الكاتب – عثمان ميرغني
بينما أنظار العالم مشدودة نحو حرب غزة، انزلقت حرب السودان نحو منعطف خطير، بل الأخطر منذ اندلاعها قبل سبعة أشهر. المذهل أن هذا الأمر يحدث في الوقت الذي انطلقت فيه مفاوضات جدة تحت رعاية الميسرين: السعودية والولايات المتحدة وبمشاركة ممثل للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) هذه المرة.
هناك مَن رأى أن الجيش وقوات الدعم السريع سعيا لتعزيز مواقعهما على الأرض لدعم موقفيهما في التفاوض. لكن الواقع لم يكن كذلك، إذ إن الجيش كان في موقف دفاعي، بينما قوات الدعم السريع وسّعت هجماتها في دارفور وحققت مكاسب، لم تغير من المعادلات فحسب، بل وضعت السودان أمام مجهول خطير.
للمرة الأولى تبدو احتمالات التقسيم خطراً ماثلاً، وليس مجرد توقعات وتحذيرات على الورق. الأدهى والأخطر أن هذا الأمر لو حدث فلن يعني نهاية الحرب، لأنها لن تتوقف في دارفور، وستمتد إلى ولايات أخرى، أولها كردفان المشتعلة، قبل أن تعود مرة أخرى إلى الخرطوم، بشكل أعنف.
الكثير يتوقّف الآن على مفاوضات جدة، فنجاحها سيعطي الناس فسحة للتفكير والتدبر في كيفية إنقاذ البلد من أخطر محنة وجودية يعرفها منذ استقلاله. والمقصود بالنجاح هنا هو تنفيذ ما اتُّفق عليه سابقاً من خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمناطق السكنية والمؤسسات والمرافق الخدمية. أما الفشل، فسوف يقود حتماً إلى توسع المواجهات، واشتدادها، وامتدادها نحو مناطق أخرى.
المكاسب التي حققتها قوات الدعم السريع بعد تلقيها مساعدات هائلة في العتاد وفي وصول مقاتلين من دول أخرى، لم تكن عسكرية فحسب، بل كان الواضح أن فيها حسابات أخرى لوضع اليد على مرافق اقتصادية واستراتيجية مهمة مثل حقل بليلة النفطي في ولاية غرب كردفان. هذا الأمر تمكن قراءته من زاويتين؛ الأولى أن قوات الدعم السريع لم تفكر فقط في محاولة بسط سيطرتها على إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة فرنسا تقريباً، بل وسّعت معاركها في إقليم كردفان أيضاً، بمعنى أن الانفصال إذا حدث وكان هذا هو المخطط، فإنه لن يكون في سلخ دارفور وحدها، بل بالتمدد في كردفان أيضاً والسيطرة على ثرواتها، بما يعني النفط والصمغ العربي والثروة الحيوانية، ناهيك بالطبع عن البعد الاستراتيجي لهذه المناطق.
الزاوية الأخرى، أن السيطرة على دارفور وأجزاء من كردفان، وإعلان حكومة من نيالا موازية للعاصمة القومية في الخرطوم، لا يعنيان نهاية المخطط المرسوم، ولا نهاية الحرب، بل سيكون ذلك استنساخاً للسيناريو الليبي الذي أفرز حرباً مفتوحة، وأبقى المجال واسعاً أمام التدخلات الأجنبية مع استمرار تفكير كل طرف في أنه قد تأتي لحظة يتمكن فيها من دحر الآخر.
قبل هذه التطورات الأخيرة كان الناس يتساءلون عن أن قوات الدعم السريع لو رضخت للمطالب بخروجها من بيوت وأحياء المواطنين في الخرطوم، ومن المنشآت الحيوية والخدمية التي سيطرت عليها، فإلى أين ستتوجه. الآن بات واضحاً أن هذا الخروج إذا تم ضمن أي اتفاق لوقف النار فإنها ستتجه نحو دارفور.
ليس سراً أن هناك أطرافاً لا تمانع في «الخلاص» من دارفور بوصفها بؤرة مشاكل لا تتوقف، وربما تهلل للأمر الآن إذا كان هذا هو الثمن لوقف الحرب واستعادة الحياة في الخرطوم. هذا التفكير مقصور على رؤية الصورة الحقيقية بكل أبعادها وخطورتها. انفصال دارفور في تقديري لن يعني نهاية مشاكل السودان، وسيندم الناس عليه، إن حدث، أكثر مما ندموا بعد انفصال الجنوب، الذي خطط وهلل له كثيرون وقتها. دارفور ليست متجانسة، ولا متعايشة، ولو انفصلت فسوف تظل بؤرة لعدم الاستقرار الذي سيمتد إلى أجزاء أخرى. كذلك فإن هذا الانفصال الجديد سيقود إلى انقسامات أخرى لأن الطامعين سيرونها فرصة والسودان ضعيف ومثخن بالجراح والأزمات الهائلة جراء الحرب. أضف إلى ذلك أن دارفور ذاتها قد تصبح منصة لمحاولة السيطرة على أجزاء أخرى من البلد، أو حتى العودة إلى الخرطوم ذاتها ضمن مشروع كبير يضع السودان وأهله وخيراته تحت أيادي المتآمرين والعابثين والطامعين.
أبعد من ذلك، فإن السودان سيكون أضعف كثيراً لو سلخت منه دارفور. لا أعني تقزيمه من حيث المساحة والقوة البشرية، بل أيضاً من حيث الثروات والإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يوجد أكثرها في دارفور وكردفان.
إلى أين ستتجه الأمور؟
ستكون هناك عين على جدة وما إذا كانت المفاوضات ستقود إلى اتفاق حقيقي بوقف النار يبدأ من الالتزام بتنفيذ البنود المتفق عليها سابقاً، مع عدم القيام بأي عمليات عسكرية جديدة. إذا حدث ذلك فإنه سيفتح الباب أمام مناقشة أمور أخرى شائكة، بما فيها مستقبل «الدعم السريع»، وملف الدمج في القوات المسلحة، لا سيما بعد كل ما حدث في هذه الحرب.
العين الأخرى ستكون على التطورات العسكرية وبشكل خاص في غرب البلاد. فإذا واصلت قوات الدعم السريع عملياتها وهاجمت الفاشر ومدناً أخرى، فإن هذا سيعني أنها ماضية في خطة السيطرة على دارفور وأجزاء من كردفان، وهذا لن يكون فقط نهاية أي اتفاق بالتفاوض، بل سيقود إلى جولة جديدة أعنف من القتال، تتغير فيها تكتيكات الجيش من الدفاع إلى الهجوم، لأنه لن تكون أمامه خيارات أخرى لاستعادة مواقعه وهيبته ومنع تفكك السودان، كما أقر بذلك الفريق البرهان في تصريحاته الأخيرة.
أين الأطراف المدنية من كل ذلك؟
الحقيقة أن النخب التي تتحمل مسؤولية كبيرة فيما آلت إليه الأمور، لا تزال مشغولة بحروب كلامية لا تنتهي، بينما الحرب تقضي على الأخضر واليابس. تدخل على مواقع التواصل الاجتماعي فترى الجدل العقيم ذاته والتفكير الإقصائي بين الإسلاميين وخصومهم، الذي حوّل الأمور وكأنها مباراة على لوحة شطرنج، وليست مصير بلد يترنح تحت وطأة هذه الكارثة التي حلت به، والأطماع المحيطة به من كل اتجاه. هذا التجاذب، أو هذا الاستقطاب الحاد لم يحبط الثورة، ويفشل الفترة الانتقالية فحسب، بل أسهم بالتأكيد في الشحن والتأجيج الذي قاد إلى الحرب. وإذا لم يحكم الناس عقولهم، واستمروا في طريق المعادلات الصفرية، والصراعات الاستقصائية، فإنهم سيتحملون مسؤولية وطن يوشك أن يضيع.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: أمام السودان خطير منعرج
إقرأ أيضاً:
توثيق أممي لجرائم الدعم السريع في السودان
قالت الأمم المتحدة، اليوم الخميس، إن ميليشيات الدعم السريع نفذت عمليات قتل واختطاف وتجنيد قسري بما في ذلك الأطفال.
ويأتي ذلك في إطار الجهود الدولية من أجل وضع حدٍ للأزمة السودانية.
وفي وقتٍ سابق، أشارت شبكة أطباء السودان إلى أن ميليشيات الدعم السريع قتلت 4 أشخاص بينهم طفل بحي الدرجة بالفاشر.
وأضافت الشبكة :" هذه الانتهاكات تهدد حياة المدنيين".
اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا
وأكد الجيش السوداني، في وقتٍ سابق، أنه أحرز تقدماً في عدة محاور بولاية جنوب كردفان.
وياتي تأكيد الجيش السوداني بعد أن زعمت ميليشيات الدعم السريع سيطرتها على مدينة بابنوسة.
وفي وقتٍ سابق قال عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودان، للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة استعداد الحكومة السودانية التعامل مع الأمم المتحدة وجميع وكالاتها.
وأشارت مصادر سودانية إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر على المواد الإغاثية التي تصل إلى إقليم دارفور.
وأضافت المصادر بالقول إن قوات الدعم السريع تستهدف المواطنين في إقليم دارفور وعدد كبير مصيرهم مجهول.
وقال برنامج الأغذية العالمي، في وقتٍ سابق، إن ملايين السودانيين على شفا كارثة.
وأضاف البرنامج :"السودان يواجه إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم".
وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم شبكة أطباء السودان أن فرق المنظمة الميدانية منتشرة في جميع أنحاء البلاد لتقديم تقارير دقيقة حول الأوضاع الإنسانية، مع التركيز على توفير الرعاية الصحية الأولية للنازحين.
وشدد على أهمية تقديم الدعم النفسي للأطفال الذين يعانون من آثار الحرب وسوء التغذية، مشيراً إلى أن عدد كبير من النازحين يتكدسون في مدينة الفاشر.
وأفاد المتحدث باسم شبكة أطباء السودان بأن ميليشيا الدعم السريع حولت بعض المستشفيات إلى ثكنات عسكرية وجعلتها أهدافاً عسكرية، في انتهاك للقوانين الإنسانية الدولية.
وأضاف في تصريحات لشبكة القاهرة الإخبارية أن مدينة الفاشر شهدت حصاراً مطبقاً وقصفاً ممنهجاً من قبل ميليشيا الدعم السريع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة.
وقالت وزيرة التنمية الهولندية، في وقتٍ سابق، إن أكثر من 21 مليون شخص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وأضافت :" السودان يشهد أسوأ أزمة إنسانية عالميا والمجاعة ثبت وقوعها في بعض المناطق".
وقالت دينيس براون، المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية بالسودان، إن المساعدات التي قدمناها للناجين بالفاشر بعيدة عن تلبية احتياجات السكان.
وأضافت :"لا نملك الغذاء الكافي وعلى المجتمع الدولي التحرك".
وقالت مديرة الاتصال في منظمة "أنقذوا الأطفال"، إن السودان يشهد واحدة من أكبر أزمات النزوح الداخلي في العالم، حيث وصل عدد النازحين إلى 10 ملايين شخص منذ اندلاع الصراع.