هل نصبح أول جيل ينقل الأرض في حال أفضل مما وجدناها عليه؟
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
في ظل العناوين المستمرة حول الفيضانات وحرائق الغابات ودرجات الحرارة القياسية، ليس من المستغرب أن يعتقد الناس أن جيلنا الحالي سيترك الكوكب في مأزق أسوأ مما كان عليه عندما ورثناه. لكن هل هذا الاعتقاد صحيح؟ هانا ريتشي لا تعتقد ذلك. إنها متفائلة «بحذر»، وتقول: إننا قد نكون أول جيل ينقل البيئة في حالة أفضل مما وجدناها عليه.
وتوصلت ريتشي إلى هذا الاستنتاج غير البديهي بعد عقد من البحث في السجلات البيئية كعالمة بيانات في جامعة أكسفورد، وفي كتابها الجديد «ليست نهاية العالم» تعرض ريتشي الخطوات الإيجابية التي اتخذناها بالفعل لتغيير سلوكنا والتخفيف من تغير المناخ، من خفض استخدام الفحم إلى تقليص آثار الكربون. وفي حوار خاضته لمجلة نيو ساينتست، تقول ريتشي: إننا قادرون حقًا على حل المشكلات البيئية في العالم.
جورج: في الوقت الذي تتزايد فيه عمليات البحث عبر الإنترنت المتعلقة بـ«القلق البيئي»، تتجهين أنتِ لدراسة التأثيرات البيئية طويلة المدى وتشعر بالتفاؤل إلى حد ما على حسب قولك.
ريتشي: ما زلت أشعر بالقلق، لكنني أعتقد أنه بات يقترن الآن ببعض التفاؤل بأننا «كبشر» نستطيع تغيير الأمور، والقلق رغم أنه شعور مبرر إلا أنه غير مفيد إذ لم يرافقه بعض الإلحاح والتصميم حتى لا يفضي بنا إلى اليأس.
فسرد الأخبار بشكل مأساوي يمكن أن يقود الناس إلى موقف يشعرون فيه أنه لا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال المشكل، ويتعين علينا أن ندمج الخطر ببعض التفاؤل وأن نوصل رسالة مفادها أننا قادرون على تغيير المسار ودفع الأمور إلى الأمام. بعض القصص الخبرية حول تغير المناخ تركز فقط على الجزء الأول، وهو إعلام الجميع بمدى سوء الأمر، وهذا لا يقودنا في الواقع إلى أي مكان إيجابي.
جورج: ما الذي يجعلك متفائلة بأننا قادرون على تغيير الأمور؟
ريتشي: على مدى العقد الماضي، كنت أحاول فهم المشاكل البيئية في العالم من خلال البيانات التي كانت تشير أننا لسنا في وضع جيد وأننا نتجه نحو أزمات شديدة، ولكننا خلال السنوات الماضية شهدنا تقدما ملموسا، لا يمكن إدراكه إلا حين تتطلع على البيانات بدقة. ولعل السبب الذي يجعلني أكثر تفاؤلا اليوم مقارنة بالسنوات العشر الماضية -وهو ما قد يبدو غريبا نظرا لدرجات الحرارة القياسية الأخيرة- هو أنني أستطيع أن أرى أننا نمتلك الحلول اليوم، أي المشاكل البيئية في العالم هي في الواقع قابلة للحل إلى حد كبير، في حين أنها لم تكن كذلك قبل عقد من الزمن. ففي الماضي لم أستطع حقا رؤية أي طريقة للمضي قدما أو أي حلول لتحسين رفاهية الإنسان، والحد من الفقر دون الإخلال بمستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أما اليوم فأعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون متفائلين بحذر.
جورج: بالنظر إلى البيانات، ما الذي يجعلك تشعرين أن لدينا الحلول لمشكلاتنا المناخية؟
ريتشي: في الوقت الذي تم خلاله توقيع اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ في عام 2015، كانت تقنيات الطاقة كالطاقة الشمسية والرياح باهظة ومكلفة للغاية، ولم أرَ كيف كان من الممكن للدول أن تتبناها، كما كانت السيارات الكهربائية بعيدة المنال، أما التقنيات التي نحتاجها لإزالة الكربون كانت الأكثر تكلفة. وبعد 10 سنوات فقط، انقلب الأمر، وأدى الانخفاض الكبير في أسعار السيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى تغيير قواعد اللعبة بالكامل، وبدأنا نرى توسع الكثير من الدول في استخدام المصادر المتجددة، ففي عام 2023 وحده، أنتجت الصين ما يكفي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل المملكة المتحدة أو فرنسا.
جورج: تقولين في كتابك إن أحد التحسينات الرئيسية هو أننا ابتعدنا أخيرًا عن حرق الأشياء لإنتاج الطاقة.
ريتشي: نعم، وهذا أمر أساسي في تحدي تحسين المناخ، ويعتبر العامة تلوث الهواء مشكلة حديثة، ولكنها في الواقع موجودة منذ اكتشف البشر النار، فعندما نحرق الأشياء، سواء كانت خشبا أو وقودا أحفوريا، فإننا لا ننتج ملوثات الهواء فحسب، بل ننتج كذلك انبعاثات كربونية. أما اليوم فنحن عند النقطة الأولى في التاريخ حيث لدينا التقنيات اللازمة لإنتاج الطاقة دون حرق أي شيء على الإطلاق. وهذا تحول فريد للغاية.
جورج: ولكننا مع ذلك، نسير نحو عالم أكثر دفئا!
ريتشي: لو أننا لم نفعل شيئا على الإطلاق، لكنا سنسير على مسار يجعل العالم أكثر دفئا أيضا بمقدار 4 درجات مئوية على الأقل بحلول عام 2100. لكن المقارنة الأفضل هي أن ننظر إلى المسار الذي كنا فيه عندما وقعنا على اتفاق باريس، حيث كنا نتوقع ارتفاع درجات الحرارة بين 3.5 و4 درجات مئوية، أما الارتفاع المتوقع اليوم لدرجات الحرارة فيتراوح بين 2.5 و3 درجات مئوية. وبذلك نستطيع أن ننفي الفكرة القائلة بأننا لم نحرز أي تقدم في العقد الماضي.
جورج: إحدى النقاط التي ذكرتها هي أنه، تاريخيا، كلما كنت أكثر ثراء، كلما أنتجت المزيد من ثاني أكسيد الكربون، لكننا الآن كسرنا هذا الارتباط.
ريتشي: إن هذه المقايضة الأساسية التي انتشرت طيلة القسم الأعظم من تاريخ البشرية، أنه كلما أصبح المرء أكثر ثراء، يؤدي ذلك حتما إلى انبعاث المزيد من ثاني أكسيد الكربون بدأت في الانهيار، وبات يمكن للبلدان خفض الانبعاثات دون تحطيم الاقتصاد، ليس فقط لأنهم نقلوا انبعاثاتهم إلى الخارج، وهو ما تفعله بعض الدول حين تنقل صناعتها إلى بلدان أخرى، بحيث يتم تخصيص الانبعاثات الناتجة عن إنتاج تلك السلع إلى الدولة المنتجة، حتى لو لم يتم استهلاك تلك السلع هناك، ولكن تمكنت الدول الغنية كذلك من جعل اقتصاداتها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وإزالة الكربون من مزيج الطاقة لديها.
جورج: متى تعتقدين أن إجمالي الانبعاثات سيبلغ ذروته؟
أعتقد أنها ستكون خلال هذا العقد، رغم أنه من الصعب جدا التنبؤ بالذروات وغالبا ما يخطئ الناس في تقديرها، إلا أننا سنشهد عليها خلال العام الجاري أو المقبل، ويرجع العديد من الخبراء ذلك إلى أنشطة الصين، ويقدر البعض أن تصل الصين نفسها إلى ذروة الانبعاثات في السنوات القليلة المقبلة، مما يعني أن الانبعاثات العالمية كذلك ستتزامن معها.
ورغم ذلك، لا تزال البصمة الكربونية الخاصة بنا تبلغ نصف بصمة أجدادنا.
جورج: كيف يعقل ذلك؟
ريتشي: بسبب تغييرين مهمين، الأول هو أن اقتصاداتنا أصبحت أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، فنحن نحصل على قيمة أكبر من الطاقة بقدر أقل من الاستهلاك، ولكن الشيء الأهم والأكثر تأثيرا يكمن في تقليل استخدام الفحم. في الماضي، كانت أغلب الكهرباء في المملكة المتحدة على سبيل المثال تأتي من الفحم، وهو الوقود الأكثر قذارة على الإطلاق، سواء من حيث الكربون أو تلوث الهواء. واليوم، تُعَد الصين أكبر مصدر للانبعاثات الناجمة عن الفحم، ولكن انبعاثاتها لكل شخص لا تمثل سوى جزء بسيط من الانبعاثات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في الماضي.
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: درجات الحرارة
إقرأ أيضاً:
موقف الرئيس بري يُعَّول عليه
بين ما حمله الموفد الأميركي الجديد إلى لبنان توماس برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين، الذين أجمعوا على أن إدخال لبنان في حرب جديدة سيكون كارثيًا هذه المرّة، وبين موقف الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، الذي أعلن عدم وقوفه على الحياد في الصراع الدائر بين مَن مدّ المقاومة الإسلامية بالمال والسلاح وبين عدّو لم يترك شيئًا إلا ودمرّه في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت، يقف اللبنانيون محتارين أمام سيناريوهات تُرسم هنا وهناك عن إمكانية دخول "حزب الله" في "حرب الكبار"، وهي حرب قد تعني هذه المرّة إذا ما قرّرت القيادتان السياسية والعسكرية في "الحزب" الانجرار إليها أن قيامة لبنان ستصبح مستحيلة بعدما بدأت تلوح في الأفق بوادر الخروج من الحلقة الجهنمية. فهذا السؤال عمّا إذا كان "حزب الله" سيُدخل لبنان من جديد في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل يطرحه كل لبناني على نفسه، حتى ولو كانت إسرائيل طرفًا فيها، وهي العدو الذي عانى منه اللبنانيون ما عانوه على مدى عقود طويلة. وهذا السؤال الباقي من دون جواب حتى الساعة بفعل الموقف الملتبس للشيخ نعيم قاسم، يقلق الجميع، مسؤولين ومواطنين، حتى "الأخ الأكبر"، الذي بدا موقفه الواضح والجلي برفض الدخول في هذه الحرب الكبرى متناقضًا مع موقف الأمين العام. وعلى رغم أن لا أحد لديه الجواب الشافي عن هذا السؤال المقلق فإن لبنان والمنطقة والعالم بأسره لا يزالون ينتظرون نتائج هذه المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، بعد الضربة الاميركية القاسية ليل امس لايران، وسط خشية من أن تتحّول هذه الحرب إلى حرب كونية قد تكون أسوأ أنواع الحروب، التي شهدتا الكرة الأرضية على الاطلاق. وأمام هذه المشهدية الرهيبة تبدو مشاكل لبنان الداخلية، على أهميتها، صغيرة قياسًا إلى ما هو آتٍ في حال فّرضت عليه حرب لا يزال ينظر خلفه لما أسفرت عنه الحرب التي شنّتها عليه إسرائيل، التي اتخذت من "حرب مساندة غزة" ذريعة لصبّ جام حقدها على هذا البلد، الذي يناقضها في كل شيء وبالأخص في ميزة عيش أبنائه بين بعضهم البعض في تعددية دينية وثقافية هي مصدر غنىً.فالملفات الأساسية التي كانت مطروحة على بساط البحث قبل بدء إسرائيل بحربها على إيران قد وُضعت على رفّ الانتظار في الوقت الراهن، من سلاح "حزب الله" الى السلاح الفلسطيني وقضايا داخلية أخرى، وذلك حتى انقشاع صورة المشهد الإيراني – الإسرائيلي.
من الطبيعي أن يكون موقف كل من الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام معارضًا لزجّ لبنان في حرب لا هوادة فيها، ولكن ما هو فوق الطبيعي أن يأتي موقف الرئيس نبيه بري متناقضًا، أقله في العلن، مع موقف الشيخ نعيم قاسم. وهذا التناقض أطلق العنان للكثير من التفسيرات على رغم أن الطرفين حاولا التقليل مما أعطي لموقفهما من تفسيرات وتأويلات.
إلاّ أن هذا الموقف المتقدّم للرئيس بري اعتبرته أوساط سياسية مراقبة أكثر واقعية من أي موقف آخر على رغم أهمية موقف رئيس الجمهورية، الذي أوحى بكلامه الأخير بأن قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية، وليس في يد أي طرف آخر، حتى ولو كان قرار هذا الطرف مغايرًا للتوجّه العام. واللافت أن موقف الرئيس بري تزامن مع زيارة الموفد الأميركي، الذي يُقال إنه تمنّى على رئيس مجلس النواب بصفته أقرب المقربين إلى "حزب الله" أن يقدّم النصح إلى "حزب الله" بأن يفكّر ألف مرّة هذه المرّة قبل أن يقدم على أي عمل لا يعود ينفع معه الندم.
المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة أسامة سعد للمتطوعين في الانتخابات البلدية: أنتم أمل نعول عليه لاستكمال مسيرة النضال Lebanon 24 أسامة سعد للمتطوعين في الانتخابات البلدية: أنتم أمل نعول عليه لاستكمال مسيرة النضال