جعل الشرع الشريف من التعرف على بدايات الشهور القمرية بظهور هلالها بعد غروب الشمس تكليفاً لازماً، لأنه يرتبط به إيقاع جملة من العبادات فى وقتها الشرعى، وقد قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» [البقرة: 189].

وإثبات ظهور الهلال بعد غروب الشمس من عدمه يمكن تحقيقه إما بالرؤية البصرية أو بالحساب الفلكى، ففى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «صُوموا لرؤيته وأَفطِروا لرؤيَتِه».

والمراد برؤيته: مشاهدته بالعين بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يُعتَمَد خبره وتُقبَل شهادته.

وأما الحساب الفلكى فقد نصَّ كثير مِن الفقهاء على اعتباره؛ وممن نُقِل ذلك عنه: التابعى الجليل مُطَرِّف بن عبدالله بن الشِّخِّير.

وذكر القرافى فى «الفروق» أن هناك قولين فى مذهب مالك فى إثبات الأهلّة بالحساب. وهو أيضاً أحد الأَوجُه فى مذهب الشافعية، قالوه فيما إذا عرف رجل بحساب المنازل أن غداً من رمضان فإنه يصوم، وبهذا قال ابن سُريج، والقفال الشاشى، وأبوالطيب الطبرى.

وقد نصر مشروعيةَ الأخذِ بالحساب الفلكى فى إثبات الأهلَّة جماعة من العلماء المتأخرين؛ منهم: العلامة المرجانى والشيخ محمد بخيت المطيعى والشيخ محمد مصطفى المراغى، والشيخ أحمد شاكر.

وقد دل على اعتبار الحساب الفلكى قوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» [البقرة: ١٨٥]، والظاهر أن شهود الشهر بمعنى العلم بوجوده؛ فإن الشهود بمعنى العلم هو سبب وجوب الصوم.

وفى «الصحيحين» مرفوعاً: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له»، وهذا الحديث دال على أصل مشروعية الأخذ بالحساب الفلكى؛ لأنه قد علق الصيام والفطر بالرؤية، والمتبادر منها الرؤية البصرية، والتعليق بالرؤية البصرية إنما جاء رحمة بالمكلفين وتيسيراً عليهم، خطاباً لهم بالأمر الظاهر الذى يعرفه كل أحد ولا يغلط فيه، بخلاف الحساب فإنه لا يعرفه إلا القليل من الناس.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّا أُمَّة أُمِّيَّة لا نَكتُب ولا نَحسُب» فليس فيه نهىٌ عن الكتابة والحساب ولا إشارة إلى إبطال علم الفلك، إنما هو يذكر الصفة الغالبة لمن كانوا فى زمانه، وليس معناه أن صفة الأمية صفة ملازمة للأمة فى جميع الأعصار والأمصار.

وهذا يعنى أن الأمة إذا خرجت عن أميتها وصارت تكتب وتحسب يعنى صارت فى مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، وأمكن الناس أن يَصِلُوا إلى اليقين والقطع فى حساب أول الشهر، وأن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية فلهم حينئذ أن يأخذوا فى إثبات الأهلة بالحساب الفلكى.

وأما قول بعض الناس إن اعتبار الحساب مذهب باطل؛ لأنه قائم على علم النجوم، والشرع قد حذر من مثل هذا فيما رواه مسلم: «مَن أَتى عَرّافاً فسأله عن شىء لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»، فهذا خلط بين العرافة والتنجيم والكهانة من جهة وبين حساب النجوم الذى هو علم الفلك من جهة أخرى، وعلم الفلك حتى لو كان قديماً قد اختلط بالعرافة والكهانة عند المشتغلين به، فإنه الآن منفصل عنهما تماماً، وتخلص من شبهة التنجيم التى توحى بالتكهن بالغيب، وأصبح علم الفلك مبنياً على علوم دقيقة، وهو من أسباب معرفة الله ومعرفة النظام المستدَل به على وجود الله.

ولذلك اتفقت المؤتمرات الفقهية على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، فهى المعتمدة إلا إذا خالفت الحساب الفلكى المقطوع بدقته، فلا تُعتَمَد حينئذ، ولا تُعتَبر حينئذ شهادة مَن شَهِد برؤية الهلال لمخالفتها الحساب، وبهذا يتم الجمع بين الأصل وهو الرؤية البصرية المأمور بها كأصل للمسألة، والحساب الفلكى المقطوع بدقته فى عصرنا.

*أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: رؤية الهلال الرؤية الشرعية الفلك والتنجيم علم الفلک

إقرأ أيضاً:

هلال عيد الأضحى .. «الفلك الدولي» يكشف عن مفاجأة

هلال عيد الأضحى ..  كشف مركز الفلك الدولي عن  وجود  صعوبة في رؤية هلال شهر ذي الحجة الذي يوافق 6 يونيو الحالي، الأمر الذى قد يترتب عليه تطورات مفاجئة فيما يتعلق بتحديد موعد عيد الأضحى المبارك في العديد من الدول حول العالم.
 

معهد الفلك يكشف موعد وقفة عرفات 2024 محافظ الغربية يشارك في حفل الإفطار الجماعي لمؤسسة الفلك


هلال عيد الأضحى .. وقال المركز، في بيان له، إنّ غالبية دول العالم الإسلامي بدأت شهر ذي القعدة 9 مايو، وفي هذه الحالة، ستتحرى هذه الدول هلال ذي الحجة يوم 6 يونيو، ليكون أول أيام شهر ذي الحجة 7 يونيو أو 8 يونيو، في حالة تعذر رؤية الهلال، وأول أيام العيد يوم 16 يونيو أو 17 يونيو، لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أن القمر يوم الخميس 6 يونيو وهو يوم الرؤية، سيغيب بعد غروب الشمس بدقائق قليلة، وستكون رؤية الهلال مستحيلة سواء بالعين المجردة أو التلسكوب، يوم الخميس 6 يونيو في العديد من دول العالم الإسلامي، ومنها السعودية ومصر، وذلك لقلة إضاءة الهلال أو بسبب قربه من الأفق، رغم غروب القمر قبل غروب الشمس، حسب بيان مركز الفلك الدولي.

بينما يوم الجمعة 7 يونيو، ستكون رؤية الهلال ممكنة بالعين المجردة في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي وفقًا للمركز.

وسيغيب القمر في الرياض عاصمة السعودية بعد 12 دقيقة من غروب الشمس، ومن شروط الرؤية الصحيحة، ألايقل مكث القمر في الأفق بعد غروب الشمس عن 20 دقيقة، والمكث هو الفرق بين وقتي غروب الشمس والقمر.
وكشف مركز الفلك الدولي عن أنه من المتوقع أن تبدأ السعودية والعديد من الدول الأخرى شهر ذي الحجة يوم السبت 8 يونيو، ويكون يوم الاثنين 17 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك.

مقالات مشابهة

  • رسميًا.. تحديد موعد عيد الأضحى 2024 في مصر والسعودية
  • "اعرف الآن".. توقيت عيد الأضحى 2024 في مصر والسعودية
  • توقيت عيد الأضحى 2024 في مصر والسعودية: ترقب وإعلان رسمي
  • ترقب موعد عيد الأضحى 2024 في مصر والسعودية: رؤية الهلال تحدد البداية
  • هلال عيد الأضحى .. «الفلك الدولي» يكشف عن مفاجأة
  • سبب صعوبة رؤية هلال شهر ذي الحجة.. «الفلك الدولي» يفجر مفاجأة عن عيد الأضحى
  • موعد انطلاق فيلم ولاد رزق 3 بالسينمات
  • برنامج الرسوم المتحركة والمؤثرات بـ"حلوان الأهلية" ينظم معرضه الأول
  • «الوطني» يناقش مشروع قانون الحساب الختامي للسنة المالية الأربعاء
  • افتتاح المعرض الطلابي الأول لبرنامج الرسوم المتحركة بجامعة حلوان