ميسي ومارادونا وبيليه.. سر الموهبة الفذة وقصر القامة
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
عندما نتحدث عن أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، يتبادر إلى الأذهان الثنائي الأرجنتيني ليونيل ميسي ودييغو مارادونا، وأسطورة البرازيل بيليه، فالثلاثي يربط بينهم المهارات الفذة وقصر القامة التي تقترن بالغالبية العظمى من أصحاب المهارات الاستثنائية، مما يطرح سؤالا عن سر تفوق قصار القامة في المراوغة والمهارات الفردية.
ولا يقتصر الأمر على الثلاثي الأسطوري ميسي ومارادونا وبيليه فقط، فلو طبقنا هذه القاعدة سنكتشف أن القاعدة في المهارات الفذة لقصار القامة والاستثناء لغيرهم.
ولا يقتصر الأمر على المهاجمين أو خط الوسط فقط، بل يمتد إلى الدفاع وحراس المرمى أيضا، إذ يزخر التاريخ الكروي بأساطير من كل المراكز عوضوا قصر القامة بمهارات فطرية مذهلة جعلتهم من الأفضل في جيلهم، والأمر أوسع من أن يتم حصره.
لغة الأرقامإذا استثنينا الدفاع وحراسة المرمى، من منطلق أنهما يحتاجان إلى لاعبين أصحاب طول فارع من أجل ألعاب الهواء مثل العرضيات والصراعات الرأسية، فأغلب اللاعبين في المراكز الأخرى مثل وسط الملعب يتراوح طول اللاعب بين 172 سنتيمترا إلى 180 سنتيمترا، ومن 182 سنتيمترا إلى 188 سنتيمترا إذا كان يلعب في الهجوم.
بينما إذا نظرت إلى أطوال اللاعبين الموهوبين ستجد أن أطولهم هو بيليه الذي بلغ طوله 176 سنتيمترا، ويليه مودريتش وإنييستا بـ172 سنتيمترا لكليهما، ويليهم ميسي بـ170 سنتيمترا، وأقصرهم كان المراوغ الذي لا يقهر مارادونا بـ165 سنتيمترا. أي أن هؤلاء اللاعبين قصار القامة حتى بالمقارنة مع من يلعبون في ذات المراكز. وهنا يطرح السؤال نفسه، هل أحد أسباب تفرد هؤلاء اللاعبين هو قصر قامتهم؟ يمكن قول ذلك بشكل أو بآخر، فكما تحدثنا، أكبر نجوم كرة القدم -للمفارقة- صغار الحجم.
ميكانيكا الجسدحاولت أولغا كازان، الكاتبة بموقع "ذي أتلانتيك"، الإجابة عن هذا السؤال في أحد تقاريرها على الموقع في 2014، عندما استهلت حديثها بالاستثناء التي تمثله كرة القدم، باعتبار أن أكبر نجومها هم من صغار الحجم، إضافة إلى أنها الرياضة الوحيدة التي قد يتفوق بها اللاعبون ذوو الأجساد الضعيفة نسبيا، وغير مفتولة العضلات أو ذات الأطوال الفارعة، ثم ضربت المثل بنادي برشلونة، الذي كان -حينئذ- أحد أفضل فرق العالم، وكان لاعبوه أيضا يتسمون بقصر القامة مقارنة بالفرق الأخرى، مثل تشافي هيرنانديز، وأندريس إنييستا، وميسي بالطبع.
ما توصلت إليه أولغا هو أن قصر القامة يمكن اعتباره عاملا مهما في تميز هؤلاء اللاعبين، لكن ليس بالضبط، فهناك من كانوا قصارا، لكنهم لم يتمتعوا بالمزايا الفنية ذاتها. إذن لا يتعلق الأمر بالقصر مباشرة، بل بطبيعة الجسد بوجه عام، فهناك من كانوا يتمتعون بالطول من اللاعبين المهاريين الأفذاذ، مثل زين الدين زيدان والظاهرة رونالدو، وربما باتريك فييرا ورودريغو هيرنانديز ارتكاز نادي مانشستر سيتي، وبالرغم من طولهم، فهم يتمتعون بمهارات فنية وتقنية عالية، لكن ما ميزهم بجانب الأسماء المذكورة آنفا لم يكن قصر قامتهم بالطبع، بل مركز ثقل أجسادهم المنخفض نسبيا، كما أوضحت "وول ستريت جورنال" في التقرير ذاته.
ويعد مركز الثقل نقطة وهمية في جسم الإنسان، وهو نقطة التقاء الجزء العلوي مع الجزء السفلي من الجسد، والذي يصبح عنده جسم الإنسان متزنا، وعادة ما تقع تلك النقطة تحت منطقة السُرة وفي منتصف المسافة بين أسفل البطن والظهر. كلما كانت تلك النقطة الوهمية منخفضة أو أقرب إلى الأرض، فهذا يعبر عن قوة كبيرة في الجزء السفلي من الجسد مقارنة بالجزء العلوي (الجذع)، مما يجعل الجسد أكثر اتزانا، وبالتالي أكثر ثباتا في الحركة بوجه عام.
علاقتها بلاعبي كرة القدمبالنسبة للاعبي كرة القدم، فانخفاض مركز الثقل يعني مواجهة أفضل لضغط لاعبي الخصم، لأنه يُمكنهم من الالتفاف وتغيير اتجاه جسدهم بسرعة أكبر من ذوي الأجساد ذات مركز الثقل المرتفع، ويعني أيضا أن قوة الجزء السفلي لأجسادهم تمكنهم من حماية الكرة بشكل أفضل تحت الضغط، والتحكم والركض بها بشكل أفضل في المساحات الضيقة بين لاعبي الخصم.
الشيء نفسه تحدث عنه خوانخو براو، أحد معدي برشلونة البدنيين، الذي عاصر ميسي منذ صعوده من اللاماسيا حتى رحل عن النادي. تحدث براو عن قدرات ميسي الخارقة بالكرة في إحدى المقابلات التي نقلتها شبكة "بارسا يونيفرسال"، وذكر أن ما يجعل ميسي فتاكا والكرة في قدميه هو مركز ثقل جسده المنخفض، والذي يجعله ملتصقا بأرضية الملعب تقريبا، وأن هذا ما يجعله قادرا على الاستمرار في اللعب لفترة طويلة، بجانب قدراته الذهنية وسرعة اتخاذه للقرار داخل الملعب.
وهذا ما يجعل المدربين ينصحون اللاعبين باستلام الكرة تحت الضغط في وضعيات منحنية قليلا، كي يخفضوا الجزء العلوي من جسدهم قليلا، بالتالي يجعلون تلك النقطة أقرب إلى الأرض، مما يتسبب في اتزان أكبر تحت الضغط. هذا أيضا أحد أسباب أهمية التمارين التي تعمل على تقوية الجزأين الأوسط والسفلي من الجسد، كما تحدث مايكل شيفا، الكاتب بموقع "ليف سترونغ" (Livestrong.com)، في إحدى مقالاته على الموقع، وتحدث عن تمارين مثل القرفصاء "squats" والاندفاع "lunges" والسمانة، وبعض تمارين التوازن أيضا مثل تمارين تقوية عضلات البطن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات قصر القامة کرة القدم
إقرأ أيضاً:
رغم رحيله عن «القارة العجوز».. ميسي يتصدر «منصة الأساطير»
باريس(أ ف ب)
أخبار ذات صلةعلى مشارف السادسة والثلاثين، يمكن لليونيل ميسي أن يضع حداً لمشواره، راضياً بأن مسيرته المجيدة قد اكتملت، بعدما قاد منتخب الأرجنتين للفوز بكأس العالم في قطر العام الماضي.
فقد ضمن أسطورة برشلونة إرثه كأفضل من مرّ في جيله، وربما يجلس الآن على منصة الأساطير التاريخيين، إلى جانب الراحلين: مواطنه دييجو أرماندو مارادونا والبرازيلي بيله.
لكن يبدو أنه ليس مستعداً لترك اللعبة بعد، عقب انتهاء تجربة دامت عامين في باريس سان جيرمان الفرنسي. انعكس ذلك معضلةً لميسي في عملية بحثه عن وجهته التالية.
كل الأندية تبقى مستعدة وبكل سرور لضمّ الفائز بالكرة الذهبية سبع مرات، حتى بنسخة متقدمة بالسنّ.
لكن التعاقد مع ميسي الذي بلغ راتبه السنوي في باريس 30 مليون يورو بعد الضرائب، يبقى باهظاً رغم ذلك، ما ترك للاعب نفسه عدداً محدوداً من الأندية القادرة على ضمّه.
لذا، فإن عودته الرومانسية إلى نادي الطفولة نيولز أولد بويز في مسقط رأسه بروزاريو، تأجّلت.
أراد برشلونة استعادة ميسي، وكادت الخطوة تكون قصة عشق أيضاً. وفي مرحلة ما، بدا الانتقال إلى الشرق الأوسط أمراً لا مفرّ منه، لكن جاذبية الدوري الأميركي لكرة القدم (أم أل أس) أثبتت أنها لا تقاوم.
بالانتقال إلى الولايات المتحدة، ماثل ميسي ما فعله بيليه في منتصف الثلاثينيات من عمره، على غرار الهولندي يوهان كرويف أيضاً.
كان الإنجليزي ديفيد بيكهام آخر اللاعبين الكبار الذين انتقلوا إلى الولايات المتحدة باعتباره أيقونة عالمية فعلية، عندما انضمّ في العام 2007 في الـ32 من عمره إلى لوس أنجلوس جالاكسي.
في ذلك الوقت، كان ميسّي يبرز على الساحة العالمية، بعدما شارك للمرة الأولى مع برشلونة بعمر السابعة عشرة في العام 2004.
لعب الأرجنتيني مرتين ضد بيكهام في الكلاسيكو، وهي مباراة سجل فيها ثلاثية عندما كان مراهقاً، بالتعادل 3-3 في مارس 2007.
تغيّرت كرة القدم في السنوات التي تلت، بينما أثبت ميسي نفسه كواحد من أفضل اللاعبين على الإطلاق في هذه اللعبة.
كان التأثير الخليجي محورياً في هذا التحول، وأدّى إلى انتقال ميسي إلى باريس سان جيرمان في العام 2021، عندما لم يكن برشلونة قادراً على تحمّل كلفة تجديد عقد «البرغوث».
وهكذا، كان ميسي لاعباً في باريس سان جيرمان عندما رفع كأس العالم في الدوحة في ديسمبر الماضي مرتدياً رداء «البشت» التقليدي، الذي لفّه به أمير قطر حينها.
لكن ميسي لن يسير على خطى غريمه القديم البرتغالي كريستيانو رونالدو في الانتقال إلى السعودية.
ولا تزال البطولات المحليّة الرائدة في أوروبا، ودوري أبطال أوروبا، قمّة منافسات الأندية، وقد قيل إن ميسي يريد البقاء في القارّة على الأقل حتى كوبا أميركا 2024، عندما تدافع الأرجنتين عن لقبها.
وبدلاً من ذلك، ستكون المرحلة التالية من مسيرته، وربما الأخيرة، في البلد الذي يستضيف تلك البطولة، قبل مونديال 2026 المشترك مع كندا والمكسيك.
قد يكون تكريم دولي كبير آخر، هو الشيء الأخير الذي يحفّز الرجل الذي فاز بكل شيء على مدى عقدين من الزمن، من كأس العالم تحت 20 عاماً في العام 2005، إلى المونديال العام الماضي، عندما هزمت الأرجنتين فرنسا بركلات الترجيح في النهائي.
تساءل ميسي بعد تلك المباراة التي سجّل فيها هدفين قبل أن يهزّ الشباك في ركلات الترجيح: «ماذا يمكن أن يكون هناك أكثر بعد هذا؟».
وفي تلك اللحظة، حاكى ميسي إنجاز مارادونا في العام 1986، لكن أحداً لا يقدر على مطابقة ما فعله ميسي في برشلونة.
سجّل 672 هدفاً في 778 مباراة مع النادي الكتالوني، وفاز بدوري أبطال أوروبا أربع مرات، والدوري الإسباني في 10 مناسبات.
أصبح الجناح الشاب المندفع والمعرّض للإصابة قليلاً، والذي احتاج إلى برشلونة لدفع تكاليف علاجه بهرمون النمو عندما كان مراهقاً، مهاجماً وهمياً مدمراً، ولاحقاً صانع الألعاب الأفضل في العالم.
بات اللاعب قصير القامة متخصّصاً بركلات حرّة قاتلة، حتى أنه أجهد عضلات رقبته ليسجل هدفاً كلاسيكياً برأسه في نهائي دوري أبطال أوروبا 2009 أمام مانشستر يونايتد الإنجليزي.
بحلول سنواته الأخيرة، أمضى فترات طويلة من اللعب وهو يتجوّل في أطراف الملعب ماشياً، قبل أن تنبض به الحياة.
قال عنه الإسباني بيب جوارديولا، مدرب برشلونة السابق ومانشستر سيتي الإنجليزي الحالي، في ديسمبر الماضي: «لقد قلت مرات عدة، إنه الأفضل بالنسبة لي. لو لم يفز بكأس العالم، فإن رأيي حيال ما فعله من أجل كرة القدم العالمية لن يتغيّر».
وإذا ما كان ميسي في ذروته ساحراً، فإن العامين الماضيين على مستوى الأندية كانا محبطين.
فسجّل 32 هدفاً في 75 مباراة مع باريس سان جيرمان، وصنع عدداً لا يحصى من الأهداف لكيليان مبابي، وفاز بلقبين فرنسيين.
ورغم ذلك، لم يبد أبداً مستقراً تماماً في باريس مع عائلته الصغيرة، ولم يتمكن من رفع مستوى الفريق في دوري أبطال أوروبا.
لقد كان الشعور بأن عبقرياً بات في حالة انحدار، وإن كانت ذروته أعلى من أي شخص قبله.
قال مدرب باريس سان جيرمان السابق كريستوف جالتييه عنه: «كان لي شرف تدريب أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم».