ما تداعيات الحرب في غزة على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
أكّدت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، أمام منتدى للاستثمار في الرياض، الأربعاء، أنّ الحرب المتواصلة منذ 19 يوماً بين إسرائيل وحماس بدأت تؤثر بشكل سلبي على اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة.
وقالت غورغييفا أمام "مبادرة مستقبل الاستثمار"، المنعقدة في العاصمة السعودية، إنّ: "إذا نظرت إلى الدول المجاورة - مصر ولبنان والأردن - فإن التأثير واضح بالفعل".
وتسلل مئات من مقاتلي حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى إسرائيل من غزة في هجوم غير مسبوق منذ إنشاء دولة إسرائيل في 1948، أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، فيما قتل 5791 فلسطينياً من جراء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
شاهد: إصابة عدد من الأطفال في غارات إسرائيلية ليلية مكثفة على غزةوجاءت تصريحات غورغييفا غداة تحذير قادة في قطاع المصارف الدولي من أن الحرب في غزة، قد توجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي. وقالت "ما نراه هو المزيد من التوتر في عالم يعاني من القلق".
وأضافت "لدينا دول تعتمد على السياحة، وعدم اليقين أمر قاتل لتدفق السياح".
وتابعت "سيشعر المستثمرون بالتردد من الذهاب إلى ذلك المكان. تكلفة التأمين، في حال نقل بضائع، سترتفع. مخاطر وجود المزيد من اللاجئين في البلدان التي تستضيف أساساً الكثير".
شاهد: الجيش الإسرائيلي ينشر صورا جوية لقصف غزةويشكل مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السنوي الذي يعرف أيضاً باسم "دافوس في الصحراء"، فرصة للسعودية لتسليط الضوء على الإصلاحات الاقتصادية المحلية التي يقول المسؤولون السعوديون إن نجاحها يعتمد على استقرار المنطقة.
ويتعارض الاندلاع المفاجئ للحرب مع رؤية قيادة السعودية لشرق أوسط مستقر ومزدهر، خصوصاً بعدما استعادت الرياض هذا العام علاقاتها مع غريمتها الإقليمية إيران، وكانت تقترب من تطبيع تاريخي مع إسرائيل.
تغطية مستمرة| غوتيريش يندد بـ "انتهاكات للقانون الدولي"، وقصف إسرائيلي مكثف على غزة وسورياعبرت أطراف عدة عن خشيتها من توسع الحرب لتشمل جبهات أخرى، خصوصاً في ظل تبادل إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، القصف عبر الحدود.
وسلّط التشاؤم الذي عكسه بعض أبرز المتحدثين في التجمع، الذي بدأ الثلاثاء ويستمر لثلاثة أيام، الضوء على مصاعب قد تواجه محاولات المملكة، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، لتنويع اقتصادها بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وتحدث آخرون عن قدرة السعودية على تحمل الصدمات وتمويل الإصلاحات بواسطة صندوق الاستثمارات العامة واسع الثراء.
وأطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل أعوام "رؤية 2030"، التي تهدف إلى تنويع مصادر دخل السعودية وتخفيف ارتهان اقتصادها للوقود الأحفوري، من خلال تحويل السعودية إلى مركز سياحي وتجاري يضم العديد من المشاريع الضخمة، بما في مشروع نيوم المدينة المستقبلية التي تبلغ كُلفتها نحو 500 مليار دولار.
تحت القصف الإسرائيلي على غزة..منظمة الصحة العالمية تكافح من أجل توزيع مواد الإغاثةوقال ناصر التميمي، محلل شؤون الشرق الأوسط في معهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "في السعودية نفسها، كل شيء سيمضي قدماً، والشركات في الدول الغربية والهند والصين لن تفوّت السوق السعوديّة".
وتابع لوكالة فرانس برس "نتحدث عن أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وأكبر سوق للبناء في الشرق الأوسط"، مقللاً من احتمال تأثر السعودية بالحرب التي دخلت أسبوعها الثالث السبت الماضي.
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: إصابة عدد من الأطفال في غارات إسرائيلية ليلية مكثفة على غزة منذ "طوفان الأقصى".. ازدحام بمراكز التدريب على الأسلحة في إسرائيل مقابل الحماية والتعويضات المالية.. مناشير للجيش الاسرائيلي تطلب من سكان غزة معلومات عن المخطوفين السعودية جرائم حرب غزة أزمة اقتصادية فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطينيالمصدر: euronews
كلمات دلالية: السعودية جرائم حرب غزة أزمة اقتصادية فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل قصف حركة حماس قطاع غزة طوفان الأقصى فلسطين ضحايا روسيا الحرب الروسية الأوكرانية الشرق الأوسط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل قصف حركة حماس قطاع غزة غارات إسرائیلیة الشرق الأوسط یعرض الآن Next على غزة
إقرأ أيضاً:
إيران تُفـْشِلُ محاولات ترامب ونتنياهو في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوّة
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
الضربات المشتركة التي شنّتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران مؤخرًا، واستهدفت منشآت نووية، وبُنى أساسية، ومؤسسات رمزية للدولة تجسد إفلاس سياسة استمرت لعقود تجاه طهران تقوم على الضغط والإكراه، وزعزعة الاستقرار. هذه المحاولة الجديدة لا تبدو كتحوّل استراتيجي بقدر ما تعكس اندفاعًا يائسًا لتغيير النظام الإيراني، ودعم نظام إقليمي هش قائم على هيمنة إسرائيلية لا تحدها قيود.
وجاء توقيت الضربة الإسرائيلية الأولى في 13 يونيو بدقة لافتة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي لطالما سعى لإجهاض أي تقارب أمريكي إيراني- يبدو وكأنه دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفعًا إلى هذا التصعيد الذي طالما حلم به. والنتيجة أشبه بفخ نُصب بعناية؛ إذ يبدو ترامب مرة أخرى وكأنه انجرّ إلى صراع شرق أوسطي يصب في مصلحة نتنياهو أكثر مما يخدم المصالح الأمريكية.
ورغم الأضرار الجسيمة التي سببتها هذه الضربات؛ فإنها استدعت ردًا إيرانيًا سريعًا. فالصواريخ الإيرانية اخترقت الدفاعات الإسرائيلية التي طالما عدت منيعة، ما أجبر الملايين على الاحتماء بالملاجئ، وكشف ثغرات استراتيجية لم تكن في الحسبان. والأهم من ذلك أن إيران كانت على ما يبدو قد توقعت الهجوم الأمريكي على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، فأخلت الأجهزة الحساسة، وأغلقت مداخل الموقع قبلا. بل إن مسؤولين أمريكيين اعترفوا الآن بأن فوردو لم تُدمّر. وبدأت الإدارة الأمريكية تلوّح مجددًا بخيار التفاوض كالمسار الوحيد للتعامل مع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، في إقرار ضمني بأن الحل العسكري غير مجدٍ.
تكشف هذه التطورات عن حقيقة أعمق، وهي أن البنية الأساسية النووية الإيرانية صُممت لتصمد أمام هذا النوع من الهجمات. فالانتشار الجغرافي، وعمق المنشآت، وتعقيد البرنامج يعني أن تدميرًا فعليًا قابلًا للتحقق لن يكون ممكنًا إلا عبر غزو بري شامل، ما يعيد إلى الأذهان الكارثة الأمريكية في العراق. والواقع أن التصعيد العسكري قد يدفع إيران نحو التسليح النووي بدلًا من منعه، ويقضي على المسار الوحيد القابل للاستدامة، وهو المسار الدبلوماسي.
وما زاد الطين بلة أن الضربة لم تؤدِ إلى انتفاضة شعبية، أو إسقاط النظام كما تأمل واشنطن وتل أبيب. فبالرغم من سنوات القمع ينظر كثير من الإيرانيين من المتدينين والعلمانيين على حد سواء إلى هذه الهجمات كعدوان مباشر على السيادة، والهوية الوطنية، وسلامة أراضيهم. حالة من الالتفاف الشعبي حول «الوطن» تتصاعد؛ دفاعًا عن الكيان الإيراني في مواجهة عدوان أجنبي. من جهتها؛ أظهرت الحكومة تماسكًا سياسيًا واضحًا بين مختلف التيارات مدفوعة بإحساس متزايد بأنها تجاوزت الأسوأ، وباتت أكثر صلابة. أما محاولة نتنياهو إعادة تلميع رضا بهلوي نجل الشاه المخلوع؛ فبدت عبثية في نظر الإيرانيين الذين يعدونه شخصية من الماضي لا تمت للواقع بصلة. في الوقت ذاته؛ فإن قصف قنوات إعلامية، ومنشآت مدنية إيرانية في مسعى يائس لإشعال تمرد داخلي لم يؤدِّ إلا إلى زيادة فقدان هذا المشروع لمصداقيته.
وتواجه واشنطن اليوم مفترق طرق حاسما؛ فداخل فريق الأمن القومي التابع لترامب ظهرت انقسامات. فقد أبدى بعض مستشاريه، مثل نائب الرئيس جي دي فانس انفتاحًا على استئناف المفاوضات مشيرين إلى إمكانية إجراء محادثات بشأن مخزون إيران النووي. وهذا بحد ذاته إقرار بالفشل؛ فالإكراه بلغ مداه، ولم يعد أمام الولايات المتحدة سوى طريق الدبلوماسية.
لكن لا يمكن للدبلوماسية أن تنجح في ظل القصف، والاغتيالات، ولا يمكن أن تستمر إذا واصلت واشنطن تفويض سياستها تجاه إيران لحكومة إسرائيلية متطرفة هدفها الدائم هو إبقاء الولايات المتحدة رهينة صراع دائم في الشرق الأوسط؛ لخدمة أجندتها.
وغالبًا ما يُنظر إلى سلوك إيران النووي في واشنطن من منظور التهويل متجاهلين المنطق الاستراتيجي الكامن وراء قرارات طهران. فبرنامج إيران النووي لم يكن حملة أيديولوجية لامتلاك السلاح، بل أداة مدروسة للردع، وكسب النفوذ. لقد صممت طهران تموضعها النووي بدقة؛ كي تكون دولة «عند العتبة»، أي أنها تمتلك البنية الأساسية، والتقنية، والمعرفة اللازمة لتصنيع السلاح النووي، لكنها تتوقف قبل الوصول إلى إنتاجه فعليًا. هذا الغموض الاستراتيجي خدم أهدافًا متعددة منها: تقوية موقف إيران التفاوضي، وزيادة كلفة أي ضربة عسكرية، والحفاظ على هامش مناورة دون خرق معاهدة منع الانتشار.
وقد طرحت إيران برنامجها النووي مرارًا كورقة تفاوض، وليس كغاية في حد ذاته. وخلال مفاوضات الاتفاق النووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) أبدت استعدادًا لفرض قيود يمكن التحقق منها على برنامجها النووي مقابل ضمانات أمنية موثوقة، وتخفيف العقوبات الاقتصادية.
لقد حان الوقت لمراجعة واقعية لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط بعيدة عن الأوهام القصوى تقوم على التوازن الاستراتيجي. إيران ليست مشكلة يمكن حلها بالقصف؛ فالعقوبات والضغوط لم تؤدِّ إلى الخضوع أو الانهيار، بل عززت المقاومة، وسرّعت تقدم إيران النووي. وأي استراتيجية تقوم على الإكراه وحده هي وصفة للفشل الذاتي.
والأهم من ذلك أنه يجب على واشنطن أن تواجه حقيقة التكاليف الاستراتيجية المتزايدة؛ نتيجة تبعيتها لحكومة إسرائيلية متصلبة. فبدلًا من أن تكون إسرائيل شريكًا للاستقرار؛ بات سلوكها سببًا للتصعيد، وإفشال المساعي الدبلوماسية، وسحب واشنطن إلى صراعات تُبعدها عن أولوياتها العالمية.
إن أي استراتيجية أمريكية مستدامة يجب أن تقوم على تحقيق توازن إقليمي، لا على دعم طرف واحد دون شروط. ويجب على الولايات المتحدة أن تستعيد قرارها السيادي بما يخدم مصالحها بعيدة المدى. هذه اللحظة تتطلب تحولًا ليس فقط في الأساليب، بل في الرؤية الاستراتيجية. لا يمكن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقنابل والحروب المدمرة. وإذا كانت واشنطن حقًا تسعى إلى الاستقرار فعليها أن تتخلى عن وهم السيطرة على المنطقة عبر تفوق إسرائيل، ودعم الطغاة، والسعي لإسقاط الأنظمة المناوئة. هذا المشروع فشل، والحرب الجارية دليل صارخ على ذلك. ما سيحدث لاحقًا يتوقف على ما إذا كانت واشنطن مستعدة أخيرًا لاختيار الواقعية بدلًا من الأوهام.
سينا طوسي زميل بارز غير مقيم في مركز السياسات الدولية يركّز في أبحاثه على العلاقات الأمريكية الإيرانية، وسياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وقضايا الملف النووي.