نظام جديد للتغلب على أزمة الدولار.. تبادل تجاري بين مصر وكينيا بدون عملات
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
تسعى الدولة المصرية لزيادة حصيلتها من النقد الأجنبي وعلى رأسها الدولار، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات جائحة فيروس كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، على الاقتصادات الناشئة، وقامت الدولة بالعديد من الإجراءات للحفاظ على مخزونها من السيولة الدولارية.
وأفادت وكالة "بلومبرج"، أن مصر تبحث شراء الشاي من كينيا، عبر المقايضة، والاحتفاظ بالسيولة الدولارية، وفقاً لوزير الخزانة الكيني نجوجونا ندونجو، في حديث له أمام لجنة في العاصمة الكينية نيروبي أمس، مشيراً إلى أن الطلب جاء من السفير المصري في كينيا.
وتعد المقايضة هي نظام الصرف الذي يتم عبره تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل مثل المال. وهي عادة ما تكون ثنائية ولكن قد تكون متعددة الأطراف (أي بوساطة من خلال المنظمات المقايضة) وعادة موجودة بالتوازي مع النظم النقدية في معظم البلدان المتقدمة على نطاق محدود جدا. المقايضة عادة ما تستبدل المال كوسيلة للتبادل في أوقات الأزمات النقدية، مثل عندما تكون العملة إما غير مستقرة (على سبيل المثال التضخم أو الانكماش) أو ببساطة غير متوفرة لإجراء التجارة.
ووفق هذا الاتفاق ستحصل مصر على الشاي الكيني، ويأتي الكينيون أيضاً ويقررون ما سيحصلون عليه من المنتجات المصرية.
وتأتي الخطوة مع مواجهة عدد من الدول حول العالم نقصاً في العملة الأمريكية، ومنها كينيا التي تعتبر أكبر دولة مصدرة للشاي الأسود في العالم وهو ما قد يدفعها إلى قبول مقايضة الشاي بمنتجات تنتجها مصر.
وتعاني كينيا من نقص في الدولار، مما يزيد من التضخم ويثقل كاهل الشلن. وتواجه الدولة الواقعة في شرق أفريقيا طلبا متزايدا على العملة الأميركية لاستيراد الغذاء والوقود، فضلاً عن سداد سندات بقيمة ملياري دولار تستحق في يونيو 2024.
وخسر الشلن 18% مقابل الدولار هذا العام، فيما انخفض الجنيه المصري 20% خلال نفس الفترة، وتعد مصر ثاني أكبر مشتر للشاي من كينيا بعد باكستان. وانخفضت الصادرات إلى السوقين في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 بنسبة 23% و13% على التوالي، وفقاً لبيانات مجلس الشاي الكيني.
وقال ندونجو إن الرئيس ويليام روتو أرسل وزير الزراعة للتفاوض على ترتيبات مقايضة مماثلة مع باكستان، مضيفًا "ما زلنا نعاني من نقص عالمي في الدولار، ولهذا السبب تريد دول مثل مصر وباكستان القيام بتجارة المقايضة".
وأكد مسئولون في اتحاد الغرف التجارية أن مقترح مقايضة الشاي الكيني بسلع مصرية يشكل أحد الحلول لأزمة الدولار ويمكن تعميمه على سلع أخرى، كما يساهم فى تنوع الأصناف الموجودة في السوق المحلية.
وتعد المقايضة الدولية نظام متعارف عليه في أنحاء العالم، وليست هذه المرة الأولى التي تتعامل مصر مع دولة أخرى بالمقايضة، إذ بحثت الهند اقتراحًا مع مصر لبدء اتفاق مقايضة سلع مثل الأسمدة والغاز في إطار اتفاق أشمل ربما يشهد تمديد نيودلهي خط ائتمان إلى القاهرة بقيمة مليارات الدولارات.
وسيسمح الاتفاق لمصر أن تجري مشتريات بالروبية ويجري بحث المقايضة كوسيلة لتسوية هذا الدين من خلال بيع المنتجات المصرية التي ربما تفيد الهند. قال مسؤول هندي إن وزارة الخارجية الهندية تتشاور مع الإدارات بشأن رغبتها بشراء الأسمدة والغاز من القاهرة كدفعة جزئية لخط الائتمان.
ومن جانبه، قال عضو الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد شيحة، إن نظام المقايضة يعرف بالصفقات المتكافئة عبر التبادل التجاري سلعيًا بدلا من المال ويعد أحد الحلول لأزمة نقص الدولار.
وأضاف “شيحة” في تصريحات له، أن مصر طبقت نظام المقايضة في بعض الأوقات مع روسيا عبر استيراد الحبوب، والزيت، مقابل تصدير حاصلات زراعية ومنتجات غذائية.
وأشار إلى أن المقايضة مطبقة في عدد من الدول للخروج من أزمة نقص الدولار، كما يتم تقييم السلع مقابل نظيرتها، موضحًا أن النظام سيفيد الطرفين ويمكن توسيعه في مرحلة لاحقة.
وأوضح أن مصر من الممكن أن تقوم بمقايضة الشاي بسلع أخري تحتاجها السوق الكينية مثل السلع الإلكترونية والخضراوات والملابس والمعدات الكهربائية.
وارتفعت قيمة الواردات المصرية من كينيا لتصل إلى 307.9 مليون دولار خلال عام 2022 ، فيما بلغ إجمالي صادراتها للسوق الكينية نحو 355.7 مليون .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: كينيا الشاي المقايضة السيولة الدولارية الدولار الجنيه
إقرأ أيضاً:
السودانيون في كينيا.. محاولة اندماج تواجه صعوبات
لأسباب كثيرة وجد السودانيون أنفسهم في كينيا، منهم من يعمل في المنظمات الإقليمية والدولية ومنهم من يعمل في التجارة وقطاعات أخرى، بيد أن جزءا كبيرا منهم دفعت به الحرب الدائرة في السودان بين الجيش ومليشيا الدعم السريع.
التغيير ــ و كالات
يتوزع الوجود السوداني -الذي لا يتجاوز 3500 حسب تقديرات السفارة- في عديد من الأحياء، لكن تركيزهم الأكبر في حي كليماني الذي كان وجهة السودانيين الأوائل ثم ما لبث أن استقطب أغلب الوافدين الجدد ليكون بذلك أكبر نقطة تجمع سوداني في العاصة الكينية، كما توجد أعداد أخرى في حي رواكا وحي جويلان.
بدأت العلاقات السودانية الكينية مطلع القرن الـ20، عندما استعان الاستعمار البريطاني بمجندين سودانيين من أبناء جبال النوبة خلال حملته العسكرية لاحتلال كينيا بين عامي 1919 و1920، وشاركوا كذلك في تشييد خط السكة الحديد الرابط بين كينيا وأوغندا.
يقول محمد عثمان -وهو سوداني يعيش منذ سنوات في كينيا- “صحيح أن العلاقات بين البلدين قديمة وكانت مستقرة حتى أن السودانيين الذين شاركوا في الحرب الإنجليزية لاحتلال كينيا، استقروا وانصهروا في المجتمع في أحد الأحياء القديمة في نيروبي، ويسمى حي كبرا وهو حي عشوائي”.
قصة الاندماجرغم أن قدماء السودانيين اندمجوا في المجتمع وحصل بعضهم على الجنسية الكينية، فإن ذلك لم يكن سهلا على القادمين الجدد إلي بلد لا يعرفون عنه سوى الروايات الإعلامية السالبة، وهذا ربما ينطبق على أغلب السودانيين بسبب ضعف احتكاكهم بالجوار الأفريقي مقارنة بالدول العربية، وخصوصا دول الخليج.
القنصل السوداني في نيروبي منتصر سعد إسحاق
ويقول قنصل السودان في السفارة في نيروبي منتصر سعد إسحاق إن عاملي اللغة والبحث عن عمل مثّلا أكبر تحد للسودانيين، فبعضهم لا يجيد الإنجليزية (اللغة الرئيسية في كينيا) إلى جانب أن سوق العمل ضيق لا يكاد يستوعب حتى الكينيين أنفسهم.
نجح بعض السودانيين في الحصول على عمل في المنظمات الدولية، خاصة أولئك الذين لهم سابق خبرة مع مثل هذه المنظمات في السودان، في حين توجه آخرون لتأسيس مشاريع خاصة في مجال الخدمات والتجارة وبقي قسم آخر عاطل عن العمل.
ويرى القنصل منتصر أن النقطة الإيجابية هي عدم وجود أي تمييز ضد السودانيين في كينيا، أولا بسبب الشبه في السحنات، وثانيا أن الشعب الكيني في عمومه ودود ويكن الاحترام للسودانيين، كما أن ما يصل إلى 5 آلاف كيني درسوا في الجامعات السودانية في تخصصات مختلفة، خاصة في المجال الطبي وهم اليوم يتبوؤون مناصب عليا في الدولة.
ثناء كينييعبر الكينيون عن الثناء كلما قابلوا سودانيا، هنا راشد محمد -وهو كيني درس في جامعة أفريقيا العالمية التي كانت قبلة عديد من الطلاب الأفارقة- يحتفظ بذكريات جميلة عندما كان طالبا في هذه الجامعة ثم معلما في معهد بالسودان، لكن الحرب أجبرته مع أفارقة آخرين على الفرار.
يقول راشد “بقيت أسبوعا كاملا أرفض المغادرة، ولكن عندما اشتدت الهجمات، خاصة في المناطق القريبة من الجامعة، اضطررت للمغادرة عبر ود مدني ومنها لمنطقة القلابات على الحدود الإثيوبية”.
وينتظر راشد بفارق الصبر انتهاء الحرب، التي يتابع تفاصيلها كل يوم، للعودة إلى السودان. يحكي راشد -وهو يضحك- أن زملاءه يقولون له “أنت لست كينيًا، بل أنت سوداني”.
قصص نجاحيتوجه بعض الكينيين، خاصة الذين درسوا في السودان مثل راشد وكذلك الجنوبيون، إلى المطاعم والمحلات السودانية في نيروبي التي يديرها شباب أغلبهم هربوا من الحرب وتركوا خلفهم كل ما يملكون ليبدؤوا من الصفر، ولكنهم -مع ذلك- رسموا قصص نجاح لافتة.
اثنان من الشباب محمد الفاتح وجواد أسسا مطعما اطلقا عليه اسم “جايطة”، الذي يعني بالعامية السودانية شيئا غير مرتب، وهو تعبير عن حالة عدم الاستقرار التي واجهها هؤلاء الشباب بعد الحرب.
يقول جواد إن قصتهم بدأت في القاهرة عندما استأجروا دكانا وفشلوا في تحديد نشاطه إلى أن اقترحت عليهم سيدة بيع الطعمية، واقترح آخر بيع أكلة الأقاشي، وهي طبق سوداني تقليدي يتكون من لحم يتبل بطريقة خاصة ثم يشوى على الفحم ليكتسب نكهة مدخنة ويُقدم عادةً مع الخبز والسلطة.
نجحت الفكرة واستقطب المكان الزبائن، عندها قرر هؤلاء الشباب نقل الفكرة إلى نيروبي ليؤسسوا مطعما بالاسم والمواصفات ذاتها، وحقق نجاحا باهرا، حسب ما يقولون، وتجري ترتيبات لفتح فرع آخر في الصومال.
ورغم بعض النجاحات، فإن صعوبات لا تزال تواجه كثيرين. ويشير القنصل منتصر إلى جهود السفارة والجالية في حل بعض المشكلات خاصة المتعلقة بالإقامة والحالات الإنسانية، وكذلك تطرق إلى ما قدمته جمعية قطر الخيرية والسفارة القطرية في نيروبي للسودانيين، معبرا عن شكرهم السفارة على وقفتهم هذه.
ربطت بريطانيا مستعمرتيها كينيا والسودان بعلاقات تجارية تكاملية، وبعد استقلال البلدين، كينيا في عام 1963، والسودان في 1956، أقاما علاقات دبلوماسية كاملة ونمت علاقاتهما الاقتصادية منذ ذلك الحين.
يصدر السودان القطن والحبوب الزيتية والكركدي والعطور، ويستورد الشاي والبن والعسل.
ظل التبادل التجاري مستمرا طوال الحقب الماضية، وتركز نشاط التجار السودانيين في مدينة مومباسا التي تعتبر الميناء الرئيسي للصادرات إلى السودان وفي مقدمتها الشاي الكيني.
بلغت قيمة صادرات الشاي الكيني إلى السودان خلال السنوات القليلة الماضية حوالي 255 مليون دولار سنويًا. ويعد السودان ثالث أكبر سوق للشاي الكيني عالميًا، حيث يستورد نحو 10% من إجمالي إنتاج كينيا سنويًا.
اليوم توقف تصدير الشاي بعد اتهام السودان حكومة الرئيس وليام روتو بالانحياز إلى “الدعم السريع” واستضافة اجتماعات لقوى المعارضة السودانية، بهدف تشكيل حكومة موازية في السودان، وهو ما اعتبرته الخرطوم تهديدًا لأمنها القومي. وقد تسبب القرار في مشكلات للمزارعين والتجار على حد سواء.
جذور الصراعالأسباب الجذرية للصراع بين السودان وكينيا متعددة الأوجه، وتشمل الديناميكيات التاريخية والسياسية والإقليمية. كلا البلدين لاعب مؤثر في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، مما يؤدي إلى تنافس على الهيمنة الإقليمية يمكن أن يظهر أحيانًا في شكل توترات سياسية ودبلوماسية.
فقد شهدت علاقات البلدين تقلبات وتأرجحت ما بين التعاون والتوتر في عهد الرئيس السوداني عمر البشير الذي حكم من 1989 إلى 2019 .
شكوك سودانيةلعبت كينيا دور الوسيط في اتفاق نيفاشا بين شمال وجنوب السودان، والذي أفضى إلى تقسيم البلاد في يوليو 2011 وظهور دولة جنوب السودان.
لكن علاقات نيروبي مع السياسيين من جنوب السودان كانت أكثر قوة وتعاونًا مقارنةً بعلاقاتها مع السياسيين الشماليين.
فقد دعمت الحكومات الكينية المتعاقبة الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال فترة الحرب السودانية. وأسهم هذا الدعم في تعزيز العلاقات بين الطرفين في مرحلة ما بعد الانفصال.
فقد أصبحت كينيا واحدة من الدول الرئيسية التي دعمت الدولة الوليدة في بناء مؤسساتها وتطوير اقتصادها، وعزز هذا التعاون العلاقات بين البلدين.
في المقابل، ينظر في الخرطوم لدور كينيا ووساطتها في الصراعات في السودان أحيانًا بشك واعتباره تدخلا في شؤون البلاد الداخلية.
حتى الآن لا توجد أي تداعيات سالبة تمس الجالية السودانية بعد قرار سحب السفير ووقف التعاملات التجارية مع كينيا، ويشير القنصل السوداني إلى أن إقامات السودانيين لم تتأثر بهذه الخلافات وتسري عليها الشروط ذاتها من دون تغيير.
المصدر : الجزيرة