صالح العاروري لماذا اغتالته إسرائيل.. وما التداعيات لهذه الجريمة؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
هربًا من الهزائم الميدانية التي تلاحقُه في قطاع غزة، بأيادي أبطال المقاومة الفلسطينية؛ اغتال جيشُ الاحتلال، نائبَ رئيس المكتب السياسي لـ "حركة حماس"، وقائد الحركة بالضفة الغربية الشّيخ صالح العاروري (57 سنة). استهدفته طائرة مُسيرة إسرائيلية مساء أمس (الثلاثاء)، في العاصمة اللبنانية بيروت، بقصف صاروخي، ما أسفر عن استشهاده، وستة آخرين.
تصفية "العاروري"، جاءت بمثابة ضربة إسرائيلية مزدوجة لحزب الله اللبناني، وحركة حماس معًا، حيث جرى استهدافه، بينما كان متواجدًا في مكتب الحركة الكائن بـ "الضاحية الجنوبية" في بيروت، التي تُعد معقلًا مُهمًا للحزب.. بما مفاده أن العاروري – ومكتب الحركة- في ضيافة الحزب، وحمايته.
يُذكر، أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله، كان قد تحسّب لمثل هذه العملية، وحذّر إسرائيل- في وقت سابق- من عواقب وخيمة حال استهدافها أيَّ فلسطيني، أو سوري، أو إيراني على الأراضي اللبنانية، لا سيما أن إسرائيل اعتادت استهداف إيرانيين على الأراضي السورية، وآخرهم، القيادي بالحرس الثوري الإيراني الجنرال رضا الموسوي، الذي اغتالته قبل أيام.
قرصنة وجُبن وغدرلماذا ارتكبت إسرائيل هذه الجريمة باغتيال "العاروري"؟ وما هي المآلات والتداعيات لهذه العملية الإسرائيلية الجبانة؟
يواجه "الكيان" مأزِقًا غير مسبوق، وإخفاقًا عسكريًا، بدا ظاهرًا للعالم كله، في تدنّي أداء جيش الاحتلال بميدان القتال في غزة؛ فلم يُنجز أيًّا من أهدافه بمحو حماس، وتفكيك قدراتها العسكرية، وتحرير الأسرى.
كما أن ضربات المقاومة المتلاحقة والموثقة فضحت هشاشة هذا الجيش الأكذوبة. لذا، لجأ الاحتلال إلى الحل الأسهل، قرصنةً وجبنًا وغدرًا، باغتيال القيادي بحركة حماس العاروري.. مثلما يستأسد، ويتوحّش، ويقتل ويُبيد المدنيين العزّل، بالقصف الجوي الهمجي.
يُنظر إسرائيليًا إلى الشهيد صالح العاروري على أنه أحد مهندسي عملية "طوفان الأقصى"، وهمزة الوصل والمُنسق بين حركته (حماس) من ناحية، وإيران، وحزب الله من ناحية أخرى.
نواة كتائب القسامفإلى جانب إدارة العاروري الجناحَ العسكريَّ لحماس في الضفة الغربية، فهو من مؤسّسي كتائب القسّام؛ وأطلق نواتها في الضفة الغربية عام 1991. كما أن للعاروري مسيرة حمساوية حافلة، فقد اعتُقل في سجون الاحتلال 18 عامًا، بداية من عام 1990، حتى الإفراج عنه، وإبعاده خارج الأراضي الفلسطينية عام 2010.
تم اختياره- بعدها- عضوًا بالمكتب السياسي لحركة حماس، ثم نائبًا لرئيس المكتب السياسي للحركة عام 2017. كما شارك العاروري في إدارة مفاوضات صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس جلعاد شاليط عام 2011، بوساطة مصرية، مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني كانوا في سجون الاحتلال.
هذه الحيثيات- وغيرها- جعلته هدفًا للكيان الصهيوني، وتداولت وسائل إعلام عبرية اسمه في أكتوبر الماضي، ضمن ستة من قادة حماس، لاستهدافهم.
سياسة الاغتيالاتإذا كان كل ما سبق من دوافع استهداف العاروري، فإن "الكيان الصهيوني"، يلجأ دائمًا إلى سياسة الاغتيالات لقادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، سواء في الأراضي المحتلة أو في الخارج؛ أملًا في تصفية المقاومة ذاتها، بعيدًا عن الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
الكيان لا يغادر نهج الاغتيالات، واغتال على مدار نصف قرن، عشرات القادة من مختلف "الحركات والمنظمات"، دون أن يُسفر هذا عن تصفية "المقاومة"؛ كونها تعمد إلى تجهيز قيادات بديلة. وإذا كانت منظمة التحرير قد تركت الكفاح المسلح، فقد كان هذا نتاجًا لتغيرات فكرية أفضت إلى السقوط في فخّ "اتفاقيات أوسلو" قبل 30 عامًا.
رسالة إسرائيلية لحزب اللهنأتي إلى التداعيات والمآلات لعملية اغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري، فقد تؤثر سلبًا على المفاوضات لوقف إطلاق النار، وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى، بعد أن باتت إسرائيل مُرهقة من الغرق في وحل غزة؛ بسقوط الآلاف من جنودها بين قتيل وجريح، والخسائر الفادحة في الآليات المدرعة.
فالعاروري كان فاعلًا ضمن الفريق الحمساوي المفاوض، لوقف إطلاق النار في غزة، وصفقة تبادل الأسرى التي يجري بشأنها التفاوض حاليًا بوساطة قطرية ومصرية.
لذا يمكن أن تؤدي عملية الاغتيال إلى توسيع نطاق الحرب، لتشمل المنطقة كلها، بين الكيان الصهيوني، ومحور المقاومة الممتد في لبنان، واليمن، والعراق، إلى جانب غزة، وهو ما ألمح إليه حزب الله في بيانه، تعقيبًا على عملية الاغتيال، والذي توعد فيه بالرد والعقاب.
إسرائيل، قد تبغي باغتيالها صالح العاروري في قلب "الضاحية الجنوبية"، المعقل الأمني لـ "الحزب"، توجيه رسالة له، بأنّ رجاله، وقادة حزبه ليسوا بعيدين عن أياديها ونيرانها.. لا سيما أنه سبق لها اغتيال القائد العسكري بالحزب عماد مغنية عام 2008، في سوريا.
استدراج أميركا لضرب إيرانوقد يكون الاحتلال، ساعيًا إلى استفزاز الحزب؛ توسيعًا لنطاق الحرب، استدراجًا لإيران، ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية لضرب إيران، والقضاء على الحزب، أو على الأقل إبعاده لما وراء نهر الليطاني؛ تأمينًا للمستوطنات شمال الأراضي المحتلة على الحدود مع لبنان. غالبًا، لن يستطيع حزب الله ابتلاع هذه "الإهانة" التي تنال من هيبته.. وإلا فإنها قابلة للتَكرار، وتطال قادته.
في المجمل، يصعُب التنبؤ بتداعيات هذا الحدث، فالولايات المتحدة الأميركية لا تريد للمنطقة أن تشتعل.. لكنها تصرفت بحماقة حين لم تلجم إسرائيل في عدوانها على القطاع. الآن على أميركا الاختيار، إما السير قُدمًا للانزلاق في رمال الشرق الأوسط المتحركة، والانشغال عن مواجهة التنين الصيني، وعدوها التاريخي روسيا، وإما إطفاء الحريق الذي ساهمت في إشعاله بتأييدها الأعمى ودعمها الشامل الكيانَ الصهيوني.
الشيخ الشهيد صالح العاروري، مولود في بلدة عارورة القريبة من مدينة رام الله الفلسطينية المُحتلة (عام 1966).. وهو دارس للشريعة الإسلامية. انضم لحركة حماس، عقب تأسيس الشيخ أحمد ياسين لها عام 1987، لتكون حركة مقاومة.
لروح الشهيد العاروري السلام، ولكل شهداء المقاومة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: صالح العاروری
إقرأ أيضاً:
الطريق إلى وقف الحرب على غزة
منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رفعت إسرائيل والولايات المتحدة شعار "تفكيك حماس" كهدف مركزي للعملية العسكرية. لكن بعد مرور عشرين شهرا من حرب طاحنة، بدأ الخطاب الأمريكي ينحرف تدريجيا نحو مقولة "تأجيل تفكيك حماس"، وهو ما يعكس تحولا تكتيكيا مهما يستحق التوقف والتحليل لفهم خلفياته ودلالاته.
الموقف الأمريكي الجديد.. تأجيل لا تراجع
عند التدقيق في طبيعة التحول، يتبين أن واشنطن لم تتخلَّ عن هدفها المُعلن بتفكيك حماس، لكنها بدأت تفصل بين الأهداف العسكرية والسياسية، وراحت تُقدّم أولوية لـ"التهدئة الإنسانية" و"استعادة الرهائن"، بل وبدأت تتحدث عن "مراحل انتقالية" و"ترتيبات مؤقتة" في غزة لا تشترط تفكيك الحركة فورا.
يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها:
- تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب، وتدهور صورة الولايات المتحدة عالميا بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل.
- فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم، رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي.
- الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم إلى عائلاتهم.
فشل إسرائيل في تفكيك حماس
رغم التفوق الناري والتكنولوجي الساحق، عجز الاحتلال عن كسر المقاومة الفلسطينية، وذلك لأسباب جوهرية:
- البيئة العملياتية المعقدة: حيث وفرت شبكة الأنفاق بُنية متاهية تجعل من المعركة تحت الأرض تحديا عسكريا بالغ الصعوبة، فيما نجحت المقاومة في إدارة حرب غير متماثلة أربكت التكتيكات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيلي.
- صمود المقاومة: الذي تجلّى في الحفاظ على هيكل القيادة والسيطرة رغم موجات الاغتيالات، واستمرار إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات النوعية.
- غياب البديل السياسي: فلا السلطة الفلسطينية جاهزة لاستلام زمام الأمور، ولا توجد قوى محلية بديلة تحظى بشرعية حقيقية داخل غزة. وهكذا، وقعت إسرائيل في مأزق: "إما حماس.. أو الفوضى".
كل هذه المعطيات دفعت واشنطن للاعتراف الضمني بأن حماس باتت واقعا لا يمكن تجاوزه، وبأن الحل العسكري الكامل غير واقعي في هذه المرحلة. وهو ما يؤكد وجود ارتباك استراتيجي، وفجوة واضحة بين الطموحات الإسرائيلية والقدرات الميدانية الفعلية، إلى جانب تصاعد التباينات بين واشنطن وتل أبيب، خاصة مع تعنّت نتنياهو وتصعيده لخطابات التحدي ضد الرؤية الأمريكية.
المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من بقاء حماس
- أمريكيا: بقاء حماس يُحبط مشروع "تطبيع ما بعد غزة" الذي كانت السعودية محورا فيه. كما أن وجود حركة مقاومة قوية، خارج الهيمنة الغربية، يُهدد مشروع الأمن الإقليمي وقد يعيد رسم المعادلات الإقليمية.
- إسرائيليا: عدم القضاء على حماس يُشكّل ضربة قاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي، ويُضعف "نظرية الردع"، ويُعمق اهتزاز ثقة الجمهور في منظومة الأمن والسيادة.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
أمام هذا التعقيد، تُطرح عدة سيناريوهات محتملة:
- تهدئة طويلة الأمد دون حسم: تبقى حماس فاعلا مركزيا، ولكن تحت قيود سياسية أو مالية.
- إدارة هجينة لغزة: بمشاركة ضمنية من حماس إلى جانب قوى محلية أو تحت غطاء دولي، في محاولة لتجاوز العقبة السياسية.
- تصعيد مؤجل: قد يُعاد فتح ملف الحرب لاحقا، مع استمرار استهداف الحركة أمنيا واستخباراتيا، دون معركة مباشرة في الوقت الراهن.
- فرصة أمام المقاومة: لترسيخ شرعيتها الواقعية، وفرض حلول ميدانية تُراكم منجزاتها، مستفيدة من التباين الأمريكي– الإسرائيلي ومن تآكل خيارات العدو.
خلاصة:
إن تأجيل تفكيك حماس لا يعني القبول بها، بل يُجسّد عجزا عن هزيمتها ميدانيا، ومحاولة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية في ضوء الفشل العسكري المتكرر.
إنه انتصار تكتيكي للمقاومة، يفتح الباب أمام تكريس وجودها السياسي والعملي، في وقت يعيش فيه المشروع الصهيوني أزمة عميقة على صعيد الردع والهيبة والتماسك الداخلي.
وكما أكدنا سابقا، نعيد التأكيد: أعظم ما أنجزته فصائل المقاومة لم يكن مجرد التخطيط أو التصنيع أو الجاهزية القتالية، بل نجاحها في صناعة الإنسان الفلسطيني المقاوم، الذي يجمع بين العقيدة الإسلامية والعقيدة التدريبية والعسكرية.
إنه الإنسان المجاهد القادر على التطوير والمبادرة والتضحية، دفاعا عن الأرض والحقوق والمقدسات.. ذاك الإنسان الذي تعجز عن مواجهته جيوش الأرض، مهما بلغ عتادها وتقدمت تقنياتها، ومهما طال الزمن أو قصر.