تجليات ثقافية تراثية وقيمة تاريخية تذخر بها مدينة طرطوس القديمة
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
طرطوس-سانا
تعاقب الحضارات ومرور الزمن لم يؤثر على المعالم المعمارية والأشكال الهندسية لأبنية مدينة طرطوس القديمة المنسجمة مع أسس التخطيط العمراني، عززه الارتباط الفطري للسكان بمدينتهم، فهي بالنسبة لهم تمثل قيماً تاريخية ثقافية اقتصادية روحانية واجتماعية.
المدينة الأسقفية وفيها الكاتدرائية التي تعتبر أول كنيسة بيزنطية باسم السيدة العذراء في الشرق، وكنيسة وقاعة فرسان الهيكل ببنائهما الذي يعود للقرن الثالث عشر الميلادي، والجامع والحمام وأقبية الدونجون، والخندق المرصوف والخندق الترابي، والساحات والأزقة، ومع الصناعات والمهن التراثية المرتبطة بالمدينة كصناعة الحلاوة ومهنة السنكري أو ما يعرف بحرفة تصنيع الأدوات المنزلية والزراعية الحديدية، وبائع الخرنوب والمسحراتي، جميعها تمثل جزءاً من رأس المال الثقافي لمدينة طرطوس القديمة.
هذا بعض ما جاء به ملف (فهم السياق العام للمدينة القديمة) الذي أعدته الأمانة السورية للتنمية وفريق عمل مشروع طرطوس القديمة والخبراء، حيث كان تفكير فريق العمل بعد سنتين من العمل المشترك يعتمد على احتياجات السكان بالدرجة الأولى بالتوازي مع الحفاظ على القيمة التاريخية والثقافية للمكان، بهدف الوصول إلى منتج عملي مشترك يحقق تنمية مستدامة بهذه البقعة المكانية المهمة تاريخياً واقتصادياً واجتماعياً وفق خبير المسار الثقافي وعضو فريق العمل مدير آثار طرطوس مروان حسن.
وحسب حسن فإن العمل سار بالتوازي بعد تقسيم المسارات لوضع خارطة تنموية شاملة للمدينة بناء على فهم السياق العام والإمكانيات التي تمتلكها لتحقق مجتمعة الأهداف والرؤية الشاملة الموضوعة لها، موضحاً أن بداية عمل المسار الثقافي انطلقت من تساؤل مهم ألا وهو (ماذا نريد من المشهد العام وكيف من الممكن أن يشكل عامل جذب مهماً للوجهة السياحية والثقافية والأهم إبراز المعالم الثقافية والأثرية للمدينة) ومن هنا كانت فكرة وموضوع تحسين المشهد البصري لواجهة المدينة وأزقتها أحد أهم الأهداف.
وأشار حسن إلى أن ترميم المباني الأثرية الرئيسية كأقبية الدونجون وقاعة الفرسان ومبنى الكنيسة كان هدفاً مهماً أيضاً لناحية وضع الحلول الفنية الترميمية لإعادة الشكل الأساسي لها لتكون جاهزة للاستخدام واستثمارها بما يخدم المجتمع المحلي، ويروج للوجهة الثقافية والسياحية للمدينة، مبيناً أن إيجاد مسار سياحي ثقافي متكامل عبر خلق فضاءات للصناعات الثقافية الإبداعية والنشاطات الفنية المتعلقة بهوية وطبيعة المدينة واستثمار الفراغات والحيزات المكانية بهدف إيجاد برامج تفاعلية تشاركية تحقق التبادل المعرفي والثقافي كان محوراً أساسياً يؤهل إدراج المدينة على الخارطة السياحية لسورية لاستثمار مقوماتها، وتقديم خدمات نوعية لزوارها، والحفاظ على هويتها التراثية الثقافية.
ورأى حسن أن ما تقدم هو عبارة عن مقترح لخطة تنموية متكاملة للمدينة انطلقت من واقع واحتياجات المنطقة وخصوصيتها مع جمع المعلومات وتوثيق الوضع الراهن واختيار المناسب لتنفيذه، بهدف تطويرها لتكون نقطة جذب ثقافي، معتبراً ذلك مرتبطاً بإيجاد حلول لاستقطاب المهارات وتدريبها، ووضع مخرجاتها كمنتج خاص بالمدينة وبالمهن المرتبطة بها، وتفعيل المبادرات إلى جانب عمل الجهات المعنية ما من شأنه تعزيز الهوية التراثية للمدينة.
يشار إلى أن الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع محافظة طرطوس أقامت في الـ 14 من الشهر الماضي ورشة عمل حول تبني الخارطة التنموية لمدينة طرطوس القديمة خلصت إلى وضع 12 هدفاً موزعة على المسارات الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإطلاق مبادرتين الأولى إنارة محيط مدينة طرطوس القديمة وأسوارها وساحاتها وداخل المدينة بالطاقة البديلة، والثانية تنظيف المدينة بالتعاون ما بين المجتمع المحلي والجهات المعنية.
فاطمة حسين
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: طرطوس القدیمة
إقرأ أيضاً:
الإبادة الثقافية للفلسطينيين.. الهجوم الإسرائيلي على التراث والذاكرة والهوية
#الإبادة_الثقافية_للفلسطينيين.. #الهجوم_الإسرائيلي على #التراث والذاكرة والهوية
الدكتور #حسن_العاصي
أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا
بتاريخها وموقعها الجغرافي الفريد، تُعدّ فلسطين أرضاً عريقة، مرتبطة بحضارات وإمبراطوريات وأنبياء وقديسين لا حصر لهم، مما جعلها فسيفساء ثقافية تُمثل إمكانات هائلة لحاضر فلسطين ومستقبلها. لعقود، سعت إسرائيل بلا هوادة إلى طمس الهوية والتاريخ والوجود الفلسطيني، ناكرةً الشعب الفلسطيني بشكل منهجي حقه الأصيل في تقرير المصير. هذه الجهود الدؤوبة مدعومة بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وتنبع من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، القائم على طرد الشعب الفلسطيني الأصلي من أرضه، وسلب ممتلكاته، واستبداله. تمتد هذه الجهود العنيفة إلى الاستهداف المتعمد لمواقع التراث والآثار الفلسطينية وتدميرها، مما يعكس سياسة شاملة لمحو الهوية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كجماعة. مع الإقرار بأن الجرائم المرتكبة ضد التراث الثقافي أو المؤثرة عليه غالباً ما تمس جوهر معنى أن تكون إنساناً، مما يؤدي أحياناً إلى تآكل قطاعات كاملة من التاريخ البشري والإبداع الفني.
مقالات ذات صلةيُقر مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بأن “التراث الثقافي هو حجر الأساس للهويات الثقافية، ويؤيد الفهم بأن الجرائم المرتكبة ضد التراث الثقافي تُشكل، في المقام الأول، هجوماً على هوية وممارسات جماعة معينة”. إن هجمات إسرائيل على مواقع التراث والآثار الفلسطينية لا تُشكل جرائم حرب فحسب، بل تُشكل أيضاً جزءًا من حملتها الإبادة الجماعية التي تهدف إلى تدمير الأسس الأساسية لحياة الشعب الفلسطيني. محو التاريخ، محو الشعب: الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة خير مثال على ذلك.
في قطاع غزة، لا لبس في تنفيذ هذه المساعي التدميرية، والتي تجلت في أكثر من ستة عشر عاماً من الحصار والإغلاق، إلى جانب الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المختلفة، التي شهدت تدمير التراث الثقافي الفلسطيني، مما يؤكد الطبيعة المتعمدة لهذه الإجراءات في محو الوجود المادي والتاريخي للشعب الفلسطيني. في عام 2021، حذّرت منظمة الحق من تدمير إسرائيل للمواقع التراثية في غزة خلال عدوانها العسكري الذي استمر إحدى عشرة يوماً، مشيرةً إلى أن “عمليات القصف الإسرائيلية تهدف إلى محو التراث الثقافي الفلسطيني تدريجياً لحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره على موارده الثقافية، وبالتالي تهديد وجوده كشعب”.
وفي الوقت الحالي، وفي استمرارٍ لجرائم الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في غزة، متجاهلةً تماماً أمر التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل الدولية، استهدفت إسرائيل المواقع والمراكز التاريخية والثقافية الفلسطينية، كاشفةً عن نمطٍ ثابت يتماشى مع حملتها المدروسة لمحو أي أثر للوجود الفلسطيني، سواءً كان إنسانياً أو ثقافياً.
واعتبارًا من السابع من نوفمبر/تشرين ثاني 2023، أفادت منظمة التراث من أجل السلام أن 104 مواقع تراثية من أصل 325 موقعًا في قطاع غزة قد دُمرت بالكامل أو تضررت جزئياً. ومنذ ذلك الحين، لا تزال التقارير اللاحقة الواردة من غزة تلقي الضوء على تدمير إسرائيل للممتلكات الثقافية الفلسطينية في إطار إبادة جماعية مستمرة ضد الفلسطينيين، مما يشكل مثالاً صارخاً على جهودها المستمرة على مدى عقود لمحو الوجود والتاريخ والهوية الفلسطينية. على سبيل المثال، أفادت التقارير أن الهجمات الإسرائيلية أثرت على دير القديس هيلاريون في تل أم عامر، المدرج في القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي، وحمام السمارة، الذي شُيّد منذ أكثر من 1000 عام. وتشير التقارير أيضاً إلى قصف العديد من المؤسسات الثقافية خلال الإبادة الجماعية المستمرة، بما في ذلك متحفان من أصل أربعة متاحف في غزة، بما في ذلك قصر الباشا الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر. علاوة على ذلك، تُقدّر وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في غزة أن حوالي 104 مساجد قد تضررت أو دُمرت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك المسجد العمري الكبير، وهو الأكبر والأقدم في قطاع غزة، ومسجد عثمان بن قشقر الذي شُيّد عام 1220، ومسجد السيد الهاشم، الذي بُني في البداية في القرن الثاني عشر وأُعيد بناؤه لاحقًا في 1850.
قمع الصمود والهوية: تدمير المعالم الأثرية خلال الهجمات العسكرية على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية
لا يستهدف التدمير الإسرائيلي المتعمد الأرواح ومواقع التراث الثقافي فحسب، بل يستهدف أيضاً التعبيرات الرمزية والصامدة للهوية الفلسطينية. في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلال هجومها العسكري الذي استمر ست ساعات على مدينة جنين ومخيمها للاجئين، والذي أسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين، بينهم طفل، وتدمير البنية التحتية المدنية، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، برفقة جرافات من طراز D9، بتدمير الأقواس الواقعة عند المدخل الشمالي لمخيم جنين للاجئين، والتي كانت تحمل نقوشاً على حجارتها، تقول العبارة بتحدٍّ: “هذه محطة انتظار حتى العودة”.
وخلال الهجوم نفسه، أصبح ما يُعرف بـ”دوار الخيل” عند المدخل الشرقي لمخيم جنين للاجئين مسرحاً للدمار، حيث هدمت الجرافات الإسرائيلية جزءًا من الشارع بطول خمسين متراً، متوغلةً في قلب المخيم، مدمرةً إياه بدوار الخيل. وبعد ذلك، استولت الجرافة على تمثال الحصان الذي كان يزين الدوار، بعد أن لحقت به بعض الأضرار.
يُعد تمثال الحصان الحديدي رمزاً مؤثرًا في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لجنين ومخيمها عام 2002، وهو مصنوع من بقايا المركبات والمنازل المدمرة التي استُهدفت وهُدمت خلال الاجتياح. الحصان، رمزٌ قويٌّ يُخلّد صمود الشعب الفلسطيني وروحه التي لا تُقهر في مواجهة الشدائد، كان رأسه متجهًا نحو مدينة حيفا، التي نشأ منها آلافٌ من سكان المخيم وطُردوا خلال نكبة عام 1948.
وبالمثل، خلال هجومٍ عسكريٍّ استمر سبعة عشر ساعةً على مدينة طولكرم ومخيم اللاجئين، والذي بدأ في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وأسفر عن مقتل تسعة فلسطينيين، وتدمير الممتلكات والبنية التحتية المدنية، تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي تدمير قوس المخيم عند مدخله الشمالي، والذي كان يضم مفتاح العودة الفلسطيني، رمزاً لنكبة عام 1948، إذ يُمثل هذا المفتاح، بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، إيماناً راسخاً بحقهم في العودة إلى ديارهم. شملت الهجمات الإسرائيلية على المخيم المستهدف، وهو ثاني أكبر مخيم للاجئين في الضفة الغربية، تدمير نصب تذكاري لفلسطينيين اثنين، سمير الشافعي (20 عاماً) وحمزة خريوش (23 عاماً)، اللذين قُتلا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي المتخفية، خلال مداهمة للمخيم في السادس من مايو/أيار 2023.
إسرائيل تسرق التراث الفلسطيني، والمواقع الثقافية الفلسطينية، وتزور التاريخ
يُعد التراث الثقافي الفلسطيني من أكثر التراثات تعرضًا للانتهاك في العالم، إذ يتعرض لمحاولات متواصلة من الاحتلال الإسرائيلي لتغييره وتشويهه، بل ونسبه إليه في محاولة لترويج ادعاءات تاريخية حول حق إسرائيل في فلسطين. وقد شملت هذه الانتهاكات جوانب متعددة، سواء في محاولة طمس الهوية الفلسطينية، أو تدمير المواقع التاريخية والدينية للشعب الفلسطيني.
إن الاستيلاء على المواقع التاريخية الفلسطينية وتحويلها إلى معالم سياحية إسرائيلية ليس إلا وسيلة أخرى من وسائل الاحتلال للاستيلاء على الأراضي. في عام 2012، قدّمت فلسطين طلباً لإدراج سبسطية على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، استناداً إلى آثارها القديمة التي تعود إلى العصر الحديدي، والفارسي، والهلنستي، والروماني، والبيزنطي، والإسلامي. فقامت وزارة التراث الإسرائيلية خططًا لإقامة سارية علم إسرائيلية “ضخمة” هناك، “لأغراض عسكرية”.
يجري هذا في سياق خطة اتخذتها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لتوسيع سيطرتها على مواقع التراث الثقافي في الضفة الغربية، إلى جانب خطوات عديدة لتوسيع المستوطنات اليهودية وترسيخ الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. حيث يمكن للتراث الثقافي أن يكون أداة فعّالة، ومن الممارسات المعتادة للدول، بطبيعة الحال، استخدام هذه الأراضي لتعزيز هويتها وصورتها الوطنية.
تشن إسرائيل هجمات عسكرية ممنهجة ضد المواقع الثقافية والمعالم التاريخية، في إطار إبادة جماعية مستمرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بدأت في 7 أكتوبر 2023. ويشكل هذا انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقيات جنيف واتفاقية لاهاي الدولية المتعلقة بحماية التراث الثقافي. وقام الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على آلاف القطع الأثرية النادرة في قطاع غزة، وهو ما قد يرقى إلى جريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 17 يناير/كانون الثاني 2024، مقطع فيديو يوثق تفجيره حرم جامعة الإسراء، الواقعة جنوب مدينة غزة، بعد أكثر من شهرين من احتلاله الجامعة واستخدامه قاعدة عسكرية، ومركزًا لقنص المدنيين، ومركز احتجاز وتحقيق مؤقت.
إن سرقة إسرائيل للقطع الأثرية من الأراضي التي تسيطر عليها تُعتبر سرقةً لممتلكات ثقافية وانتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما هو مُبين في اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية. وأكدت المنظمة الحقوقية أن إسرائيل دأبت على سرقة القطع الأثرية من غزة عمداً في إطار استهدافها الممنهج للمواقع والمواد الأثرية والتاريخية والثقافية في القطاع منذ بدء هجماتها المستمرة، كجزء من خطة أوسع لتدمير الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية وكرامة الفلسطينيين، ومحو الصلة التاريخية لسكان غزة بأرضهم، وتدمير أي دليل على وجودهم. وخلال العدوان الإسرائيلي على القطاع تم تدمير آلاف الوثائق التاريخية – التي كان العديد منها يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان وتوثق هندسة مدينة غزة ومراحل تطورها الحضري.
طمس الهوية الفلسطينية
منذ مطلع القرن العشرين، ارتبطت الحركة الصهيونية بمحاولات متواصلة لاستهداف الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم وتاريخهم. حاول الاحتلال الإسرائيلي طمس هوية الفلسطينيين وربطهم بفلسطين من خلال سياسة واسعة النطاق تهدف إلى عزلهم عن تراثهم وماضيهم التاريخي. ويُعدّ التراث الفلسطيني – سواءً المادي أو المعنوي – من أبرز ضحايا هذه السياسة.
سرقة التراث وتدميره
شملت محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتغيير الهوية الفلسطينية سرقة الممتلكات الثقافية والتاريخية الفلسطينية ونقلها إلى مواقع أخرى. وقد شهدنا اختفاء مجموعات كبيرة من التراث الفلسطيني من مواقعها الأصلية، بل ومحاولة تدميرها في إطار حملة لمحو التاريخ. وكانت أماكن العبادة والتاريخ، كالحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى، هدفاً رئيسياً لهذه الهجمات، حيث تقوم إسرائيل بأعمال حفر أسفل المسجد الأقصى سعياً لطمس معالمه، بينما تستمر الهجمات على المواقع التاريخية التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية.
تهويد التراث الفلسطيني
من السياسات الأخرى التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي “تهويد التراث الفلسطيني”، أي محاولة التلاعب به واستخدامه كأداة لخلق هوية إسرائيلية مزعومة. ومن أبرز مظاهر هذه السياسات تغيير أسماء الأماكن الفلسطينية إلى أسماء توراتية قديمة، سعياً للإيحاء بأن لهذه الأماكن صلة تاريخية بإسرائيل. إضافةً إلى ذلك، قام الاحتلال بتزوير التاريخ من خلال اختلاق القصص والحكايات الشعبية، واختلاق الأساطير التي تتناسب مع الرواية الصهيونية.
انتهاكات التراث غير المادي
لم تقتصر الانتهاكات على التراث المادي فحسب، بل شملت أيضًا التراث غير المادي للشعب الفلسطيني، كالحكايات الشعبية والرقصات والأغاني التقليدية، التي تُشكل جزءًا أساسياً من الهوية الفلسطينية. ويتم طمس هذه الثقافة من خلال حظرها أو تحريفها، والادعاء بأنها جزء من التراث الإسرائيلي.
أثر جدار الفصل العنصري على التراث الفلسطيني
من أكثر الانتهاكات إيلامًا بناء جدار الضم، الذي اقتطع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية. لم يقتصر تأثير هذا الجدار على الفلسطينيين اجتماعياً وسياسياً فحسب، بل امتد إلى تأثيره المدمر على المواقع الأثرية الفلسطينية. فقد دُمرت العديد من المواقع الأثرية الفلسطينية على طول مسار الجدار، وهُجّر السكان الفلسطينيون من مناطقهم التاريخية والثقافية.
الانتهاكات في المجال الثقافي والعلمي
كما حاول الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على البحث العلمي المتعلق بالآثار الفلسطينية، وفرض رواية تاريخية تخدم مصالحه. وفي هذا السياق، تم تحريف بعض المكتشفات الأثرية لدعم الرواية الصهيونية، حيث قام علماء آثار إسرائيليون بإدخال نقوش وأدوات تحمل أسماء إسرائيلية في المواقع الأثرية الفلسطينية القديمة. كما سعت إسرائيل إلى تسجيل بعض المدن الفلسطينية على قائمة التراث العالمي بأسماء إسرائيلية مزعومة.
تعددت الانتهاكات الإسرائيلية للتراث الفلسطيني وتنوعت على مر العقود. شملت هذه الانتهاكات تدمير المواقع الأثرية، وطمس التراث غير المادي، وتشويه التاريخ الفلسطيني بالتزوير ونشر الأكاذيب. تسعى هذه السياسات إلى طمس الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه، واستبداله برواية زائفة تهدف إلى ترسيخ حق الاحتلال في الأرض والتراث. في ظل هذه الانتهاكات، يبقى التراث الفلسطيني صامدًا رمزاً لهوية الشعب الفلسطيني، ويشكل أساساً للنضال المستمر للدفاع عن تاريخ فلسطين ومستقبلها.
إبادة ثقافية
ضمت إسرائيل مقام النبي إبراهيم، المقدس لدى المسلمين في الخليل عام 2010، كما أدرجت مقام راحيل، المفترض أنه قبر السيدة مريم العذراء، في بيت لحم، على قائمة تراثها. إنها سرقات موصوفة. تقوم إسرائيل بسرقة أرضنا، وسرقة مواردنا، والآن تسرق تراثنا الثقافي والتاريخي. إنها عقلية الإبادة الثقافية. قد تُعزز هذه السرقات البعد الديني للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالمسجد الأقصى مكاناً مقدساً لدى المسلمين الفلسطينيين منذ قرون.
لقد أصبح من سمات نظام الاحتلال والقمع الاستعماري الإسرائيلي محاولاته المستمرة محو وجود الشعب الفلسطيني وثقافته وتراثه، من خلال الاستيلاء على المواقع التاريخية والآثار وسرقتها. على سبيل المثال قام الجيش الإسرائيلي بعمل بلطجة واستيلاء ثقافي شنيع” بعد أن قام جنوده بسرقة قطعة أثرية مسيحية عمرها 1500 عام من بلدة في منطقة بيت لحم. وقد استُخدمت هذه القطعة الأثرية النادرة، التي يعود تاريخها إلى العصر البيزنطي، كحوض مائي للتعميد، وهي واحدة من ثلاث قطع أثرية معروفة من نوعها في العالم. إنها سياسة نهب ممنهجة وجريمة حرب يجب ألا تمر دون عقاب، ونحن نحثّ الهيئات الدولية المعنية وخاصة اليونسكو على التحدث علناً وحماية التراث الفلسطيني.
يحصل كل هذا فيما تواصل إسرائيل تشديد سيطرتها على الأرض الفلسطينية المحتلة وسكانها من خلال ممارسة السيطرة العسكرية والمدنية على حد سواء. وتشمل هذه الإجراءات، على سبيل المثال لا الحصر، استمرار إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، وفرض ما يُسمى “بالتدابير الأمنية”، وتصنيف إسرائيل لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية كمحميات طبيعية، والاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع، وهدم المباني المدنية الفلسطينية، إضافة إلى سياسة القتل والإعدام اليومي للفلسطينيين.
إسرائيل تستخدم علم الآثار للاستيلاء على الماضي
تهدف أنشطة إسرائيل الأثرية في الأراضي الفلسطينية إلى توسيع نطاق سياسة سلب الفلسطينيين أراضيهم وممتلكاتهم الثقافية. فمن سمات نظام الاحتلال والقمع الاستعماري الإسرائيلي محاولاته المستمرة لمحو وجود الشعب الفلسطيني وثقافته وتراثه، بما في ذلك من خلال الاستيلاء على المواقع التاريخية والآثار وسرقتها. وقد اتخذت إسرائيل خطوات غير قانونية أخرى تستهدف مواقع التراث الفلسطيني، بما في ذلك إغلاق مدخل جبل الفريديس (أو ما يُسمى هيروديون) في محافظة بيت لحم لتقييد وصول الفلسطينيين إلى الموقع، الذي صادرته إسرائيل بشكل غير قانوني باعتباره “حديقة وطنية إسرائيلية”. كما استهدفت إسرائيل مراراً وتكراراً مواقع تاريخية وأثرية أخرى، بما في ذلك مواقع التراث العالمي لليونسكو في فلسطين، مثل مدينة القدس القديمة، ومدرجات بتير في بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في الخليل.
بدأت إسرائيل بالاهتمام بالمواقع الأثرية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة فور انتهاء حرب الأيام الستة عام 1967، واستخدمت منذ ذلك الحين علم الآثار كأداة رئيسية لتوسيع سيطرتها على الأرض.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة دولة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. إلا أن الوقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الضفة الغربية المحتلة، تُظهر واقعًا مختلفاً. حيث تواصل إسرائيل، القوة المحتلة، تشديد سيطرتها على الأرض الفلسطينية المحتلة وسكانها من خلال ممارسة السيطرة العسكرية والمدنية على حد سواء. وتشمل هذه الإجراءات، على سبيل المثال لا الحصر، استمرار إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، وفرض ما يُسمى “بالتدابير الأمنية”، وتصنيف إسرائيل لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية كمحميات طبيعية، والاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع، وهدم المباني المدنية الفلسطينية.
وتشمل الإجراءات الإضافية الحرمان الممنهج من تصاريح البناء للسكان الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى جانب عملية تخطيط مكاني بطيئة للغاية مفروضة على المناطق الريفية الفلسطينية (المنطقة ج) والقدس الشرقية المحتلة. ومع ذلك، لا تزال ممارسات وسياسات القوة المحتلة تجعل آفاق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير أبعد من أي وقت مضى.
الإطار القانوني
بعد احتلال إسرائيل عام 1967، ظل الإطار القانوني للآثار على حاله إلى حد كبير، مع تعديلات جوهرية من خلال أوامر عسكرية تهدف إلى الترخيص والتنقيب والاتجار بالآثار. تصدر هذه المراسيم عن الجيش وتصبح قانوناً لكل فلسطيني يعيش في منطقة معينة فور صدورها. كان أهمها الأمر العسكري رقم 119، الصادر عام 1967، والذي ألغى العديد من مبادئ قانون الآثار البريطاني، ووضع مسؤولية الآثار تحت تصرف المسؤولين العسكريين.
وبموجب هذا الأمر المتعلق بقانون الآثار، أُلغيت جميع التعيينات أو الاختصاصات التي منحتها الحكومة الأردنية فيما يتعلق بإدارة الآثار، ونُقلت المسؤوليات إلى المسؤول الإسرائيلي، الذي كان بإمكانه إصدار أوامر جديدة عند الحاجة. إن ضابط الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية هو ضابط الجيش الإسرائيلي المسؤول عن الآثار في الضفة الغربية المحتلة. يتمتع هذا المسؤول بحرية التصرف في أعمال الحفر ومصادرة الأراضي، ونقل الآثار في جميع أنحاء الضفة الغربية دون رقابة من أي جهة في سلطة الاحتلال.
ونتيجةً لذلك، سُمح بمئات أعمال الحفر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك لا أحد يعلم مكان هذه الأعمال أو مكان وجود المكتشفات. وبموجب اتفاقيات أوسلو المؤقتة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لعام 1995، تولت السلطة الفلسطينية مسؤولية الآثار في المنطقتين (أ) و(ب)، اللتين تُمثلان حوالي 40٪ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وللمرة الأولى، أصبح بإمكانها السيطرة على جزء من تراثها الثقافي.
كان من المقرر نقل الصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بالآثار في أجزاء معينة من المنطقة (ج) إلى المؤسسات الفلسطينية بهدف شمول جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة في مرحلة لاحقة، لكن هذا الترتيب لم يُنفذ قط، وجميع أعمال الحفر في المنطقة (ج) – التي تغطي أكثر من 60٪ من الضفة الغربية – أُجريت بموجب أوامر مكتب الآثار الإسرائيلي.
وفقًا لعالم الآثار الإسرائيلي “رافي غرينبرغ” فقد صدرت حوالي 1100 رخصة حفريات في 700 موقع بالضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، وبدأت معظمها دون أي توثيق من أي نوع، وهو ما لا يتوفر إلا لحوالي 15% من عمليات الحفر. وبالتالي، يصف سلوك إسرائيل في الأراضي المحتلة بأنه “قلب الظلام الأثري”.
لقد استُخدم علم الآثار – ولا يزال – كذريعة للاستيلاء على الأراضي، ويُستخدم وجود المواقع الأثرية أو التوراتية لتبرير مصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات غير القانونية. وتكثر الأمثلة على ذلك، بما في ذلك شق طريق يؤدي إلى مستوطنة ميغرون غير القانونية، والذي استند إلى ترخيص حفريات أثرية. في غضون ذلك، نُفذت مصادرة الأراضي المجاورة لقرية سوسيا القديمة الفلسطينية بذريعة الحفريات الأثرية، حيث كشفت الحفريات الإسرائيلية في سبعينيات القرن الماضي عن مستوطنة أُقيمت بالقرب منها وكنيس يهودي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي.
ومن الأمثلة الأخرى منع الفلسطينيين من الوصول إلى نبع عين الكيس للمياه العذبة قرب قرية النبي صالح، بحجة واهية مفادها أنه موقع أثري. وعند تقديم التماس، أشارت المحكمة العليا الإسرائيلية، بالتعاون مع محامٍ من منظمة “يش دين” الحقوقية، إلى أن “السلطات تستخدم الادعاءات الأثرية كذريعة لمنع الملتمسين من الوصول إلى أراضيهم – بناءً على اعتبارات لا علاقة لها بالآثار”.
دائرة الآثار
تولّت دائرة الآثار الفلسطينية، التي تأسست عام 1994، جميع المسؤوليات الأثرية في المنطقتين “أ” و”ب” في الأراضي الفلسطينية المحتلة. اعتمدت الدائرة قانون الآثار الأردني كأداة قانونية مؤقتة، نظراً لافتقار السلطة الفلسطينية إلى تشريعات في هذا المجال.
ومع ذلك، وعلى مدار ثلاثين عاماً، عدّل الفلسطينيون قانون الآثار الأردني نظراً لبطلان العديد من أحكامه، لا سيما فيما يتعلق ببند العقوبات والجزاءات ووضع إطار قانوني لحماية التراث الفلسطيني. كما برز شعورٌ بالحاجة الماسة إلى حماية التراث المحلي في مواجهة التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية.
في عام 2018، اقترحت فرق من وزارة السياحة والآثار – بدعم فني ومالي من اليونسكو والحكومة السويدية – نسخةً جديدةً من التشريع، مما أسفر عن القانون رقم 11/2018 بشأن التراث الثقافي المادي في فلسطين، والذي دخل حيز النفاذ في يونيو/حزيران 2018.
يوفر القانون الجديد مجموعةً شاملةً من الأحكام المتعلقة بحماية التراث الثقافي المادي الفلسطيني وإدارته والترويج له. يُوسّع القانون رقم 11 نطاق حماية التراث ليشمل جميع المباني التي شُيّدت قبل عام 1917م، بينما كان التشريع السابق يقتصر على ما يعود تاريخه إلى ما قبل عام 1700م فقط. علاوة على ذلك، يُرسي القانون الجديد إطاراً جديداً يُمكن بموجبه توسيع نطاق الحماية المُقدّمة لعناصر التراث الثقافي المادي إذا كانت هذه العناصر ذات قيمة ثقافية أو اقتصادية أو طبيعية. كما سيتم بموجب هذا القانون إنشاء جرد وطني شامل لجميع عناصر التراث الثقافي المادي في فلسطين.
الخلاصة
تتجاوز جهود إسرائيل المتواصلة والمنهجية لمحو الوجود الفلسطيني مجرد التهجير المادي، لتشمل اعتداءً متعمداً على الذاكرة الجماعية، بما في ذلك من خلال التدمير المتعمد للمواقع والمعالم التراثية الفلسطينية. في الضفة الغربية، وخاصة في مخيمات اللاجئين، وفي غزة، حيث يشكل اللاجئون نسبة 75% من السكان. تستهدف إسرائيل بشكل ممنهج الرموز التاريخية والثقافية التي تربط الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم. ويهدف هذا المحو المتعمد إلى محو السرد التاريخي والنسيج الثقافي للشعب الفلسطيني كمجموعة. تقع على عاتق المجتمع الدولي مواجهة الأسباب الجذرية لهذا الظلم، ومعالجة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري الذي يُديم التهجير والتهجير، من خلال ضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة. وعليه، ندعو الهيئات والمنظمات الدولية إلى أولاً: الوفاء بالتزاماتها القانونية بمنع الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين في غزة، وإنهائها، والامتناع عن دعمها أو الإسهام فيها، وحث إسرائيل بشكل عاجل على السماح فورًا ودون قيد أو شرط بوصول الوقود والماء والغذاء والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية، إلى قطاع غزة دون عوائق، وفقاً لما نص عليه قرار محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة.
ثانياً: تعزيز الدعم الدولي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وحث الدول على إعادة تمويلها، حيث تقدم الوكالة مساعدات إنسانية حيوية ومنقذة للحياة لما يقرب من مليوني شخص في غزة.
ثالثاً: الاعتراف بأن تدمير إسرائيل غير القانوني للتراث الثقافي الفلسطيني عنصرٌ أساسي يُمكّن إسرائيل من مواصلة مشروعها الاستعماري في فلسطين، وترسيخ نظامها العنصري ضد الشعب الفلسطيني ككل وأراضيه من خلال محو هويته الثقافية كشعب.
رابعًا: دعم وتمكين ممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض أجدادهم وديارهم.
خامسًا: إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري كخطوات حاسمة نحو إنهاء إفلات إسرائيل المؤسسي من العقاب والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري.