المقاومة الفلسطينية وخطة الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
من خلال الأحداث وتشابكها بعد حرب السابع من أكتوبر، والتي وجهت من خلاله المقاومة الفلسطينية ضربة كبيرة وهزيمة مذلة للجيش الإسرائيلي هي الأكبر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام ١٩٤٨ ورغم أن الباعث على شن الهجوم الكاسح للمقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني لم تتضح بعد إلا أن هناك مؤشرات أولية ظهرت في أعقاب الهجوم وارتباك جيش الاحتلال بصورة غير مسبوقة حتى لحلفاء الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية من ضمن تلك المؤشرات الأولية هو سرعة استجابة إدارة بايدن من خلال خطة الإنقاذ العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية ووجود الرئيس الأمريكي بايدن في الكيان الصهيوني وحضوره اجتماعًا لمجلس الحرب معلنا بذلك المشاركة الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد قطاع غزه وعموم فلسطين، كما حضر كل من وزير الخارجية الأمريكي بلينكن وقال للصحفيين بأنه «يهودي» ومساند للكيان، كما حضر وزير الدفاع الأمريكي اوستن وأكد دعم واشنطن العسكري اللامحدود للكيان الإسرائيلي وشاركت القوة الخاصة الأمريكية «دلتا» في الحرب على غزة وبدأ أكبر جسر جوي عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي يشهده العالم وهو الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث تم إرسال أقوى الأسلحة والقنابل المدمرة والموجهة والتي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتدمير قطاع غزه حيث استشهد عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء خاصة من الأطفال والنساء.
إن حلم إقامة الشرق الأوسط الجديد ظهر في عدد من الكتب الحديثة منها كتاب شيمون بيريز «الشرق الأوسط الجديد» وكتاب كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تحت عنوان «الفوضي الخلاقة»، وأيضا كتاب هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وعدد من الباحثين في الغرب في مراكز البحوث الاستراتيجية وكان تصفية القضية الفلسطينية هي أحد أبرز المحاور الأساسية ودمج الكيان الصهيوني في منظومة التطبيع المجاني مع الدول العربية وقد تحقق ذلك بشكل أولي في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب حيث حدث التطبيع المجاني بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية وكان من المأمول أن تتواصل الخطة الإستراتيجية لإقامة الشرق الأوسط وإدماج المنطقة في مشروع اقتصادي كبير تم إطلاقه من الهند يربط الشرق الأوسط وأوروبا ردا على المشروع الاقتصادي والحضاري الصيني المسمى بطريق الحرير.
وعلى ضوء ذلك فإن ملامح المؤامرة الكبرى لتصفية القضية الفلسطينية وحركات المقاومة لم تتضح بشكل كامل ولكن هناك ملامح أولية بدأت تتضح ويبدو لي أن مع نهاية الحرب على قطاع غزة سوف تظهر المعلومات والوثائق السرية ومن خلال مصادر غربية ومن خلال ما تم الاستيلاء عليه من معلومات استخباراتية عند هجوم يوم السابع من أكتوبر بواسطة حركة حماس وبقية حركات المقاومة الفلسطينية وهو أحد أكبر الخسائر الكبيرة للمؤسسة الأمنية الصهيونية في تاريخها الحديث كما أن خسارة جيش الاحتلال كانت كبيرة وهي تدخل حرب استنزاف مكلفة عسكريا واقتصاديا ومعنويا وتم فضح الكيان الصهيوني على الصعيد الإعلامي والقانوني وأصبح الكيان الصهيوني يتصرف وكأنه عصابة تحكم كيانا خارجا عن إطار وآليات القانون الدولي من خلال المحاكمات والمرافعات في محكمة العدل الدولية وهناك ملفات أخرى سوف تقدم ضد القتلة الإسرائيليين وعلى رأسهم نتانياهو ووزير الدفاع ورئيس الأركان وغيرهم الذين ارتكبوا أعمال إبادة ضد السكان المدنيين وقت الحرب.
إن الحرب العالمية على قطاع غزة كما أطلقت عليها في مقال سابق هي بالفعل تدخل في إطار تلك الخطة المشؤومة والتي لا تقل خطورة عن وعد بلفور الذي أدى إلى النكبة عام ١٩٤٨ وإقامة كيان صهيوني غير شرعي يقسم الأمة العربية وسبب كوارث وحروب وصراعات منذ أكثر من سبعة عقود.
إن خطة الشرق الأوسط يبدو أن ملامح فشلها بدأت من خلال فشل جيش الاحتلال في كسر المقاومة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر، بل وتكبد جيش العدو الإسرائيلي خسائر بشرية كبيرة وفي المعدات تعدت أكثر من ١١٠٠ من الدبابات خاصة الميركافا، وأيضا، الجرافات وتدني الروح المعنوية لجيش الاحتلال ومن هنا فإن المشهد السياسي والعسكري أصبح أكثر تعقيدا وسوف تدفع إدارة بايدن الديمقراطية ثمنا باهظا خلال الانتخابات الأمريكية القادمة للوصول إلى سدة البيت الأبيض حيث تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية بأن شعبية الرئيس الأمريكي بايدن هي في أدني مستوياتها خاصة وأن الشعب الأمريكي خرج في مظاهرات كبيرة ضد العدوان الصهيوني الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومن هنا فإن خطة الشرق الأوسط في تصوري سوف تنتهي بالفشل الذريع كما حدث من قبل ومن خلال قيادات أمريكية وإقليمية سابقة كما أن حركة التطبيع سجلت فشلا كبيرا بعد الحرب على قطاع غزة وسوف نشهد نتائج كارثية لقيادات الكيان الإسرائيلي خاصة نتانياهو والذي سوف يخضع لمحاكمة بناء على اتهامات بالفساد، وأيضا، على الإهمال من خلال حرب أكتوبر حيث أسهم ذلك الهجوم التاريخي في إفشال أحد أهم مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وأيضا، إنهاء المقاومة الفلسطينية وهي أهداف أصبحت معلنة لقيادات الكيان الصهيوني وعدد من الدول الإقليمية والولايات المتحدة الأمريكية والتي اتضح أنها ضد السلام العادل والشامل وتتاجر بمسألة حل الدولتين كموضوع تكتيكي يخفي وراءه أهداف خبيثة اتضح بُعدها بعد حرب السابع من أكتوبر.
وفي المحصلة الأخيرة فإن التاريخ البعيد والحديث يشير إلى أن حركات مقاومة الشعوب هي التي تنتصر في انتزاع الحقوق واندحار المحتل ولنا في تجربة دولة جنوب إفريقيا أنموذج وهو يقترب من آخر احتلال نازي في التاريخ الحديث وهو الاحتلال الصهيوني.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة المتحدة الأمریکیة القضیة الفلسطینیة السابع من أکتوبر الکیان الصهیونی جیش الاحتلال الشرق الأوسط على قطاع غزة ومن خلال أکثر من من خلال
إقرأ أيضاً:
منتدى قطر الاقتصادي.. 5 قوى ترسم مستقبل اقتصاد الشرق الأوسط
الدوحة – في عالم يموج بالتغيرات المتسارعة، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية مع التحولات الجيوسياسية، لم تعد المفاهيم التقليدية في الاقتصاد كافية لتفسير أو مجابهة التحديات التي تواجهها الدول، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط.
فالتقلبات لم تعد استثناء، بل أصبحت سمة ملازمة للأسواق، وصناعة القرار الاقتصادي باتت تتطلب قدرًا أعلى من التنبه، والقدرة على الاستجابة السريعة، والانخراط في إستراتيجيات أكثر مرونة واستشرافًا للمستقبل.
وفي هذا السياق المعقد، جاءت مداخلة زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "بلومبيرغ إيكونوميكس"، خلال مشاركته في منتدى قطر الاقتصادي لعام 2025، لتسلّط الضوء على الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، والعوامل التي تؤثر على مستقبل الاقتصاد في هذه المنطقة، ومدى الترابط بين الاقتصاد والسياسة والأمن.
وفي مستهلّ مداخلته، دعا داود إلى ضرورة تبنّي نموذج اقتصادي جديد في الشرق الأوسط، يقوم على الابتكار والشفافية والكفاءة، ويملك من القدرة ما يكفي للتكيف مع الأمور غير المتوقعة، والتعامل مع المخاطر المستجدة، سواء كانت داخلية أو دولية.
رسم ملامح المستقبلوأوضح داود، خلال جلسة جانبية بمنتدى قطر الاقتصادي تحت عنوان "الأمن في الشرق الأوسط والأسواق العالمية: خمس قضايا رئيسية تؤثر على مستقبل الشرق الأوسط"، أن هذه القضايا الخمس لا تلعب دورًا حاسمًا في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي للمنطقة فحسب، بل للعالم أجمع. وتتمثل هذه القضايا في:
إعلان سياسات الإدارة الأميركية تقلبات أسعار النفط التعافي الاقتصادي الهش ما بعد كوفيد وأزمات الأسواق الطاقة والديون الدور الإقليمي في السياق العالمي وصعود مراكز جديدة للنفوذ تأثير السياسة الأميركية على منطقة الشرق الأوسطوتحدث داود بالتفصيل عن كل قضية، موضحًا أن السياسة الأميركية ما زالت تمتلك تأثيرًا بالغًا على الاستقرار السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وأن تبدل الإدارات في واشنطن غالبًا ما يعني تحولًا في أسلوب التعاطي مع ملفات المنطقة، من الطاقة إلى الأمن، ومن التمويل إلى النزاعات الإقليمية.
وأشار الخبير إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنى سياسة "التركيز على آسيا"، مما يضعف التدخل الأميركي المباشر في قضايا الشرق الأوسط. وهذا الواقع يفرض على دول المنطقة إعادة النظر في تحالفاتها وإستراتيجياتها الأمنية والاقتصادية.
ويرى داود أن هذا التحول يفتح الباب أمام قوى عالمية أخرى -مثل الصين وروسيا- لمحاولة ملء الفراغ، مما يخلق حالة من "التوازن الجديد" الذي يؤثر على تدفقات الاستثمار والأسواق المالية.
تقلبات أسعار النفطوتناول داود القضية الثانية، وهي تقلبات أسعار النفط، موضحًا أن النفط لا يزال "العصب الاقتصادي" في كثير من دول الشرق الأوسط، إلا أن الاعتماد عليه بات يشكل مخاطرة كبرى.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، والتوترات في البحر الأحمر، والتغيرات المناخية التي تضغط على الطاقة التقليدية، أصبحت أسعار النفط عرضة لتقلبات حادة ومفاجئة.
وأشار إلى أن الأسواق الناشئة تعاني عندما تكون أسعار النفط شديدة التقلب، حيث تؤثر على الموازنات الحكومية، ومستويات الدين، وخطط التنمية.
وفي الوقت ذاته، فإن الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية يعرقل جهود تنويع الاقتصاد وتحقيق الاستدامة.
وأكد داود أن الدول التي بدأت بتطوير مصادر بديلة للدخل، مثل السعودية والإمارات وقطر، هي الأفضل استعدادًا للتعامل مع هذه التقلبات، مقارنة بدول لم تحقق بعد هذا التنويع.
إعلان التعافي الاقتصاديوأوضح أن القضية الثالثة تتمثل في التعافي الاقتصادي الهش بعد جائحة كوفيد وأزمات الأسواق. ولاحظ أن هذا التعافي العالمي لم يكن متكافئًا، وأن الأسواق الناشئة، ومنها دول الشرق الأوسط، كانت الأكثر تأثرًا بتداعيات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وتباطؤ سلاسل الإمداد.
وحذر من أن هذا التعافي الهش يجعل الاقتصادات عرضة لأي صدمة جديدة، سواء كانت جيوسياسية أو مناخية أو مالية. وأشار زياد داود إلى أن ما يُسمى "بالركود التضخمي" لا يزال خطرًا قائمًا، حيث تواجه الدول مزيجًا من تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار.
وشدد على أن المرونة المالية والتخطيط الطويل الأمد هما سلاح الدول لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، داعيًا إلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحسين بيئة الأعمال، وتقوية المؤسسات الاقتصادية.
الطاقة والديونوفي ما يتعلق بالقضية الرابعة، وهي العلاقة بين الطاقة والديون، سلّط داود الضوء على الارتباط المعقد بين أسعار الطاقة ومستويات الدين العام في دول الشرق الأوسط.
وأوضح أنه في الفترات التي ترتفع فيها أسعار النفط، تميل بعض الدول إلى زيادة الإنفاق الحكومي بشكل مفرط، من دون استثمار فعلي في البنية التحتية أو في القطاعات المنتجة، وذلك يؤدي إلى تراكم الديون لاحقًا عندما تنخفض الأسعار.
وبيّن أن هذا السلوك يعكس ما يُعرف باسم "الدوامة المالية" التي قد تكون خطيرة على الاستقرار المالي للدول، خاصة إذا كان الدين مقيّدًا بعملات أجنبية أو بفوائد متغيرة.
وأشار إلى أن بعض الدول بدأت تتبنى نهجًا أكثر حذرًا، مستشهدًا بالتجربة القطرية التي توازن بين الإنفاق الاجتماعي والاستثماري من جهة، وبين الحفاظ على استقرار مالي طويل الأمد من جهة أخرى.
وأكد داود ضرورة تبني سياسات مالية قائمة على التنويع والاستدامة، بدلاً من الاعتماد الدوري على عائدات النفط أو الاقتراض الخارجي.
إعلان صعود مراكز جديدة للنفوذوفي ما يتعلق بالقضية الخامسة، وهي الدور الإقليمي في السياق العالمي وصعود مراكز جديدة للنفوذ، قال داود إن هناك تحولات جيوسياسية كبرى تحدث باستمرار، وإن منطقة الشرق الأوسط لم تعد فقط ساحة صراع أو مجال نفوذ للقوى الكبرى، بل بدأت تتحول إلى لاعب فاعل ومستقل.
وأشار إلى أن دولًا مثل قطر أصبحت محورية في الوساطة الدبلوماسية، وأن السعودية تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل تحالفات جديدة في الاقتصاد والطاقة، بينما تسعى الإمارات لتكون مركزًا ماليا وتقنيا عالميا.
وشدّد داود على أن هذا الصعود الإقليمي يتطلب إصلاحات داخلية قوية، ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى، وقدرة على المناورة وسط التحولات العالمية، لا سيما في ظل التوتر بين الغرب والصين، وتراجع النمو في أوروبا، وتنامي النزعات الحمائية المتعلقة بالرسوم الجمركية.