جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-13@06:41:29 GMT

سلطنة عُمان.. القوة الناعمة

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

سلطنة عُمان.. القوة الناعمة

 

د. محمد العاصمي

ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرّة في كتاب عالم السياسة وعميد كلية كينيدي الحكومية بجامعة هارفرد سابقًا جوزيف ناي في العام 1990م، هذا الكتاب بعنوان الطبيعة المُتغيرة للسياسة الأمريكية حيث عرّفها بأنها "قوة الجاذبية والتي تعني بأن تكون جذابًا بالنسبة للآخرين، لا أن تضعهم في صفك وبجانبك بواسطة الإكراه واستخدام السلاح، أو بدفع الأموال".

لم يعر العالم السياسي هذا المصطلح الكثير من الاهتمام، بل على العكس فقد نشبت حروب متعددة منذ ذلك الوقت وقامت صراعات دولية تعد من أكبر الصراعات على مر التاريخ الحديث، وكل ذلك من أجل استعراض القوة العسكرية والسياسية وأخذ الريادة في سبيل السيطرة على القرار السياسي والتحكم في مصير العالم وبالتالي الوصول للهدف الأسمى هو خيرات وموارد الدول، وهذا هو الشكل الجديد للإمبريالية في هذا العصر.

لقد أدرك المغفور له السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أن القوة لا تكمن فقط في امتلاك جيش قوي مجهّز بأحدث الأسلحة والعتاد وإنما هناك تأثير يمكن خلقه من خلال فلسفة مختلفة تنطلق من مبادئ ثابتة، لذلك قامت السياسة العمانية على مبدأ التسامح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ومد يد الصداقة لجميع دول العالم، وانتهاج السلام كخيار أساسي للتعايش بين دول العالم واتباع الطرق السلمية في حل النزاعات الدولية.

هذه المبادئ والثوابت والقيم والثبات عليها جعل من سلطنة عُمان ذات مكانة مرموقة بين دول العالم وجعلت منها وسيطًا مثاليًا في عمليات السلام التي تقدم عليها الدول المتنازعة، ولعبت سلطنة عمان هذا الدور بكل اقتدار وكفاءة ومثلت ثقلًا سياسيًا في المنطقة جعلتها تكسب احترام العالم اجمع دون استثناء، وقد ساهمت سلطنة عُمان فى نزع فتيل عديد الأزمات وربما أهمها ملف الصراع الأمريكي الإيراني والملف النووي، وجنبت المنطقة حروبًا كادت أن تعصف بها.

وعلى نفس النهج سار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- الذي قام بخطوات كبيرة في هذا الملف ولذلك نشاهد حاليًا انعكاس هذه السياسة على النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد وقيام العديد من الدول عبر شركات باستثمارات كبيرة في سلطنة عمان.

إن القوة الناعمة التي اكتسبتها سلطنة عمان وامنت بها منذ البداية أخذت زمنًا طويلًا لتظهر نتائجها، ومن أجل الوصول إلى هذه اللحظة تحمل العماني الكثير من الهجوم والاتهامات بالانعزال عن العالم والانطواء والانكفاء على الذات، واعتبر الكثيرين سلطنة عمان بأنها تعيش على الهامش السياسي، غير مدركين الفلسفة والمبادئ والقيم التي أراد سلاطين هذا الوطن إكسابها لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، ولذلك قلما تجد عماني يتدخل في شؤون الدول الأخرى ولم يسجل التاريخ خروج إرهابي واحد من هذا البلد لينضم للتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة.

لم تتشكل القوة الناعمة العمانية من المجال السياسي فقط؛ بل إنها تعددت في أشكالها وساهمت عدة مجالات في تشكيلها كالثقاقة والرياضة والاقتصاد، وفرض العماني حضوره من خلال القدرة على تحقيق مكاسب متعددة في جميع المحافل التي ينشط فيها، وقد تجلت هذه القوة في موقف سلطنة عمان من القضية الفلسطينية وما قدمته من مساهمات واضحة في هذا الملف.

ومن خلال معايشتي لكثير من الفعاليات التي مثلت فيها سلطنة عمان خارجيًا وجدت أن هذا التأثير حاضرًا وبقوة، فالعماني يحظى بالثقة والقبول في مختلف المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية، وتواجده فيها يكوّن بإجماع المنتمين إليها دون تردد أو معارضة؛ بل يكاد يكون إجماعا تاما على أهمية وجود سلطنة عمان في مقاعد هذه المنظمات.

لقد وجدنا أريحية وسهولة كبيرة في الوصول إلى مقاعد العديد من المنظمات بفضل مكاسب السياسة العمانية ونهجها القويم والتي شكلت قوتها الناعمة، وهذا الفضل يعود بعد الله تعالى لحكمة قادة هذا الوطن الذين آمنوا بأن رسالة الإسلام تنطلق من السلام والتعايش والتسامح، وأن السلام خيار الأقوياء، وأن ما يمكن الحصول عليه بالحكمة أكبر من مكاسب القوة التي تزول بزوال هذه القوة.

نحن اليوم ووسط ما يدور من أحداث وصراعات وتجاذبات سياسية علينا أن نحافظ على عوامل قوتنا الناعمة وأن نعززها؛ وذلك لكي نستمر في قيادة المنطقة نحو مستقبل خالي من الصراعات السياسية والنزاعات الدولية ينعم فيه الإنسان بالأمن والأمان والاستقرار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بقرابة 24 مليون ريال .. افتتاح ثاني أكبر سد بسلطنة عمان في ولاية صلالة

احتفلت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه اليوم بافتتاح سد وادي عدونب في ولاية صلالة بمحافظة ظفار، الذي يُعد ثاني أكبر سد في سلطنة عُمان بسعة تخزينية تصل إلى 83 مليون متر مكعب، ضمن جهودها لتعزيز منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات، وبلغت التكلفة الإجمالية لإنشائه نحو ثلاثة وعشرين مليونًا وتسعمائة وثلاثة آلاف وخمسة عشر ريالًا عمانيًا.

رعى حفل الافتتاح معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني وبحضور معالي الدكتور سعود بن حمود الحبسي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وعدد من أصحاب السعادة والمشايخ ومسؤولي المؤسسات الحكومية والخاصة.

ويعد سد وادي عدونب، بمواصفاته الهندسية المتقدمة، وقدرته الكبيرة، ودوره المحوري في الحماية البيئية والتنموية، يُجسد التزام سلطنة عُمان بحماية الإنسان والبنية الأساسية والموارد الطبيعية، ويُعد علامة فارقة في مسيرة إدارة الموارد المائية في البلاد، ويهدف بناء هذا السد إلى مواجهة التحديات المناخية المتزايدة التي تشهدها سلطنة عُمان، ويشكّل سد وادي عدونب في محافظة ظفار نموذجًا فريدًا لمشاريع البنية الأساسية التي تجمع بين أهداف الحماية البيئية وتعزيز التنمية المستدامة، ويأتي هذا المشروع كأكبر سد في منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات، التي وُضعت بعناية لحماية مناطق حيوية مثل ميناء صلالة ومنطقة ريسوت الصناعية والمنطقة الحرة من تدفقات السيول والأمطار الغزيرة القادمة من الجبال المحيطة.

وألقى سعادة المهندس علي بن محمد العبري وكيل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لموارد المياه كلمة الوزارة أكد فيها أهمية إنشاء السدود، نظرًا لدورها الحيوي في حماية المناطق السكنية والتجارية والصناعية من الفيضانات الناتجة عن التقلبات المناخية، ومساهمتها في تعزيز الموارد المائية السطحية والجوفية، مما يدعم استقرار البيئة ويحسّن حياة المواطنين.

وأوضح سعادته أن سد وادي عدونب يساعد على حجز كميات مياه الأمطار الغزيرة والفيضانات القادمة عبر الوادي، وحماية وتأمين ميناء صلالة بشقيه القائم والمستقبلي، إلى جانب المنطقة الحرة بصلالة ومدينة ريسوت الصناعية، فضلًا عن دوره في الحد من الرسوبيات المتجهة إلى حوض ميناء صلالة، بما يُسهم في خفض التغطية التأمينية للميناء ومرافقه.

واشتمل برنامج الحفل على تقديم عرض مرئي عن دور السدود في سلطنة عُمان لدعم جهود التنمية المستدامة، وآخر عن مراحل تشييد سد وادي عدونب بصلالة، بالإضافة إلى تقديم شرح عن مكونات وأهداف المشروع ومراحل تنفيذه.

وقال المهندس يوسف بن مسعود المنذري، مدير دائرة السدود بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه: إن المشروع يعد أكبر سد في منظومة الحماية من مخاطر الفيضانات بولاية صلالة، ويتكون من سد ترابي مدكوك بطول 389 مترًا، ويبلغ ارتفاعه نحو 70 مترًا، وقد زُوّد بمفيض خرساني جانبي بطول 80 مترًا، وبوابات للتحكم الآلي في تصريف المياه، بالإضافة إلى قناة لتصريف المياه تُستخدم لتفريغ بحيرة السد عند الحاجة، ما يضمن تشغيلًا آمنًا ومتوازنًا في جميع الظروف.

وأضاف: إن السعة التخزينية للسد تبلغ نحو 83 مليون متر مكعب، ما يجعله الأكبر ضمن منظومة الحماية في محافظة ظفار والثاني على مستوى سلطنة عُمان، ويعكس دوره الحيوي في التخفيف من الأضرار المحتملة للأمطار الغزيرة والأنواء المناخية، مبينًا أن المشروع شهد قبل تنفيذه تقييمًا هيدرولوجيًا لتحديد كميات المياه المتدفقة عبر وادي عدونب، وتحليلًا جيولوجيًا لفهم طبيعة التربة والصخور، ودراسات هندسية لضمان الحفاظ على السلامة الهيكلية للسد.

وقد زُوّد السد بمنظومة مراقبة متكاملة تضم آبارًا لرصد مستويات المياه الجوفية والتسربات، وأجهزة استشعار لقياس منسوب المياه في البحيرة، إلى جانب أجهزة لقياس الضغط والميل والانحراف، فضلًا عن تثبيت حساسات لرصد الزلازل، وكاميرات مراقبة، إذ تُرسل البيانات المجمعة من هذه الأجهزة مباشرة إلى غرفة تحكم، ما يتيح اتخاذ قرارات فورية في حالات الطوارئ.

ويأتي إنشاء سد وادي عدونب بولاية صلالة ضمن خطة أكبر تشمل تشييد سدود إضافية، أبرزها منظومة حماية ولاية سدح التي من المتوقع طرح مناقصتها خلال عام 2025 بعد الانتهاء من إعداد مستندات التنفيذ.

مقالات مشابهة

  • سلطنة عمان تشارك في معرض سعودي فود شو بمدينة الرياض
  • وفد دولي حقوقي يشيد بالتشريعات العمانية المتوافقة مع الأهداف الأممية
  • في حوار خاص لـ "الفجر".. هاني المهدي يكشف أسرار القوة الناعمة لمصر عبر اللغة العربية
  • وزيرا الثقافة والخارجية يبحثان تعزيز الدبلوماسية الثقافية ودور القوة الناعمة في دعم علاقات مصر الدولية
  • بقرابة 24 مليون ريال .. افتتاح ثاني أكبر سد بسلطنة عمان في ولاية صلالة
  • عناصر القوة الناعمة لعُمان في العمل الدبلوماسي
  • سلطنة عمان تشارك في الاحتفال باليوم العالمي للتمريض
  • وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان يزور سلطنة عمان
  • هل انتهى عصر القوة الأميركية الناعمة؟
  • تعاون بين "الإحصاء والمعلومات" والكلية الحديثة للتجارة والعلوم