ميديا بارت: دافوس.. اللعبة انتهت
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
كل كبار هذا العالم كانوا هناك كالعادة، ولكن المنتدى الاقتصادي العالمي الـ54 ترك في الأذهان صورة لعالم يدور في حلقة مفرغة، حيث لم يعد دافوس "الجبل السحري"، بل أصبح أكثر فأكثر أشبه بمصحة معزولة عن كل شيء.
بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت تقريرا لمارتين أورانج نبهت في مستهله إلى أن منظمي المنتدى الـ54 كانوا يشعرون بأنه لم يكن في وسعهم تحقيق ما سعوا إليه، إذ جاء العنوان "إعادة بناء الثقة" في وقت يهتز فيه العالم بسبب الحروب والأزمات الجيوسياسية والتوترات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، وكأن هناك حاجة ملحة لمحاولة استعادة السيطرة على الموضوع لكي يبدو كما لو أن المنتدى يوجه الأمور.
وفي ختام هذا الحدث -الذي يجمع كل عام في القرية السويسرية الصغيرة الزعماء السياسيين والمصرفيين والرؤساء وجماعات الضغط وكبار الممولين على هذا الكوكب- يهيمن هذا العام انطباع واحد، وهو أن خطابات "الكبار" في هذا العالم أصبحت تدور في حلقة مفرغة، حتى أن الصحافة المالية الدولية -التي عادة ما تخصص قدرا هائلا من المساحة لهذا الحدث- تراجعت عن ذلك كما لو كان لدى الجميع شعور بأن ما هو أساسي يحدث في مكان آخر.
تراكم غير مسبوق
ومع ذلك، لم يكن هناك شيء مفقود لضمان أن يكون العرض كبيرا، فكالعادة اصطفت مئات الطائرات الخاصة وكان نجوم اللحظة حاضرين أيضا في الحفل، لكن الاهتمام كان فقط من قبل مجلات المشاهير، كما ترى الكاتبة.
وقد نشرت منظمة أوكسفام غير الحكومية -كما هو الحال في كل عام- قبل بضعة أيام من المؤتمر تقريرا جديدا عن الثروات العظيمة في العالم، حيث زادت ثروة المليارديرات بمقدار 3.3 تريليونات دولار منذ عام 2020، أي بوتيرة أسرع بـ3 مرات من التضخم، واستولوا على ما يقارب 70 يورو من أصل كل 100 يورو يتم إنتاجها، وتركوا الفتات لبقية العالم.
وأظهر التقرير أن نسبة 1% تمتلك 48% من إجمالي الأصول المالية العالمية، مشيرا إلى أنه إذا لم يتغير شيء فسيمتلك واحد أو أكثر من المليارديرات ثروات تتجاوز عتبة الألف مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لـ80% من دول العالم، وذلك خلال عقد واحد على أبعد تقدير.
وفي مواجهة هذه الأرقام التي تظهر تراكما غير مسبوق للثروة واتساعا غير مسبوق في فجوة التفاوت ووضع الثروات الخاصة في منافسة مباشرة مع الدول لم يحاول المشاركون في دافوس الرد على ذلك، وهم يدركون أن العولمة السعيدة والمنافسة الجامحة التي ظل دافوس يروج لهما بلا كلل لأكثر من 30 عاما لا تصمدان أمام اختبار الواقع.
إيمان أعمى بالحلول التكنولوجية
ورغم كل شيء فإن الممثلين تقدموا إلى المنصة في محاولة لرسم المستقبل، لكن برامجهم لا تتغير، مثل كلاوس شواب على رأس إدارة دافوس رغم أنه بلغ 86 عاما، لأن الجميع يسعون جاهدين وبكل الطرق الممكنة إلى الحفاظ على النفوذ الهائل الذي اكتسبوه على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفرضوا به أيديولوجيتهم ونظرياتهم وإراداتهم على جميع الحكومات.
وفي الاستجابة للتحديات المتعددة ولمواجهة "الأزمة المتعددة الوجه" -على حد تعبير الخبير الاقتصادي آدم توز- فإن هؤلاء حتى وإن لم يعلنوا ذلك يؤيدون تحولا غير ليبرالي على نحو متزايد يتسم بزيادة لا حدود لها في الدفاع والإيمان الأعمى بالحلول التكنولوجية.
لقد كان زعماء هذا العالم على قناعة منذ فترة طويلة بأن التكنولوجيا ستكون الحل لتغير المناخ، والانحدار في الإنتاجية في الاقتصادات الغربية ولكل المشاكل الأخرى التي قد تنشأ.
وبعد أن تجاوزتهم سرعة الابتكارات والمناقشات التي تجلت بشكل خاص في الأزمة التي شهدتها "قمة الذكاء الاصطناعي المفتوحة" قرروا الاستفادة من دافوس للحاق بالركب.
وقد أعيد تعيين سام ألتمان رئيسا للمجموعة المؤسسة لـ"شات جي بي تي" وتم الترحيب به كمعلم، وأوضح ألتمان أمام الجمهور "أن المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي لها ما يبررها، ولكنها بلا شك مبالغ فيها".
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي بعيد عن الكمال، ولا يزال فيه العديد من المناطق الرمادية والعيوب، ولكنه مع ذلك يرى أننا يجب أن نقبل اتخاذ قرارات "غير مريحة".
الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة لألتمان -حسب الموقع- هو أن هذه المناطق الجديدة لا ينبغي تنظيمها تحت أي ظرف من الظروف أو على الأقل ليس في الوقت الحالي، لأن التطورات حديثة للغاية إلى الحد الذي لا يسمح بوضع حدود من شأنها أن تقيد الابتكار، وهذا ما وافق عليه المشاركون الذين يعتبرون كل تنظيم عائقا أمام الحرية.
خافيير ميلي
وفي هذا المجال، تدخل الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي -الذي حضر اجتماعا دوليا للمرة الأولى، وألقى خطابا جامحا مكررا كل بدعه التحررية حسب الكاتبة- "أنا هنا لأن الغرب في خطر، لأن القيم التي يتم الدفاع عنها حاليا تؤدي حتما "نحو الاشتراكية والفقر"، وهاجم الحركة النسوية والبيئة والقوانين الاجتماعية وقانون العمل وأشياء أخرى كثيرة، متبنيا الشعار القديم لليبرالية الجديدة.
وقال إن "الدولة ليست الحل أو حتى المشكلة، إنها العدو الذي تجب هزيمته"، ولكن الجمهور كان محرجا من خطاب ميلي لأنه رفع مرآة مشوهة إلى درجة الكاريكاتير للخطب والملاحظات التي أدلوا بها على مدى العقود الماضية.
وبالنسبة إلى معظم هؤلاء الرؤساء وهؤلاء المصرفيين وهؤلاء الممولين لم يكن الأمر في النهاية يتعلق بحرمان أنفسهم من الدولة، بل على العكس من ذلك التصرف بطريقة يتم من خلالها توجيه جميع الموارد العامة نحو مصالحهم، وقد أدت فترة "كوفيد-19" وأزمة الطاقة والتضخم والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى تعزيز حركة الاستيلاء هذه، وهم يريدون تضخيمه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
من يحارب من؟.. ومن المنتصر؟.. وهل انتهت الحرب؟
في عالم يدّعي التحضر والعدالة، تسقط كل الأقنعة حين نواجه مشهدًا مثل غزة. رجل مثل دونالد ترامب، يخرج ليعلن وقف الحرب ضد إيران وكأنّه يمنّ على العالم بجرعة «رحمة» مؤقتة، بينما المجازر مستمرة في غزة دون هوادة. أي «محارب» هذا الذي يوقّع على هدنة في طهران، ويصمت أمام أشلاء الأطفال في رفح؟.. هل هذه هي الواقعية السياسية التي يُروج لها بعض المتحذلقين؟.
وقف الحرب عند حدود مصالحه، لا عند حدود الدم. استراحة محارب؟.. بل استراحة تاجر سلاح، لا يعرف من لغة السياسة إلا ما يُباع ويُشترى، لا تعنيه صرخات الأمهات ولا تقارير المنظمات. إنه زمن الكذب الدولي.. زمن ازدواجية المعايير الفجة.
وسط زحام التعليقات والتغريدات، يغيب السؤال الحقيقي. الكل يتسابق في سرد الأرقام: عدد الصواريخ، المواقع المستهدفة، خسائر الطرف الآخر. لكن لا أحد يتوقف ليسأل: هل انتهت الحرب؟ وهل تحقق شيء من أهدافها؟.. أم أن ما نعيشه ليس سوى حلقة مكرّرة في سلسلة عبثية طويلة، نُعاد إنتاجها كل بضع سنوات باسم الردع والردع المضاد؟.
في هذا الصخب، تطفو على السطح خطابات إعلامية جوفاء، يتباهى أصحابها بـ«انتصارات» وهمية هنا وهناك، وكأنّ الدمار وحده بات معيارًا كافيًا للفوز. يتحدثون عن الغارات على إيران وكأنها مشهد منفصل، وينسون — أو يتناسون — أن الطيار الذي يقصف مفاعلاً في أصفهان هو ذاته من قتل عائلات كاملة في دير البلح وخان يونس. نفس العقلية، نفس الدم، نفس الأداة.. والنتيجة ذاتها: موت بلا مبرر.
في غزة، يموت الناس في طوابير الخبز. أكثر من 90 شهيدًا في يوم واحد، معظمهم من المدنيين، وبينهم أطفال بأعمار الزهور. بأي منطق يمكن فصل هذا المشهد عن سياق الحرب الشاملة؟.. وكيف يجرؤ البعض على تبرير القتل هنا، والاحتفاء بالدم هناك؟.
الانتصار الذي لا يوقف الدم، ليس انتصارًا.. بل بداية لانهيار جديد..
من النكبة إلى النكسة، من اجتياح بيروت إلى عدوان 2006، من كل حرب تعلن فيها إسرائيل انتصارها، نخرج بدماء جديدة وجنازات جديدة وخراب أوسع. لا انتصار حين تكون النتيجة الوحيدة هي الخراب، إنها سياسة الأرض المحروقة، لا الأرض المحررة.
أما الحديث عن «ضربات استراتيجية» على منشآت إيران النووية، فلا يعدو كونه واجهة إعلامية مضللة، فالمشروع النووي الإيراني ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعقود طويلة، تعود إلى عهد الشاه وبدعم من الغرب ذاته، كل ضربة توصف بأنها رادعة قد تتحول إلى عامل تسريع لصراع أوسع وأخطر، قد لا تنجو منه عواصم كثيرة.
لكن الأخطر من السلاح، هو من يبرر السلاح، أولئك الذين يزينون المجازر بلغة التحليل السياسي، ويُقدّمون أنفسهم كخبراء موضوعيين، هم في الحقيقة لا يرون في طهران إلا عدواً وجودياً، حتى لو كان الثمن استمرار المجازر في غزة، الحقد يُعمي البصيرة، ويجعل من الحقيقة عدواً، ومن الفن تهديداً، ومن أي رأي مختلف خصمًا يجب إلغاؤه.
والمثير للسخرية أن هذه الفئة لا تملك حتى شجاعة الموقف، لا تُؤمن بمبدأ، لا تنتمي إلى عقيدة، ولا تسعى لعدالة، هي فقط تنفث كراهيتها وتُغلّفها بمصطلحات عسكرية جوفاء.
أن تصفهم بالخونة فيه كثير من الإنصاف، لأن الخيانة على الأقل تفترض صفقة وثمنًا، أن تصفهم بالجهل هو تبسيط مخلّ، لأن الجهل قد يكون بريئًا. أما هم، فلا يستحقون سوى وصف واحد: أنذال.
وهكذا.. تبقى الحرب مشتعلة في جوهرها، حتى لو صمتت البنادق. فثمة خراب أخلاقي يعلو فوق كل قذيفة، وظلم لا تسكته صفقات السياسة. ومن أراد أن يفهم ما يجري، فليبدأ من دمعة طفل في غزة.. لا من بيان عاجل على شريط الأخبار!!.
اقرأ أيضاًترامب يعرب عن فخره بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الشرق الأوسط
ترامب: البرنامج النووي الإيراني انهار بالكامل وإعادة بنائه أمر صعب