المسافة صفر رواية جماعية تونسية تحتفي بصمود غزة
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
صدرت، أخيرا، عن دار “بوب ليبريس” للنشر، رواية “المسافة صفر”، في شكل كتاب جماعيّ لسبعة روائيين تونسيين يكتبون روايات “الجيب التونسية”، وهي رواية من صميم عملية طوفان الأقصى التي جرت في السابع من أكتوبر الماضي.
واختار الكتاب السبعة عنونة الكتاب-الرواية بـ”المسافة صفر” لما لهذا المصطلح من دلالات رمزية أساسها المقاومة والصمود في وجه جبروت الكيان المحتل، حين يقترب أحد أبطال جيش المقاومة من دبابات العدوّ، فيدكّها من مسافة قريبة للغاية (المسافة صفر)، رغم ما تتمتّع به من آخر صيحات الاستشعار في العالم.
والكتاب الذي انطلقت دار النشر التونسية في توزيعه على المكتبات في تونس نهاية الأسبوع الماضي، ستخصّص 25% من عائداته للطلبة الغزاويين المقيمين في تونس، وعددهم 114 طالبا، وتسعى الدار إلى التنسيق في ذلك مع سفارة فلسطين بتونس، حتى تصل هذه التبرّعات إلى أصحابها.
وكتب الناشر سامي المقدّم، أحد الكتاب المشاركين في الرواية: “هذا الكتاب استمد فكرته من مشروع “روايات الجيب التونسيّة” دون أن يكون ضمنها، وهو إجابة مباشرة عن العجز الذي نشعر به جميعا تجاه الجرائم البشعة في حقّ شعب غزّة البطل”.
وأضاف: “تناول كلّ منّا قلمه وأفرغ غضبه وعجزه وإحباطه في قصّة ترويها شخصيّة، في إطار رواية واحدة منسجمة. ورغم قتامة الوضع، حاولنا تسريب جرعات من الأمل من خلال القصص المختلفة”، وفق موقع القدس العربي.
وتابع: “وددنا، تحت مظلّة الخيال، توثيق ما يحصل حتّى لا ننسى، ووددنا التبرّع ببعض ما نقدر عليه، كُتّابا، لعلّ هذه المساهمة، على تواضعها، تكون شكلا من أشكال المقاومة”. فيما قال الكاتب جاسر عيد: “فكرتنا كانت كيف يمكن أن نساعد ولم نجد سوى أقلامنا نساعد بها كما يفعل الرسامون والفنانون وغيرهم”.
واسترسل: “الرواية عبارة عن مجموعة من الروايات الخيالية يرويها البطل، وتحمل أملا كبيرا بخصوص فلسطين والقضية الفلسطينية رغم الألم الذي ينقله الواقع.. الرواية ليست تاريخية بالمعنى الصحيح للكلمة، لكنها تؤرّخ ملحمة ستبقى خالدة في الأذهان”.
وجاء على الغلاف الخلفي للكتاب: “هناك.. على تخوم الموت، يتحرّش الناجون بالحياة في خندق مظلم هربا من القصف والعصف! ووسط أكوام الجثث وركام البنايات التي سوّيت بالأرض، يجد مراسلنا الحربي نفسه يُجري أغرب مقابلات صحفية على مرّ تاريخه الحافل بالنقل الخبري الأمين.. تبرهن هذه التجربة لمراسلنا على أنّ الخبر ليس “أسرع مادة قابلة للتلف” كما تعلّم..
وسط الحرب، تكون الأرواح سبّاقة لذلك للأسف!”. ويُضيف الناشر: “تُراهن سردية الاحتلال الغاشم على أنّ مآل القضية سيطويها النسيان لا محالة.. إذ ‘سيموت الكبار وينسى الصغار’ على حد تعبير عولدا مائير! وتُراهن مجموعة من المؤلفين في المقابل، على أنّه لا سبيل للنسيان مادام العالم يُراكم هذه الانتهاكات والمجازر ويوثّقها عبر كلّ المحامل الممكنة.. الأدب.. محمل أساسيّ للتوثيق والتأريخ.. (حتّى لا ننسى)”.
وعن الرواية، كتبت الناشطة آمنة السنوسي: “هي سيمفونية تحاكي التوازن والتضارب، حيث يتناغم اللحن القاسي والموجع جنبا إلى جنب مع اللحن الجميل والملهم”.
وأضافت: “هي ليست مجرد قصة، بل ملحمة تحمل في صفحاتها العديد من القضايا، وترسم صورة شاملة عن عالم معقّد يحمل في طياته الكثير من الحكايات الإنسانية والسياسية”.
وتابعت: “عندما انتهيت من قراءة هذه الرواية، شعرت بالفخر بموهبة هؤلاء الكتّاب التونسيين. فمن خلال كتاباتهم، تمكنّوا من تجسيد روح المقاومة بشكل ملموس، وعبّروا عن معاناة الشعب الفلسطيني بشكل يجعلك تشعر بالتضامن مع كل شخصية، كأنها دعوة إلى الصمود والتصدّي للظروف القاسية بروح الثبات والأمل. هذا العمل الأدبي يسلّط الضوء على قوة الكلمة وقدرتها على المقاومة وعلى تغيير العالم وتحفيز المجتمعات للنهوض والتغيير”. (وكالات)
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: المسافة صفر
إقرأ أيضاً:
الرق في الرواية السودانية- من التاريخ المؤلم إلى التمثيل الأدبي الناقد
مقدمة
تناولت الرواية السودانية المعاصرة موضوع الرق بوصفه ميراثًا مركبًا، يتجاوز الحكايات التاريخية إلى تمثيل علاقات القوة والهوية في الحاضر. فالعبودية ليست مجرد مرحلة تاريخية في ذاكرة الشعوب، بل تستمر كطبقات متراكمة من القهر والوصم الاجتماعي في سرديات ما بعد الاستعمار. من خلال هذا المقال، نرصد كيف عالج عدد من الروائيين السودانيين موضوع الرق، سواء عبر إعادة تمثيل الماضي أو مساءلة الحاضر، مع تقديم ملاحظات توثيقية ونقدية تعزز فهم القارئ لأبعاد هذا التناول الأدبي.
الرق في "شوق الدرويش": العبودية كجذر للهوية السودانية
في رواية شوق الدرويش لحمور زيادة، يتجلى موضوع الرق من خلال شخصية "بخيت منديل"، العبد السابق الذي يعيش في نهايات القرن التاسع عشر، متقاطعًا مع صعود وسقوط دولة المهدية. تُعيد الرواية بناء التاريخ، لا كماضٍ مغلق، بل كحقل يتجدد فيه العنف وتتناسخ فيه السلطة باسم الدين والحرية. إذ تُظهر الرواية أن الإمام المهدي، رغم خطابه التحريري، أعاد إنتاج نظام عبودي مقنَّع، خاصةً في ممارسات خلفائه.
هذا التحليل يتطلب توثيقًا دقيقًا، إذ أن بعض الدراسات (مثل المهدية في السودان لبيتر هولت) تبيّن أن المهدي نفسه حظر تجارة الرق رسميًا، غير أن الدولة المهدية في مراحلها اللاحقة اعتمدت على نظام الرق لتمويل حروبها، ما يبرر قراءة حمور زيادة المتشككة في الخطاب المهدوي التحريري.
الرواية تتعامل مع الرق لا كحادثة تاريخية بل كخبرة وجودية تشكّل الوعي. علاقة بخيت بكاترين، الأوروبية التي تسكن الخرطوم، تُعبّر عن أزمة الحرية والانتقام والهوية. بخيت، العبد السابق، يتحوّل إلى قاتل باسم الحب، في استعادة فانونية لفكرة العنف كوسيلة تحرر. لكنه في النهاية لا يتحرر، بل يتحول إلى نسخة مشوهة من جلاده.
"366" وأطياف الرق المعاصر: الخادمة السودانية كجسد غير مرئي
في رواية 366 لأمير تاج السر، وإن لم تكن مكرسة لموضوع الرق، إلا أن الخادمة السودانية في الخليج تُمثل ترميزًا لعبودية حديثة: الجسد الأسود الذي يُستغل في الهامش، والهوية التي تُمحى داخل فضاءات الحداثة. شخصيتها بلا اسم، بلا تاريخ، تُستخدم وتُنسى. ربما وقع خلط في النص الأصلي حين تم ربط الرواية بالموريسكيين؛ إذ أن موضوع الرواية يدور حول واقع المهاجرين السودانيين، لا الطرد الأندلسي، وهو ما يوجد ربما في روايات أخرى لتاج السر مثل العطر الفرنسي.
التباس العناوين: "حدائق الرئيس" والخلط بين المؤلفين
ورد في النص الأصلي أن حدائق الرئيس رواية للكاتب السوداني ستانلي بشرى، وهو خلط يستوجب التصحيح. الرواية المعروفة بهذا العنوان كتبها العراقي أحمد سعداوي (2019)، بينما يكتب ستانلي بشرى – وهو من جنوب السودان – في مجال مختلف، يُعنى بصراع الهويات ما بعد الانفصال، والمقاومة الثقافية للوصم العرقي. من المهم التمييز بين الأسماء والتجارب، لا سيما في بيئة أدبية تتشابك فيها العناوين والمواضيع.
المرأة الشبح والأساطير الشعبية: الحاجة إلى توثيق أنثروبولوجي
في إشارات النص إلى "أسطورة المرأة الشبح" في جنوب السودان، يتطلب الأمر مرجعية واضحة. الأساطير الشفهية في جنوب السودان تُوثق أحيانًا في أعمال فرانسيس دينق، الذي ركز على البنية الرمزية للقصص الشعبية لدى الدينكا. مثل هذه الرموز تمثل الذاكرة الجماعية والصراع مع السلطة الذكورية، لكنها تحتاج توثيقًا ميدانيًا حتى لا تظل في نطاق الافتراض الأدبي.
إغفال الجنوب السوداني: الحاجة إلى سرديات موازية
من أبرز الملاحظات أن النص ركز على شمال السودان، متجاهلًا أدب جنوب السودان، خاصة بعد الانفصال. روايات مثل الراقصون في العاصفة لأكول بول، أو أعمال جوزيف أوكلي، تُعيد مساءلة الرق من منظور جنوبي، حيث لم يكن الجنوبي عبدًا فقط، بل مشاركًا في مقاومة تلك البنية. هذا التغييب يُعيد إنتاج المركزية الثقافية التي كثيرًا ما تتّهم بها النخبة السودانية.
المصطلحات القانونية: من الرق إلى "أنماط شبيهة بالرق"
عند الحديث عن النازحين أو الأطفال المستغلين، من الأفضل استخدام تعبير "أنماط شبيهة بالرق"، لأن "الرق" كمصطلح قانوني يحدد ممارسات معينة مشمولة باتفاقيات دولية (مثل اتفاقية 1926). ويشمل ذلك السخرة، الاتجار بالبشر، والزواج القسري، وكلها حاضرة في السياقات السودانية، لكنها تختلف في توصيفها القانوني والأدبي.
مقاومة الرق في الذاكرة التاريخية: الزنج والبجة وأنماط التمرد
للرق تاريخ مقاومة طويلة في المنطقة، من ثورة الزنج في القرن التاسع إلى مقاومة قبائل البجة في الشرق. هذه الحركات لم تُستثمر روائيًا بشكل كافٍ، وكان من الممكن أن تضيف بعدًا آخر لفهم الرق كبنية مقاومة، لا فقط كقهر. كذلك، في جبال النوبة، قاومت طوائف محلية محاولات استعبادها في بدايات القرن العشرين، وهي مادة أدبية غنية تنتظر الاستدعاء.
نحو إطار نقدي أعمق: ما بعد الاستعمار والتابع الذي لا يتكلم
كان من المفيد تأطير النقاش داخل مفاهيم ما بعد الاستعمار، مثل مفهوم التابع لغاياتري سبيفاك، الذي يسائل: هل يستطيع التابع – أو العبد السابق – أن يتكلم؟ هل هو ذات فاعلة أم مجرد صدى لخطابات السلطة؟ كذلك، يمكن استدعاء مفاهيم فرانتز فانون حول "أقنعة الرجل الأسود" والعنف بوصفه تطهيرًا نفسيًا.
الرواية السودانية في تعاملها مع موضوع الرق، لا تكتفي بوصف المأساة، بل تُعيد صياغة الذاكرة والهوية.
غير أن هذا التناول الأدبي يحتاج مزيدًا من التوسيع، والتوثيق، والانفتاح على تجارب الهامش – من الجنوب، والشرق، والغرب – مع توظيف أكثر وعيًا بالأطر النظرية والنقدية الحديثة.
الرق ليس ماضيًا فقط، بل شبحٌ يتنكر في وجوه جديدة: في دواخلنا وأحساسنا بالاخرين وفي المدن، في العمالة، في العلاقات، وفي اللغة. والرواية هي وسيلتنا الأذكى لمطاردته أن أستطعنا فعل ذلك .
هوامش ومراجع مقترحة:
Peter Holt, The Mahdist State in the Sudan (Oxford University Press, 1958).
Richard Hill, Slavery in the Sudan (Frank Cass, 1983).
Gayatri Chakravorty Spivak, Can the Subaltern Speak? (1988).
Franz Fanon, Black Skin, White Masks (1952).
Chinua Achebe, Things Fall Apart (1958).
Francis Deng, Dinka Folktales (African World Press, 1993).
ILO, Global Estimates of Modern Slavery (2017).
zuhair.osman@aol.com