بعد تداعيات الحرب.. كيف يستعيد اقتصاد السودان العافية؟
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
بعد استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لنحو سبعة أشهر، تعمقت أزمة الاقتصاد بصورة أثرت على كل مناحي الحياة، ومع تعلق الآمال بمنبر جدة للتفاوض، بدأت التساؤلات حول كيفية استعادة عافية الاقتصاد؟
الخرطوم: التغيير
ارتفع سقف طموحات المواطنين السودانيين في إمكانية إحلال السلام عقب استئناف الجولة المنقضية من مفاوضات منبر جدة بالمملكة العربية السعودية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اللذين يتقاتلان منذ نحو سبعة أشهر.
ويأمل السودانيون بنجاح المنبر في حمل الطرفين على توقيع اتفاق في الجولة القادمة يوقف الحرب والدمار المستمر منذ منتصف أبريل الماضي وبدء مرحلة جديدة من الإعمار ومعالجة مشاكل الاقتصاد السوداني المتراكمة.
ويخوض الجانبان معارك ضارية بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، منذ 15 ابريل المنصرم، في صراع للسيطرة على السلطة بقوة السلاح، ما خلف آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين واللاجئين، وتردي أمني وإنساني واقتصادي غير مسبوق.
خسائر بالأرقامووفقاً لأرقام متداولة تعرض أكثر من (33) ألف مبنى بالعاصمة الخرطوم للدمار، فيما أكد تقرير لمنصة العمل السوداني اطلعت عليه (التغيير) خروج (400) منشأة للصناعات الغذائية والدوائية ومجالات أخرى عن الخدمة بشكل كامل بعد عمليات التخريب والحرق والسرقة.
تشير تقديرات وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي إلى أن (60) مليار دولار هو حجم ما لحق بالبنية التحتية من خسائر وأضرار، و20% هو حجم التراجع في الناتج المحلي في حال استمرار الحرب.
كما أصاب الضرر (100) فرع للبنوك والمصارف بجانب مئات الشركات والصغيرة طالتها عمليات نهب وسرقة وإتلاف.
خيارات الإصلاحوبالرغم من التردي الواضح ودخول الاقتصاد مرحلة غير مسبوقة من الانهيار، إلا أن عدداً من المختصين والباحثين، يرون أنه حال تم التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب، فإن خيارات الإصلاح متاحة وممكنة.
وقال الباحث الاقتصادي عابدين الأمين في حديثه لـ(التغيير)، إن إصلاح ما دمرته الحرب أمر غير مستحيل ولكنه يحتاج إلى إرادة سياسية وتكاتف بين جميع أفراد المجتمع للنهوض بالبلاد من جديد.
وأضاف: قد يبدو الحديث مبكراً عن عملية الإصلاح في ظل استمرار الحرب لكن في النهاية عملية الإصلاح هذه مرتبطة بالحكومة القادمة.
وأوضح الأمين أن هنالك طريقين للإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار؛ الأول صعب وطويل لكنه الأفضل بالاعتماد على الداخل والاستفادة من الموارد المتاحة زراعية، صناعية وثروة حيوانية بقيمة مضافة للمصانع في الولايات وإقامة مصانع جديدة بجهد المستثمرين الوطنيين.
وقال: أيضاً الإعلان عن شركات مساهمة عامة باستغلال الحس الوطني للمواطنين ودفعهم للمشاركة في الإعمار بنفير شعبي حكومي أهلي شامل.
وتابع: شركات المساهمة العامة تبدأ أولاً في مجالين هما الثروة الحيوانية والذهب؛ أولاً شركة للذهب تكون بديلاً للشركة الحالية للموارد المعدنية التي يجب أن يقتصر دورها في وضع السياسيات فقط مع رفدها بالكوادر المؤهلة والنزيهة لجهة أن الذهب عائداته المالية سريعة ويمكن أن تشكل (درب وانعاش) للاقتصاد السوداني، وثانياً شركة لصادرات الثروة الحيوانية.
واختتم الأمين: أما الطريق الآخر نحو الإعمار طبعاً هو طريق التعاون مع المؤسسات والبنوك الدولية وصندوق النقد (قروض ومنح) وهذا طريق سهل ومجرب لكن التخلص منه وتطبيق شروطه سيكون له آثار صعبة في المستقبل.
تفاؤل ومحاذيرلكن أستاذة الاقتصاد د. سبنا إمام تميل إلى الرؤية التي تقول إن الحرب ليست كلها شر، “فأعظم الاقتصاديات خرجت من رحم الحروب كالولايات المتحدة واليابان وكوريا والقائمة تطول”.
وقالت سبنا لـ(التغيير): ليس لدي أدنى شك في أن السودان سيخرج أقوى من هذه المحنة وسيتلمس طريق النجاح والأذدهار.
وشددت على ضرورة التخلي عن الاقتصاد (الريعي) بعد الحرب بما يعني الاعتماد على مصدر دخل محدد فمثلاً سابقاً كان الاعتماد على ريع زراعي محدد مثلاً القطن ومحاصيل الحبوب الزيتية، وكل طائفة أو أكثرية أو أقلية تحاول أن تحوذ على أكبر كمية من هذا الإنتاج، وكان لابد أن يكون لديك نفوذ سياسي حتى تفوز بنصيب الأسد، لذلك ظهرت الأسر السياسية والتنظيمات التي تزاوج قادتها مع هذه الأسر بغية الاقتراب من مركز السلطة ونيل المكاسب.
وأضافت: ثم انتقلنا من دولة القطن لدولة النفط ولكن ظلت الممارسات السالبة قائمة ودخلت أطراف وخرجت أخرى، ثم جاء ريع الذهب كمسوغ جديد للصراع ولكن هذه المرة بمشاركة دول.
وطالبت سبنا بقرارات قوية لإيقاف هذا الانزلاق والتحول لنظام اقتصادي متعدد ومتطور. وقالت إن أعظم الاختراعات العلمية والتكنولوجية خرجت من رحم الحروب كالانترنت والفيزياء والكيمياء والأدوية وتطور الطيران والقائمة تطول.
الوسومإبراهيم البدوي إصلاح الاقتصاد الإصلاح الاقتصادي الاقتصاد البنك الدولي الجيش الحرب السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إبراهيم البدوي إصلاح الاقتصاد الإصلاح الاقتصادي الاقتصاد البنك الدولي الجيش الحرب السودان
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
أحمد مراد، أحمد عاطف (أبوظبي)
أخبار ذات صلةعصفت الحرب الدائرة في السودان، منذ أبريل 2023، بغالبية القطاعات الحيوية، حيث يُعد القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، في ظل تعرض البنية التحتية الزراعية للتدمير الكامل، جراء تصاعد العمليات العسكرية في المناطق التي تمثل القلب النابض للإنتاج الزراعي، خصوصاً الجزيرة وسنار ودارفور وكردفان، ما فاقم معاناة السكان.
وتسببت الحرب في تداعيات كارثية طالت معظم جوانب القطاع الزراعي السوداني، إذ تُشير بعض التقديرات إلى خروج نحو 60 % من مساحة الأراضي المستخدمة عن دائرة الإنتاج. علماً بأن السودان يمتلك 170 مليون فدان صالحة للزراعة، وكان المستخدم منها قبل الحرب 40 مليوناً فقط.
ويُعد مشروع الجزيرة الذي يمتد على مساحة 2.3 مليون فدان واحداً من أكثر المشاريع الزراعية تضرراً من الحرب، مما تسبب في خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، نظراً لكونه أكبر مشروع في العالم يروى بنظام الري الانسيابي، ويشكل مصدر الدخل الأساسي لأكثر من مليون أسرة سودانية.
وفي دارفور، تبدو الأوضاع أكثر كارثية، وأكثر تعقيداً، حيث يعتمد نحو 85 % من سكان الإقليم على الزراعة، وقد أجبرت العمليات العسكرية غالبيتهم إلى الفرار والنزوح بعيداً عن أراضيهم الزراعية.
كما تُعد سنار والنيل الأزرق وشمال وغرب كردفان أكثر الولايات المتضررة من الحرب، حيث شهدت انخفاضاً ملحوظاً في المساحات المزروعة، ولم تسجل ولايتا شمال وغرب كردفان أي إنتاج زراعي في موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو»، فإن إنتاج السودان من الحبوب تراجع بنسبة تزيد على 60%، موضحة أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، وبات غالبية المزارعين يجدوا صعوبة في الوصول إلى الأراضي والمواد الأولية.
وتسبب اتساع رقعة الحرب على امتداد نحو 70% من مناطق السودان في تعطيل عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، لا سيما مع فقدان 85% من قدرات شبكات الري.
دعم الإمارات
منذ اندلاع النزاع في السودان، في أبريل 2023، تحرص دولة الإمارات على دعم جميع القطاعات الحيوية في البلاد، ومن بينها القطاع الزراعي، حيث وقعت اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» لتقديم تمويلاً قدره 5 ملايين دولار يوجه لمشروع تخفيف المجاعة ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالحرب.
ويوفر المشروع مساعدات طارئة في مجال المحاصيل والماشية والخدمات البيطرية لنحو 275 ألف أسرة من صغار المزارعين والرعاة الضعفاء، ويستفيد منه نحو مليون و375 ألف شخص.
كما يهدف إلى الحد من الخسائر في الثروة الحيوانية من خلال التطعيم الوقائي ضد الأمراض العابرة للحدود، ويستهدف مليوني رأس من الحيوانات، ويستفيد منه نحو 600 ألف شخص، 25% منهم من الأسر التي تعيلها النساء.
تراجع حاد
شددت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نسرين الصباحي، على أن تداعيات الحرب في السودان لم تقتصر على المشهدين السياسي والإنساني فحسب، بل امتدت لتضرب بشدة القطاع الزراعي الذي يُعد أحد أهم ركائز الاقتصاد السوداني، إذ يعتمد عليه ملايين السكان في حياتهم اليومية.
وأوضحت الصباحي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن تدهور القطاع الزراعي في السودان جاء نتيجة مباشرة لعدة عوامل تراكمية أفرزها النزاع المسلح، أبرزها موجات النزوح الجماعي التي ضربت المجتمعات الريفية، والتي تُعد الحاضنة الأساسية للنشاط الزراعي في البلاد.
وأشارت إلى أن النساء والفتيات اللاتي يُمثلن عماد القوة العاملة الزراعية في كثير من مناطق السودان، هن الأكثر تضرراً من النزاع، ليس فقط بفعل العنف والنزوح، بل أيضاً نتيجة تحملهن لأعباء جديدة، أبرزها محاولة تأمين الغذاء في بيئات صارت غير صالحة للإنتاج الزراعي بفعل الدمار وانعدام الأمن.
وقالت الباحثة في الشؤن الأفريقية، إن التقارير الأممية تُظهر أرقاماً مرعبة، إذ بلغ عدد النساء والفتيات النازحات داخل السودان نحو 5.8 مليون، ضمن أكثر من 12 مليون نازح داخل السودان وخارجه، وكثير من هؤلاء كانوا في الأصل من سكان المناطق الزراعية، مما يعني فقداناً جماعياً للأيدي العاملة، وانهياراً للقدرة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والرعي، لا سيما في مناطق مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وأضافت أن المرأة السودانية في الأرياف أصبحت مضطرة للعب أدوار متعددة، في ظل غياب الرجال بسبب الحرب أو النزوح أو القتل، من الزراعة والرعي إلى رعاية الأطفال وتأمين الغذاء والمأوى، وهو ما يجعل النساء يتحملن العبء الأكبر في مجتمع منهك أصلاً اقتصادياً واجتماعياً.
ونوهت الصباحي بأن استمرار النزاع وتصاعد المعارك، خصوصاً في مناطق الإنتاج الزراعي الأساسية، يُهددان بإدخال السودان في مرحلة انعدام أمن غذائي غير مسبوق، مشددة على أهمية تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل، وإعادة التفكير في سبل تأهيل المجتمعات الزراعية المتضررة، مع التركيز على خدمات الدعم النفسي والصحي للنساء اللواتي تحولن من ضحايا مباشرة للحرب إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الجوع والانهيار الاقتصادي.
ضربة قاصمة
قالت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نورهان شرارة، إن القطاع الزراعي السوداني كان يمثل ما بين 30 و%35 من الناتج المحلي الإجمالي، ويُعد مصدر رزق لنحو %60 من القوى العاملة. ومنذ اندلاع الحرب، تلقى القطاع ضربة قاصمة، حيث تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن السودان فقد معظم موارده الطبيعية والبشرية، مع نزوح نحو 12 مليون شخص داخل وخارج البلاد، كثير منهم من المزارعين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للمواسم الزراعية.
وأضافت شرارة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن البيانات تشير إلى أن البنية التحتية الزراعية تعرضت لانهيار شبه كامل، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة لا تقل عن %60، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من بذور وأسمدة، بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في مناطق الزراعة الأساسية مثل الجزيرة والنيل الأزرق وكردفان.
وأكدت أن السودان يقف على حافة المجاعة، وفقاً لتصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، حيث يعاني نحو 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ورغم وصول بعض المساعدات الإغاثية، فإن المستقبل يبدو قاتماً، مشيرة إلى أن معالجة الانهيار الكارثي للقطاع الزراعي لن تكون سريعة أو سهلة، بل ستتطلب سنوات من العمل، وتمويلاً دولياً ضخماً، وأهم من كل ذلك استقراراً سياسياً حقيقياً يؤسس لإعادة بناء ما دمرته الحرب في الريف السوداني.