معركة حنتوب هي المعركة الفاصلة في هذه الحرب، إنها معركة الخرطوم المؤجلة تُخاض الآن في شرق الجزيرة
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
المليشيا قفزت قفزة هائلة للأمام ونقلت المعركة إلى قلب السودان، ولكنها تقامر بكل شيء؛ لو نجحت المليشيا في الاحتفاظ بوجودها في شرق الجزيرة لأطول مدة ممكنة تكون قد كسبت المعركة وربما الحرب كلها. ولكن خسارة معركة حنتوب تعني السحق الكامل لقواتها في الخرطوم.
المعركة ليست في مدني ولكن في شرقها، في حنتوب وفي شرق الجزيرة؛ إذا ثبّتت المليشيا أقدامها في حنتوب وما حولها تكون قد عزلت ليس مدني وحدها أو ولاية الجزيرة وحدها عن باقي السودان وإنما ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق وولايات كردفان الثلاثة وما تبقى من دارفور، كل هذا يكون قد أصبح خلفها وخارج الدولة حرفياً.
لذلك، لابد من سحق المليشيا في شرق الجزيرة مهما تطلب الأمر؛ إذا دخلوا أحياء أو منازل في حنتوب أو في أي قرية فيجب خروج المواطنين فوراً ومن ثم يجب سحقهم وتسوية هذه المنطقة بالأرض إن تطلب الأمر ذلك. هذه مسألة لا تحتمل أي تأخير أو تهاون. ليتردد الجيش وسيرى تاتشرات الدعم السريع في القضارف والقلابات وفي سواكن (لا حاجة لهم بكسلا)، وبورتسودان نفسها ستكون عديمة القيمة وبلا أي معنى.
أنا لا أقول هذا الكلام من أجل التخويف ونشر الرعب؛ الوضع ما يزال في صالح الجيش. خطوة المليشيا بالهجوم على الجزيرة هي هروب للأمام، ولكنه هروب خطير. هي لم تهزم الجيش في الخرطوم؛ فشلت في معارك القيادة وفي المدرعات والإشارة وفي أم درمان يزحف الجيش بثبات ليضيق عليها الخناق، وتم قطع أهم خط إمداد لها من الغرب، ولذلك فهي تهرب نحو الجزيرة. وهي تحارب في بيئة معادية لها، بدون حاضنة شعبية، بدون خطوط إمداد، بدون مساحات للتخفي والمناورة في أرض مكشوفة بالمعنى الجغرافي وإستخبارياً أيضاً؛ حتى الآن الوضع ليس في صالح المليشيا، ولكن إن لم يتم سحقها فهذا لن يستمر طويلاً؛ ستتعرف على المناطق، وستثبت نفسها، وستأمن خطوط إمداد من الشرق، بينما يكون الجيش هو المحاصر بعد قطع طريق مدني والسيطرة على الشرق.
الجانب الآخر هو الفوضى الأمنية والكارثة الإنسانية التي يمكن أن يتسبب فيها هذا الوضع. الجزيرة والقضارف أراضي خصبة ومضيافة ومغرية لأوباش الصحراء ربما أكثر من عمارات الخرطوم؛ فهناك الثروة الحيوانية، لحوم وألبان وسعية وماء وكلأ، وهناك أموال وحديد وأيضاً نساء! فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ إنها مغرية للاستيطان لبدو الصحراء وللمرتزقة من أي مكان.
هذه معركة مصيرية على الشعب السوداني أن يخوضها بكرامة إن كان يستحق الحياة على أرضه بكرامة؛ وإلا فو الله فهو لا يستحق أن يحيا بكرامة أو بدونها لا على أرض السودان أو في أي مكان آخر. لا يُعقل أن يهرب ملايين السودانيين ويتركوا أرضهم وأموالهم لحفنة ألوف من الأوباش المرتزقة؛ هذه الحرب ليست حرب الجيش هي حرب الشعب السوداني؛ الجيش مجرد مؤسسة مثل أي مؤسسة في الدولة؛ نعم وظيفته أن يدافع وهو يقوم بذلك بكل شجاعة وإخلاص، ولكن الدولة والأرض والعرض هي ملك الشعب، ويجب أن يدافع عن نفسه.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی شرق الجزیرة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: مياه حي الصفا تنتظر القرار
تمر ولاية الخرطوم بواحدة من أدق مراحلها التاريخية، حيث تتقاطع الأزمات الخدمية مع تعقيدات المشهدين الأمني والسياسي، في صورة قاتمة تنعكس بوضوح على حياة المواطنين. ومن بين هذه الأزمات، تبرز مشكلة المياه كواحدة من أشد صور المعاناة اليومية، لا سيما في محلية كرري – حي الصفا، الواقع غرب شارع الوادي بالقرب من قسم الحتانة، حيث لم تعد المياه موردًا طبيعيًا متاحًا، بل تحوّلت إلى سلعة باهظة تثقل كاهل الأسر محدودة الدخل.
تعتمد محطة “المنارة”، أحد أبرز مصادر الإمداد المائي في المنطقة، اعتمادًا كليًا على الكهرباء. ومع تكرار استهداف البنية التحتية من قِبل مليشيا الدعم السريع، توقفت المحطة عن العمل، ما أدى إلى تداعيات إنسانية قاسية. المخابز توقفت، والطوابير امتدت في انتظار التناكر، والمياه تحولت إلى أزمة معيشية خانقة.
في حي الصفا كان السكان يعتمدون على بيارة الحارة 20 كمصدر شبه وحيد للمياه في حال الطواري، لكنها خرجت عن الخدمة نتيجة محدودية طاقتها التصميمية. وارتفعت على إثر ذلك تكلفة برميل المياه إلى ما يزيد عن أربعين ألف جنيه، في منطقة يعيش معظم سكانها على دخول يومية أو معاشات حكومية لا تواكب تكاليف الحياة.
استجابة لهذا الواقع المؤلم، طرحت اللجنة الشعبية في الحي مبادرة لحفر بئر جوفية كحل عملي ومستدام. وقد أبدت اللجنة استعدادها الكامل للتعاون مع القطاع الخاص أو المنظمات الإنسانية أو مع حكومة الولاية، سواء من خلال المساهمة المجتمعية أو التنسيق الفني، في خطوة تعكس وعيًا شعبيًا عميقًا، وإرادة جادة لتجاوز الأزمة.
غير أن هذه المبادرة، كسابقاتها من المبادرات المحلية، لا تزال رهينة الانتظار، تنتظر قرارًا إداريًا واضحًا ودعمًا لوجستيًا من الجهات المختصة. ويُذكر أن أحياءً أخرى في محلية كرري تمكنت بالفعل من حفر آبار جوفية بتمويل رسمي أو شعبي، مما يدل على جدوى هذا الخيار ونجاعته ، إن توفرت الإرادة السياسية والدعم التنفيذي.
زيارة والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة لمحطتي بيت المال والمنارة، وغيرها من المواقع، شكّلت إشارة إيجابية إلى وجود وعي رسمي بحجم الكارثة. لكن هذا الوعي لم يُترجم حتى الآن إلى خطة عملية لإعادة المياه إلى الأحياء المتضررة. فلا تزال وعود الوالي حبيسة التصريحات تنتظر التنفيذ ، فيما يقول سكان حي الصفا إنهم “أول من تُقطع عنه المياه، وآخر من تعود إليه عند استئناف الضخ”.
أبناء حي الصفا، الذين تمسكوا بمنازلهم رغم الحرب والقصف، لم يجدوا بُدًّا من اللجوء إلى الصحافة لإيصال صوتهم، بعد أن غاب صوت القرار الإداري المحلي. بالنسبة لهم، لم يعد انقطاع المياه أزمة خدمية فحسب، بل صار دليلاً صارخًا على هشاشة منظومة الطوارئ، وسوء إدارة الأزمات.
إن الحرب التي تتخذ من تدمير البنية التحتية وسيلة لإضعاف الدولة، تتطلب استجابة غير تقليدية. لم يعد بالإمكان الاستمرار في الاعتماد على الكهرباء وحدها لتشغيل محطات المياه. المطلوب هو توفير بدائل فعالة، كمولدات الكهرباء أو أنظمة الطاقة الشمسية، ووضع خطة تشغيل طارئة تضمن استمرارية الخدمة.
لقد تجاوزت أزمة المياه في الخرطوم حدود الشأن المحلي، وأضحت مؤشرًا خطيرًا على ضعف الإدارة الحكومية في زمن الحرب. وفي حي الصفا، باتت المياه تمثّل اختبارًا حقيقيًا للدولة: هل تستطيع صون هذا الحق الأساسي، أم تترك المواطنين فريسة للعطش واستغلال ضعاف النفوس؟
ومن منظور #وجه_الحقيقة، فإن تحديات ما بعد الحرب تقتضي نموذجًا جديدًا في الإدارة. لم يعد هناك متسع للوعود المؤجلة أو الحلول المؤقتة. المطلوب قرارات جذرية تعيد المياه للمواطنين، والثقة في مؤسسات الدولة. فالماء ليس فقط مورد حياة، بل ركيزة للاستقرار الاجتماعي، ودعامة للأمن الوطني.
ولسقيا الماء فضلٌ عظيم؛ فلولاه لما كانت الحياة ممكنة. كما قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”. إن فقدان هذا المورد اليوم في حي الصفا لا يهدد صحة الأجساد فحسب، بل يُضعف روح التضامن، ويُخلخل بنيان المجتمع.
ومع ذلك فإن استعداد السكان للتكاتف، وحفر الآبار بجهدهم، يثبت أن الأمل لا يزال حيًّا، حين تتلاقى الإرادة الشعبية مع القرار الرسمي. فالناس ينتظرون القرار، سيدي الوالي.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأحد 25 مايو 2025م. Shglawi55@gmail.com