الفرنكوفونية: من مشروع “كومنولث” إلى أرخبيل أيديولوجي وثقافي معزول
تاريخ النشر: 7th, July 2023 GMT
د مصطفَى غَلْمَان “الفرنكوفونية هي تلك النزعة الإنسانية الكاملة التي تنسج نفسها حول العالم: ذلك التكافل بين “طاقات نائمة” لجميع القارات، لجميع الأعراق، التي تنهض بفضل حرارتها المُكَّملة…اللغة الفرنسية هي الشمس الساطعة خارج فرنسا القاريّة. ـ ليوبولد سيدار سينغور ـ
لطالما دقت الفرنكوفونية وأذيالها نواقيس الخطر، منافحة على توجهاتها الكلاسيكية، عن طريق تقديم سياستها الأخطبوطية بديلاً للعولمة الجامحة التي تهدد هويات كل الشعوب الحرة، بالإضافة إلى طرح نظرياتها الهشة، القائلة بكونها تولد توحيدًا ثقافيًا متماسكا من خلال تشميل السلوكيات وأنماط الحياة، مع مدافعتها المتواصلة عن التنوع الثقافي وأشكاله التعبيرية الأخرى.
ويبدو أن هذه الهواجس القاتلة، صارت مجالا للبوليميك الاتصالي اليومي، الذي يسيطر على الأشكال الجديدة للثقافات المعولمة، وبنيات الاتصال السيبراني المهيمن، كما هو الحال بالنسبة لما يسمى راهنا بتشكل التيار الكوني الجديد للثقافة ” الأنجلو-أمريكية” ، التي يدعي خدام الفرانكوفونية الجدد أنها تهاجم تيارهم من الداخل، ساعية بالمفهوم الغامض “للأدب العالمي” ، والذي تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام والرأي العام الفرنسي، إلى إعادة تنشيط حوافزه وآثاره العميقة في منظومة التلقي للنخب والهيئات المؤثرة، متسائلة:
هل يجب اعتبار ذلك تحريك ثقافي مسيس أم مجرد انتقال مرحلي، إلى عولمة مقنعة وغير متطابقة؟.
الجميع يعلم، أن فكرة الفرانكوفونية هي في الأصل مشروع سياسي، كانت مدبرة بأيادي استخباراتية فرنسية، وبتوجيه لازم أحد أقطابها ليوبولد سيدار سنغور (أول رئيس للسينغال العام 1960)، بمعية التونسي الحبيب بورقيبة وحماني ديوري من النيجر، جاءت بهدف الترويج لفكرة “المجتمع العضوي” الناطق بالفرنسية. ثم احتدم الإطار المرجعي للفكرة، فصارت تفصيلا مواكبا لتوجيه سياسة المنظمة المدعومة من قبل دولة استعمارية سابقة، حيث تم تحويلها إلى مشروع لبناء “كومنولث” على الطريقة الفرنسية، بين الدول التي تستخدم الفرنسية كلغة وطنية أو لغة رسمية أو لغة ثقافية . وهو ما يرسخ مبدئية التبعية وتقويض أساسات المطالبة بالتوطين الهوياتي للغة والثقافة، ومن تمة للسياسة والاقتصاد .. وهلم جرا.
وكان الشاعر السينغالي سنغور يذهب عبر جنوحاته المتناقضة، إلى القول بأن بناء “الكومنولث” على الطريقة الفرنسية ، يجب أن يجعل من الممكن تجنب التجزئة التي هددت أفريقيا المستقلة حديثًا والناطقة بالفرنسية، مع الحفاظ على روابط مميزة مع القوة الاستعمارية السابقة. مقتنعا بما يناسب مشروعه الغامض الذي أطلق عليه مفهوم “الجالية الفرنكوفونية” ، وهو نفس المعطى الذي ساقه في قمة تاناناريف في يونيو 1966.
ومع تراكمات أخطاء قطعان ساسة فرنسا ووكلائها في أفريقيا على وجه الخصوص، وبعد أربعين عامًا من الخواء الأيديولوجي والسياسي المخالف لتطلعات الشعوب واستيقاظها متأخرا في ظل العتمات الحضارية ونذوبها الزائغة ، ظلت الفرانكوفونية هشة للغاية ، ممزقة بين رغبة البعض في تحويلها إلى أداة سياسية ، ورغبة الآخرين في حصرها في دور تعليمي أو اجتماعي أو ثقافي بحت. ونمت صروف ومنافذ ثاوية جديدة، تجافي نظرات المتحفزين للتفوق الحضاري الفرنكوفوني ، ما عزز انخرام قطائع التواصل والاندماج الثقافي إلى ما يشبه التنجيم الضاغط على “التدافع الحضاري” و”الرؤية المستقلة” و”الاحتواء الهوياتي ” و”الوجودي” للمنخرطين في منظمة تزعم انحيازها لمفهومية “الحوار بين الثقافات” كقوة دافعة للتطور الإيجابي وانكسار ذلك كله، تحت وقع “طريقة معارضة الفرضية المؤلمة المتناغمة مع نظريات “الصدام بين الحضارات” “أو حرب الأديان” ، وهي فرضيات تشبه بشكل غريب، تذويب خاصيات وهويات بلدان الجنوب وتباعدها الشاسع مع بلدان الشمال، في التوظيفات والمؤشرات التنموية والمجالية القاسية ، حيث تبدو الفرانكوفونية ، التي تحترم اختلافات وخصوصيات كل منها ، بمثابة ثقل موازي للعولمة، المعتمدة على لغة واحدة لفرض فكر واحد .
أصبح من الأكيد، أن العقلاء الراشدون من أتباع الحلقة الفرانكوفونية الغاشمة، متقنعون بعد كل هذه الدورة الزمنية الطويلة، أنه لا يمكن فصل السياسة الفرنكوفونية، عن التعليم والثقافة والاقتصاد والتنمية ، وأن أي نهج في هذه المجالات يخضع بالضرورة لفلسفة سياسية وإدارية شديدة التعقيد، تتبعها اجتزاءات وتجذرات دقيقة في باراديجم السياسات الدولية وفواعلها الأساسية، مع العلم أن كل القرارات المتخذة في هذا الإطار تقع أوتوماتيكيا تحت مسؤولية قادة الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للفرانكوفونية، الذين يجتمعون بانتظام منذ عام 1986 في إطار قمة الفرانكوفونية أو من خلال المؤتمرات الوزارية.
وما يؤكد هذا التوجه، ما تضمنته كلمة نادرة للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا خلال كلمة له بالمناسبة، يوم 20 (مارس) 2010 في الإليزيه أن “المنظمة الدولية للفرانكفونية هي دول من الشمال والجنوب ، دول من الشرق والغرب .. ما فائدة وجود قيم مشتركة إذا لم نحول هذا التمسك بالقيم المشتركة إلى مواقف سياسية؟ … لا تتعلق الفرانكوفونية بالمثقفين وعشاق الأدب واللغة فحسب ، بل يجب أن يترجم هذا أيضًا إلى معركة سياسية؟”.
إنه منطق الاعتراف البدهي، عندما تصير القوة المهيمنة نمطا مرجعيا للهوية الثقافية واللغوية، وإطارا سياسيا وأيديولوجيا مكرسا للسلطة القاطعة والمجسدة ل”لجماعة الدولية الحامية و”المخنوع إليها” و”السابح تحت عالمها”؟.
يرى قطاع كبير من المهتمين بحقل الفرانكوفونية، أنه منذ إعلان باماكو في 14 يناير 2017 ، الذي يعتبر ـ حسب رأيهم ـ أنه أول نص معياري للفرانكوفونية، يتعلق بممارسات الديمقراطية والحقوق والحريات ، تمت الإغارة أفقيا على تضمين روح البيان للغات القومية المنفتحة على محيطها المحلي والتاريخي، بما يجسد حمولة طاقية عظيمة، لما يدعى بمفهوم “اللغة ابنة تاريخها”، كما يزعم خدام الفرانكوفونية، أو ما يطلق عليه ” الفرنسية أساس الإنسانية”، حيث “تحمل القيم الجمهورية للحرية والمساواة والأخوة”، مثلما هو الادعاء القائم على أن الفرنكوفونية “تساهم في تحسين الحياة اليومية للسكان المحليين” ، و”تكافح العنصرية” ، و”تبدد التوترات وسوء التفاهم مع دول الشمال”، وهو ما يشرعن اعتبارية “احترام قيم راعية الاستعمار السابقة لا غير”؟، مع ما يبرر للمتواطئين والمغالين في هذا الاتجاه، إبقاء الحال كما هو عليه، وتكريس لغة التفوق والاستقطاع من فكر وتاريخ “الاستقلال” و”التحرر” ، ومحاربة كل ما يرتبط ب”الذات الثورية” والمستجيرة بأمجادها وأنوارها البائدة؟.
إنه على الرغم من استعادة جذوة الحريات الثقافية والهوياتية، ضمن منظومة ارتدادات جيواستراتيجية وسياسية شهدها العالم، فإن حدودا قصوى لتلك التقاطعات والعوامل المتعددة، الواقعة تحت نفوذ الهيمنات الاقتصادية والمالية والعسكرية المتفاوتة، لا زالت تكرس نوعا من الانسداد والتعتيم، حيث تتحول الوضعيات إلى مجرد أرقام وحسابات في خرائط تقسيم العالم وتكسيره تحت صيرورة الحسم في الأشكال الجديدة “للحكم والسلطة الدولية”، كما يراد لها أن تكون؟.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
” مانترا بروبرتيز ” و” جاكوب آند كو ” يعلنان عن شراكة بارزة لتطوير مساكن فاخرة على جزيرة المرجان
أعلنت شركة مانترا بروبرتيز، المطور العقاري الهندي الرائد بالتصميم ، بالتعاون مع علامة المجوهرات والساعات الفاخرة الشهيرة ” جاكوب آند كو ” ، عن توقيع شراكة حصرية لإطلاق مشروع “مساكن جاكوب آند كو” على جزيرة المرجان في رأس الخيمة . أقيمت مراسم التوقيع في مطعم ” سلفاج دبي ” ، حيث استمتع الحضور بعرض حصري لمجموعة من ساعات جاكوب آند كو الفريدة ، مما يعكس براعة الحرفية وروح الإبداع التي تميز هذه الشراكة .
يمثل مشروع مساكن ” جاكوب آند كو ” على جزيرة المرجان ثالث مشروع سكني للعلامة في الإمارات ، بعد مشاريع ناجحة في دبي وأبوظبي ، إلا أنه أول مشروع لها على جزيرة المرجان المرموقة ، كما يُعد أول مشروع لشركة مانترا في دولة الإمارات ، مما يمهد الطريق لتطوير رؤية مبتكرة تجمع بين العقارات الفاخرة وروح صناعة الساعات الراقية .
ويُقدّر المشروع بقيمة 400 مليون درهم ، وسيجمع بين نهج مانترا المعتمد على التصميم المستلهم من خبراتها في تنفيذ مشاريع بارزة في بوني ومومباي ، وجماليات جاكوب آند كو الجريئة وجاذبيتها العالمية . وتمثل هذه الشراكة مزيجًا فريدًا من العقارات الراقية وعالم صناعة الساعات الفاخرة ، مما يضيف بُعدًا استثنائيًا يميز المشروع في سوق الفخامة الإقليمي .
المهندس عبد الله العبدولي – الرئيس التنفيذي لمرجان ، صرّح قائلاً :
” نحن سعداء بالترحيب بهذه الشراكة الاستثنائية بين مانترا بروبرتيز وجاكوب آند كو على جزيرة المرجان . هذا التعاون يجسد رؤيتنا في خلق وجهة تجذب أرقى العلامات التجارية في العالم وتوفر تجارب سكنية فاخرة لا مثيل لها . مشروع مساكن جاكوب آند كو سيضيف فصلاً جديدًا ومميزًا لقصة جزيرة المرجان باعتبارها الوجهة الأولى للمعيشة الفاخرة في الإمارات ، حيث يجتمع التصميم الاستثنائي مع أرقى وسائل الراحة . ”
تستدعي مانترا بروبرتيز إلى الإمارات أكثر من 18 عامًا من الخبرة التطويرية وسجلًا حافلًا في الهند ، لا سيما في بوني ومومباي . وقد أنجزت الشركة 18 مشروعًا بمساحة تتجاوز 12 مليون قدم مربع ، ولديها حاليًا 18 مشروعًا قيد الإنشاء بمساحة موازية . تشتهر مانترا بابتكار مساحات قائمة على التصميم والنزاهة ، وقد خدمت آلاف العائلات ، وتواصل دفع حدود ما يمكن أن تقدمه الحياة العصرية .
أنكيت غوبتا – المدير التنفيذي لشركة مانترا بروبرتيز، صرّح قائلاً :
“هذا المشروع لا يمثل مجرد فصل جديد، بل هو تجسيد لإرثنا . لأكثر من عقدين من الزمن ، التزمت مانترا ببناء تجارب سكنية تدوم . التعاون مع علامة ملهمة مثل جاكوب آند كو يمنحنا الفرصة لرفع هذا الإرث إلى مستوى عالمي ، من خلال دمج الحرفية والأناقة والابتكار بطريقة تعيد تعريف الرفاهية السكنية على جزيرة المرجان . ”
روهيت غوبتا – الرئيس التنفيذي لشركة مانترا بروبرتيز ، أضاف :
” شراكتنا مع جاكوب آند كو تمثل لحظة فارقة تجمع بين علامتين تقودهما الرؤية والإبداع والتميّز . هذا التعاون لا يقتصر على تطوير مشروع بارز على جزيرة المرجان ، بل يشكل انطلاقة لمسار جديد في عالم السكن الفائق الفخامة بالإمارات . بفضل لغة التصميم الأيقونية لجاكوب آند كو وشغف مانترا العميق بابتكار مساحات ذات مغزى ، نحن بصدد إنشاء شيء استثنائي بحق . إنها خطوة جريئة لكلتا العلامتين ، ونحن متحمسون لما هو قادم . ”
مع وجود مشاريع سكنية تحمل علامتها التجارية في دبي وأبوظبي ، تواصل جاكوب آند كو توسعها الاستراتيجي في المنطقة من خلال هذا المشروع البارز .
جاكوب أرابو – المؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة جاكوب آند كو ، صرّح قائلاً : ” نحن في جاكوب آند كو ، لطالما آمنا بتحقيق الأحلام ، سواء من خلال ميكانيكا الساعة المعقدة أو تألق المجوهرات الراقية . وجدنا في مانترا بروبرتيز شريكًا يشاركنا السعي المستمر نحو الكمال والابتكار . مشروع مساكن جاكوب آند كو على جزيرة المرجان سيكون مكانًا تلتقي فيه التصميمات الراقية مع الإرث والفخامة – وجهة لا مثيل لها . ”
تأتي هذه الشراكة ضمن استراتيجية مانترا التوسعية في الإمارات ، والتي تشمل خمسة مشاريع جديدة خلال السنوات الثلاث المقبلة ، بقيمة إجمالية قابلة للبيع تبلغ 1.3 مليار درهم . وتستكشف الشركة حاليًا فرصًا في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء الإمارات ، مدعومة بالتزام طويل الأمد تجاه المنطقة .