حرب أميركية مقبلة على الحوثيين
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
لن يغزوَ الأميركيون صنعاءَ، لكن مع تصاعدِ الهجمات على السفنِ في المياه الدولية وخسائرِ التجارة الدولية، يجعلُ الحوثيون أنفسَهم هدفاً ضرورياً و«مشروعاً» للمواجهة لإجبارهم على التَّوقف، وربَّما حتى إسقاط حكمِهم في صنعاءَ وشمال البلاد. وهذا يتوافق مع سياسةِ تطهير البحرِ الأحمر من النفوذ الإيراني، الَّذي سبقَ وأجهضَ مشروع قاعدتِها العسكرية في السودان.
هل يمكن للولاياتِ المتحدة خوضُ حربٍ جديدة، وهي التي تركت أفغانستانَ، وفشلت في منع «طالبان» من استعادةِ السلطةِ هناك؟ وما الَّذي يمكن لأيّ قوةٍ أخرى أن تقومَ به أكثرَ ممَّا فعلته السعودية والتحالفُ العسكري العربي (2015-2024)؟ ثم، لماذا تُستهدفُ اليدُ الحوثيةُ بينما العقلُ المدبّرُ في طهران؟
المثل الأميركي يقول: «حتى تطبخ عجةً، تحتاج إلى كسر بعضِ البيض»، وكذلك وقف حرب الحوثيين على الملاحة البحرية الدولية سيتطلب عملاً عسكرياً واسعاً ضدَّهم أكبر من الضربات الصاروخية المحدودة.
طهران تدرك أنَّه من المستبعد أن يغامرَ الرئيس الأميركي الحالي بعملياتٍ عسكرية على الأرض؛ لأنَّها سنةُ انتخابات، ولأنَّ اليمن يشبه كثيراً أفغانستان من حيث وعورةِ التضاريس، والحوثيون يشبهون «طالبان» في مرونتِهم على التأقلم حيثما وُجدوا.
في الكونغرس، اتَّضح أنَّ المعلومات الاستخباراتية عن القوة العسكرية الحوثية محدودةٌ، ولهذا النَّقص سبب. الأميركيون لم يعتبروا الحوثيين عدواً لهم، رغم استيلائهم على الحكم بالقوة ورغم تحالفِهم مع إيران. ولم تكتفِ واشنطن بالحياد، حيث حمت فعلياً الحوثيين إلى حدٍّ ما، عندما رفضتِ التعاونَ مع السعودية والحكومةِ الشرعية اليمنية، وأوقفت إمداداتِ الذخيرة للسعودية، وعطَّلت التعاونَ الاستخباراتيَّ العسكري معها.
في هذه الأزمة، تدرك واشنطن أنَّ ما يفعله الحوثيون هو نتيجة لتقاعسِها وفشلها في فهم طبيعة الميليشيا الوكيلة، ذاتِ الارتباط الإقليمي المعادي للولايات المتحدة. قرَّرت واشنطن مواجهةَ نظامِ صنعاءَ الحالي بهدفِ ردعه، وقد يتسبَّب استمرارُ الهجماتِ على الملاحة الدولية في العمل على إسقاطه، وإخراجِه من صنعاء. ويلاحظ زيادة الاتصالات الأميركية مع القوى اليمنية المسلحة المعادية للحوثيين، وزيارات قادتِها إلى لندن. بمقدور هذه القوى المحليَّةِ إعادة إشعالِ الحرب الأهلية، وبعضها يجدها فرصةً لشنّ جولة جديدة.
أمَّا كيف استطاع الحوثيون مواجهةَ السعودية ودولِ التحالف الثماني، فهي قصةٌ طويلة ومعقدة. باختصار، التحالف، وإن لم يحرّر صنعاء، فإنَّه تمكَّن من إفشال وتقليص دولة الحوثيين إلى أقلَ من ثلث اليمن، بعد أن وصلت قواتُهم إلى عدن ثم تقهقرت. نجح التحالفُ في تعطيل الانقلابيين كنظامٍ ودولة وخنقِ قدراتهم، ولم تعد لهم منافذُ برية أو بحرية أو جوية رئيسية، وهذا ما اضطرهم إلى القبول بالتفاوض والتصالح مع الرياض، قبل التوافق السعودي – الإيراني بأكثرَ من ثمانية أشهر. لكن بالتأكيد لم ينجحِ التحالفُ في إسقاط الحوثيين ولا في إعادة الشرعية. واحدٌ من الأسباب هو الموقف الأميركي الذي حرم التحالفَ من الذخيرة، وأوقف التعاونَ الاستخباراتي، وشنَّ حملةً قانونية تهدف إلى إجبار التحالفِ على تقييد الحرب.
حربُ اليمن قصةٌ معقدة؛ نظراً لتعدد القوى وطبوغرافية الأرض. الجديدُ في الأمر أنَّ الحوثيين أصبحوا خطراً دولياً، وهذه من الأزمات النادرة التي أجمعت فيها الصينُ وروسيا والغربُ على شجبِ فريق بعينه، وجعل الحوثيين أنفسهم أكبرَ خطرٍ على التجارة البحرية العالمية. مواجهتهم ستحظى بتأييدٍ واسع كما حدث عند محاربة «القاعدة». ولا بدَّ من القول والتمييز؛ إذ إنَّ الحوثي ليس مثل «القاعدة»، بل يشبه إلى حدٍّ ما «طالبان»؛ ثلاثُ صفاتٍ تجمع الاثنين: حركةٌ محلية، بامتدادٍ قبلي، وفكرٌ آيديولوجي. إنَّما الحوثي جماعةٌ صغيرةٌ لا تصل إلى 7 في المائة من سكان اليمن، في حين أنَّ «طالبان» قد تمثل خمسين في المائة قبلياً. الحوثي يتميَّز بقدرته على إدارة تحالفاتِه المحلية وبعلاقتِه العسكرية مع إيران و«حزب الله».
الأميركيون، بعد خسارتِهم التأييدَ السعوديَّ وبعد تقليص التحالف، يبدأون من الصفر ويستكشفون حالياً نقاطَ ضعف الجماعة، وإمكانية استخدام القوى المحلية المعادية لها. استخدامُ الأميركيين الأكرادَ ضد الميليشيات الشيعية، وتحالف مسعود ضد «طالبان»، مثالان على ذلك.
هذا كله مرهون بالتصعيد في البحر الأحمر، الذي سيقتصر القتال فيه ضد الحوثيين وليس ضد المحرك الحقيقي، إيران، حيث لا تسمح التوازنات القائمة بمواجهتها في المرحلة الحالية.
*نشر أولاً في صحيفة “الشرق الأوسط”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
الله يصلح الاحوال...
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
تحركات أمريكية ضد الحوثيين.. إقرار قانون جديد يفتح أبواب المساءلة الدولية
تتواصل في واشنطن سلسلة من الخطوات السياسية والتشريعية التي تعكس إصرار الولايات المتحدة على تضييق الخناق على جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في إطار استراتيجية جديدة تستهدف تحجيم نفوذ الجماعة إقليميًا وتجفيف مصادر تمويلها.
هذا التحرك المتسارع جاء نتيجة تراكمات سياسية وأمنية، أبرزها تصاعد الهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وتنامي الدور العقائدي والعسكري للجماعة في سياق تحالفاتها الإقليمية، وهو ما دفع صانعي القرار في الولايات المتحدة إلى رفع مستوى المواجهة عبر القنوات التشريعية والقانونية.
وفي خطوة لافتة، أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مشروع "قانون مساءلة الحوثيين"، الذي يلزم وزارة الخارجية الأمريكية بفتح تحقيقات موسعة بشأن ممارسات الجماعة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وعرقلتها للمساعدات الإنسانية، إضافة إلى تقييم خطابها العقائدي المتطرف وتأثيره على الاستقرار الإقليمي.
ويُلزم المشروع وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تقرير مفصل إلى الكونغرس خلال 180 يومًا، يتضمن توثيقًا لعمليات التلقين الأيديولوجي التي يمارسها الحوثيون، بما في ذلك الخطاب المعادي للسامية، وتأثيره على النسيج الاجتماعي في اليمن وعلى السلم الإقليمي.
كما يفرض المشروع إعداد تقرير ثانٍ يسلط الضوء على تدخل الجماعة في عمليات توزيع المساعدات الإنسانية، سواء عبر فرض قيود على إيصال الإغاثة، أو ترهيب الموظفين، أو التلاعب بقوائم المستفيدين لخدمة أهداف سياسية أو عسكرية. ويركّز المشروع كذلك على الانتهاكات الجسيمة التي تُتهم الجماعة بارتكابها، بما في ذلك تجنيد الأطفال، والإخفاء القسري، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والتمييز القائم على النوع الاجتماعي خصوصًا فيما يتعلق بقواعد "المحرم" المفروضة على النساء.
وبموجب التشريع، سيجري تقييم سنوي لتحديد الأفراد المرتبطين بالجماعة الذين قد يخضعون لعقوبات بموجب "قانون ماغنيتسكي العالمي"، وهو ما يشير إلى توجه أميركي جاد لفرض عقوبات شخصية تستهدف قادة الحوثيين ونافذين مرتبطين بهم، وليس الاكتفاء بوسائل الضغط التقليدية على الجماعة ككيان.
وأشار النائب الجمهوري داريل عيسى، مقدم المشروع، ونظيره الديمقراطي براد شيرمان، إلى أن الخطوة جاءت ردًا على تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، إضافة إلى التحالف العلني بين الحوثيين وحركة "حماس" منذ أحداث أكتوبر 2023، وهو ما بات يُنظر إليه في واشنطن كجزء من شبكة تهديدات متصلة تديرها إيران في المنطقة.
ومن المقرر أن يُعرض مشروع القانون قريبًا على الجلسة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه، في خطوة قد تكون مقدمة لتحرك سياسي ودبلوماسي واسع ضد الجماعة، وربما لفتح الباب أمام مزيد من العقوبات والإجراءات الدولية خلال الفترة المقبلة.
هذه التطورات تعكس تحولًا مهمًا في الموقف الأميركي، حيث يبدو أن واشنطن تتجه نحو مقاربة أكثر صرامة مع الحوثيين، قائمة على المساءلة القانونية والضغط الاقتصادي إلى جانب التحركات العسكرية في البحر الأحمر. وفي حال اعتماد القانون رسميًا، فإن ذلك سيشكل إحدى أقوى الخطوات الأميركية ضد الجماعة منذ سنوات، وقد يعيد رسم المشهد السياسي في اليمن، ويفتح مرحلة جديدة من المواجهة الدولية مع الحوثيين على مستويات لم تشهدها من قبل.