موقع النيلين:
2025-06-27@23:36:11 GMT

وكأنه ليس بجنون!

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT


فى لندن فى التسعينيات فى قاعة Queen Elizabeth II، كان هناك محاضر استخدم الفيديو لعرض حالةٍ، عالجها بالتنويم الإيحائى والاستدعاء الحُر والعلاج النفسى الحوارى، لرجل 39 سنة، عاد به إلى سن الـ16 حين فقد أمه فجأة بعد إصابتها بالمرض الخبيث، وفى سن الـ 19، ارتمى أبوه فى حضنه صريعًا بعد نوبةٍ قلبيةٍ حادّة، بعدها فقد الشاب صلته بالواقع، ودخل فى متاهةٍ من الهذيان والهلاوس والأفكار المبهمة، مما دفع بالهيئات الطبية المُخوَّلة إلى إدخاله مستشفى الأمراض العقلية، آنذاك طبَّق طبيب الطوارئ التشخيص عليه مباشرةً كـ«حالة ذهان حادة»، بدلًا من أن يأخذ التاريخ المرضى وأسباب العِلّة لفهم القصة من أولها.

عولج فى المستشفى على أنه ذُهان، وتناوب الأطباء النفسيون المؤقتون عليه، ليتحوّل التشخيص تلقائيًا إلى فصام العقل Schizophrenia، دون أن يكلف أحد نفسَه عناء البحث والتقصِّى، قبل القفز إلى نتائج غير صحيحة، عولِج الشاب بالمُعقِّلات ومضادّات الذهان وكان هذا ضروريًا وقتها، لكن لم يكن هناك داعٍ لتلك الحقن الشهرية الوقائية.

ظل الشاب يُراوح مكانه بين البيت والمستشفى، كمريضٍ عقلى طوال 20 سنة، دون عمل أو زواج أو حياة مثمرة، وبعدئذٍ جاء هذا الطبيب المحاضر الفذّ، ليطبِّق تقنيات التحليل النفسى بالدخول إلى اللاشعور والماضى، واستطاع، بتقنية العودة بالعمر إلى الوراء Age Regression، أن يسترجع فى 20 جلسة تنويم إيحائى، سجلها بالفيديو، الصدمات الأولى ثم موت الأب الذى تسبَّب فى الذهان المؤقت، وخلُص إلى أن من باشر الحالة أولًا تسرَّع بالتشخيص، وإلّا ما ضاع من عمر الرجل ما ضاع، وقِس على ذلك حالات شتّى فى العالم.

إذن ليس كل الجنون جنونًا وليس كل الذهان مرضًا مزمنًا، ولا يعنى هذا أن نكابر ولا نُشخِّص ونعالج الحالات الصريحة والمُتكررة.

مصطلح «الذهان Psychosis» يعنى تلك الحالة المرضية التى يفقد فيها المريض اتصاله بالواقع، وفيمن تواجههم ضغوطًا معينة، تشوشهم وتهزُّهم من القاع، فيخافون من فقدان العقل، كبعض حالات التشتت والتخييل، واضطراب تبدُّد الشخصية والغياب عن الواقع Depersonalization/ Derealization Disorder، وهى حالة طبية نفسية من علاماتها تغيرات فى الوعى الذاتى والهوية، وتتسبب فى الشعور بأن الشخص خارج أو منفصل عن جسده «تبدد الشخصية»، أو الإحساس بأن ما يجرى حوله غير حقيقى «غياب الواقع»، وتحدث فى حالاتٍ غير ذهانية كنوبات الهلع، واضطراب الشخصية الحدِّية التى قد تتضمن نوبات ذهانية مُصغرَّة Micropsychotic، نادرا ما تكون لها علاقة بالذهان، وتتحسَّن وتتلاشى هذه الأعراض بمجرد العلاج بالطمأنة، بينما الذهان يُعدُّ أكثر تعقيدًا.

يفنِّد Seikkula بروفيسور العلاج النفسى الحوارى بفنلندا العديد من تقلُّبات ومنعطفات العقل، ويرى أن أصعب مشاكل الصحة العقلية يجب النظر إليها على أنها نشاط محموم للعقل، فى المواقف المُجهِدة التى لا يمكن التغلب عليها.

لكن ماذا لو لم يكن السلوك الذهانى «حالة ذهنية مرضية»؟ تُرى هل هو استجابة لأحداث الحياة، كما بعض الأعراض النفسية؟ أى مجرد استجابات للحياة والتى تظهر قدرة العقل على حماية نفسه فى المواقف الضاغطة كصمام الأمان، ففى فيلم Joker يضحك البطل وهو حزين، لأنه يُفَعِّل الميكانيزيم المُسمَّى Manic Defense أى الدفاع الهوسى ضدّ الاكتئاب، بمعنى «أنا مكتئب، والعالم الخارجى وَحْش.. لن أُظهر اكتئابى، سأضحك ضحكًا هستيريًا متواصلًا»، وبحسب سيكولا: «هذا ليس مرضًا نفسيًا، لكنه وسيلة ضرورية لنا جميعًا، للدفاع عن أنفسنا فى المواقف شديدة الوطأة، بمعنى أنها طريقة العقل النشِطة للدفاع عن نفسه، ضد الضغط الذى لا يمكن التغلُّب عليه».

ويتابع Seikkula بأن العلاج الحوارى يجعلنا نفهم السلوك الذهانى كاستجابة محتملة لموقف مُرهِق للغاية، وبدلا من النظر إليه على أنه خلل فى الدماغ، يعتبره محاولة من قبل العقل المادى للتعامل مع التوتر الشديد، ونحن نرى أن هذا الطرح ليس دقيقًا بالمرَّة، ولا يمكن تعميمه خاصةً فى الحالات المحمَّلة وراثيًا بأمراضٍ مزمنة.

فى العلاج الحوارى، وفقًا لسيكولا، يتم التعامل مع روايات الشخص الذى يأتى لعلاج الأعراض الذهانية، على أنها تجارب لا يمكن وصفها بالكلمات، بسبب الاضطرابات الانفعالية الهائلة الواردة فى تلك التجارب، فبدلا من أن يتحدث الشخص عن شىء مُهم حدث له فعلًا، لتستيقظ الذكريات المتعلِّقة بتلك التجارب، لتتشارك مع تجارب اللحظة الراهنة، كالحلم المتكرر أو الكابوس.

خليل فاضل – المصري اليوم

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بعد إعلان ترامب نهاية الحرب.. كيف يمكن أن تُغير 14 قنبلة الشرق الأوسط؟

تناول تقرير في مجلة "الإيكونوميست" إعلان ترامب وقف الحرب بين إسرائيل وإيران بعد غارات أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية، واصفًا إياها بـ"حرب الأيام الـ12". ورغم إعلان وقف إطلاق النار، يبقى مستقبل البرنامج النووي الإيراني، واستقرار الشرق الأوسط، والتزام الأطراف بالهدنة، محل شك وترقّب.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، أن الرئيس دونالد ترامب أراد للعالم أن يصدّق أنه "جاء وقصف وأنهى الحرب". فبعد يومين فقط من قيام قاذفات أمريكية شبحية بضرب منشآت نووية إيرانية مدفونة بعمق، أعلن ترامب عن وقف "كامل وتام" لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وكتب على منصة "تروث": "أود أن أهنئ البلدين، إسرائيل وإيران، على امتلاكهما الصبر والشجاعة والذكاء لإنهاء ما يجب أن يُسمى بـ"حرب الاثني عشر يوما"".

وأضافت المجلة أن تقارير أفادت أن ترامب حصل أولاً على موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، وأرسل المقترح إلى إيران عبر قطر، بحيث توقف إيران الهجمات أولًا، ثم إسرائيل بعد 12 ساعة. ورغم نفي إيران وجود اتفاق رسمي، أعلنت استعدادها للتوقف إذا فعلت إسرائيل، لكن مع انتهاء المهلة، قُتل ثلاثة إسرائيليين بصواريخ إيرانية، في ما يُرجح أنه هجوم أخير رمزي.



وجاء الإعلان الأخير ضمن سلسلة تطورات مفاجئة منذ أن شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا على إيران في 13 حزيران/ يونيو، استهدفت فيه الدفاعات الجوية الإيرانية، واغتالت علماء نوويين وقادة عسكريين، وبدأت بتدمير برنامج نووي متشعب.

وفي 22 حزيران/ يونيو، تدخلت الولايات المتحدة عبر عملية "مطرقة منتصف الليل"؛ حيث أسقطت قاذفات بي-2 أربعة عشر قنبلة خارقة للتحصينات على مواقع تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، بينما ضربت نحو ثلاثين صاروخ توماهوك منشآت نووية في أصفهان.

وبينت المجلة أن إيران ردّت في اليوم التالي بهجوم رمزي، إذ أطلقت 14 صاروخًا، بعدد القنابل الأمريكية، على قاعدة العديد الجوية في قطر. وقد تم اعتراض جميع الصواريخ باستثناء واحد، ولم يُصب أحد بأذى بفضل التحذير المسبق الذي أرسلته إيران، بحسب ما أعلن الرئيس الأمريكي. وبعد ذلك بساعتين، أعلن ترامب وقف إطلاق النار.

وطرحت المجلة ثلاثة تساؤلات رئيسية:
هل يمكن للهدنة أن تصمد؟
هل سيكون هناك اتفاق دبلوماسي لاحق للحد من البرنامج النووي الإيراني؟
هل سيصبح الشرق الأوسط أكثر استقرارًا بعد هذه الحرب؟


وأشارت المجلة إلى أن إيران وإسرائيل لم تؤكدا رسميًا وقف القتال، لكن كليهما لديه دوافع للتهدئة. فالنظام الإيراني، رغم شعاراته المعادية لأمريكا، تجنب لعقود المواجهة المباشرة مفضلًا الاعتماد على الميليشيات والدبلوماسية. ومع ضعف حلفائه في المنطقة وتراجع شعبيته ودخول واشنطن على خط المواجهة، فقد يفضّل الآن احتواء الخسائر.

أما بالنسبة لإسرائيل، فمن غير المرجح أن يخالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب بعد إشادته بتدخله العسكري الحاسم، خاصة أن مصادر عسكرية إسرائيلية ترى أن معظم الأهداف قد تم تدميرها.



واعتبر بعضهم أن إسرائيل قد تعلن النصر وتوقف هجماتها حتى دون اتفاق رسمي، إذ يرى نتنياهو أن ما تحقق يمثل انتصارًا تاريخيًا. ومن جانبه، يسعى ترامب لإنهاء الحرب بسرعة لتأكيد وعده بعدم توريط أمريكا في "حروب أبدية" كتلك التي خاضتها في العراق وأفغانستان.

وأفادت المجلة أن إيران، رغم الضربات، لن تتخلى عن معرفتها النووية، وقد يسعى المرشد الأعلى لاستئناف البرنامج سرًا لضمان بقاء النظام، مؤكدًا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجهل مكان 400 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة.

وتابعت، "إذا كانت إيران قد أخفت أجهزة الطرد المركزي للتخصيب، فيمكنها صنع مواد انشطارية صالحة للاستخدام في الأسلحة بسرعة نسبية، وهذه الكمية تكفي لصنع 10 قنابل".

وقالت المجلة إن الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس أوباما سنة 2015 منح إيران برنامج تخصيب محدودًا تحت رقابة دولية، بهدف منعها من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة لمدة سنة تقريبًا. لكن ترامب انسحب من الاتفاقية في ولايته الأولى، وقُبيل الهجوم الإسرائيلي، كانت إيران على بُعد أيام أو أسابيع من "الاختراق النووي"، وسط تقارير استخباراتية تفيد بأنها بدأت العمل على تسريع تصنيع رأس نووي يصلح للصواريخ.

وذكرت الصحيفة أن الرئيس ترامب طالب في مفاوضاته الأخيرة مع إيران باتفاق يقترب من "صفر تخصيب"، مشيرةً إلى أن مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، اقترح صفقة تحفظ ماء الوجه تتيح لإيران تخصيب اليورانيوم ضمن اتحاد إقليمي خارج أراضيها. وليس من الواضح إذا كان هذا الاتفاق لا يزال مطروحًا على الطاولة، أو ما إذا كانت إيران أو إسرائيل ستوافقان عليه.

ولفتت الصحيفة إلى أن استقرار المنطقة يظل موضع شك ما دام النظام الثوري في طهران قائمًا. فإذا كشفت إسرائيل برنامجًا نوويًا سريًا، فقد تتحرك مجددًا حتى دون دعم أمريكي، وستطالب أيضًا بقيود على تسليح إيران ودعمها للميليشيات بعد سنة من المواجهات مع حلفائها ووكلائها في المنطقة.

وتابعت الصحيفة أن بعض الأوساط في إسرائيل وأمريكا يعتقدون أن استقرار المنطقة يتطلب سقوط خامنئي. فإسرائيل استهدفت سجن إيفين ومقر الباسيج لتقويض أدوات القمع، لكن دعواتها للانتفاضة لم تلقَ استجابة وسط القصف. ولكن إذا توقفت الحرب، فقد تظهر ردود فعل داخلية ضد النظام. وحتى ذلك الحين، سيزيد اعتماد إسرائيل وحلفاؤها العرب على الدعم الأمريكي بضمان أمن المنطقة.

واختتمت المجلة تقريرها بالإشارة إلى أن عملية "مطرقة منتصف الليل" أبرزت الدور الحاسم للولايات المتحدة في النزاع، رغم تنامي الدعوات داخل إدارة ترامب للحد من تدخلها العالمي والتركيز على مواجهة الصين، مشددة على أن التدخل العسكري والهدنة المعلنة لا يشكلان حتى الآن سلامًا دائمًا في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ما سر الضوء الخافت في العقل البشري؟
  • سر الضوء الخافت الذي يشع من العقل البشري
  • الحلزون البركاني كائن بحري حديدي لا يمكن تدميره
  • العربي للدراسات : ترامب يتعامل مع دول العالم وكأنه إمبراطور
  • الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟
  • شيخ العقل: لضرورة بثّ الروح الإيجابية في مجتمعاتنا لمواجهة التحديات
  • رئيس الوزراء: مصر لا تنجرف لأي مشاكل إقليمية والرئيس يُحكم صوت العقل دائمًا
  • مدبولى: مصر لا تنجرف لمشاكل إقليمية.. والرئيس يغلب صوت العقل والحكمة
  • 10 عادات لتدريب عقلك على السعادة
  • بعد إعلان ترامب نهاية الحرب.. كيف يمكن أن تُغير 14 قنبلة الشرق الأوسط؟