في شباط /فبراير 2019، اشترط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمقابلة رئيس النظام المصري عبدالفتاح  السيسي، أو مصافحته إخراج كافة المعتقلين السياسيين من السجون بعفو عام، مؤكدا أنه "طالما لم يخل سبيلهم فلا يمكننا لقاء السيسي".

لكن؛ وبعد 5 سنوات، من تصريح أردوغان، هذا، وفي نفس الشهر الذي أطلق فيه تصريحه، حضر إلى القاهرة، الأربعاء الماضي، والتقى بالسيسي، في قصر الاتحادية بالعاصمة المصرية القاهرة، وسط آمال الكثير من المصريين بأن يكون ملف المعتقلين السياسيين إحدى الملفات التي جرى الحديث بشأنها.



"أمل ضائع"
"أم ضياء"، سيدة مصرية معتقل زوجها وابنها، أكدت لـ"عربي21"، أن "أسر المعتقلين تحلم باليوم الذي يعود فيه ذويهم إلى حياتهم الطبيعية"، مبينة أنها وغيرها يتمنون أن أردوغان الذي نصر الرئيس محمد مرسي، ينصر المعتقلين، أيضا".

أحد شباب الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين، قال: "ضاعت 11 عاما من أعمار أغلب المعتقلين وتوقفت حياتهم نهائيا، وتوفي الكثيرين في الزنازين، ومرض منهم من مرض، وفقد بعضهم الأمل في استعادة حياتهم ما قبل الاعتقال"، داعيا عبر "عربي21"، "كل من يملك كلمة أو فعلا أو موقفا أو دورا أو تأثيرا، أن ينقذهم من الموت".

وتمنى البعض بأن يكون ثمن وجود أردوغان في القاهرة ولقاءه السيسي، "الإفراج عن كل المعتقلين والعمل على إسقاط الأحكام عنهم أو العفو عنهم".


ورأى البعض أنه بعد تلك الزيارة لم يتبق غير الإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في مصر.

بزيارة الرئيس التركى #اردوغان إلى القاهرة اليوم ولقائه #السيسى لم يتبقى غير الإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في #مص — احمد السلوتى (@ahmedsasas) February 15, 2024
ودعا البعض أردوغان لمطالبة السيسي الإفراج عن المعتقلين، معتبرا أن "هذا أقل شيء يقوم به وفاء لقيمه ومبادئه التاريخية السابقة، ولمن أيدوه وناصروه ودافعوا عنه، ولدينه ولأصدقاءه
وللحق والعدل".

هل يمكن لنا أن نطلب من أردوغان - بعد أن قام بكل هذه التنازلات والمراجعات والتخاذلات - أن يطلب من السيسي الإفراج عن المعتقلين ؟ هذا أقل شيء يقوم به وفاء لقيمه ومبادئه التاريخيه السابقه ولن أيدوه وناصروه ودافعوا عنه ولدينه ولأصدقاءه وللحق والعدل . — dr_ahmed_arrahim (@ArrahimDr) February 14, 2024
لكن، بعض المصريين المعارضين لم يبدوا تفاؤلا بلقاء أردوغان والسيسي، وبينهم الأكاديمي الدكتور عصام عبدالشافي، الذي قال عبر موقع "إكس"، إن أردوغان "لن يحقق أي هدف مما يسعى إليه من هذا النظام من ناحية، ولأن هذه الزيارة تتعارض وكل القيم والمبادئ التي تحدث عنها أردوغان بعد انقلاب 2013".

"بين الإنكار والإصرار"
مع الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، ضد أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في العصر الحديث محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013؛ أطلق السيسي، حملة أمنية بجميع أنحاء البلاد، واعتقل الآلاف من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضين لنظامه.

وأتبع حملته الأمنية، بمخالفات واسعة لحقوق الإنسان، بينها القتل خارج إطار القانون، والاخفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات أمام القاضي العسكري، وأمام محاكم استثنائية، مع حرمان المعتقلين من كافة حقوقهم التي يكفلها القانون في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما كشفت عنها مئات التقارير الحقوقية.

وفي 20 آب/ أغسطس 2018، قالت منظمة العفو الدولية إن "قمع حرية التعبير في عهد الرئيس السيسي، وصل مستويات مروعة، لم يشهد لها مثيل في تاريخ مصر الحديث"، كما أطلقت حملة تدعو إلى الإفراج فورا، ودون قيد أو شرط، عن المعتقلين.

وأصرت السلطات المصرية لسنوات على نفي وجود معتقلين سياسيين، ففي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، نفى السيسي، في حوار مع "فرانس24"، وخلال أول زيارة له إلى فرنسا وجود معتقلين سياسيين في بلاده، مؤكدا أن الموقوفين هم على خلفية أحداث أمنية.

وقال: "لا وجود لمعتقلين سياسيين في مصر"، و"لا يوجد لدينا سجناء سياسيون" مؤكدا أنه في مصر "هنالك إجراءات قضائية حقيقية يتم من خلالها مراعاة كافة الإجراءات القانونية طبقا للقانون المصري".


وفي 13 كانون الثاني/ يناير 2022، رد السيسي على سؤال أحد الصحفيين الأجانب  حول الانتقادات الموجهة لملف حقوق الإنسان في مصر خاصة التي تتحدث عن الأعداد الكبيرة للمعتقلين السياسيين، قائلا: "أحضروا البيانات والأعداد الكبيرة وقوائم الاختفاء القسري التي تتحدثون عنها، ويتم عمل لجنة للوقوف عليها".

لكن السيسي، وفي 14 حزيران/ يونيو الماضي، اعترف أخيرا بوجود معتقلين في سجونه، التي تصل 91 سجنا رئيسيا في البلاد، بُنى منها في عهد السيسي 48 سجنا، وذلك إلى جانب مقرات الاحتجاز في الأقسام والمراكز الشرطية التي تصل لـ 382 مقرا، بخلاف السجون العسكرية والأخرى السرية، مجهولة العدد والأماكن.

وقال السيسي، خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية، ردا على مطالبة أحد النواب المعارضين بالإفراج عن المعتقلين أن ما قام به كان "إنقاذ وطن"، زاعما أنه لن يحاسبه عليه أحد سوى الله.

حينها، أعلن عن موقفه الرافض للإفراج عن أكثر من 60 ألف معتقل في سجونه،  ومر عليهم نحو عقد كامل بلا حقوق وبلا معاملة إنسانية، قائلا: "(أحد الحضور) يقول لي الناس الموجودة (المعتقلين)، ده (هذا) إنقاذ وطن، اللي (الذي) يحاسبني عليه مش (ليس) أنت، اللي يحاسبني عليه ربنا".

#السيسي عن المعتقلين: الناس اللي موجودة ده إنقاذ وطني ومحدش هيحاسبني عليه غير ربنا http://pic.twitter.com/vxjfORhtgR — omar elfatairy (@OElfatairy) June 14, 2023
وقدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين في مصر بنحو 114 ألف سجين، فيما أكدت أن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم.

وبرغم الانتقادات التي وجهتها منظمات حقوقية محلية ودولية وانتقادات الاتحاد الأوروبي والرئيس الأمريكي جو بايدن قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يصر نظام السيسي، على غلق الملف الذي يزداد خطورة يوما بعد يوم خاصة مع وفاة الكثيرين بالإهمال الطبي، بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي، 17 حزيران/ يونيو 2019.

وهو ما أشار إليه الباحث في "فورين بوليسي" عمرو مجدي، في أيلول/ سبتمبر 2021، بقوله: "بعد وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في محبسه المخالف لأبسط القواعد، كتب خبيران من الأمم المتحدة أن ظروف الاحتجاز في مصر (قد تعرّض صحة آلاف السجناء الآخرين وحياتهم لخطر شديد).

ووثق تقرير لـ"منظمة العفو الدولية" روايات احتجاز 67 معتقلا في 16 سجنا، وأكد أن "مسؤولي السجن يبدون استهتارا تاما بحياة السجناء وسلامتهم"، وأن السلطات تتعمد حرمان المعتقلين السياسيين من "الرعاية الصحية والطعام والزيارات العائلية الكافية".

وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013، بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، لـ"عربي21"، في 28 أيار/ مايو الماضي، أنهم "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022"، هذا غير وفيات مقرات الاحتجاز والمراكز والأقسام الشرطية.

"ملف حرج ومؤلم"
أحد المصريين المعارضين من المقيمين في تركيا، أكد لـ"عربي21"، أن "رسالتنا للرئيس أردوغان، بشأن ملف المعتقلين في مصر وصلت منذ زمن، وتم التأكيد عليها أكثر من مرة".

وقال مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "حقيقة الأمر حول التطرق لهذا الملف خلال زيارته لمصر، عند الرئيس أردوغان"، مضيفا: "لكن أتصور أنه لم يحدث حوار في هذا الموضوع خلال زيارة القاهرة".

وأعرب عن أمله في أن "يكون هناك جديد ما بعد زيارة أردوغان، وأن يكون هناك بالمستقبل القريب حديث حول هذا الموضوع، والملف الحرج جدا، والمؤلم جدا لكل حر".

"أمنية غير واقعية"
وحول احتمالات أن تكون زيارة أردوغان، بداية لحلحلة أصعب الملفات السياسية والحقوقية وأطولها في مصر، قال الحقوقي المصري خلف بيومي: "لم يقف أحد على كواليس المحادثات التي تمت قبل الزيارة وأثناءها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، عن أمنيته بأن "تكون لقاءات أردوغان والسيسي، تطرقت إلى ملف المعتقلين المصريين".

وأضاف: "ورغم أمنيتي الشديدة لكن لا أظن أن ذلك حدث"، مبينا أن "كلاهما يحتاج الآخر في ملفات وقضايا اقتصادية وسياسية وإقليمية، وأهمها بالطبع الوضع الراهن في فلسطين وغزة وما يحدث في رفح".


وأشار إلى إصرار نظام السيسي على عدم إغلاق ملف المعتقلين أو مناقشته، قائلا إن "النظام المصري مازال يصر على استغلال تلك الظروف والملفات لصالحه دون حلحلة لملف الحريات في مصر".

وختم مؤكدا أن "أرقام المختفيين قسريا والمعتقلين في مصر منذ منتصف 2013، تؤكد على استمرار النظام على موقفه وإصراره على عدم غلق الملف"، مبينا أن "الأرقام شبه المؤكدة تؤكد أن عدد المختفين تخطوا 18 ألفا، بينما يزيد عدد المعتقلين عن 60 ألف".

"حياة أو موت"
من جانبه، يعتقد الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، في حديثه لـ"عربي21"، أن "الزيارة ليس لها أي دور في حلحلة ملف المعتقين، وأنها تأتي في إطار المصالح المشتركة بين تركيا ومصر".

وأضاف أن "موضوع بحث ملف المعتقلين والإفراج عنهم كان يمكن منذ سنوات فله أكثر من 11 عاما منذ الانقلاب العسكري في مصر، والآن هناك أولويات أخرى طفت على السطح، وتعاون مشترك بملفات البحر المتوسط، وليبيا، والقضية الفلسطينية، والملف الاقتصادي، والتبادل التجاري والاستثمارات التركية بمصر".

ولفت إلى أن "كل هذا الكلام الذي قاله الرئيس التركي، في 2019، تراجع لأن الزمن للأسف الشديد يعالج بعض الأمور ولا يقف في صف الضعفاء للأسف الشديد، والذين لا يفعلون شيئا لحل أزمتهم".

وأشار إلى دور "تغيرات الأوضاع الإقليمية والدولية والوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا لم تجعل من هذا الملف أولوية لدى الدولة التركية".

ويعتقد أن "ملف المعتقلين السياسيين غير مدرج من الأساس في مباحثات أردوغان والسيسي، كون اللقاء يخص السياسة الخارجية، وملف المعتقلين ملف داخلي، وذلك الملف في مصر يحركه الشعب المصري ولا يحركها غيره".

وأكد أن "النظام في مصر يرى أن ملف المعتقلين السياسيين يمثل له بالنسبة له حياته، لأنه يقدم نفسه للعالم بأنه نظام قوي مسيطر قامع، ويروج أن الـ60 ألف معتقل هم مجموعة إرهابيين من تيار الإسلام السياسي".

وختم بالقول: "ولهذا فهذا الملف سيظل مغلقا، ورأينا نتيجة الحوار الوطني وأنه لا يتم الإفراج إلا عن عشرات المعتقلين في ملف يمثل للسيسي حياة أو موت".

"آمال مع التقارب"
من جانبه، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، لـ"عربي21"، إننا "ولا شك نقدر ونثمن أي جهد يبذله أي طرف لحلحلة قضية المعتقلين في مصر سواء كانت تركيا أو قوة إقليمية أو دولية".

رئيس المنتدى المصري "برلمانيون من أجل الحرية"، أضاف: "وبالتالى نأمل أن يكون التقارب المصري التركي دافعا للنظام المصري للتوجه نحو تحسين ملفه الحقوقي، والتوجه نحو قيم الديمقراطية، وإنهاء ملف الاعتقال السياسي، وفتح المجال العام والحريات العامة".

"ليس ولي الأمر"
من جانبه، لام الكاتب الصحفي جمال سلطان، على بعض المعارضين المصريين، تعاملهم مع الرئيس التركي، "كما لو كان ولي أمره، أو أميره، أو في أحسن التصورات كما لو كان خليفة المسلمين المسؤول عن ولاية مصر وشعبها، وليس رئيسا لدولة أخرى وشعب آخر".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية أردوغان المصري السيسي تركيا مصر السيسي تركيا أردوغان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإفراج عن المعتقلین المعتقلین السیاسیین المعتقلین فی مصر ملف المعتقلین محمد مرسی مؤکدا أن أن یکون

إقرأ أيضاً:

أدلة متزايدة على أن الانقراضات الجماعية الخمسة الكبرى لم تحدث

الانقراض الجماعي في نهاية العصر البرمي كان الحدث الأكثر فتكًا في تاريخ الأرض. يُطلق عليه أحيانًا «الفناء الشامل»، ويُعتقد أنه قضى تقريبًا على جميع أشكال الحياة على الأرض قبل 252 مليون سنة. في بداية هذا العام، علمنا بوجود نظام بيئي قديم في جنوب تاودونغو (موقع جيولوجي في الصين)، حيث كانت النباتات والحيوانات تزدهر بعد مرور 75,000 سنة فحسب – وهي تعتبر فترة قصيرة بل خاطفة من الناحية الجيولوجية. ويمكن جدا أن نصفها بالمعجزة المنعزلة.

من المدهش أن عالم الحفريات هندريك نواك (Hendrik Nowak) في جامعة نوتنغهام، المملكة المتحدة، لا يرى الأمر بهذه الطريقة. حيث يشير إلى حبوب لقاح أحفورية من مواقع أخرى تشير أيضًا إلى أن حدث نهاية العصر البرمي كان «تأثيره ضئيلا أو قصير الأمد». في الواقع، يجادل نواك بأن التأثير كان ضئيلًا لدرجة أنه – بالنسبة للنباتات على الأقل – لم يكن هناك انقراض جماعي في ذلك الوقت، وهو استنتاج مثير للجدل.

وتشير دراسات أخرى أجريت على مجموعتين رئيسيتين أخريين من الكائنات الحية – الحشرات والحيوانات البرية ذات الأربعة أطراف – إلى نتائج مماثلة لتلك المتعلقة بالنباتات. المستخلص مما سبق يعني أن نواك ليس العالم الوحيد الذي يتساءل عما إذا كان تأثير الانقراض الجماعي أو الفناء الشامل في نهاية العصر البرمي بالضخامة التي كنا نعتقد! ويذهب سبنسر لوكاس (Spencer Lucas) في متحف نيو مكسيكو للتاريخ الطبيعي والعلوم أبعد من ذلك – إذ يشتبه أن الحياة على البر لم تشهد أبدًا انقراضًا جماعيًا حيث يقول: «أعتقد أن لديك فرصة أفضل للتغلب على الانقراض الكلي إذا كنت على البر مقارنة بالبحر».

هذا التفكير الثوري يمكن أن يعيد كتابة تاريخ الحياة على الأرض وتغير فكرة أن القارات شهدت خمسة انقراضات جماعية – ويؤثر على التأطير المفاهيمي لأزمة التنوع البيولوجي الحالية الناجمة عن الإنسان.

ضحايا الانقراض الجماعي الأشهر هم الديناصورات التي انقرضت منذ حوالي 66 مليون سنة، لكن الكثير مما نعرفه عن مثل هذه الأحداث يأتي من دراسة الحياة البحرية. في الواقع، فكرة أن الأرض شهدت خمسة انقراضات جماعية جاءت من تحليل أجري عام 1982 للسجل الأحفوري البحري. تتبع عالما الحفريات، الراحل ديفيد روب وجاك سيبكوسكي، التغيرات في التنوع البيولوجي البحري على مدى نصف مليار سنة الماضية ولاحظا أن السجل تخللته خمسة انهيارات. كانت هذه الأحداث في نهاية العصر الأوردوفيشي (445 مليون سنة مضت)، أواخر العصر الديفوني (372 مليون سنة مضت)، نهاية العصر البرمي (252 مليون سنة مضت)، نهاية العصر الترياسي (201 مليون سنة مضت)، ثم نهاية العصر الطباشيري، وهي الفترة التي انقرضت فيها معظم الديناصورات. أصبحت هذه الأحداث تُعرف بالخمسة الكبار.

ما وراء المحيطات

لا يزال من المؤكد أن هذه الانقراضات الجماعية دمرت الحياة البحرية، لكن – باستثناء الديناصورات – لم يكن واضحًا في البداية أنها أثرت أيضًا على النظم البيئية البرية. يتذكر مايك بنتون (Mike Benton) في جامعة بريستول، المملكة المتحدة، أن الكتب الدراسية من أواخر الثمانينيات «ذكرت بوضوح» أنه لا تتوفر سوى أدلة قليلة على انقراض جماعي في نهاية العصر البرمي للحيوانات ذات الأربعة أطراف، أو الرباعيات الأطرف، التي عاشت على البر. وتشمل رباعيات الأطراف الحديثة جميع الزواحف والبرمائيات والطيور والثدييات. يقول بنتون إن ذلك كان يرجع إلى حد كبير إلى نقص البيانات. من السهل نسبيًا أن يُدفن كائن بحري ميت في الطين ويبدأ عملية التحجر، بينما من غير المرجح أن تصبح الكائنات البرية أحافير.

ومع ذلك، هناك مواقع قليلة تلتقط سجلاً أحفوريًا جيدًا نسبيًا للحياة على البر خلال أحداث الانقراض الجماعي. على مدى الثلاثين عامًا الماضية، قضى الباحثون ساعات لا تحصى في جمع وتحليل بقايا الرباعيات الأطراف من هذه المواقع. عندها بدأت الصورة بالوضوح، كما يقول بنتون: كانت هناك انقراضات جماعية للرباعيات الأطرف على البر تتطابق مع تلك الموجودة في البحر. هذا منطقي، بالنظر إلى أن الخمسة الكبار كانت مدفوعة بشكل رئيسي بمزيج من التغير المناخي السريع والاضطرابات البيئية الهائلة، التي تسببت بها أشياء مثل اصطدام الكويكبات والأنشطة البركانية. يواصل بنتون: «هناك تفاعلات كبيرة بين البر والبحر.» على سبيل المثال، الاحتباس الحراري الجامح يضع ضغطًا على كل من الحياة البحرية والبرية. على هذا النحو، يجادل بأنه من الصعب تخيل انقراض جماعي يؤثر على أحدهما دون الآخر.

هذا الارتباط واضح لدرجة أن العديد من الباحثين يجعلونه الآن محورًا لفهمهم لهذه الأحداث الدرامية. يقول بول ويغنال (Paul Wignall) من جامعة ليدز في المملكة المتحدة: ”تحدث الانقراضات الجماعية في كل مكان، في وقت واحد، على اليابسة وفي البحر“. ومع ذلك، بدأ البعض في التعبير عن شكوكهم، ولوكاس من أبرزهم. في ورقة بحثية صدرت عام 2017، درس الادعاء بحدوث انقراض جماعي للرباعيات الأطراف في نهاية العصر البرمي. وخلص إلى انقراض حوالي 20 جنسًا - وهو ما لا يمثل دليلًا على فقدان كارثي للتنوع، بالنظر إلى أنه ولا بد عاشت مئات أو حتى آلاف من أجناس رباعيات الأطراف في ذلك الوقت. يقول: ”لم يكن هناك انقراض كبير لرباعيات الأطراف على اليابسة في نهاية العصر البرمي“.

من حينها، ولوكاس يتبنى نظرة نقدية على بقية الخمسة الكبار. في مراجعة نُشرت عام 2021، استنتج أن رباعيات الأطراف البرية لم تتأثر تقريبًا بأي منها. يقول: «أعتقد أن هناك الكثير من المبالغة في هذا الأمر». ويشير إلى أن العديد من رباعيات الأطرف البرية الكبيرة الأخرى، بما في ذلك التماسيح، نجت. وبالطبع، نعلم الآن أن مجموعة واحدة من الديناصورات – الطيور – لم تنقرض، ولا الثدييات. يجادل لوكاس بأن رباعيات الأطراف على البر في

وضع أفضل لتجنب الانقراض لأن الهواء أقل لزوجة من الماء، ما يجعل الهجرة إلى مناطق جديدة بعد تدهور البيئة المحلية أقل تكلفة للحيوانات البرية من ناحية الطاقة المبذولة مقارنة بنظيراتها البحرية.

الحشرات معدة على نحو مذهل للنجاة عبر الأزمنة

الجدل حول الانقراضات الجماعية، وخاصة حدث نهاية العصر البرمي، يبرز التوتر في علم الحفريات بين الآراء التقليدية والآراء الناشئة المشككة. ويرفض بنتون وويغنال وجهات نظر لوكاس بوصفها تركز بشدة وبشكل ضيق جدا علي المراحل النهائية لأحداث العصر البرمي.

تشير الأبحاث حول الحشرات والنباتات أيضًا إلى أن هذه المجموعات لم تعانِ من انقراضات جماعية بالطريقة التي كنا نعتقدها. في عام 2021، خلصت ساندرا شاشات (Sandra Schachat) وكونراد لابانديرا (Conrad Labandeira) إلى أن الحشرات لم تعانِ أبدًا من انقراض جماعي، على الرغم من التغيرات الكبيرة في مجتمعات الحشرات بالقرب من نهاية العصر البرمي.

لكن من جهة أخرى يجادل ويغنال بأنه من المنطقي ربط التغيرات في مجتماع الحشرات بحدث انقراض جماعي. هذا محتمل تقول شاشات لكن ويغنال يتجاهل نقطة مهمة: أن أنواع الحشرات مجهزة بشكل مذهل للنجاة واجتياز الأوقات الصعبة. وتخلص هي ولابانديرا في دراسته 2021 إلى أن أعداد الحشرات الهائلة وقصر مدة آجالها/حياتها تمكن سيراً استثنائياً للانتخاب الطبيعي، ما يساعد أنواع الحشرات علي التكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة هائلة.

ولكن ماذا عن حقيقة أن لبعض اللافقاريات البحرية خصائص مماثلة؟ وفقا لشاشات ولاباندرا أن التغيرات في مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يمكن أن تودي إلى توقف حركة المحيط ما يسبب موت الكائنات البحرية بالاختناق. «نرى تغيرات هائلة في المجتمعات البحرية تتزامن مع انخفاض مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي، ولكن السجل في اليابسة لا يظهر شيئا كهذا» تقول شاشات.

سجل الحفريات النباتية أيضا لا يتوافق مع رواية الانقراضات الجماعية الخمسة الكبرى. في عام 2013 قام بورخا كاسكاليس مينيانا (Borja Cascales-Miñana) وكريستوفل كليل (Christopher Cleal) من جامعتي ليل - فرنسا وجامعة بريستول بدراسة دقيقة للسجل وخلصت إلى أن الانقراضات الجماعية للنباتات نادرة بشكل مدهش. فعلى سبيل المثال لم تنقرض أي عائلة من النباتات الوعائية، وهي مجموعة تشمل نباتات مثل السراخس والصنوبريات، خلال ما يفترض أنه الانقراض الجماعي الخامس في نهاية العصر الطباشيري. خلص بورخا كاسكاليس-مينيانا وكريستوفر كليل إلى أن انقراضات النباتات الجماعية نادرة جدًا، وأن الانقراض الجماعي الوحيد المحتمل للنباتات حدث في نهاية العصر البرمي – وهو ما يُشكك فيه الآن البعض بناءً على دراسات مثل تلك التي أجريت في جنوب تاودونغو.

يتضح من المنظور الواسع لسجل الحفريات، أن النباتات قد تغيرت بشكل كبير كما يقول نواك. ولكن هل يمكن إعتبار اختفاء الغابات التي كانت تهيمن عليها أنواع جلوسوبيتريس* الجنس الأكبر والأكثر شهرة من رتبة النباتات البذرية، في نهاية العصر البرمي انقراض جماعي؟ في دراسة أجريت 2019 جادل نواك وزملائه بأن ذلك غير ممكن. وخلصوا إلى أن هذا الحدث أثر على بعض النباتات، ولكن كان له تأثير ضئيل علي أنواع أخرى، بل أن الصنوبريات زادت في تنوعها. هذا بينما يتمسك كاسكاليس وكليل برأيهما حول انقراض جماعي للنباتات في نهاية العصر البرمي مشيرين إلى أن نواك وفريقه ركز بشكل رئيس على حبوب اللقاح والجراثيم التي هي بالمليارات. في النهاية يقول كليل أعتقد أن هذا الخلاف لا يجب أن يقلل من الرسالة الأوسع والأكثر مقبولية وهي أن النباتات لم تتأثر بشكل كبير بمعظم الانقراضات الجماعية الخمسة الكبرى، وهذه فكرة مقبولة علي نطاق واسع بين علماء النباتات القديمة.

يبقى أن مرونة النباتات في مواجهة الانقراضات الجماعية تعود إلى تكيفاتها البيولوجية، خاصة قدرتها علي البقاء كبذور أو جراثيم لعقود أو حتى لقرون. عكس الحيوانات التي تواجهه انهيارا فوريا في أعدادها بعد الكارثة.

فناء سادس؟

أن مرونة النباتات خلال الانقراضات الجماعية تثير سؤالا فلسفي طرحه كاسكاليس وكليل: هل من الصحيح أن نسمي حدثا ما انقراضاً جماعياً إذا أثر بشدة علي مجموعات معينة من الكائنات بينما هناك مجموعات رئيسية أخرى، مثل النباتات ظلت دون تأثير يذكر؟ يقول لوكاس أن انقراضا جماعيا علي اليابسة يتطلب انهيار الهرم الغذائي من خلال القضاء على النباتات، وهذا تاريخيا لم يحدث. ما يثير شكوكا حول كيفة انهيار مجتمعات الحيوانات دون خسائر مماثلة في النباتات.

يعتقد جون وينز (John Wiens) من جامعة أريزونا أن فكرة الانقراض السادس تستخدم غالباً كدعوة لحماية التنوع البيولوجي وان صياغتها بذلك الشكل تحدد هدفا غير طموح حيث أنه لا يوجد تعريف دقيق للانقراض الجماعي، لكن هنالك إجماع عام علي أنه ينطوي علي خسارة 75% من الأنواع على مدى يتراوح بين آلاف ومليوني سنة. في المقابل اقرض أقل من 01% من الأنواع المعروفة خلال الـ500 سنة. في ورقة بحثية نُشرت في وقت سابق من هذا العام، يشير وينز وزميلته كريستين سابان من جامعة هارفارد إلى أن هذه الأرقام تشير إلى أن تجنب الانقراض الجماعي السادس سيكون من أسهل ما يكون.

يحذر وينز أن هدفاً متساهلاً مثل منع الانقراض الجماعي، المُعرّف بخسارة 75% قد يكون مضللا ومؤذيا. ويمضي إلى القول إن فقدان نصف أنواع الكوكب خلال الـ3000 سنة القادمة يمكننا من الادعاء أننا تجنبنا الانقراض الجماعي. بدلا من ذلك يقترح وينز هدفا أكثر طموحا للحفاظ علي التنوع البيولوجي: الحفاظ على الانقراضات الناجمة عن الإنسان دون 02% بدلاً من السماح بخسائر تصل إلى 50% أو 75% . ويؤكد أن النقاش المستمر بين علماء الحفريات حول ما إذا كانت الأرض قد شهدت خمسة انقراضات جماعية أو واحدا أو حتى لا شيء على اليابسة لا يقلل من الحاجة الملحة لمواجهة أزمة التنوع البيولوجي البنية. كما يرى أيضا أن تسمية الأزمة بـ(الانقراض السادس) هي مقاربة مضللة وغير مثمرة.

تثير الشكوك المتزايدة حول ما يُعتبر انقراضًا جماعيًا تساؤلات حول كيفية تأطير أزمة التنوع البيولوجي الحالية الناجمة عن الأنشطة البشرية. يطلق عليها العديد من الباحثين «الانقراض الجماعي السادس»، ولكن بالنسبة للحياة على البر، قد يكون هذا هو الأول من نوعه. يقترح جون وينز أن التخلي عن هذه الخطابة قد يفيد جهود الحفاظ على البيئة، حيث إن الهدف من منع «الانقراض الجماعي السادس» قد يكون سهل التحقيق للغاية ويقلل من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة. يقول: «إذا خسرنا نصف الأنواع على الكوكب خلال الثلة آلاف سنة القادمة، لا يزال بإمكاننا القول إننا منعنا الانقراض الجماعي السادس.»

بغض النظر عن استنتاجات علماء الحفريات، فإن الحاجة الملحة لمعالجة أزمة التنوع البيولوجي الحالية لا تزال قائمة. يقول وينز: «من الشائع الآن الحديث عن انقراض جماعي سادس. لكنها الطريقة الخاطئة للتفكير في الأمر».

مروان عثمان باحث ومترجم

خدمة نيو ساينتست

مقالات مشابهة

  • خالد عبدالعزيز: الزواج قرار شخصي لا يقبل الضغط.. فيديو
  • أردوغان: نتنياهو تجاوز هتلر بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها
  • أدلة متزايدة على أن الانقراضات الجماعية الخمسة الكبرى لم تحدث
  • ترامب يرفض تقييم رئيسة الاستخبارات الخاص بملف إيران النووي
  • سفير السودان بالقاهرة: نشكر الرئيس السيسي والشعب المصري لحسن معاملتهم لنا
  • ما وراء تشتيت المعتقلين السياسيين بتونس في سجون بعيدة؟
  • الدبيكي: انفراجة في توزيع التكليف لخريجي العلوم الصحية والتطبيقية
  • WP: ترامب تحدث عن شرق أوسط جديد ونتنياهو كانت له رؤية مختلفة
  • ريبيرو يحدد موقف إمام عاشور من البقاء فى أمريكا أو العودة للقاهرة
  • انفراجة دبلوماسية: إطلاق سراح صيادين يمنيين محتجزين في الصومال