عائض الأحمد
مهما كانت أحلامك وأيا كانت زراعتك فإن لم ترعها وتهيئ لها المنشأ فلن تحصد ثمرها ولن تتلذذ به، الأرض الخصبة مهمة بقدر أهمية الحضن والرعاية والسقيا والنظر ولو كنت بعيدا بجسدك فقريب بكل جوارحك تعطي دون أن تترقب نتيجة تختلف عما توقعت حصاده.
الثمرة الطيبة لن تجد منها إلا الطيب الله سينبتها النبات الحسن في أرض لم تعرف غيرك وإن كان حولك من قد يثير الشبه ولكن الشكل والمذاق وسر النبات لايعلمه إلا من أنبته، في تلك الليلة الظلماء أسريت لها بأنها لك ولن ينازعك فيها أم وأب فحان قطافها دون العودة إلى تلك العادات البالية التي سار عليها أقرانها، مجبرا في لحظات ومتجاوزا في أوقات حسبتها خير حسبة ولم تفرط في جنيها كاملة كأجمل زاد وألذ ميعاد.
لا زلت محتفظا بها أبدية سرمدية توقفت لتبقى هنا، وكأن دقات قلبها مؤشر عطاء لا ينضب، تنشر السعادة من حولك وتظل بأغصانها الوارفة لهيب شمسك وتغطي جسدك في ساعات الوحشة وغدر الزمان أنسه مؤنسه تسر من شاهدها معمرة جذورها في الأرض ورأسها يعانق السحاب، كلما طال عمرها ازدادت نضارتها وطاب أكلها تنشر عطرها الأخاذ دون أن تطلب هبة أو عوضا تعطي دون حد وإن أخذت فروحك ملك لها تمسى وتصبح تنشدها وتطلب ودها، منك أخذت ولك تعطى، لم تتمنى قبلها شيئا كانت الأولى وستظل كذلك في درجات الهيام، مكانتها لن يصل إلى حدها متسلق ولن يخلفها قدر يعصف بذكرى لحظاتها الحانية وثلاثينية قطافها وسط تلك المعاناة التي لا تنسى، أثمري حيث تشاءين، فأنا قاطفك وجامع ما خلفه الريح شتاء أو خريفا أو ليس ربيعك دائم متجدد؟
ختاما: جمالها كالمطر تنشده، وتستظل من بلاله، ثم تتمناه وتعيد الكرة مرات، ظنًا منك أنك تحمي نفسك، فإذا بك ترجوه أن يأتي في أشد أيامك حاجة للماء، تحسبه الشهد فإذا به يفوقه، قطرات فقط تقيم صلبك لا شيء غيرها.
شيء من ذاته: الخطأ خلق مع البشر وليس الصواب، فمن ذاك ولدت الحياة وبهذا تحلو وتستمر.
نقد: ما بين السطور لمن يفهم، وما خلفها ليس بالضرورة أن يأتيك دون أن تبحث في أعماق معجمك.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عربات “جدعون” الغارقة في وحل غزة
الإبادة مستمرة، والموت يتوزع على الأطفال والنساء والعائلات المجوَّعة، ومع ذلك تنهض المقاومة من بين الركام، وتعيد تشكيل المعادلة. في غزة، حيث سقطت عربات “جدعون” في الوحل، وسقط معها وهم القوة والتفوق الإسرائيلي.
رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، العائد من مغامرة عسكرية مع إيران، حاول تصدير صورة المنتصر الذي يفرض وقائع استراتيجية جديدة في المنطقة. لكن الأرض كذّبته، والميدان في غزة قال كلمته. ففي خانيونس، وتحديدًا منطقة معن شرقيها، نفذت المقاومة الفلسطينية عملية نوعية باغتت قوة إسرائيلية، وأوقعت سبعة قتلى بين ضباط وجنود الاحتلال، بينهم عناصر من وحدات النخبة.
الضربة الموجعة لم تكن معزولة، بل جاءت ضمن سلسلة عمليات تصاعدية، بدأت من كمائن الزنة، مرورًا بتفجيرات الزنة والسطر والشجاعية، وجباليا، في مشهد يعكس وعيًا ميدانيًا متقدمًا، وتحولًا في أدوات وتكتيكات المقاومة. لم تعد المواجهة مواجهة قوة أمام ضعف، بل إرادة حقيقية أمام تكنولوجيا مأزومة، وجيش يعجز عن حماية جنوده في أرض تحولت إلى فخ مفتوح. العجز الإسرائيلي اتضح بجلاء؛ فجيش مدجج بأحدث التقنيات، مدعوم استخباراتيًا وجويًا، فشل في الخروج من كمين خطط له شباب لا يملكون سوى أسلحة محلية الصنع ومعرفة تضاريسهم. لقد غرقت ”عربات جدعون” ليس فقط في الرمال، بل في المعنى الرمزي لفشل مشروع الاحتلال في كسر شوكة المقاومة.
نتنياهو، الذي يهرب من أزماته الداخلية بتوسيع رقعة الحرب، بات اليوم أمام مأزق مركّب؛ فلا نصر تحقق، ولا صورة الردع اكتملت، ولا المجتمع الدولي قادر على تجاهل صور المجاعة والمذابح. ومع كل ذلك، ما تزال المقاومة تفرض شروطها، وتعيد ترتيب الأولويات، وتكتب بدمها وكمائنها فصول المواجهة. الخيار اليوم ليس بيد الاحتلال وحده. المقاومة على الأرض، وجمهورها معها، والمعادلة باتت واضحة: إما وقف حقيقي للإبادة والعدوان، وإما استمرار في حرب تستنزف الجميع.
غزة لم تعد مجرد رقم في المعادلة الإقليمية، بل أصبحت الفاعل الذي يُعيد ضبط الإيقاع السياسي والعسكري من قلب الميدان.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني