يمانيون – متابعات
قوبلت الضرباتُ الأمريكية البريطانية على اليمن وقبلها تشكيل تحالف “حارس الازدهار” بمعارضة وتحفظات شديدة على المستوى الإقليمي والدولي، وعلى مستوى الداخل الأمريكي نفسه، وتقاطعت معظمُ الاعتراضات والتحفظات عند عدة نقاط، كان أبرزها المخاوف من تحول البحر الأحمر إلى جبهة مفتوحة ستكون تداعياتُها العسكرية والأمنية والاقتصادية واسعةً جِـدًّا، الأمرُ الذي عَكَسَ وجود تصور موحد على مستوى العالم، بأن سياسات الولايات المتحدة أصبحت تهدّد الملاحة الدولية.

المخاوفُ الدولية والإقليمية المتعلقة بمخاطر التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر كانت قد برزت بوضوحٍ في ديسمبر عند إعلان تشكيل تحالف “حارس الازدهار”، والذي لم تستطع واشنطن حتى أن تقنعَ حلفاءها بأنه يهدف لحماية الملاحة، فحتى بعض الدول التي أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن انضمامها إلى التحالف، مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، سارعت إلى إبداء اعتراضها على العمل تحت قيادة الولايات المتحدة، في مشهد غير مألوف، عكس فشلاً أمريكياً في حشد الحلفاء، والأهم من ذلك أنه عكس إدراك حلفاء الولايات المتحدة لوجود أهدافٍ أُخرى “خَاصَّة” من تشكيل التحالف، لا تتضمن حماية الملاحة بل تهدّدها، وهو ما أكّـده بوضوح الرفضُ المصري للانضمام إلى التحالف، والذي انطلق من أسباب عدة، أهمُّها أن هذا التحالُفَ يهدِّدُ قناةَ السويس وأمن البحر الأحمر، بحسب ما كشفت مصادرُ دبلوماسية لـ “يمن إيكو” سابقًا، وأكّـده أَيْـضاً خبراء مصريون.

ومع مضي الولايات المتحدة في هذا التحَرّك، ووصولها إلى حَــدِّ شن ضربات على اليمن تحت عنوان “حماية الملاحة الدولية”، (والذي يفترض به وفقاً للرواية الأمريكية أن يكون أمراً مطمئناً) ازداد حجمُ المخاوف الدولية والإقليمية، وأصبح التعبير عنها أكثر وضوحاً وصراحةً، كما حدث خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة، حَيثُ وصف مندوب روسيا الهجمات على اليمن بأنها “عدوان عسكري لا علاقة له بالدفاع عن النفس”، مُشيراً إلى أن “الحربَ انتشرت إلى خليج عدن والبحر الأحمر، ولا تريد واشنطن التوقف، فقد أعلنت أنها لن تتوقفَ عند هذا الحد إذَا ما شهدت تهديدات جديدة”، وأضاف: “ندرك أن التهديداتِ تلك ستحدّدُها واشنطن بشكلٍ اعتباطي دون احترام للقانون الدولي”.

وقال المندوب الروسي: إن “المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بخصوص الدفاع عن النفس لا تنطبق على الحالة المتعلقة بالتجارة الدولية، والحق في الدفاع عن النفس لا يمكن أن يمارس لكفالة حرية الملاحة الدولية، والزملاء الأميركيون يدركون ذلك”، مُشيراً إلى أن “حرية الملاحة تخضع لاتّفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، وَإذَا ما انتهكت هذه الاتّفاقية، فَــإنَّها تنص على بدء المفاوضات مع من يقوم بانتهاكها، وتنُصُّ على مسألة التحكيم من طريق المحاكم الدولية، بما فيها تلك الخَاصَّة بقانون البحار”.

وقد عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بوضوح عن تصور بلاده لما يمثله التحَرّك الأمريكي والبريطاني في البحر الأحمر وما يتضمنه ذلك من هجوم على اليمن قائلاً: إن “أمريكا وبريطانيا تريدان تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة من الدماء”.

وقال المندوبُ الصيني في مجلس الأمن خلال الجلسة الأخيرة تعليقاً على الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن: إن “آخرَ ما تحتاجُه المنطقةُ هو المغامراتُ العسكرية المستهترة والمطلوب الحوار والتشاور والتهدئة”.

وفي المنطقة العربية عبّرت معظم الدول وفي مقدمتها مصر المِطلة على البحر الأحمر، عن مخاوف واضحةٍ من أن يؤدِّيَ التحَرُّكُ الأمريكي والبريطاني إلى اتساع نطاق الصراع وتهديد الملاحة الدولية.

وفي السياق نفسه، وبحسب ما كشفت قناة “الجزيرة” قبل أَيَّـام، فقد رفض رئيس وزراء جيبوتي، طلباً أمريكياً بتثبيت مِنصة لإطلاق الصواريخ من هناك إلى اليمن لاستهداف الحوثيين، وقال: إنه “لا يمكن السماح بأي استهداف من مناطقنا”، وقد كشفت القناة أن هذا الطلبَ الأمريكي جاءَ على وَقْعِ نقصٍ في الإمدَادات والقطع العسكرية من قبل الدول المشاركة في تحالف “حارس الازدهار”، وهو ما يؤكّـدُ أن حلفاءَ الولايات المتحدة متمسكون برفضِهم للانخراط في التحَرّك العسكري الأمريكي في البحر الأحمر وباب المندب.

هذه المواقف تعكس وجود تصور واضح لدى مختلف الدول في المنطقة والعالم بأن تحَرّك الولايات المتحدة لا يحمي الملاحة الدولية بل يعسكر الممر المائي الرئيسي بين الشرق والغرب وبالتالي يهدّد حركة التجارة والشحن.

وداخل الولايات المتحدة الأمريكية عبّر أعضاءٌ في الكونغرس عن مخاوفَ مشابهةٍ من توجّـه إدارة بايدن نحو إشعال حرب في البحر الأحمر، وقال النائب الديمقراطي كوري بوش: إن “الشعبَ لا يريدُ أن يذهبَ نحو دفع المزيد من الضرائب لحرب لا نهاية لها وقتل المدنيين”، فيما أكّـد النائب الديمقراطي رو خانا، عدم دستورية الضربات على اليمن، وقال: إن “الرئيس وعلى مدار أكثرَ من شهر، استشار تحالفًا دوليًّا للتخطيط لها، لكنه لم يأتِ أبدًا إلى الكونجرس للحصول على الإذن كما هو مطلوبٌ بموجب المادة الأولى من الدستور، نحن بحاجة إلى الاستماع إلى حلفائنا في الخليج، والسعي إلى وقف التصعيد، وتجنب الدخول في حرب أُخرى في الشرق الأوسط”.

وتشيرُ هذه التصريحاتُ بشكل واضح لا لَبْسَ فيه إلى أنه حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فَــإنَّ النظرة إلى التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر هي أنه تحَرُّكٌ نحو إشعال حرب، وليس تحَرّكًا لأجل تثبيت أمن الملاحة والحفاظ على استقرارها، كما تقول إدارة بايدن.

ويبدو بوضوح أن شركاتِ الشحن العالمية تمتلك النظرة نفسها، حَيثُ كشفت وكالة “رويترز”، اليوم الاثنين، أن بيانات تتبع السفن أظهرت ارتفاع حالات اضطرابات الشحن في البحر الأحمر إلى 15 حالة على الأقل منذ أن قادت الولايات المتحدة الضربات على الحوثيين، فيما كشفت وكالة بلومبيرغ أن قطر أوقفت شحن الغاز المسال؛ بسَببِ الهجمات على اليمن؛ وهو ما يعني بوضوح أن قطاع الشحن أَيْـضاً بات ينظر إلى التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر كتهديد كبير على الملاحة.

– يمن إيكو

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمریکی فی البحر الأحمر الولایات المتحدة الملاحة الدولیة على الیمن

إقرأ أيضاً:

الأمراض النفسية ... أزمة صامتة تهدد العالم

 

 

 

د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي **

في عالمٍ مُضطربٍ يتسارع فيه كل شيء، تظل الصحة النفسية واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا، لكنها غالبًا ما تُهمَل خلف ستار الأولويات الأخرى، ووفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية، يُعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من اضطرابات نفسية مختلفة؛ أبرزها: القلق والاكتئاب والوسواس القهري؛ مما يجعلها في المرتبة الثانية كمسببات للإعاقة طويلة الأمد عالميًا.

هذه الاضطرابات لا يقتصر تأثيرها على المعاناة الفردية؛ بل تمتد لتشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا هائلًا؛ إذ تُشير التقديرات إلى أن الاكتئاب والقلق وغيرها من الأمراض النفسية الأخرى تُكلف الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار أمريكي (أي 385 مليار ريال عُماني) تقريبًا سنويًا نتيجة انخفاض الإنتاجية وتزايد حالات التغيب عن العمل.

وتكشف الأرقام المعلنة حجم الأزمة وحدتها؛ حيث يُعاني حوالي 5.7% من البالغين حول العالم من مشاكل تتعلق بالاكتئاب والقلق والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية، مع ارتفاع هذه النسبة بين النساء مقارنة بالرجال؛ إذ تصل إلى 6.9% لدى النساء مقابل 4.6% لدى الرجال. أما القلق؛ مرض العصر، فيُعد من أكثر الاضطرابات شيوعًا في عالم اليوم، ويؤثر على جميع الفئات العمرية بلا استثناء. ورغم وجود علاجات وعقاقير فعّالة ومجربة، فإنَّ أكثر من 75% من المصابين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط لا يحصلون على أي دعم ورعاية نفسية، بسبب نقص الاستثمار في مجال تقديم خدمات الصحة النفسية وبسبب النظرة الاجتماعية السلبية للمريض النفسي (الوصمة الاجتماعية) وهو ما يدفعهم للتردد في الكشف عن معاناتهم أو اللجوء إلى المتخصصين طلبًا للعلاج والمساعدة. الأمر الذي يُودي إلى تعمق وتطور حالاتهم ومشاكلهم النفسية.

تأثير هذه الاضطرابات يتجاوز الصحة الفردية ليصل إلى بيئات العمل والإنتاج؛ حيث أكدت الكثير من الدراسات العلمية المنشورة أن الموظفين الذين يعانون من مشاكل نفسية يتغيبون عن العمل بمعدل يزيد بـ 3.5 مرات عن زملائهم الأصحاء، مما ينعكس سلبًا على الأداء والإنتاج المؤسسي. في هذا السياق، أظهرت تقارير دولية متخصصة أن كثير من الموظفين يعانون من أعراض نفسية تتراوح بين البسيطة والحرجة، في حين أنه أقل من 50% منهم يشعرون بأن مؤسساتهم تتعامل معهم بجدية أو تقدم لهم الدعم النفسي والعلاجي الكافي.

والدراسات العلمية في المجال الطبي أكدت أن الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب والوسواس القهري تؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر؛ مما يرفع احتمالية الإصابة بأمراض جسدية مثل الضغط والسكري والصداع النصفي وأمراض القلب والقولون العصبي. وتشير الأدلة الطبية إلى أن إهمال وتجاهل العلاج النفسي يُضعف المناعة ويزيد من الألم المزمن ويؤثر مباشرة في جودة الصحة البدنية.

وفي الواقع المشاهد، كم من مريض نفسي أنهى حياته بالانتحار، أو أثر سلبًا على حياة الآخرين من حوله بسبب حالته النفسية المعقدة، في وقت كان العلاج النفسي كفيلًا بمعالجة المشكلة من جذورها أو التخفيف من حدتها على أقل تقدير. فكثير من حالات الطلاق والعنف والتفكك الأسري تعود أسبابها إلى أمراض نفسية ووساوس قهرية ليست بالمستعصية في حقيقتها، لو تم الالتفات إليها في بداياتها والتعامل معها على يد خبراء وأطباء ومستشارين نفسيين وسلوكيين. وفي هذا السياق، تُشير الإحصائيات إلى أن حوالي 727 ألف شخص حول العالم يفقدون حياتهم سنويًا بسبب اللجوء للانتحار. وتؤكد المنظمات الصحية الدولية أن العديد من هذه الحالات كان يمكن إنقاذها واحتوائها لو تم تشخيص أعراضها في وقت مبكر وتلقت الرعاية والعناية اللازمة من الشخص المناسب وفي الوقت المناسب وفي المكان المناسب.

هذه الحقائق تفرض سؤالًا جوهريًا ومباشرًا: هل يمكننا الاستمرار في تجاهل الصحة النفسية؟ الإجابة واضحة؛ الاستثمار في الصحة النفسية وكسر وصمة المرض الاجتماعية ليس رفاهية، بل ضرورة وأولوية استراتيجية. إنه استثمار في الإنسان، في المجتمعات، وفي الاقتصادات، وفي المستقبل. ومع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بالقلق والاكتئاب والوسواس القهري والأمراض النفسية الأخرى، يُصبح التحرك العاجل والمدروس لتوسيع نطاق خدمات الصحة النفسية، وتعزيز جهودها، وتبني سياسات وقائية وتوعوية أمرًا لا يحتمل التأجيل ولا المساومة. لذا، فليكن شعارنا جميعًا "نحو صحة نفسية مُستدامة للجميع".

باحث أكاديمي

مقالات مشابهة

  • محافظ كفر الشيخ يعلن توقف حركة الملاحة والصيد بالبرلس
  • أي تأثير لهجمات البحر الأسود على أمن الملاحة ومصالح تركيا الإستراتيجية؟
  • الديهي: الوضع في اليمن صعب.. والتعقيدات خطيرة تهدد الأمن القومي العربي
  • طقس الغد: جبهة باردة تجتاح البلاد.. اضطراب الملاحة في المتوسط وأمطار غزيرة تهدد الدلتا
  • هدى الإتربي تتألق بإطلالة شتوية على إنستجرام
  • الأمراض النفسية ... أزمة صامتة تهدد العالم
  • إردوغان يدعو مادورو إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة
  •  الاستباحة المزدوجة.. تدمير اليمن ونهب ثرواته من قبل قوى الاحتلال الأمريكي-الصهيوني وأدواته الإقليمية
  • الجبروت الأمريكي على فنزويلا
  • أردوغان يبحث مع مادورو التوترات مع الولايات المتحدة