حمدوك وموسم الهجرة الى الجنوب
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
د. أحمد جمعة صديق
قبل تعيينه رئيساً للوزاء بالسودان، شغل حمدوك العديد من المناصب الإدارية الدولية حيث كان نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا UNECA من2011 إلى أكتوبر 201 (UNECA . ووصفه موظفو لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا بأنه "دبلوماسي ورجل متواضع وعقل لامع ومنضبط".
هذه المقدمة ليس لها ضرورة عملية بل القصد منها التذكير لنا نحن باننا قد وضعنا ثقلنا وثقتنا في الرجل كسياسي واقتصادي متمرس ومناسب لقيادة هذه المرحلة والقصد الثاني نريد ان نذكر الرجل (نفسه) بان هذا التاريخ الناصع الذي يحمله على أكتافه هو ايضاً (مسئولية تاريخية) وأداة أيضاً اذ استغلت بذكاء لتعينه في الاسراع بحل المشكلة السودانية. ويؤهله هذا التاريخ المشرف - على المدى البعيد، ان شاء الله - أن ينال احدي الحسنيين؛ أما جائزة نوبل للسلام أو منصب الأمين العام للأمم المتحدة، والمنصب نالته افريقيا مرتين فقط شغله المصري العربي بطرس بطرس غالي والغاني الافريقي كوفي عنان. ولعل للسودان نصيب فقد شهدت أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها كثيراً من الكفاءات السودانية العديدة التي يمكن ترشيحها لهذا المنصب الكبير.
نريد ان نقول ان المام حمدوك بهذه الجغرافيا سيكون عاملاً فعالاً في تحريك أفريقيا نحو حل القضية السودانية باسرع ما يكون اذا أدركنا ما هي آليات التخاطب مع هذه الدول وآليات العمل السياسي والدبلوماسي وربما العسكري أيضاً ان اقتضى الأمر وقد سعدنا بعودة حمدوك مترأساً هذه المبادرة السودانية (تقدم) وشاء أن يكون مقرها دولة كينيا لما لهذه الدولة الافريقية الناهضة من تاريخ مشرف وفي تبنيها أخيراً للنهج الديموقراطي في الحكم - بغض النظر عن العثرات التي تحركها النعرات القبلية من آن لآخر. ونتوقع أن يكون لكينيا - رغم عدم الرضا التام عنها من حكومة البرهان – دور مهم في الشأن السوداني، فهي مؤهلة للعب هذا الدور، كدورها في هيتي؛ فقد أورد الدكتور (عبدالله على ابر اهيم) في (التغيير) بإنه وقع اختيار الأمم المتحدة علي كينيا في أكتوبر 2023 لتكون في قيادة قوة متعددة الجنسيات لمحاربة العصابات التي سيطرت على الدولة في هيتي، وكانت تقوم على هيتي حكومة غير منتخبة لا ولاية حقيقة لها على الأمر، فالعصابات تسيطر على الموانئ ومحطات الوقود وتدير أحياء المدن كما شاءت، وقد انعقدت مهمة القوة التي ستقودها كينيا على فرض النظام والقانون لتمهيد هيتي لانتخابات عامة، ورحب وزير خارجية كينيا بالتكليف “لأنه ليس عن السلام والأمن فقط، بل لإعادة بناء هيتي سياسياً وتطورها الاقتصادي واستقرارها الاجتماعي”، وهو تشريف يرفع سمعة كينيا بين الدول لخدماتها السابقة في بعثات السلام في بلدان مضطربة أخرى. وتاريخياً، لعبت كينيا أدواراً سياسية وعسكرية متنوعة في النزاعات الدولية وجهود حفظ السلام، خاصة داخل القارة الأفريقية والمجتمع العالمي بشكل عام فقد شاركت كينيا بنشاط في مهمات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية. شاركت قوات كينيا في مهمات حفظ السلام في بلدان مثل الصومال وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. كما خدمت كينيا كوسيط في النزاعات الإقليمية. كما لعبت دوراً هاماً في التوسط في اتفاقية السلام الشاملة التي أنهت الحرب الأهلية في السودان وأدت إلى استقلال جنوب السودان في عام 2011. وشاركت كينيا في مبادرات الأمن الإقليمي التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب ومعالجة التهديدات الأمنية، فهي عضو مهم في ( (IGAD التي تعمل على قضايا تتعلق بالسلام والأمن والتكامل الاقتصادي في منطقة شرق أفريقيا. كما تحافظ كينيا على علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول وتشارك بنشاط في المنتديات الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تدافع عن مصالحها وتساهم في المناقشات العالمية حول مختلف القضايا، بما في ذلك السلام والأمن. وعلى الرغم من أن كينيا عادة لم تشارك في تدخلات عسكرية مباشرة في النزاعات الدولية خارج مهمات حفظ السلام، فإن جهودها الدبلوماسية وحفظ السلام قد ساهمت في استقرار المنطقة وحل النزاعات.
اذن وجود (تقدم) وعلى راسها حمدوك في هذا البلد سيمنحهم حرية الحركة لتحريك الماء الراكد تحت اقدام (الايغاد) كقوة افريقية يمكن الاستعانة بها على كافة المحاور وبالتعاون مع الاتحاد الافريقي في التوسط او التفويض ان اقتضى الحال في التدخل في الشأن السوداني؛ والذي يبدو للناظر ان لا احد من الجنراليين المتحاربين يريد ان يرسي السلام، وهذا هو الشهر العاشر للحرب بكل كربها، فقد في الارواح والاموال والديار.
وفي ظني ان على حمدوك في قيادة ( تقدم) أن يرفعوا من سقف النشاط السياسي والدبلوماسي في أفريقيا، وقد حظي قبله قائد الدعم السريع باستقبالات حافلة حيث بدأ (حميدتي) منذ 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي جولات أفريقية حل خلالها ضيفاً على كل من أوغندا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وجنوب أفريقيا. وقوبلت الزيارات باهتمام بالغ من المعنيين بالملف السوداني، وأثارت موجة من ردود الفعل تباينت بين الترحيب والتنديد، في حين عدها بعض المراقبين مؤشراً لتحديد مواقف هذه الدول المضيفة من أطراف الحرب في بلاد النيلين. وفي محطات جولاته المختلفة أكد حميدتي عبر حسابه في منصة إكس أنه قدم لمستضيفيه شرحاً لأسباب اشتعال الحرب، وخارطة الطريق التي يطرحها للوصول إلى الحل الشامل الذي يحقق السلام في السودان.كما ورد على لسان (عبد القادر محمد علي) بصفحة الجزيرة.نت. وفي ظني ومهما تباينت وجهات النظر في نشاط (حميدتي) ونجاحه في افريقيا فالرجل قد استقبل بصفته الشرعية كنائب لرئيس مجلس السيادة ورئيس اللجنة الاقتصادية أيضاً. وهذه الصور اللامعة هي نتاج عمل مستشاريه في ابراز قدراتهم في اقتناص الفرص وتسويق الرجل بأفضل ما يكون كزعيم وليس قائد مليشيات، كما يراه معظم السودانيين.
هذا الدور يجب ان يوازيه نشاط من قبل (تقدم) لمخاطبة هذه المنصة الافريقية الهامة للمساعدة في حل مشكلة السودان ، اذ يتطلب الصراع السوداني الذي يتسم بعقود من العنف وعدم الاستقرار والأزمات الإنسانية، انتباهاً عاجلاً وحلولاً فعّالة. وتمثل قيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في السودان فرصة هامة للتقدم ويستدعي تعقيد المشهد نهجاً شاملاً يتجاوز الحدود الوطنية. وعليه نرى لحل مشكلة الحرب في السودان بشكل فعّال وسريع، انه يجب على حمدوك أن يعطي الأولوية للتفاعل مع أصحاب المصلحة الأفارقة والهيئات الإقليمية. فمن خلال استغلال القيادة الأفريقية وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن للسودان أن يسعى نحو سلام مستدام واستقرار وتنمية، في اطار السياق التاريخي للصراع السوداني.
وقد قصدنا بعنوان المقال- موسم الهجرة الى الجنوب- ان نؤكد ان المنحي التاريخي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتوجه بقضايانا وتوجهاتنا وآمالنا نحو الشمال العربي بالتحديد لم تكن يوماً محل اعتبار في السياسية الاقليمية لهذه الدول. لقد كان السودان يلعب (الدور الرمادي) طوال تاريخه السياسي - واظن هذ التعبير للاخ دكتور الباقر العفيف - مع الدول العربية بالذات وخاصة مصر والتي كان ينبغي لها ان تلعب دور الاخ الاكبر بكل صدق، ولكن لم (يصدق) أي سياسي مصري للعب هذا هذا الدور من فجر التاريخ الى يومنا الحاضر. فنظرة اليمين المصري واليسار المصري لا تختلف كثيراً عن نظرة الاخوان المسلمين أو العسكريين في النظر الى السودان، باعتباره الحديقة الخلفية الأبدية لمصر. والاستراتيجية المصرية تقوم على واقع مياه النيل باعتباره خط أحمر لا يجرؤ احد بالقرب منه، كما سطر بعض المؤرخيين والجغرافيين المصريين في بعض ادبياتهم. وكما سمعت – واحتاج هنا الى تأكيد نفي أو اثبات هذه المعلومة - أن زراعة فدان واحد في السودان تكون خصماً على زراعة 7 أفدنة في مصر، فان كان الامر كذلك؛ ستظل مصر تصطاد في الماء العكر (بتاع) السودان الى يوم الدين. وهي لن تكون أبداً نصيراً لقضايانا الآنية أو الآجلة!!
دعونا نبدأ (موسم الهجرة الى الجنوب) فهذا ما وصل اليه مصطفى سعيد بعد جهد جهيد كما وصلنا نحن الآن الى أن ال(Literature is more real than life) .
aahmedgumaa@yahoo.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الاقتصادیة لأفریقیا للأمم المتحدة الأمم المتحدة حفظ السلام فی السودان هذه الدول
إقرأ أيضاً:
بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟
هل ما تحقق كان نصرًا استراتيجيًا يعيد رسم قواعد اللعبة؟ أم مجرد إنجاز آني قد تتجاوزه المواجهة المقبلة؟ اعلان
منذ اللحظة الأولى لانطلاق الهجوم الإسرائيلي المباغت على أهداف داخل العمق الإيراني، بدا أن تل أبيب تسعى لتغيير قواعد الاشتباك في الصراع مع طهران، مستندة إلى دعم سياسي وعسكري ضمني من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية. ومع اتساع رقعة الضربات وتطورها لاحقًا إلى تدخل أميركي مباشر استهدف منشآت نووية بالغة التحصين، أثير تساؤل جوهري في الأوساط السياسية والعسكرية: هل حققت إسرائيل نصرًا حقيقيًا؟ وإن كان كذلك، فهل هو نصر آني تكتيكي أم تحول استراتيجي في المواجهة الطويلة مع إيران؟
الهجوم الإسرائيليبدأت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل إيران بضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة، فضلًا عن مواقع لصناعة وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة. وتميزت هذه الضربات بسرعتها واعتمادها على معلومات استخباراتية عالية الدقة، مما أربك الدفاعات الإيرانية وشكّل صدمة أولى للنظام في طهران.
الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: لم تعد الجغرافيا تحمي الجمهورية الإسلامية من الضربات، والمواجهة لم تعد مقتصرة على ساحات الوكلاء، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق. ومع ذلك، فإن هذه الضربات لم تسفر بعد عن انهيار عسكري أو أمني داخل إيران.
التحول الأكبر جاء عندما تدخلت الولايات المتحدة بضربات نوعية استهدفت منشآت نووية رئيسية في فوردو وأصفهان ونطنز، مستخدمة طائرات B-2 الشبحية وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57. هذه الضربات شكّلت ذروة التصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب تقرير قدمه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أمام مجلس الأمن، فإن الأضرار التي لحقت بهذه المنشآت كانت كبيرة، إلا أن الوكالة لم تتمكن من تقييم مدى الدمار داخل المرافق تحت الأرض.
Related"تخطى دوره الرقابي وساهم بإشعال الحرب".. غروسي في دائرة الاتهامات الإيرانيةضربة واشنطن النوعية: هل نجحت "مطرقة منتصف الليل" في شل البرنامج النووي الإيراني؟كم عدد القنابل والصواريخ التي استخدمتها واشنطن في هجماتها ضد إيران؟إيران: لا تراجعرغم الضربات القاسية، لم تُبدِ إيران مؤشرات على التراجع، بل كثّفت من خطابها التعبوي وهددت بالرد على الولايات المتحدة الأميركية، فيما واصلت قصفها لإسرائيل.
تقييم المكاسب: آنية أم استراتيجية؟استطاعت إسرائيل، بلا شك، تسجيل نقاط مهمة في المدى القصير، سواء عبر إظهار قدرتها على اختراق العمق الإيراني، أو من خلال توجيه ضربات مباشرة. كما نجحت في إعادة تسليط الضوء الدولي على البرنامج النووي الإيراني، وحشد دعم ضمني لاحتواء طموحات طهران.
لكن في المقابل، لم تنجح الضربات حتى الآن في تغيير المسار الاستراتيجي للسياسة الإيرانية، إذ لم تُجبر طهران الى الآن على العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة. بل يبدو أن الصراع دخل مرحلة أخرى من التوترات المستمرة والضربات المتبادلة التي قد تطول.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت قد أطلق أمس تصريحات غاية في الأهمية. إذ رأى أن الغارات الأمريكية تحيّد البرنامج النووي الإيراني محذرا من تداعيات أكبر حجما. حيث قال إنه النظام لن ينهار رغم قوة الضربات ودعا للأخذ في عين الاعتبار ترسانة طهران الصاروخية. وقد أخذ أولمرت مسافة من التهليل الإسرائيلي بما جرى. فقال من الغطرسة ومن غير الواقعي اعتبار أن الغارات الاستباقية ستركّع دولة تعداد سكانها 90 مليونا وذات تراث عمره آلاف السنين.
وبناء على ما تقدم، يرى مراقبون أن ما حققته إسرائيل حتى الآن يمكن وصفه بنصر آني محدود التأثير من الناحية الاستراتيجية. فقد وجهت ضربة قوية للهيبة الإيرانية، لكنها لم تُنهِ المشروع النووي، بحسب ما صرّح به مسؤولون إيرانيون. ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، ارتفعت الكلفة، لكن أيضاً ارتفعت معها المخاطر. فهل ستتمكن إسرائيل من ترجمة هذا التقدم التكتيكي إلى تغيير دائم في المعادلة الإقليمية، أم أنها فتحت أبواب صراع طويل قد يتجاوز قدرتها على التحكم بمساره؟
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة