لكُلِّ مجال من مجالات الحياة جوانب مختلفة ومتداخلة، نتيجة التطوُّرات والتغيُّرات المتلاحقة والمرتبطة بمجالات أخرى تؤثِّر وتتأثر به، وهذه ظاهرة صحيَّة بامتياز، فلا يُمكِن أن تتقدمَ الحياة إلَّا بوجود تطوُّر، والتطوُّر في الأساس نتيجة لتلك المتغيِّرات الَّتي أشَرنا لها، فالحياة ديناميكيَّة متغيِّرة لا تعرف للثبات سبيلًا.
فقَدْ أثَّرت الثَّورة الصناعيَّة الرابعة ـ كما أشَرنا في مقالات سابقة ـ على مجال السَّفر لغرض السِّياحة بصورة لَمْ تؤثرها الثَّورات الصناعيَّة الماضية؛ نتيجة قدرتها على تبسيط إجراءاته وتسهيله للجميع. وإذا كان مَنْ يمارس السَّفر لغرض السِّياحة قديمًا هُمْ فئة معيَّنة ومُحدَّدة، فئة النَّاس الميسورة مادِّيًّا والمهتمَّة بجانب الاكتشاف والمغامرة والعِلم والمعرفة، فإنَّ ما أتاحته ثورة البرمجيَّات ساعد الجميع على أن يسافرَ، ولكن بطريقته ووفق إمكاناته، فحتَّى أولئك الَّذين لا يملكون المال الكافي أُتيح لَهُمْ أيضًا ممارسة السَّفر. لقَدْ ظهرت نتيجة لكُلِّ تلك التغيُّرات أنماط متعدِّدة من السَّفر، من أبرزها ما يُسمَّى بالسَّفر الاقتصادي، الَّذي يستفيد من مختلف البرامج المتاحة لتوفير النفقات المادِّيَّة، عن طريق حجز تذاكر رخيصة مثلًا باستخدام برامج خاصَّة وحجز فنادق ووسائل النقل وغيرها، وإيجاد بدائل متعدِّدة تسهِّل من مُهمَّة السَّائح الَّذي يعتمد على هذا النَّمط وبتكاليف قليلة جدًّا، فلَمْ تَعُدِ الحاجةُ الآن إلى الذَّهاب إلى الوجهة السِّياحيَّة بِدُونِ معرفة جميع تفاصيلها من سكَنٍ ونقْلٍ وأكلٍ ومواقع سياحيَّة وإلى آخره من المعلومات المُهمَّة، وبالتَّالي تيسَّرت جميع الجوانب وأصبح لدى السَّائح إلمام متكامل بجميع متطلبات رحلته قَبل الذَّهاب، وأصبحت لدَيْه جميع البدائل وما عَلَيْه إلَّا أن يختارَ ما يناسب إمكاناته ووضعه المادِّيَّ، من هنا نشأ ما يُسمَّى بالسَّفر الاقتصادي، وهو بالمناسبة أسلوب مَرِن، يستخدمه كُلُّ مسافر وفق احتياجاته ومتطلباته. فهنالك مَنْ يوفِّر في أحد جوانب السَّفر وليس في كُلِّ الجوانب، وهنالك مَنْ يسعى للتوفير في جميع جوانب الرحلة بدءًا من التذاكر وانتهاءً بمشتريات الرحلة، وهناك مَنْ يركِّز على جانب واحد أو اثنين فتراه ينفق على مختلف المجالات، ولكن يوفِّر في وسائل النقل فيستقلُّ الوسائل المتاحة والرخيصة فقط في تلك الوجهة إيمانًا مِنْه بأنَّها لا تُشكِّل عبئًا على مسار رحلته. وبموازاة هذا التوجُّه فيما يُسمَّى السَّفر الاقتصادي ظهرت شركات طيران اقتصاديَّة تقدِّم تذاكر رخيصة للسَّفر بأسعار تنافسيَّة، كُلُّها تركِّز في النِّهاية على نشْرِ هذه الثقافة من السَّفر، كما تقدِّم مختلف البرامج ذات العلاقة بالسَّفر عروضها على مجالات النقل والأطعمة والمواقع السِّياحيَّة دعمًا لهذا التوجُّه.
ولَمْ يتوقف مجال السَّفر وتطبيقاته الإلكترونيَّة عِند هذا النَّوع، بل تعدَّاه لأنواع أخرى لأولئك الَّذين لا يمتلكون المال أصلًا، فظهرت برامج تدعم هذا التوجُّه. فعلى سبيل المثال، هنالك برامج خاصَّة بالسَّكن، يقدّم فيها أحد الأشخاص في أيِّ مدينة بأنَّه غير محتاج لسرير في بيته ويعرضه مع غرفة أو صالة مجانًا لِمَنْ يوَدُّ المبيت فيه، وما على السَّائح إلَّا الدخول للبرنامج والبحث عن هذه النَّوعيَّة من الخدمات الخاصَّة بالسَّكن في المدينة الذَّاهب إليها وحجز هذا السَّكن مجانًا، والبرنامج آمن ويشترط وجود بيانات مقدِّم الخدمة الأساسيَّة كجانب أمني مُهمٍّ، وإلى جانب توفير السَّكن بهذه الطريقة، فإنَّ ما يتعلق بالنقل له برامجه الخاصَّة أيضًا والَّتي تدعم هذا التوجُّه، لدرجة أنَّ ممارسي هذا النَّوع يقفون بالسَّاعات على الشوارع في انتظار سيارة تقلُّهم إلى وجهتهم، والشرط الأساسي هنا أن يكُونَ المشوار مجانًا.
قَدْ يُعلِّق البعض بأنَّ هذا الأسلوب لا يتوافق مع طبيعة السَّفر من أجْل السِّياحة الَّذي يجِبُ أن يكُونَ الشخص يبحث فيه عن الراحة والمتعة؟ والجواب هنا بأنَّ الراحة والمتعة هما نسبيَّان وليس مُطْلقَيْنِ، وكُلٌّ يراهما من منظوره الخاصِّ.
نخلص في النِّهاية إلى نتيجة أساسيَّة بأنَّ السَّفر من أجْل السِّياحة لَمْ يَعُدْ حكرًا على فئة معيَّنة، بل ظهرت أنماط مختلفة تراعي مختلف الجوانب المادِّيَّة لدى جميع المهتمِّين بهذا المجال، وأتاحت تطبيقات الثَّورة الصناعيَّة الرابعة الفرصة، ووحَّدت الجهود والأفكار لتقديم خدمات لمختلف فئات السَّفر، وأضحت البدائل متاحةً وميسَّرة.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
ليو الرابع عشر يوجه «نداء سلام» إلى جميع الشعوب
روما (الاتحاد، وكالات)
أخبار ذات صلةوجه البابا ليو الرابع عشر أمس، «نداء سلام إلى جميع الشعوب» في أول كلمة ألقاها من شرفة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
كما دعا أول بابا أميركي في التاريخ إلى بناء الجسور عبر الحوار، داعياً إلى «المضي قدماً بدون خوف، متحدين، يداً بيد مع الله وبعضنا مع بعض».
وأعلن الفاتيكان أمس، عن انتخاب البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية الأميركي روبرت بريفوست الذي اختار اسم البابا «ليو الرابع عشر» خلفاً للبابا فرنسيس الذي توفي في 21 أبريل الماضي عن عمر ناهز 88 عاماً.
وظهر البابا الجديد وهو البابا رقم 267 للفاتيكان على الشرفة الرئيسة لكنيسة القديس بطرس كما جرى عليه العرف، وهناك أعلن الكاردينال الأول للفاتيكان دومينيك مامبرتي العبارة الشهيرة باللاتينية «لدينا بابا».
وجاء الإعلان بعد تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة «سيستينا» في الفاتيكان إيذاناً بانتخاب البابا الجديد في التصويت الرابع في اليوم الثاني من الاجتماعات المغلقة لمجمع الكرادلة «الكونكلاف» والتي شارك فيها 133 كاردينالاً من أصل 135 ناخباً دون سن الثمانين.
والبابا الجديد، البالغ من العمر 69 عاماً، وهو من شيكاجو، قضى معظم حياته المهنية في بيرو، وتم ترقيته إلى كاردينال في عام 2023.
وذكرت «رويترز» أن البابا الجديد لم يجر سوى القليل من المقابلات الإعلامية، ونادراً ما يُلقي خطابات علنية.
وهنأ عدد من زعماء العالم البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية.
وهنأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البابا ليو الرابع عشر قائلاً: «تهانينا للكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست الذي تم تعيينه للتو بابا، إنه لشرف عظيم أن ندرك أنه أول بابا أميركي، يا له من شعور بالحماس، ويا له من فخر كبير لبلدنا، أتطلع إلى لقاء البابا ليو الرابع عشر، فسيكون ذلك لحظة ذات مغزى كبير!».
من جانبه، هنأ المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، البابا ليو الرابع عشر معتبراً أنه يمنح «أملاً لملايين المؤمنين».
بدوره، عبر رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عن أمله في أن يعزز البابا الجديد الدفاع عن حقوق الإنسان.
كما وجهت رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لايين تهانيها إلى البابا الجديد ليو الرابع عشر، مشيدة بالتزامه تحقيق السلام.