بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك: زيارة (تنسيقية تقدم) لمصر ضربة معلم!
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك: زيارة (تنسيقية تقدم) لمصر ضربة معلم!
فضيلي جماع
من أقوال الإمام علي بن أبي طالب : (حين سكت أهل الحقِّ عن الباطل ، ظنّ أهل الباطل أنهم على حق!)
إثنان وثلاثون عاماً ونيف من الإستبداد والبطش وسجون الخفاء والعلن ، والجوع والتشريد ، هي حصيلة ما قدّمه الأخوان المسلمون لشعب السودان المسالم بعد أن أجهزوا بانقلابهم العسكري المشئوم في يونيو 1989م على حكومة مدنية باختيار الشعب.
يحدث ذلك تحت مسمّى “التمكين”. إثنان وثلاثون عاماً من تدمير المؤسسات الوطنية، بما في ذلك المشاريع الإقتصادية ومؤسسات التربية والتعليم والجيش والشرطة.. وتحويل أجهزة الشرطة والأمن إلى عيون تحصي أنفاس وحركة كل من ظنوه في غير صفهم. حروب وموت ومجاعات وتشريد للمواطنين وحرق قراهم ومزارعهم – ذاك كان مشروعهم الحضاري !!
جرى كل ذلك وأهل الحق- وهم جل شعبنا المغلوب على أمره – يتم إسكات صوتهم بالبندقية. وأهل الباطل (القلة الإسلاموية ) التي في يدها المال والسلطة والسلاح قد حسبت نفسها على حق! ولأنه لكل أجل كتاب ، ولكل بداية نهاية ، فقد ثار الشارع الأعزل .. شباب وشابات – ولد معظمهم إبان حقبة نظام الإسلامويين الدموي – فقلبوا ظهر المجن على الطغيان والإستبداد وهم يملأون الشوارع والأزقة في مدن وقرى السودان ، في واحدة من أكبر ثورات القرن الواحد والعشرين – ثورة 19 ديسمبر 2018م وهي إعلان أهل الحق أن يعلو صوتهم هذه المرة حتى يسقط صوت أهل الباطل! لكن الأخوان المسلمين أصروا أن يبقوا على أكتاف أهل السودان بالقوة. إنقلبوا على حكومة الثورة بقيادة الدكتور حمدوك ، التي نجحت في عامين فقط – رغم العراقيل في ما عجزوا هم في تقديمه للوطن والمواطن خلال 32 سنة.
منذ إنقلاب الجنرال البرهان وعصبته على حكومة حمدوك في اكتوبر 2022م وعسكر الكيزان يقودون البلاد بجنون نحو الهاوية! وآخر جنونهم الحرب الأخيرة ضد الدعم السريع والتي يعرف القاصي والداني أنهم من أشعل فتيلها! ولأنهم قاموا – عبر حروبهم التي لا تنتهي – بإضعاف الجيش حد الخراب ، فقد خسروا الحرب التي سعوا للحشد لها في موائد إفطار شهر الصوم قبل عام. جاءت قراءتهم لكل شيء بالمقلوب. لقد كسب الكيزان حربهم الحالية ضد غريمهم الدعم السريع في ميدان واحد فقط ، مواقع التواصل الإجتماعي: فيس بوك وواتساب. عدا ذلك فإن الشاهد على خسارتهم المهول للحرب جاء على لسان الفريق ياسر العطا في كسلا قبل يومين حين عدد مواقع سيطرة الدعم السريع – بوعي أو دون وعي منه – طالباً منهم أن ينسحبوا منها ، وتشمل دار فور كلها وكردفان والخرطوم والجزيرة. هذه أول مرة أرى فيها مهزوماً يحاول أن يملي شروطه على من لم يترك له مساحة يمشي عليها في أمان !
وما زال صوت أهل الباطل عالياً لأن أهل الحق سكتوا عن الكلام المباح .. إما جبناً وإما لأنّ ضجيج الحرب الجارية أحدث تشويشاً لرؤية البعض، رغم أنّ نشر الأكاذيب في مواقع الكيزان التي لا تحصى لم يعد يصدقه حتى مناصروهم والسذج الذين انقادوا لأكذوبة (جيش واحد ، شعب واحد.) !!
نقولها اليوم بملء الفم: خلاص شعبنا من هذا الكابوس أن يتداعى الجميع للإنضواء تحت الجبهة المدنية الديموقراطية العريضة (تقدم). وهذا المسعى ليس جديداً على شعبنا. كان التكاتف الوطني شارة نجاح منذ مؤتمر الخريجين عام 1934م مروراً بانتفاضتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985م وانتهاءاً بثورة 19 ديسمبر 2018م. ولكي تحقق الثورة شعاراتها الثلاث: حرية سلام وعدالة فإنّ تآلف قوس القزح السوداني في حده الأدنى سيقلب الطاولة على مخطط أهل الباطل (الكيزان) وقد أعلنوه وما زالوا: الحرب ودمار هذا البلد على جثث رجاله ونسائه وفتيانه وفتياته وأطفاله إن لم يسمح لهم بالعودة للسلطة أوالمشاركة .. وهو ما يعني أن ننسى لهم بحار الدم التي أراقوها، وسرقة موارد البلاد جهراً ، وأن نلغي ذاكرة شعبنا ونعود إلى المثل الخايب (عفا الله عما سلف)!! من منا له الحق أن يعفو عن سفاحين سرقوا شباب الدكتور علي فضل والتاية وقصي حمدتو، وصلاح السنهوري وآلاف الشباب؟ بل من يجرؤ ليقول لأهل دار فور إنسوا رقم الإبادة الذي بلغ فوق ال300000 (ثلاثمائة ألف) مواطن حصد جيش الكيزان ومليشياته أرواحهم؟
كاتب هذه السطور لا يدعو للإنتقام، إذ لا ينتقم إلا الجبناء. لكنّ كاتب المقال يرى أن السير في الطريق السوي يأتي عبر العمل لتحقيق حلم السودانيين بقيام دولة العدالة والقانون. ولأن جرائم بعينها لا يمحوها تقادم الوقت ، فإن اللصوص والقتلة تزعجهم أصوات من ينادون بعبارة (لا للحرب)! يحسبون أن استمرار الحرب فيه خلط الكيمان ودمار السودان .. وبالتالي نجاتهم من الحساب. لذا فإنّ صعود الجبهة الوطنية الديموقراطية (تقدم) في فترة وجيزة جداً أدخل الهلع في قلوب عسكر الكيزان وفلولهم. ولو لم يفعل رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك وزملاؤه من السياسيين الوطنيين شيئاً خلال هذه المرحلة سوى العمل الدؤوب على قيام الجبهة المدنية الديموقراطية (تقدم) وبرامجها المعلنة وفي مقدمتها إيقاف الحرب الحالية القذرة – أقول لو لم يفعلوا غير هذا لكفاهم فخراً.
من المهم في السياسة مراعاة موازين القوى، أين كانت؟ وأين هي اليوم؟ والدكتور عبد الله حمدوك الذي حاول خصومه- ليس عسكر الكيزان وحدهم – شيطنته واتهامه بكل ما يبرع فيه الكيزان وفلولهم وآخرون بقتل الشخصية .. عبدالله حمدوك الذي استطاع قيادة سفين هذا البلد رغم كل الأنواء ورغم فترة إدارته القصيرة ، التي ازدحمت بالعراقيل ، لم يقف مكتوف اليدين حين دعا الداعي للتصدي لصوت البوم والدمار. قاد تنسيقية تقدم بتلبية الدعوة الرسمية من الجارة مصر. وتلك ضربة معلم أعطت الكثيرين في هذا الوقت الصعب بصيصاً من الأمل.
ولقد رأينا في اليومين الماضيين كيف أعطت مؤسسات مصر الرسمية والشعبية أهمية للزيارة عبر إعلامها المقروء والمتلفز. ومصر- وهي دولة لها ثقلها وحضورها إقليمياً وفي قارتنا – لا تعطي هذا القدر من الأهمية لهذه الزيارة إن لم تكن قد رأت بوضوح تغير موازين القوى.. وهو قطعاً ليس تغيراً في مصلحة حليفها الذي طالما راهنت عليه ودعمته في السر والعلن. نقول للإخوة في مصر :إنّ رهان شعب السودان على قيام دولة مدنية – دولة الحقوق والعدالة ، دولة بها جيش عقيدته الوطن ، وليس الجيش الذي يملي أوامره على قادته تنظيم من خارج الحدود، إن هذا الرهان الذي تقوده تقدم اليوم يمثل خيار شعب السودان وثورته التي ما زال فتيلها مشتعلا..وسينتصر شعبنا! والأفضل باعتقادنا هو الرهان على الشعوب! ومصر بعلمائها ومؤسساتها الكبرى وبتاريخها العريق تفهم ذلك جيداً.
12- مارس- 2024
الوسومالسودان القاهرة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم ثورة ديسمبر عبد الله حمدوك فضيلي جماع مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان القاهرة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم ثورة ديسمبر عبد الله حمدوك مصر عبد الله حمدوک الدکتور عبد أهل الحق
إقرأ أيضاً:
السودان وفروقات الوعي السياسي
أن الحرب تعتبر أعلى درجات الأزمة في أية مجتمع، و العقل السياسي الذي تسبب في الأزمة حتى وصلت إلي الحرب، لا يستطيع أن يحدث تغييرا في واقعها، إلا إذا استطاع تغيير طريقة تفكيره.. و التغيير لا ينتج بعقول خاملة لا تستطيع أن تنتج أفكار جديدة، فقط تعيد إنتاج ذات المقولات التي تسببت في الحرب.. المطلوب عقول جديدة، تنتج أفكار جديدة، تستطيع من خلالها أن تحدث تنشيط في الفعل السياسي يتجاوز سلبيات الماضي.. لكن محاولات إعادة ذات العقليات برفع ذات الشعارات القديمة سوف تعيد إنتاج الأزمة.. أن النخب السياسية السودانية تتخوف من نقد ممارساتها التي أوقعتها في الأخطاء التي قادت إلي الأزمة.. لذلك الكل يميل للتبرير الذي يغيب معرفة الأسباب و يعيد إنتاج الأزمة بصور مغايرة..
أن أغلبية النخب السودانية السياسية، أو المثقفة التي تدور في المحور السياسي، لا يفكرون إلا من خلال مصالحهم الخاصة، أو مصالح أحزبهم، لذلك ينظرون لواقع الأحداث من خلال عدسات ضيقة لا تساعد على النظرة الكلية للأزمة.. مثالا لذلك نشرت سودان اندبندنت خبرا يقول ( طالب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ز جعفر الميرغني رئيس الوزراء كامل إدريس بالعمل على تهيئة المناخ للانتخابات العامة في السودان) و أضاف قائلا ( إقامة مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات حرة و نزيهة) أن جعفر الميرغني لم يجد ما يقوله إلي رئيس الوزراء غير الانتخابات الأداة الموصلة للسلطة.. رغم أن البلد ماتزال الحرب مستمرة فيها، المؤامرات الخارجية تنوع في تحدياته.. فالعقل الذي لا ينظر للأزمة بكلياتها لا يكون مفيدا في معالجة الأزمة.. و أيضا هناك أحزاب و سياسيين متمسكين بالتفاوض ليس قناعة منهم إنه طريقا ناجعا للحل، بل لأنهم يعتقدون أن أنتصار الجيش على الميليشيا سوف يحدث واقعا سياسيا جديدا يصعب عليهم شروط الالتحاق به.. و أيضا هناك قوى سياسية تريد أن تنتهي الحرب لكي تواصل فعلها الثوري.. الأمر الذي يؤكد خمول العقل السياسي في إنتاج أفكار جديدة تتجاوز بها الأزمة..
أن الحرب ليست عملية سياحة للترفيه، أو حالة من حالات الغضب و بعدها ترجع الأشياء كما كانت قبل الحرب.. الحرب تستخدم فيها كل أدوات القتل و التدمير، و يظهر السلوك السالب بكل تفاصيله، و كلها أشياء سوف يكون لها انعكاسات على حياة الناس و سلوكهم و علي طريقة تفكيرهم.. الحرب حتما سوف تظهر قوى جديدة من الشباب الذين شاركوا في القتال، هؤلاء يجب أن يكون لهم دورا في مستقبل البلاد السياسي.. الجيش بعد الانتصار أيضا لديه مهمة أخرى.. هي حفظ الأمن و جمع السلاح من كل المقاتلين و فرض السلام الاجتماعي و السياسي في البلاد.. و وضع حد لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي السوداني.. و كلها قضايا في حاجة للتفكير العقلاني الموضوعي... و ليس التفكير القائم على المصالح الضيقة..
معلوم في الفكر السياسي أن عملية البناء و النهضة تؤسس عن طريقين.. الأول أن تكون هناك أحزاب ناضجة و فاعلة، على رأسها قيادة لها مشروع سياسي، يلتف حولها الشعب و تعمل بجد، و عمل إداري بخبرات عالية، و نزاهة و شفافية. و التزام قوى بتطبق القوانين، و استطاعت أن تنجح في ذلك حدث ذلك في البرازيل و الهند و تركيا و ماليزيا و رواندا.. و هناك دول نهضت من خلال حزب واحد أو قيادات عسكرية أيضا استطاعوا أن يلتزموا بمعايير النهضة.. المشروع السياسي و حسن الإدارة و النزاهة و الشفافية و تطبيق القوانين و حدث ذلك في الصين و سنغافورة و كوريا الجنوبية و فيتنام.. و النجاح في الثاني الرهان عليه في التحول غلي الديمقراطية مرتبط بالتطور الاقتصادي الذي يبرز طبقة أوسطى جديدة تقود إلي تحول ديمقراطي من خلال دورها السياسي و الفكري و الثقافي في المجتمع..
إذا أردنا أن نقارن العملية السياسية في السودان.. بالتطورات التي حدثت بعد ثورة ديسمبر نجد أن الشارع كان أكثر وعيا من القوى السياسية، التي فشلت في إدارة الأزمة السياسية، لأسباب عديدة.. اولا - أنها لم تكن لديها مشروعا سياسيا.. ثانيا - القيادات التي قدمتها للمواقع الدستورية " الوزارات" أغلبيتهم كانت ذات خبرات ضعيفة، و بعض منهم أول وظيفة له في حياته و حياتها كانت وزارة.. ثالثا - خسارتهم للشارع الذي جاء بهم للسلطة.. رابعا – راهنوا على الخارج أن يعيدهم للسلطة.. خامسا - تحالفهم مع الميليشيا و أصبحوا جناحها السياسي.. سادسا - فشلوا في تقييم التجربة و مايزالون يرهانوا حتى الآن لكيفية العودة للسلطة، دون أن يكون لهم تصورا مقنعا للشارع... سابعا – عندما تفشل قيادة الأحزاب في معركتها و تخسر الشارع تبدأ بتغيير قياداتها في محاولة من أجل كسب الشارع، لكن قلة الخبرة، و عدم وجود قيادات أفضل ظلت الأحزاب تصارع بذات القيادات التي باتت غير مقبولة في الشارع..
أن البلد ليس كما قال جعفر الميرغني (بإنها في حاجة إلي مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات) البلد حتى يكون فيها أحزاب قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية، هي في حاجة لتشريعات " قانون الأحزاب" أن تجرى الأحزاب مؤتمراتها قبل كل أنتخابات على أن لا يترشح أي عضو أكثر من دورتين.. و في الفترة الانتقالية أن تجري الأحزاب انتخاباتها مرتين قبل الانتخابات.. لكي يضمن الشعب ليس هناك احتكارية للأحزاب من قبل شلة أو مجموعات بعينها، أو بيوتات، أو أفراد، و بالتالي يضمن تداول القيادة في الأحزاب، و الانتخابات تضمن تجديد للأفكار و البرامج، و النافسة هي التي تخلق الوعي، و تقدم قيادات مدركة لدورها، إلي جانب مراقبة ألأموال حتى لا يتدخل النفوذ الخارجي عبر التمويل.. أن أهم خطوة قبل الانتخابات قانون الأحزاب.ز حتى تأتي قيادة ضعيفة القدرات لأنها لم تصعد لقمة الحزب إلا بسبب علاقة الأبوة و المحسوبية و الشللية و غيرها.. نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com