لم يدر بخلد العراقيين أن تؤول أيقونة بغداد الثقافية العريقة لهذا المصير، لكن التغيرات التي أصابت شارع المتنبي العريق وحوّلته إلى مكان يضج بالأطعمة والخرافات والسلوكيات لا تمت لذائقة العلم والأدب بصلة، كما يقول مثقفون عراقيون.

نقيض التاريخ

الشارع الذي أنشئ في العصر العباسي وحمل اسم الشاعر العباسي الشهير منذ عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول، وبقي منذ إنشائه حتى قبل ثلاثة أعوام محطة لطالبي العلم بمختلف فروعه، تنال منه اليوم المتغيرات التي طرأت على العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 لتزيح الكتب من أرصفته واضعةً أكشاك الطعام بدلا منها، في مشهد وصفه الكاتب أحمد السراجي بالدخيل على شارع المتنبي.

الأطعمة تحتل مكان الكتب في شارع المتنبي (الجزيرة)

وبيّن السراجي أن رائحة الطعام لا تتناغم وعبق الكتاب، وأن النفايات باتت ملامح واضحة بجوانب الشارع الأدبي ليصبح المشهد الحالي غصةً في نفوس المثقفين، إذ الحاضر نقيض تاريخ المكان، والصورتان باتجاهين متعاكسين تماما.

أحمد السراجي: روائح الطعام لا تتناغم وعبق الكتاب (الجزيرة) تحول مقلق

أقلقت التغيرات هواة القراءة وعشاق الشارع خاصة من المخضرمين والرواد؛ حيث يقول الكاتب والإعلامي الدكتور علاء الحطاب "إن وجود أسر لا علاقة لها بالكتاب والثقافة في شارع المتنبي بل تقصده للتنزه، دفع باعة الأطعمة لأخذ أماكن من الشارع محتلة مكان كتب كانت تفترش الأرض على جانبي الرئة الثقافية".

علاء الحطاب: شارع المتنبي سيتحول إلى مكان تجاري إذا لم تتدخل الجهات المعنية (الجزيرة)

وتابع "لربما سيتحول إلى شارع تجاري إذا لم تتدخل الجهات المعنية لإيقاف الزحف المغاير لصبغة المتنبي الحقيقية".

ولم يقف الموضوع عند هذا الحد من القلق، بل تجاوزه إلى مخاوف أخلاقية، إذ أكد كريم حنش -صاحب إحدى المكتبات القديمة- أن الكتاب بدأ يختفي، وهي حالة تنذر بالخطر إلى جانب انتشار السرقات والفساد وظهور نماذج شاذة عن الثقافة حولت المكان إلى سوق هرج، وفق تعبيره، مضيفا "أصبح الشارع أشبه بالملاهي الموجودة بالكرادة والسعدون بسبب الأغاني والضجيج".

أطعمة وأشربة مكان الكتب في شارع المتنبي (الجزيرة)

وفي جملة التخوفات بيّن الشاعر والإعلامي شاكر وادي الشرقاوي أنه قد حذر من زحف غير مبرَّر سيؤثر على هوية "شارع الوراقين" أو "شارع المطابع"، وهي أسماء تطلق على شارع المتنبي؛ وأوضح الشرقاوي "دخلاء حولوا شارع المتنبي إلى مطاعم وعادات خرافية، وهي تقاليد يجب أن تكون خارج الزقاق الثقافي، فهنا رئة الأدباء ونتمنى أن يدفع زفيرها الدخلاء".

شاكر وادي الشرقاوي عبّر عن استيائه من تحولات الشارع العريق (الجزيرة) النقيض التام

وعودةً لتاريخ الظهور الأول للشارع وغاياته وأعمال محاله، تجد النقيض التام عما يجري اليوم، فقد ذكر حنش في حديثه أن الأكلات والحرف الأخرى غير الثقافية تسببت في تحول بعض المكتبات إلى مطاعم ورفعت أسعار الإيجارات، وهي حالة لا تشبه ما سرده المؤرخون عن نشأة الشارع الأولى، والحقب التي تلتها، والعناية بالأدب حتى أضحى اليوم يفقد بريقه الأدبي.

كريم حنش شكا من انتشار السرقات والفساد (الجزيرة) رفض ثقافي

بالإجماع يرفض المثقفون بمختلف مسمياتهم من شعراء وكتاب وغيرهم ما يحدث بشارع المتنبي من تصرفات دخيلة كبيع المحابس والأساور والقلادات والأطعمة وبعض الخرافات التي تعتمد على الحظ، وقال الكاتب محسن البهادلي إن "الأكلات لها روادها في المطاعم وعندما تكون بين الكتب نرفضها قطعا، فللمتنبي خصوصيته لا نقبل أن تشوّه، فهو النهر الثالث للعراقيين رفقة دجلة والفرات".

محسن البهادلي: الأكلات لها روادها وللمتنبي خصوصيته (الجزيرة)

وهو الرأي ذاته الذي تبناه الكاتب علاء خضير، مؤكدا أن الشارع رغم قصر مسافته يعد منتجعا فكريا لا دكاكين للأطعمة، والمساس برمزيته أمر مرفوض بكل أشكاله.

علاء خضير: الشارع بقصر مسافته يعد منتجعا فكريا ينبغي صيانته (الجزيرة)

ولا تغيب مطالبات النخب الثقافية بإرجاع صبغة المكان الأصلية، محملين أمانة بغداد المسؤولية الكاملة فيما يحصل، بحسب ما ذكره السراجي، الذي دعا أيضا إلى ضرورة رفع كل ما يعكر صفو الكتاب ليبقى شارع المتنبي مقصد طلبة العلم وأساتذته وأدباء الداخل والخارج.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات

إقرأ أيضاً:

العراق يفقد نحو 4000 ميغاواط جراء انخفاض كميات الغاز الإيراني المورد

العراق يفقد نحو 4000 ميغاواط جراء انخفاض كميات الغاز الإيراني المورد

مقالات مشابهة

  • بسبب تراكمات القمامة.. السيطرة على حريق محدود بشارع 3/7 الترفيهي في بورسعيد
  • مرور صنعاء يُقرّ منع الوقوف في شارع كلية الشرطة للحد من الاختناقات المرورية
  • اعلان هام من شرطة المرور بالأمانة 
  • العراق يفقد نحو 4000 ميغاواط جراء انخفاض كميات الغاز الإيراني المورد
  • خبير تغذية يحذر: هذه الأطعمة هي أسوأ ما يمكن أن تبدأ به يومك .. فيديو
  • نقيب كتاب مصر: نقابة اتحاد الكتاب تشهد عصرًا ذهبيًا في تاريخها الثقافي
  • الفجيرة.. أول شارع موسيقي في الوطن العربي يعزف أنغام بيتهوفن
  • رئيس مجلس إدارة شركة المها الدولية محمد العنزي: على بعد كيلو مترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية وعلى هذه الأرض خط الإنسان أولى الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وتراث إنساني لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن هنا من دمشق نطلق مشروعنا الث
  • محافظ كفرالشيخ يفتتح معرض «الكتاب بالمجمع الثقافي» ضمن احتفالات ذكرى 30 يونيو
  • عاشوراء بغداد.. شارع الكفاح يتشح بالسواد على وقع أيقونة المواكب (صور)