الثورة نت:
2025-06-19@15:41:18 GMT

اليمن وحركة التوازن في المنطقة

تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT

 

 

يبدو العالم اليوم أمام تموضع جديد، فالخارطة بدت تضطرب في اليابسة، وبدأت القوى الجديدة تفرض أجندتها على قائمة المصالح الدولية، فأمريكا فقدت زمام المبادرة ولا يسعها في هذه المرحلة سوى التعامل مع مفردات الواقع، أو إعلان حرب كونية لا تبقي ولا تذر بعد أن أصبحت بعض الدول تملك السلاح النووي .
اليوم روسيا تستعيد دورها في حركة التوازن الدولي، وبعدها الصين التي بدأت المناورة على تايوان، والكوريتان في انتظار ما تسفر عنه الأحداث، في جزيرة القرم، كما أن الصراعات التي كان النظام الدولي يدير حركة توازنه من خلالها سوف تفرض واقعاً جديداً في الخارطة العالمية .


اليوم بدأ سؤال التحديث والتجديد في النظم العالمية يُطرح بقوة سواء في أروقة الأمم المتحدة التي سيطرت عليها أمريكا لعقود، أم في مجلس الأمن الذي ضم في عضويته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لقد كان الدب الروسي جريئاً وهو يخوض معركة تحديث العالم، كما كان جريئاً وهو يُعلن هزيمته أمام الرأسمالية في نهاية القرن العشرين .
لم تجرؤ أمريكا حتى اللحظة على خوض معركتها العسكرية مع الروس بل تركت الأمر للاتحاد الأوروبي، وقد لجأت إلى الجانب الاقتصادي مع قليل من الدبلوماسية الدولية لكن في غالب الظن أن النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا آيل للسقوط، وسوف يشهد العالم بزوغا كبيرا للتنين الصيني وعودة قوية للروس كقوة ردع قادرة على إحداث التوازن في العالم .
النظام الدولي القديم الذي فرضته الحروب في القرن الماضي أمام اختبار حقيقي اليوم, ويبدو أن موضوع تحديثه وتجديده أصبح واقعا حيويا وفاعلا بعد أن برز سؤاله اليوم على لسان الكثير من الدول التي عانت من الغبن الدولي ومن مصادرة حق الحياة ومصادرة الحريات ومن التحكم بالمقدرات الاقتصادية للبلدان، خاصة بلدان العالم الثالث، الذي فقد مقومات وجوده وتفاعله مع المستويات الحضارية الجديدة، وأصبح سوقا مستهلكا لمنتج الشركات العالمية الكبرى التي تمارس الاستغلال والغبن على كل فرد صغيرا كان أو كبيرا من البشر دون احتساب للقيمة الإنسانية، ففكرة السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بمصادر الغذاء، وفكرة الصراعات في العالم، تركت واقعا يشهد على الرأسمالية بالاستغلال والغبن والاضطهاد والطغيان وهو أمر تنبذه الفطرة السليمة، ولذلك خرج العالم اليوم كي يعيد تموضع نفسه ويعلن عن وجوده، فالتصريحات الصينية بشأن الموقف من حرب أوكرانيا كانت تحمل بُعداً استشرافياً ينظر إلى جزيرة تايوان وقد تحركت الصين عسكريا في هذا الاتجاه بمناورة عسكرية لكي تعلن من خلالها رفضها لسياسة الغبن التي تفرضها أمريكا على الشعوب والدول .
ويبدو أن زعيم كوريا الشمالية سيفقد صوابه، فالراجح أنه متسرع في قراراته وقد يعلن في لحظة عن نهاية العالم إذا استمرت أمريكا في ممارسة طغيانها، ولذلك صرّح البيت الأبيض أن أزمة أوكرانيا وتداعياتها بالغة الدقة والحساسية ويحتاج إلى التروي في تحديد المواقف منها، وقد بدأت معركتها على استحياء من خلال الحرب الناعمة كي تستعيد أنفاسها، لكن التحالف الروسي الصيني قد درس الواقع بدقة وهو الأقدر على التعامل مع مفردات اللحظة، وقد قال بوتن أن العالم يستحيل أن يعيش بدون روسيا، فالمعركة مصيرية وهي غير قابلة للتراجع إلا بالتنازل من قبل النظام الدولي القديم والقبول بشروط الواقع والتعامل مع تجلياته.
لقد سيطر اللوبي الصهيوني على النظام العالمي القديم, وحاول أن يجعله متسقاً مع مصالحه الاقتصادية والثقافية والعقائدية فخاض حروبا في الشرق الأوسط منفردا دون الرجوع إلى المؤسسات الدولية، ومثل ذلك من المآخذ التي تؤخذ اليوم على المؤسسات الدولية بعد قيام أمريكا بالتلويح والتشكيك بعضوية روسيا في مجلس الأمن الدولي والقول بعدم شرعيته، فالشيء بالشيء يُذكر، كما يقال، ففي مقابل عدم شرعية روسيا في إرث الاتحاد السوفيتي أُثير موضوع خوض أمريكا معاركها خارج نطاق المنظومة الدولية كحربها في العراق وقتل ما يقرب من مليون مواطن عراقي، وحروبها في المنطقة العربية وزعزعة استقرارها وحروبها في أفغانستان وغيرها من الحروب التي كانت تتعامل معها بشكل منفرد ودون مراعاة قوانين ومبادئ الأمم المتحدة .
نحن اليوم أمام واقع جديد، ونظام دولي جديد لن يكون كسابقه وسوف يُحدث تبدلاً كبيراً في العالم كله، في السياسات وفي النظم، وفي المستويات الحضارية، وفي النظم الثقافية والاجتماعية، سواء كان ذلك من خلال الحرب العالمية الثالثة التي تلوح بوادرها في الأفق أم من خلال حركة التموضع وإعادة حركة التوازن الدولية التي تقوم بها الكثير من الدول في العالم مثل الصين وروسيا وكوريا ومن تحالف معهم ضد أمريكا مثل ايران وغيرها من الدول التي فاض بها كيل الاستغلال الذي تمارسه أمريكا وحلفاؤها من الدول الأوروبية، وهو دور حيوي وفاعل وسوف نشهد نتائجه في قابل أيامنا .
سقط النظام الدولي القديم وهو اليوم يصارع أسباب وجوده، وسقطت هيبته، والسؤال الجديد اليوم هل سيتمكن العرب من صناعة وجودهم الفاعل في بنية النظام الدولي الجديد ؟ .
كل التفاعلات والمعطيات حول الأحداث التي تدور في فلسطين تقول سقط العرب ماعدا اليمن الذي سجل حضوراً قوياً في المعركة، والسؤال هل تسعى اليمن إلى صناعة مشروع نهضة سياسية وثقافية وحضارية مؤثر يوازي الحضور العسكري الفاعل في المنطقة؟ هذا ما نأمل التفكير فيه في لحظتنا وقابل أيامنا.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ما مدى تأثير الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على اليمن؟

لن يكون اليمن بمنأى عن تأثيرات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية المشتعلة حاليًا منذ الجمعة الماضية، والمستمرة في هجمات متبادلة؛ إذ إن تطور هذه الحرب سيدفع بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية إلى مستوى من التأزيم يختلف عما سبقه؛ لا سيما في حال امتدت الحرب لإغلاق مضيق هرمز وتوتر الوضع في البحر الأحمر، خصوصًا في حال تدخلت واشنطن عسكريًا.

 

من المحتمل أن التحذير الروسي، اليوم الأربعاء، لواشنطن “من تقديم أي مساعدة لإسرائيل أو حتى التفكير في تقديمها”، سيجعل واشنطن تتراجع خطوة للخلف، لكن قد لا يمنعها من الدخول في الحرب، خصوصًا في حال استمرار الضربات الصاروخية الإيرانية في العمق الإسرائيلي وتضرر الأخير كثيرًا، حينها من المتوقع أن تدخل واشنطن الحلبة، لكن، في ذات التوقيت، سيكون العالم بأسره قد دخل حربًا عالمية ثالثة.

 

اليمن بلد أفقره جشع ساسته وحروبهم، ومشاريع الاستحواذ على قراره من الخارج الإقليمي والدولي، وعلى صعيد هذه الحرب بالتأكيد سيناله تأثيرًا سلبيًا كبيرًا مع استمرار التصعيد، وسيكون، حينها، في الخضم في حال تدخلت واشنطن في الحرب؛ لأن “أنصار الله” (الحوثيون) لن يقفوا مكتوفي اليدين، ومن المحتمل مشاركتهم في المواجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

 

بعيدًا عن المستوى السياسي لتأثير التصعيد، سنقف قليلًا أمام تأثير التصعيد على المستويين الإنساني والاقتصادي باعتباره يمس غالبية اليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ ففي ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الغاية في السوء في الوقت الراهن، والحرب في عامها الحادي عشر، ستزداد أحوال غالبية المجتمع سوءًا، ومن المحتمل أن ترتفع مؤشرات الجوع وسوء التغذية؛ وبالتالي المزيد من تمدد وتوطن الأوبئة والأمراض، التي تهدد الحياة والمستقبل معًا.

 

نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، يعتقد، في حديث إلى “القدس العربي”، أن اليمن هو الخاسر الأكبر، “والمأساة في هذه الحرب القذرة أن تكون اليمن ووحدته وكيانه الوطني مستهدفًا من أطراف الحرب كلها”.

 

وقال: “إن احتمال التدخل الأمريكي راجحٌ لتدمير المفاعل النووي الإيراني، وربما لما هو أبعد من ذلك؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى تمزيق وحدة إيران، وجرّ المنطقة كلها إلى الصراع”.

وأضاف: “يصبح التأثير باتعًا على المنطقة والعالم، وخاصةً الجزيرة والخليج، التي تحرص إسرائيل على جرّهما إلى الحرب والمواجهة مع إيران، لتوريط المنطقة في حرب مدمرة تُسفر عن سيادة إسرائيل وأمريكا بالمطلق”.

 

وأردف: “أما اليمن فهو الخاسر الأكبر، إذ يعدُّ هدفًا لإسرائيل وأمريكا وبريطانيا، والأكثر بالنسبة لإسرائيل، نظراً لكونه يعتَبَر حليفًا لإيران ومساندًا لفلسطين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود اليمن ككيان هدف رئيسي، وجرّ المنطقة إلى الحرب ليس بالمستبعد؛ فإن كياناته وثرواته تُعد هدفًا رائسًا، والمأساة في هذه الحرب القذرة أن يكون اليمن ووحدته وكيانه الوطني مستهدفًا من أطراف الحرب كلها”.

 

المحلل الاقتصادي اليمني، ماجد الداعري، يعتقد أن كل دول المنطقة ستكون تحت طائلة التأثيرات الاقتصادية لهذه الحرب، وسينال اليمن تأثيرات واضحة.

 

ويقول لـ”القدس العربي”: “اليمن وكل دول المنطقة تقع تحت التأثيرات الاقتصادية للحرب الإيرانية الإسرائيلية، بعد أن طالت المنشآت النفطية والمؤسسات الحيوية، ما يعني توقف شحنات النفط الإيراني التي كانت تصدر للمنطقة واليمن بشكل خاص، وحرمان الأسواق من استقرار إمدادات الطاقة والوقود، ما سيؤدي إلى كثرة الطلب على النفط، وبالتالي ارتفاع أسعاره عالميًا، وتكبد الدول خسائر كبيرة، نتيجة لفوارق التكلفة المضافة، إضافة إلى ارتفاع التأمين البحري، باعتبار السفن وناقلات النفط مهددة اليوم بالهجمات الإيرانية الإسرائيلية في مضيقي هرمز وباب المندب، وكل هذه الانعكاسات الاقتصادية تفاقم من الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المنهارة أساسًا من قبل في اليمن، الذي يعاني من أزمات متعددة”.

 


مقالات مشابهة

  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية: لدينا معلومات بتعرض مفاعل خنداب البحثي الذي كان قيد الإنشاء للقصف
  • ما مدى تأثير الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على اليمن؟
  • أستاذ علوم سياسية: النظام الدولي بدأ يشهد بوادر التعددية القطبية
  • البنك الدولي يمنح اليمن 30 مليون دولار لدعم التعليم والخدمات المالية
  • 30 مليون دولار من البنك الدولي لدعم التعليم والبنية المالية الرقمية في اليمن
  • ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)
  • حرب المعلومات المضللة بين إسرائيل وإيران.. ما أبرز الأخبار الكاذبة التي انتشرت؟
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكشف عن الضرر الذي لحق بقاعات تخصيب اليورانيوم بمحطة نطنز
  • كرة اليد في اليمن اللعبة التي ماتت واندثرت
  • مجلس الأمن الدولي: نطالب بإجراء تحقيق عاجل في الهجوم الذي استهدف قافلة إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي