التجاوب مع أشواق الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس على هذه الأراضي.
تعيين مصدر الداء بهذا المفهوم يناسب سيرورة الاشتباك الحاصل بين طرفي القضية المباشرين، وبالذات خلال حقبة ما بعد صيغة أوسلو المبرمة قبل ثلاثين عاماً، وهذا هو المعنى المقصود بتشخيص الصراع بأسلوب «الأصبع الواحد»، ثم معالجته استناداً إلى ما تم التوافق عليه قانونياً وسياسياً بين هذين الطرفين، وحظي بتصديق أطر التنظيم الدولي، والعدد الأوفر من المتداخلين الأقوياء.
في أوسلو، تم اشتقاق أسس ومسارات قانونية وسياسية لتسوية الصراع، على نحو كان يفترض منه أن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية على 22% من جغرافية فلسطين الانتدابية، ما يعني أن الهدف النهائي كان أضيق بكثير حتى مما عينته الشرعية الحقوقية الدولية للجانب الفلسطيني في قرار التقسيم الشهير لعام 1947، ولهذا قلنا في حينها مع بعض القائلين:
إن هذه الصيغة أتاحت فرصة لنتبارى أمام إسرائيل، للإفلات بما قررته لنفسها بحكم سياسة الأمر الواقع، وموازين القوى المختلة، وإنه إذا ما أهدرت تلك الفرصة فقد يرتد الصراع إلى مربعاته الأولى، حيث الاشتباك الدامي بلا حدود حول الروايات التاريخية والعقيدية والأيديولوجية، وهي الأبعاد، التي تم التخفف منها إلى حد كبير في أوسلو.
في اشتباك هذه الأبعاد وبنيته التحتية وحيثياته تصعب إلى أبعد الحدود الإشارة إلى الداء ووصف الدواء وفق فرضية «الأصبع الواحد»، ونحسب أن نذر هذه الحالة تتجلى راهناً، وبقوة في أفق القضية، لكننا نحسب أيضاً أن مقاربة التسوية بناء على هذه الفرضية أو الفكرة ما زالت احتمالاً قائماً رغم ما ناله بمرور الوقت من هجران وشحوب.
نود القول: إن المجالين الإقليمي والدولي مفعمان بالأدبيات القانونية والسياسية، العاطفة على شرعية ومشروعية قيام الدولة الفلسطينية، التي يمثل غيابها أصل الصراع ( الداء )، المستعر بخط بياني متقطع بين الصعود والرتابة والهبوط، منذ خمسة وسبعين عاماً.
وإنه لا توجد صغيرة ولا كبيرة من حيثيات قيام هذه الدولة وتقعيدها فعلياً، إلا ولها علاج حقوقي قانوني موصوف بدقة في قرارات ومبادرات الأطر التنظيمية لهذين المجالين، وعلى رأسها الأمم المتحدة بجلالة قدرها.
رب مجادل هنا بأنه لا جديد في هذا التناول، وذلك في ضوء فشل هذه الأطر مطولاً في تحقيق الهدف. هذا صحيح غير أن أصل هذا الفشل يكمن في منهج إيداع مسألة تطبيق هذه القرارات والمبادرات لطرفي الصراع بذاتيهما، وخطأ.
هذا المنهج، بل وربما كانت خطيئته، تجاهله لمبدأ أساسي من مبادئ القانون والقضاء الدوليين على الصعيدين النظري والتطبيقي، وهو أن القرارات والأحكام الدولية تصدر للإلزام والتنفيذ وعن تفاوض مسبق، وليس لكي يجري الاستغراق في التفاوض حولها مجدداً، ناهيك عن أن يكون هذا التفاوض اللاحق بين أطراف القضية بمعزل عن وساطة مسموعة الكلمة.
ولعل إحدى خصائص القضية الفلسطينية الاهتمام الفائض بمسارها، ومصيرها بين يدي مروحة واسعة جداً من القوى الفاعلة، والسائرة على طريق الفعل، في طول عالمنا الراهن وعرضه، التي يفرز معظمها مبعوث أو ممثل دائم خاص، للتعامل معها على مدار الوقت.
ويعزى ذلك إلى ما أضحى معلوماً بالضرورة من ارتباط القضية، المتفجرة في قلب العالمين القديم والجديد، بمصالح دولية تعز عن الحصر، غير أن هذه الميزة تظل بلا معنى وبلا فاعلية، وقد تمسي عيباً وعبئاً، يفاقمان الصراع، ويجعلانه يدور في حلقة مفرغة لعينة ومفزعة، طالما اكتفى هؤلاء الفواعل بالتأمل، وتصدير السياسات والمواقف والقرارات عن بعد، قانعين بمراعاة ومراقبة مصالحهم الذاتية، وبالمداخلات الموسمية الهادفة للتسكين والتهدئة لا أكثر.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
لماذا يعدّ قيام ليل الشتاء فرصة لا تُعوّض؟
تعيش مصر هذه الأيام أجواء شتاء قارس ودرجات حرارة تلامس الصفر، ما يجعل الخروج من الفراش تحديًا حقيقيًا، وفي خضم هذا البرد الشديد، يبرز جمال عبادةٍ لا يقدرها إلا من ذاق لذّتها: قيام الليل وصلاة الفجر.
ورغم صعوبة القيام في الصقيع، فإن النصوص الشرعية وأقوال السلف تكشف عن عجائب هذا الوقت، وكيف يغمر الله عباده بالعطاء والطمأنينة، ويكتب لهم من الأجور ما لا يخطر ببال.
وصف النبي ﷺ الشتاء بأنه ربيع المؤمن، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«الشتاء ربيع المؤمن»، وسُمي ربيعًا لأن ليله طويل يساعد على القيام، ونهاره قصير يعين على الصيام، كما ورد في قول النبي ﷺ:
«الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة».
ضحك الله لعبده القائم في البرد
من أعجب ما ورد في فضل قيام الليل في البرد، ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:«إن الله ليضحك إلى رجلين: رجلٌ قام في ليلةٍ باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة…»
وفيه أن الله يسأل ملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟فيقولون: رجاء ما عندك وخوفٌ مما عندك، فيقول سبحانه:«قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف».
أمرٌ رباني وسُنّة لا يتركها النبي ﷺ
يأمر الله تعالى نبيَّه في القرآن بقوله:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ سورة المزمل.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:«لا تَدَع قيامَ الليل؛ فإن رسول الله ﷺ كان لا يَدَعُه، وكان إذا مرض أو كسل صلّى قاعدًا» رواه أبو داود.
الغنيمة الباردة
كان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول:
«ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟» قالوا: بلى. قال: «الصيام في الشتاء».
ووصفت “باردة” لكونها تُنال بلا مشقة عالية، فحرارة الصيف ليست حاضرة، والليل طويل للقيام، والنفس تأخذ نصيبها من الراحة.
لماذا يعدّ قيام ليل الشتاء فرصة لا تُعوّض؟
يشرح الإمام ابن رجب أن الليل الطويل يعطي المؤمن:
وقتًا كافيًا للنوم
ثم وقتًا للقيام وقراءة القرآن
فيجتمع للمؤمن راحةُ البدن وغذاءُ القلب.
وقال يحيى بن معاذ:«الليل طويل فلا تُقصِره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك».
ويروى عن ابن مسعود قوله:«مرحبا بالشتاء؛ تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر النهار للصيام».
فضل القيام رغم البرد القارس
قيام الليل في شدة البرد له مشقتان عظيمتان تزيدان الأجر:
1. القيام من الفراش في الصقيعذكر أبو نعيم أن أحدهم قام ليله في ليلة شديدة البرد وهو يرتجف، فسمع هاتفًا يقول:
«أقمناك وأنمناهم، وتبكي علينا؟!»
في إشارة إلى عِظَم مقام من يقوم الليل بينما ينام غيره.
قال النبي ﷺ:«ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره…»
رواه مسلم.
وفي حديث معاذ رضي الله عنه:«الكفّارات: إسباغ الوضوء في الكريهات…» أحمد والترمذي.
وكان عمر رضي الله عنه يوصي ابنه قبل موته بقوله:«عليك بإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي».
قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيفلذلك بكى معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته، وقال:
«إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب».
فهذه عبادات لا ينالها إلا من جاهد نفسه.
دعاء قيام الليل المستجاب
من الأدعية التي وردت عن السلف وذكرها العلماء في فضل السحر:
«يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث».
فمن ناجى ربه به في الليل، أعطاه الله من العطاء والتمكين ما لا يعلمه إلا هو.
ومن دعاء النبي ﷺ:
«اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت…»
وهو من أعظم ما يقال في جوف الليل.